“والآن، ما التالي؟”
دوّى صوتُ كايل العميق كصدى كهفٍ ممتزجٍ بأنفاسه عند أذني.
لشدّة قُرب المسافة، بدا كأنّه يهمس مباشرةً في أذني.
تسلّل صوته العميق إلى أعماق أذنيّ.
شدَّدتُ قبضتي على ملابسي ، بينما عانقت يدهُ خصري.
لذا، في كلّ مرّة يتكلّم فيها، أو حين تتحرّك يدُه قليلاً، كنت أرتجف لا إراديًّا.
‘لِمَ هو مُثير للدغدغة إلى هذا الحدّ؟ سَأُجَنّ!’
ومع ذلك، يجب أن أظلَّ متيقّظة. أنا اليوم طفلة.
طفلة تُلحّ وتُسبّب المتاعب.
“أُمم، هـنـاااكَ… شرائح اللّحم البقريّ!”
“حسنًا.”
لا يُطاق حقًّا.
في كلّ كلمةٍ ينطقها، أشعر أنّه عذابٌ لا يُحتمل.
لو لم تكن جُمل الرواية الأصلية عن كونه السيكوباتيّ المظلم تُسيطر على عقلي، لَكُنتُ انسحبتُ منذ زمن.
مدَّ ذراعه الطويلة والقويّة، ثمّ غرز الشوكة في شريحة اللّحم البقريّ التي كان يحملها.
ثمّ دفعها بين شفتيّ، وأنا جالسة على ركبته.
بينما كنت أمضغ قطعة اللّحم التي ملأت فمي، خطرت لي فكرة:
‘غريب… هذا الرّجل، يتحمّل أكثر مما كنتُ أظنّ؟ كان يجب أن يبدأ بالتّفاعل الآن…’
فقد شعرتُ بخيبة أمل.
لِمَ لا يُبدي أيّ ردّة فعل بعد؟
قبل قليل فقط…
“ماذا تُريدين أن تأكلي، إيفلين؟ هاه؟ ماذا تُريدين؟”
حين سألني كايل هكذا، أجبتُه:
“همف! أُريد الحَلوى أوّلًا!”
“حسنًا، كما تُريدين.”
“إذًا، خبز باغيت!”
“… خبز باغيت؟”
“نَعَم! بسرعة! أُريدهُ دافئًا!”
“شيءٌ دافئ.”
“نَعَم! أعطني إيّاه حالًا! هممم، أنا جائعة!”
واصلتُ الإلحاح والتمثيل حتى النّهاية.
نظر إليّ كايل، الّذي طلبتُ منه “خبز باغيت دافئ”، وضحكَ بسخريةٍ.
حسنًا، كان من الطّبيعيّ أن يجده أمرًا مُضحكًا.
شخصٌ بالغٌ مثلي يتصرّف كطفلةٍ مدلّلة على طاولة الطّعام، دون أيّ احترام أو ترتيب!
لكن، كما وعدتُ إيميلي، لن أتصرّف بضعف أو تردّد.
بما أنّني بدأتُ هذا، فلا بُدّ أن أُكمله كما يجب.
وقد قطعتُ وعدًا هذه المرّة بأصابعٍ متشابكة.
أن أُجبر كايل على الانفصال عنّي.
وكانت إيميلي أيضًا تتمنّى من كلّ قلبها أن أنفصل عنه.
سأبذل قصارى جهدي وأتصرّف وكأنّي بلا لسان.
“ماذا بعد؟”
“شوربة الكريمة! أُريد شيئًا ناعمًا!”
أخذ الملعقة الآن، وغرف بها من شوربة الكريمة، ثمّ قدّمها بين شفتيّ.
كنتُ أستقبل الطعام ببجاحة، تمامًا كفرخٍ صغيرٍ يُطعمه والداه.
‘هل هذا صحيح؟ لِمَ ردّ فعله باردٌ إلى هذا الحد؟’
بدأ الأمر يُقلقني.
هل يُعقل أن هذا الرّجل الذي قالوا إنّه انفصل عن حبيبته في دقيقتين، يكون ردّه هكذا؟
‘لكنّه لم يُظهر أيّ انزعاج حتّى الآن، ولم يغضب أيضًا.’
بل إنّه لم يتناول طعامه، وانشغل بإطعامي وأنا جالسة في حضنه.
‘لكن… أليس كايل جائعًا؟ أنا وحدي مَن يأكل.’
رغم أنّ هذه خُطّة لإغاظته، فإنّ شعورًا بالذّنب بدأ يتسرّب.
نظرتُ إليه بحذر وسألتُه:
“كايل… ألن تأكل؟”
فابتسم قليلًا، واقترب من أُذني وهمس:
“هل ستُطعمينني أنتِ؟”
“لا!”
قفزتُ رفضًا وهززتُ رأسي بشدّة، ثمّ استجمعتُ عزيمتي من جديد.
تذكّرتُ أنّ إظهار اللّطف الآن لا يُفيدني في شيء.
سمعتُ من والديّ أن الرّجال يُحبّون المرأة المُراعية.
وهذا يعني، أنّه يجب أن أتخلّى عن الرّفق أمام كايل تمامًا.
‘لكن ماذا أفعل؟ لقد شَبعتُ بالفعل.’
يبدو أنّه لن يستسلم حتّى أُنهي كلّ ما على المائدة.
ربّما حان وقتُ الانتقال إلى الخطوة التّالية.
“لن آكل بعد الآن! شَبِعتُ!”
“لم تأكلي كثيرًا بعد.”
“لا أُريد! لن آكل! لا أشتهي شيئًا بعد الآن!”
بدأتُ أتمرّغ في حضنه وأنا أُصرّ بشدّة.
يُضغط بقوّة على فخذه العريض والصلب.
وعندما بدأتُ أتحرّك فوقه بتهوّر، أمسك خَصري بكلتا يديه.
“توقّفي. ستسقطين.”
“لا يهمّني! فلنذهب الآن! لم أعد أُريد أن آكل! لقد شَبِعتُ!”
لم أُبالِ بكلامه.
وبقيتُ أُقاوم كطفلةٍ شقيّة، وأنا جالسة فوقه.
عندها…
‘طَخ.’
فجأة، أسندَ كايل جبهته برفق إلى مؤخرة رأسي.
ثمّ قال:
“أرجوكِ.”
“…….”
“هلّا هدأتِ قليلًا؟”
كان صوته بعكس ما اعتدتُه، هادئًا متأوّهًا، وكأنّه يُحاول كتمَ غيظه.
بفعل أنفاسه الحارّة على عُنقي، ارتجفَ جسدي من جديد.
وشدَّ قبضته على خصري أكثر فأكثر.
ارتبكتُ للحظة من نبرته المُهدِّدة.
انتظر، أهذا يعني… أنّه غَضِب؟
هذا بالتّأكيد مؤشّرٌ جيّد.
يبدو أنّه بدأ يقترب من حافّة الغضب.
كنتُ أشعر بالذّنب لأنّه لم يأكل شيئًا، لكن لم يكُن أمامي خيار.
قرّرتُ أن أتمادى أكثر.
“هُووه، خذني إلى الخارج! لم أعد أحتمل هذا المكان!”
“سأطلب تجهيز العربة، إذاً—”
“لا أُريد العربة! أُريد كاكاو! أُريد شيئًا حُلوًا! لن أَشرب إلا كاكاو!”
فالأطفال يُحبّون الحلوى دائمًا.
قاطعتُه دون أدب، وتذمّرتُ مجددًا.
“حسنًا، إذًا.”
قالها وهو يُنزِلني إلى الأرض.
“آه! ثوبي تَجعَّد! نَظِّفْه لي!”
أشرتُ بأصابعي إلى ثنيّة في ثوبي، وأنا أنظر إليه.
فهو لم يقل شيئًا، واكتفى بنفضِ الثوب عنّي.
‘هذا لا يُطاق حقًّا… إنّه أمرٌ مُرهق.’
أحسستُ أنّني فقدتُ نصف ذاتي.
‘مهلًا، عندما أنظر إليه عن قُرب… يبدو وجهُه متجمّدًا تمامًا؟’
بل وصوتهُ أيضًا بدا أكثر خُفوتًا من المعتاد.
“إذًا، اتَبِعيني بهدوء.”
وفي لحظة، وبينما كان يتقدّم، لمعتْ في رأسي كلمات إيميلي.
“تعلّقي به بشدّة.”
“اطلبي منه كلّ شيء. مثل أن يُطعمك، أو أن يحملك إن ادّعيتِ التعب. فقط، أطلبي منه كلّ شيء!”
“هيييييه! أحمِلنِي!”
لم أُصدّق أنّ هذه الكلمات خرجتْ من فمي. شعرتُ بالغثيان، لكنّي تحمّلت.
‘كايل، أعتذرُ إن أزعجتُكَ. لكنّي أنا نفسي أُعاني.’
لكن لا بُدّ من فعلها.
عضضتُ على شفتي، وحافظتُ على تماسك الدّور.
توقّفَ فجأة، ثمّ استدار ناحيتي بسرعة.
“أحملكِ؟”
كان يَضيق عينيه، وجبهته معقودة بغضب.
تنفَّسَ بقوّة، وكأنّه يتنهّد وهو يَنظر إليّ بامتعاض.
ثمّ اقترب خُطوةً بخطوة، وبدا عليه انزعاجٌ شديد.
“هل تشعرين بعدم الرّاحة؟”
“… لا.”
حملني دون اعتراض.
أسندتُ نفسي إلى ظهره العريض، وأخذتُ أتأمّل الموقف.
وجهُه لم يكن جيّدًا، وصوتُه بدا أعمق من المعتاد، لذا ظننتُه غاضبًا.
‘ما هذا؟ ظننته غاضبًا بالفعل هذه المرّة.’
هل ما زال ما قُمتُ به غير كافٍ…؟
تدلّتْ ساقاي في الهواء بينما كنتُ متشبّثةً به، وبدأتُ أُحرّكها لأعلى وأسفل.
“آااه! لا أُريد كاكاو بعد الآن! غيّرتُ رأيي!”
“وماذا إذًا؟”
“نَلعَب! لا أُريد البقاء في الداخل، أشعر بالاختناق!”
“حسنًا، سنذهب إلى الحديقة.”
“نعم!”
حقًّا، أشعر أنّني سأَتقيّأ. وفي الوقت نفسه، شعرتُ بمرارةٍ داخليّة.
فبعد ساعاتٍ من استخدام صوت الطّفل المكسور، صار يخرج تلقائيًّا.
أنا نفسي أشعر بالاشمئزاز من نفسي، فهل هو لا ينزعج من هذا أبدًا؟
أخلطُ الكلام العاديّ بالتدللِ، وأتكلّم كطفلة، وأتذمّر.
لا يُمكن أن يكون هذا طبيعيًّا بالنّسبة له…
أترى، أهو يملك مِعدةً قويّة بقدر ما جسدهُ صلب؟
بينما كنتُ أُسند وجهي على ظهره، أفكّر في الخُطوة القادمة…
“لقد وصلنا.”
رفع رأسي على الفور عند سماع صوته.
“واو…”
انفتحَ فمي من الدّهشة.
كنتُ أظنّ، حسب شخصيّته، أنّه لا يهتمّ بمظهر القصر.
لكنّ الحديقة كانت تنقسم حول ممرٍّ رئيسيّ، يمينًا كانت مزروعةً بالورود، ويسارًا بالتّوليب.
ألوانها الزّاهية كانت مُبهرة إلى حدٍّ لا يُصدَّق، ممّا جعل عينيّ تتّسعان دهشةً.
‘جيّد. حان وقت البدء.’
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 19"