“أَنْزِلْني! أُهينْغ، أَنزلني بسرعة!”
“بِهُدوء. سَتَسقُطين.”
قام بِتَعديل وقفته، ثمّ أنزلني على الأرض بِحذر.
ركضتُ في المسار كما لو أنّي مُهرة جامحة، أُثيرُ الفوضى.
كطفلة تركض في المطعم دون أنْ تُصغي لِوالديها.
“إيفلين. سَتُصَابين.”
“هُه! لا تُدخِلْ نفسك! هَذا شأني!”
بدأتُ أفتعل المشاكِل وأركضُ في كُلّ الاتّجاهات بِصَخَب.
لمّا التفتُّ نحوه، وجدته يُراقبني بصمت، وذراعاهُ مُتقاطعتان.
كانت نَظرته تقول: ‘لِنَرَ إلى أيّ حدٍّ ستتمادين.’
‘هوهو، سَأريك ما هو أبعد من تَخيّلك.’
“آآه!”
بَفْ!
تَظاهرتُ بأنّي لَوَيتُ كاحلي وسَقَطتُ مع تَنهيدة مُبالَغ بها.
“تَبًّا، إيفلين!”
ارتفع صوتُه فجأة.
وسُمِعَ صوتُ خُطاه العَنيفة يقتربُ مِن خلفي بِسُرعة.
‘الدّموع! عليَّ أنْ أُخرج الدّموع الآن!’
قَمْتُ بتَجعيد حاجبيَّ وفَتحتُ عينيَّ على اتّساعِهما وأنا أضغطُ عليهما بقُوّة.
ولِحُسن الحَظّ، دخلَت حبّات لُقاحٍ إلى عيني، فتَذَرَّرت قليلاً.
“دعيني أرى.”
اقتربَ منّي بسرعة، وانخفضَ على رُكبَةٍ واحدة وأمسك كاحلي يُفَحّصه من كلّ جهة.
“تَبًّا… أخبرتُكِ أنْ تَكوني حذِرة.”
كانت تَنهيدتُه مَشحونةً بالقلق، وربّما حَملَت بعض الشّتائم.
إنّه الوقت المُناسب.
“هُه، هُهآآنغ…”
“……”
“آهه، يُؤلمُني! هُنا يُؤلم بشدّة! هُهآآآنغ…”
“هل يُؤلِمُكِ كثيرًا؟”
“نَعَم! هُهينغ… لا أستطيعُ المشي… احمِلْني الآن…”
بذلتُ قُصارى جهدي.
“سَنَعود إلى الدّاخل أولًا.”
“نَـ، نَعود؟ إلى أين…؟”
مدَّ كايِل يديه تحت ظهري وركبتيَّ، ورفعني فجأة.
وبِسبب المفاجأة، لَفَفْتُ ذراعيَّ حول عُنُقهِ تلقائيًّا.
“يَجب أنْ أُعاين الإصابة. تَحمّلي قليلًا، وإنْ كان الأمر مُؤلمًا.”
“آآه…”
ردّة فِعل كايِل كانت أَكثَرَ حِدّةً مِمّا تَوقّعت.
عبسَ بِحِدّة، وحتّى أنّه تَفوّهَ بِشَتائم.
بدا أنّه خافَ كثيرًا، لِذلك لَم أَستطع أنْ أُقاطِعَه.
لِلحظةٍ، شَعرتُ بالذّنب لِكذبي.
* * *
إنّه حِسابٌ خاطئ.
‘كُنتُ أُحاوِل تَجنُّب الدّاخل قدر الإمكان، خاصّةً بعد ما حَدث في غرفة النّوم والمكتب المَرّات السّابقة…’
كنتُ مُستلقيَةً على أريكة غرفة الاستقبال، أُحدّقُ في الفراغ بِندم.
لم يَمرّ وقتٌ طويل حتّى عاد كايِل بعدما غادر.
اقتربَ خُطوةً مِن الأريكة وقال:
“لقد استدعيتُ الطّبيب.”
“ا-الطّبيب؟”
“نَعَم. طبيبي الخاصّ سيصلُ قريبًا.”
‘مـ، مـا هذا الجنون؟ ماذا سأفعل؟’
لو فَحصني الطّبيب، سَتنكشف كذبتي فورًا!
“لا، لا داعي لِكُلّ ذلك… أَستطيع الرّاحة في البيت فقط، وسأكون بخير،”
“لا يمكن. قد تتفاقم الإصابة إنْ أَهملناها.”
“……”
رَفعني مرّةً أخرى.
“إلى أين؟”
“إلى غرفة النّوم. ستكون أكثر راحةً هناك.”
“آآه…؟”
أحقًّا كُلّ هذا لأنّي لويْتُ كاحلي قليلًا فقط…؟
وعندما وَصلنا إلى الغرفة، وَضَعني كايِل بِحذر على سريره.
“هَـ، هَي… أَنا الآن فعلاً بخير،”
“لقد بَكَيتِ مِن شدّة الألم، أليس كذلك؟ لِذا، انتظري قليلًا. سَأجعل الأمر لا يُؤلمكِ بعد الآن.”
وبنَبرةٍ هادئة، طَبَعَ قُبلةً خفيفةً على جبيني وغادر الغرفة.
يبدو أنّ الطّبيب قد وَصَل.
تمدّدتُ بِهدوء، وبدأتُ أُراقب الغرفة الجَديدة بِزَوايا عيني.
عضَضتُ شَفَتي بِتَعبيرٍ مُنزعج.
‘هااا… لِمَ أشعُر بِهذا القلق؟’
بدأ القَلَق يُساورني، فَوضعتُ كفّيّ على بطني وبدأتُ أُحرّكهما بِعَصبيّة.
عندها، سَمِعتُ أصوات أقدامٍ عدّة تَقترب من الباب.
يبدو أنّ كايِل كان يتحدّث مع رجلٍ في الخمسين من عُمره، شَيبُ رأسه واضح.
الرّجل الذي كان معه يرتدي نظّارةً أحاديّة بِإطارٍ رَفيع.
وكان وجهُه مَحفورًا بِتجاعيد السّنين.
‘لا بُدّ أنّه الطّبيب الخاصّ.’
تَبَعث منه هَيبةُ الخُبراء ورائحةُ المحترفين.
‘لا مَفرّ، سَتنكشف كذبتي بالتّأكيد. ماذا أفعل؟’
ازداد قَلَقي، وأَصبحتُ أُدلّكُ أَطرافَ أصابعي باضطراب.
كانَت يَداي باردتين مِن شدّة التوتّر.
اقتربَ الطّبيب من سريري وقال:
“سأُفَحّصكِ قليلًا، آنِسَتي.”
“نَـ-نَعم…”
مددتُ كاحلي بِطَواعيَةٍ كَخَروفٍ مُسالم.
بدأ الطّبيب يُفَحّص كاحلي بِحذر، يُحرّكه بِبطء ويَضغط بِخِفّة.
ثمّ أطلق تَنهيدة خفيفة وقال:
“حالتها؟” سَأل كايِل، وكان واقفًا بذِراعَين مُتقاطِعتَين.
“لا يُمكنها المَشي حاليًّا.”
ماذا؟
‘ما هذا الطّبيب الفاشل؟!’
اعتدلتُ فجأة وسَنَدتُ جَسدي على كوعَيَّ.
… لكن مَن تَصرّف كالأطفال وبكى لِأنّه لا يستطيع المشي، كُنتُ أنا.
لِذلك، لم أكُن أملكُ حُجّة.
ضَيَّقتُ عينيّ وأَخذتُ أُحرّك كاحلي يمينًا ويسارًا بِعناد أمام الطّبيب.
‘لا تَكذب! أَلا تَرى؟ أَنا بخير تمامًا!’
لكن نَظراتي القاسية لم تَصِل إليه.
بَقي يُراقب كاحلي بِوجهٍ جِدّي، وقال:
“يُفَضّل أنْ تَتَجنّبي الحركة تمامًا. عِظامكِ رَقيقةٌ وهشّة، والضغطُ على الكاحل قد يُسَبّب تدهورًا في الحالة.”
لا… ما هذا؟
أَنا على وَشك العودة إلى البيت…
بدأت الأمور تَأخذ مَنحًى غريبًا.
مددتُ يدي قليلًا نحوهم وقلت:
“أَصلاً، في الحقيقة، ليست الحَالة بذلك السّوء،”
“بِصِفتي الطّبيب الخاصّ لِعائلة الدّوق مُنذ سنوات، أَرى أنّ مِن الأفضل أنْ تَبقَي طريحة الفراش يَومًا أو يَومَين. السّكون التّام أهمّ شيء، يا سيّدي الدّوق.”
فراش؟
“كما تَوقّعت.”
ماذا تعني “كما توقّعت”؟!
دار حوارٌ قصيرٌ بين كايِل والطّبيب، وكِلاهُما بِوجهٍ جادّ.
‘ما الذي يَتَحدّثان عنه؟’
أرهفتُ أُذُنيّ، لكن صَوتيهما كانا خافتَين ولم أَستطع سَماع شيء.
حاولتُ التّصنّت بِطريقةٍ لا تَلفت الانتباه، لكن الحوار انتهى.
“سَيّدي الدّوق، سأَغادر الآن.”
لا، لا تَذهب!
هَذا تَشخيصٌ خاطئ!
نَاديتُه بِرجاءٍ وأنا أَمدّ يدي نَحوه، رَفعتُ جُزءًا مِن جسدي أيضًا.
“أَيُّها الطّبيب…!”
“شُكرًا لَك.”
“سـ-سيدي…”
لكن صَوتي الهامس غَرِقَ في صَوت كايِل العَميق.
أَلقى الطّبيب التّحيّة على كايِل ثمّ غادر الغرفة.
‘طَق.’
أُغلِقَ الباب بإحكام.
ولَم يَبقَ في الغرفة سِوانا.
تُب، تُب، تُب
اقتربَ كايِل بخُطًى بطيئة وثقيلة، وجَلسَ على حافّة السّرير بجانبي.
وأخذَ يُراقبني قليلًا وكأنّه يُلاحظ ردّة فِعلي.
يَومٌ أو يومان مِن دون مشي؟
أيّ نوعٍ من الأطبّاء هذا؟ لا يوجد حتّى تورّم!
‘أجل. يَجب أنْ أَقول له أنني أُريد العودة الآن—’
لكن فجأة، انحنى كايِل نَحوي.
تَقدّم بُشكلٍ مُباغِت، فانسحبتُ إلى الوراء بِردّة فِعل.
لكنّ المسافة بَيننا كانت قد اقتربت بالفعل.
رائحته غَمرَت أَنفاسي.
وكانت نظراتُه غريبة.
تلك العيونُ الحَمراء تَلمعُ ببريقٍ بارد، وتَحملُ شيئًا مألوفًا.
انكمشتُ لا إراديًّا.
وبدأ عَرَقٌ بارد يَنسابُ على ظهري.
راحت كَفاي المُتَشبّثتان تَعرقان أيضًا.
وكأنّ الزّمن توقّف.
في تلك السّكوت المُرعِب، بَدأت أَبتلع ريقي بِصُعوبة.
ومرّر كايِل ظَهرَ كفّه بِبُطء شديد على خَدّي، وقال:
“ماذا أفعل، إيفلين.”
“……”
“قال: لا تُخرِجْها مِن السّرير ليومٍ أو يومين.”
“……”
“يَجِبُ أنْ نُطيع الطّبيب، أليس كذلك؟”
كان صَوتُه هادئًا… لكنّه باردٌ بشكلٍ مُخيف.
كَأنّه يُخفي شَيئًا مُقلقًا.
مَع نَظراتِه، كان يَحملُ بين كلماته: تَوقُّعًا غريبًا.
شَعرتُ أنْفاسي تَضيق، وعَرَقي يَزداد.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 20"