لقد كنتُ عالقةً في غرفة نوم كايل طوال يومين كاملين.
وكان كايل يقضي كلّ أموره من داخل الغرفة أيضًا.
بمعنى آخر، لم يخرج هو أيضًا من غرفة النوم، تمامًا مثلي.
وكانت حجّته أنّه يريد رعايتي لأنّني مصابة في ساقي.
‘أيُّ رعاية هذه! وهو يعرف تمامًا أنّني أتظاهر بالإصابة.’
أمر بأن تُحضَر وجبات الإفطار والغداء والعشاء إلى غرفة النوم.
بل وادّعى أنّ مفاصلي ضعيفة، وأنّه سيتولّى إطعامي بنفسه.
في البداية، ظننتُ أنّه يمزح.
لكنّه كان جادًّا حقًّا.
“……؟”
“آه.”
“مـ-ما هذا… سأأكل بنفسي. يداي سليمتان تمامًا.”
“لكنّكِ مصابة في ساقك.”
“أنا لا آكل بساقي. ثم إنّني لستُ طفلة صغيرة…”
“أنتِ طفلة.”
“……؟”
“ألستِ أنتِ من طلب منّي إطعامك من قبل؟ أهذا تناقض في الكلام؟”
“آه، حقًّا…! توقّف عن السخرية!”
“ألم يُوصِكِ الطبيب قبل قليل؟”
“…….”
“قال إنّ مفاصلكِ ضعيفة، ولا ينبغي أن تُجهدي نفسك.”
وهكذا، كنتُ أتناول طعامي منه، وأنا متوجّسة ومتوتّرة، أنتظر اللحظة التي قد ينقلب فيها فجأةً.
يا ترى، ما الذي أفعله الآن؟
كنتُ أشعر وكأنّني حيوان مدلّل يلازمه مربّيه طوال الوقت.
ولم يكتفِ بذلك، بل جلب كلّ أوراق العمل إلى غرفة النوم، وبدأ يعمل هناكَ.
أما أنا، فقد ظللتُ ملتصقة بالسرير طوال اليوم، أشعر بملل قاتل.
لكنّني لم أرغب أبدًا في أن أطلب منه أن يُسلّيني، إذ لا يزال الخوف منه يملأ قلبي.
فمجرّد أن أطلب منه اللعب معي، وقد يجعلها اسوء أيامي!
وإذا انقلب فجأة وفعل بي ما فعله ببطلة القصة الأصلية، ولو بقدر أنملة، فستكون كارثة.
لذلك، لم أفعل شيئًا سوى التحديق نحوه بصمت وهو يعمل.
ومع أنّه كان غارقًا في العمل، إلّا أنّه كان يلتفت نحوي فجأة وكأنّه يشعر بنظراتي.
وكلّما تلاقت أعيننا، كنتُ أرتجف لا إراديًّا.
كنتُ أظن أنّني سأعتاد على الأمر، لكن…
كلّ مرّة تلتقي عيناي بعينيه الحمراوين، كانتا تلمعان بشكل دائري غريب.
…… كان ذلك مخيفًا.
لماذا يرسم على وجهه تلك الملامح المرعبة؟
كان ينظر إليّ كما ينظر عالمٌ إلى كائن يجري عليه تجربةً مثيرة.
لكن، في النهاية، لم يكن في هذا المكان سوى أنا وهو.
ولا أدري كيف، لكنّ عينيّ كانتا تنجذبان إليه باستمرار.
وبصراحة، رؤية تركيزه في العمل كانت جديدة عليّ بعض الشيء.
“هل أنتِ تشعرين بالملل؟”
“ها؟!”
“كنتِ تلمحين إلى هنا كثيرًا.”
“نعم، حسنًا. من الطبيعي أن أشعر بالملل، وأنا راقدة في السرير كفأر ميت!”
“همم. لم تعودي تتدلّلين. كنتِ تتصرّفين كالطفلة من قبل.”
“……!”
“أتسمحين أن تفعليها مرة أخرى؟ تلك الحركة المدلّلة؟”
“ماذا تقول؟”
“‘أعطني هذا، أعطني ذاك’… كان ذلك لطيفًا.”
“…… لن أفعل هذا مجدّدًا!”
‘إنّه مجنونٌ بلا شك.’
إنّه ليس طبيعيًّا أبدًا…
تصلّبتُ في مكاني وأنا متّكئة على مسند السرير، ولم أجرؤ حتى على تحريك بصري.
ثم ابتلعتُ ريقي بصعوبة.
كانت ملامحه تشبه ملامح وحش مفترس يتأمّل فريسة حبيسة القفص، في انتظار الانقضاض.
كان وضعنا مختلفًا تمامًا.
هو لم يخرج من الغرفة، لكنّه كان يتحرّك فيها بحرّية.
أما أنا، فكلّما حاولتُ أن أنزل من السرير، كان يردعني بصرامة كحارس يراقب حيوانًا في قفص.
وهكذا، اضطررتُ أن أقضي يومين كاملين على السرير.
وفي الليلة الماضية، جاء هيوغو حاملاً كومة من الكتب تفوق طوله.
فقد أمره كايل بجلب كلّ كتب المكتبة إلى الغرفة، بعدما سمع منه أنّني أحبّ القراءة (وهو خبر خاطئ).
“كايل؟ ما الذي دفعك لإحضار كلّ هذه الكتب إلى هنا؟”
“سمعتُ من هيوغو أنّكِ تحبّين الدراسة.”
“آه…”
“اختاري ما تشائين، وإن أردتِ المزيد فأخبِريني.”
دخل هيوغو الغرفة ووجهه محمرّ من الجهد، وبدأ بفرز الكتب حسب الموضوع، ثم رصّها بجوار السرير في صفّ مرتب.
كان يمسح العرق عن جبينه، ويبدو في غاية الإرهاق.
أما أنا، فشعرتُ بالخجل والحرج.
بينما كايل لم يلقِ عليه حتى نظرة.
ولم يتوقف الأمر هنا.
حين قلتُ إنّني أريد الاستحمام،..
“كايل، أريد أن أستحمّ.”
“حسنًا، هيا بنا.”
“ماذا؟ إلى أين؟”
“إلى الحمام، طبعًا.”
“ولماذا ستأتي أنتَ؟”
“كيف يستحمّ المريض وحده؟”
“يا إلهي، أنتَ مجنون! لا أريد! أنزلني حالًا!”
حملني دون تردّد، وسار بي نحو الحمّام.
لكن، بعد أن رآني أصرخ وأتخبّط في ذراعيه بكل قوتي، هزّ رأسه ووضعني أخيرًا على الأرض.
كانت تلك المرّة الأولى والأخيرة التي أنتصر عليه فيها خلال يومين من الحبس.
أما الأمر الأكثر غرابة…
فهو أنّه كان يعلم تمامًا أنّ إصابتي في الكاحل كاذبة.
ومع ذلك، لم يقترب طوال يومين كاملين.
كلّ ما فعله… أنّه كان، حين يحلّ الليل، يلفّ ذراعيه حولي بإحكام وكأنّني وسادته المفضّلة.
لكن مع كايل، لا يمكن التنبّؤ… فقد يتغيّر في أي لحظة.
لذلك، كنتُ أظلّ يقِظة، متحفّزة، حتى أتأكّد أنّه غارق في النوم.
كنتُ أستلقي مستقيمة، ويداي موضوعتان بهدوء فوق صدري.
أليس هذا هو الرجل الذي كان يتّهمني دائمًا بأنّني أحاول إغوائه؟
لقد حبسني بين ذراعيه، وظلّ يستنشق رائحة شعري وعنقي بعمق.
“إنّكِ تفوحين برائحة طيبة.”
“آه… نعم.”
‘إنّها رائحة الصابون في حمّامك، فحسب.’
وهذا كلّ شيء.
لم أضع أي عطر، ومع ذلك يقول إنّ رائحتي جميلة.
تجمّدتُ تمامًا في مكاني.
لكن، مرّ الأمر بسلام، ولم يفعل أي شيء آخر.
‘لم يفعل شيء للآن…؟ هذا غريب..’
حقًّا… كايل شخص يصعب فهمه.
“إيفلين.”
“نعم…”
“ما رأيكِ أن تبقي ليلة إضافية؟”
“مستحيل… لا يجوز لفتاة غير متزوجة أن تمكث ثلاثة أيام في بيت رجل أجنبي.”
“رجل أجنبي؟”
“أقصد… خطيبي الضمني.”
“أهكذا ترين الأمر؟”
“نعم، حتى لو كان خطيبًا ضمنيًا، فالبقاء ثلاثة أيام كثير بعض الشيء.”
“حسنًا.”
“إذًا، تصبح على خير…”
وبينما انتهى هذا الحوار الخانق، كانت يدَيَّ اللتان وضعتُهما فوق صدري مبتلّتَين بالعرق.
… توتر قاتل.
انتظرتُ أن يصبح تنفّسه منتظمًا، وعندما تأكّدتُ أنّه غرق في النوم، شعرتُ بالراحة وسمحتُ لنفسي بالنوم.
ورغم أنّ نومي كان خفيفًا بفعل القلق، لم يحدث أي شيء، ولحسن الحظ.
بعد يومين من الحبس في غرفته، عزمتُ قراري مجددًا.
لا بدّ أن أتخلّص من كايل.
لقد اختبرتُ جيدًا خلال هذين اليومين كيف تكون الحياة كحيوان مدلّل في قفص.
وأخيرًا، انتهت هذه الفترة.
اليوم هو يوم هروبي من غرفة نوم دوق هارديون.
لكن فجأة، شعرتُ بالقلق.
هل من الممكن أن يغيّر كلامه الآن، ويقول إنّ عليّ أن أبقى أيامًا أخرى للعلاجِ؟
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 21"