أخيرًا… لقد هربتُ.
ولحسن الحظ، هذه المرة لم أكن أبدو مثل جثة تمشي كما في المرة السابقة.
بفضل يومين من الحبس، حيث لم أفعل سوى الأكل والنوم والاستحمام، صار وجهي مشرقًا ومتألقًا.
أما أنا، التي استنزفني كايل حتى روحي على مدار يومين، فقد كنت أجر قدميّ متثاقلة وأنا أعبر الحديقة.
يجب أن أمشي بشكل طبيعيٍ… حوالي 100 خطوة أخرى حتى أصل إلى المدخل الأمامي…
… كايل يراقبني.
من خلفي… من مكان ما هناك.
قبل قليل، قال كايل بنبرة متعالية:
– “لن تذهبين؟”
– “أريد أن أرى دخولك.”
– “لماذا العناء؟ لن يستغرق الأمر خمس دقائق من هنا. يمكنكِ الذهاب فقط.”
– “إذا تعثرتِ أو ظهرت أي أعراض غريبة، يجب أن أستأنف العلاج فورًا.”
… أي أنه يريد أن يراني بعينيه وأنا أدخل إلى مدخل القصر بنفسه.
إذن، من المؤكد أنه ما زال هناك في الخلف، يراقبني.
يا للازعاج!
سواء لوقاحته، أو لأنه يقول كلامًا خارج حدود المنطق بلا تردد، إلا أنني أمام كايل تحديدًا لا أجد ردًا مناسبًا أبدًا، لذا بدأت بالتمتمه وانا في طريقي للذهاب.
”هاه! علاج، يقول!”
هل جننت؟
أن أعود لتلك “العلاج” مرة أخرى؟
”يسميه علاجًا، لكنه في الحقيقة ذريعة ليحبَسني مرةً أخرى!”
كايل الآن، في الخلف هناك، واقف ويداه متشابكتان، يتحين الفرصة لينقض عليّ.
لن ألتفت أبدًا.
كم أنا ممتنةٌ لأنه يرى ظهري فقط الآن.
كنت أزم وجهي وأكمل تمتمتي باستياء:
“همف! لن أتظاهر بالمرض أمامكَ مجددًا!”
ثم شددت قوتي في ساقي ومشيت بثبات أكبر.
“حتى لو كنت أتألم، سأتحمل! حتى لو شعرت أنني سأموت، لن أظهر أي علامة!”
إن مرضت مرة أخرى، فسيكون مصيري حياة أشبه بحياة السجناء، منقطعةً عن العالَم الخارجي.
“اللعنة على هوسك السخيف بالنقاء!”
كنت أهذي بما يخطرُ على بالَي.
لقد كتمتُ الكثيرَ على مدارِ يومَين.
في ذلك المكان الضيق الذي لم يكن فيه سواي وسواه، كنت منكمشة تحت شعور غريب بالخوف، فلم أستطع قول ما أريد.
“حقًا… بملامحكَ تلكَ، يبدو أنك تستطيَع سحر أي امرأةٍ… لكنك أعذر؟! يا للمصيبة!”
على أي حال، من المؤكد أن كايل لا يسمعني.
ما لم تكن حاسة سمعه خارقةً للطبيعة، فلن يستطيعَ سماع صوتي من هذهُ المسافةِ.
“سأتأكد من أنني سأكون أنا من يترككَ هذه المرة، كايل هارديون!”
وبينما كان وجهه المزعج يخطر في بالي من جديدٍ، كنت قد قطعت نصف الحديقة.
رفعت بصري إلى الأمام، فوجدت المشهد الذي كنت أشتاق إليه ينتظرني.
إنها هناك… بيتي… منزلي.
كم هو مؤثر!
بقي حوالي 40 خطوة فقط.
حتى مغادرتي لقصر هارديون صباح اليوم، لم أتخلَّ عن توتري لحظةً.
في الحقيقة، حتى في العربة المتجهة إلى قصر فلورنس، كانت يداي تتعرقان.
أليس هو نفس الرجل الذي حبسني ليومين بذريعةِ تشخيص خاطئ؟
لو غيّر كايل رأيه الآن وأمسكني، فسينتهي بي الأمر محبوسةً في غرفتهِ مرة أخرى كحيوان أليف.
كلمات سيد قصر الدوق في قصره تُعتبر قانونًا.
وهذا يعني أنه لم يكن لي أحد يقف في صفي هناكَ.
شعرت وكأني سجينةٌ خرجت للتو بعد خمسَ سنواتٍ من السجن، ورفعت رأسي نحو السماء الواسعة.
كانت صافيةً زرقاء بلا غيمة واحدة.
أغمضت عيني واستنشقت الهواء النقي للحرية بعمق.
ملأت رئتي مرارًا حتى شعرت بصدري ينتفخ.
“هاه… هذا هو… هواء الخارج النقي الذي ينقي حتى رئتي…”
لكن فجأة…
“آنسة!”
قطعت صوت إيميلي المليَء بالحنين والفرح أفكارَي الحالمةَ.
رفعت رأسي، فرأيتها بملابس الخروجِ.
“إيميلي!؟”
ركضت نحوي وهي تمسك بثوبها:
“آنسة! هل أنتِ بخير؟ هل أصبتِ في مكان ما؟”
“… إيميلي.”
“وصلتنا رسالة عاجلة من قصر هارديون تقول إنكِ تعرضتِ لإصابة خطيرة أثناء التنزه، حتى أنكِ لم تستطيعي المشي!”
“…”
صرّت أسناني مرةً أخرىَ.
يا له من رجلٍ وقح!
لم يخطر بباله أن إيميلي ستقضي ليلتين قلقةً عليّ بلا نوم؟
“أنتِ بخير الآن، صحيح؟”
“… أنا بخير.”
كنتُ بخيرٍ أصلًا، فلم يكن هناك إصابةٌ من الأسَاس.
“الحمد لله. في الحقيقةِ، لم أستطع التركيز في عملي، فأرسلت ردًا أطلب فيه المجيء إليكَ بنفسي.”
“… وماذا قالوا؟”
“قالوا إن قَصر دوق هارديون يمنع دخول الغرباء بشدة… وإنهم أوكلوا علاجك لطبيب شخصي بارع، فلا داعي للقلق.”
– “…”
أوه، طبيب بارع، يقول! كلهم متواطئون!
“على أي حال… هل تستطيعين المشي الآن بلا مشكلةٍ؟”
“إيميلي… لقد خُدعنا، كلانا.”
“هاه؟”
نظرت إليّ إيميلي باستغرابٍ.
تنهدت بعمقٍ وتابعتَ:
“كلانا، أنا وأنتِ، خدعنا ذلك الرجل تمامًا.”
“يا إلهي… حتى هذه المرة؟ إذن لم تنجح الخطة؟”
“فشلٌ ذريعٌ. وكنتيجةٍ، قضيتُ يومين محبوسةً في غرفتهِ.”
“يا للمصيبة.”
“إيميلي… هل ما زالتَ هناكَ عربةٌ سوداءَ مخيفةٌ عند البوابة الأمامية؟”
“… نعم، ما زالتَ.”
“إذن هيا ندخل! سنتحدثُ في الداخلِ.”
أخبرت إيميلي بكل تفاصيل يومين من الحبسَ الغريب والقاسي.
“إنه جنونٌ حقيقي.”
لم أرَ إيميلي، التي كانت دائمًا هادئةً وعقلانيةً، تَفقدُ توازنها هكذا من قبل.
لم يُربكها أحد قط بهذه الطريقة… إلا كايل.
“ماذا سنفعل؟ ألم أقل لكِ من قبل إن ذلك الرجل مخيفٌ حقًا؟”
“… لم أكن أعلم أنه بهذا الحد.”
بدت إيميلي قلقةً جدًا.
وضعت يدها تحت ذقنها، وبإصبعها الآخر أخذت تنقر على الطاولة.
“هل… هل أتم هذا الزواج حقًا؟”
“…”
لم تنطق إيميلي بكلمةٍ.
يبدو أنه لم يعد لديها أي حل.
“في النهاية، خسرنا. منذ البداية، لم نكن خصومًا حقيقيين لهُ.”
تمتمتُ بيأس وأنا أرخيت جسدي على الكرسي.
لكن عند سماع ذلك، اتسعت عينا إيميلي فجأةً وكأن شرارة اشتعلت بداخلها.
لمع بريق غريب في عينيها البنيتين، مختلفَ قليلًا عن ذلك الذي رأيته في عيني كايل… لكنه بنفس القدر من الجنون.
“خسرنا؟ نحن؟”
“… ها؟ إيميلي؟ هل أنتِ بخير؟”
تفاجأت من مظهرها الغريب.
جلست مستقيمة مجددًا أراقبها بحذر.
“آنسةِ… في حياتي، لا توجد كلمة اسمها هزيمة.”
شعرتُ منها بعزيمةٍ لم أرها من قبلُ.
كنت أظن أن كل إرادتها قد احترقت ولم يبقَ سوى الرماد… لكنني كنت مخطئة.
“لكننا… لسنا ندًا لذلك الرجل…”
“سأنجحُ… مهما كانَ الثمن.”
تمتمتَ إيميلي بصوتٍ منخفضٍ ووجهها يحملِ ملامحَ قاتمةً.
لا أعرف ما الذي أثارها فجأة، لكن من المؤكدَ أن شيئًا ما في كلامَي ضغَط على زرٍ بداخلها.
“آنسة…”
قالت وهي تحدق بي بعينيها اللامعتين ببرودٍ:
“لقد حان وقتُ المواجهةِ المباشرةِ.”
“المواجهةِ المباشرةِ…؟ ما هذَا؟”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 22"