“أعتذرُ عن التَّأخير، يا صاحب السُّموّ!”
فتحَ هيوغو بابَ مكتب الدّوق بقوّة. وبالطّبع، كان المكتب خاليًا.
بدأ يمشي بخطًى قلقة، ثمَّ تنهَّدَ عندما شمَّ رائحة الفراولة الخفيفة التي ما زالت تَعمُّ أرجاء المكتب. كانت رائحة إيفلين.
“اللعنة، لقد تأخَّرتُ.”
كان يحمل في يده جرعةً أرجوانيَّة.
كانت مَثبِّطًا وصفه الطبيب الخاصُّ لكايل سرًّا، بعدما رأى وجهَ إيفلين شاحبًا إلى درجة مثيرة للقلق قبل أيّام قليلة.
لكن بسبب زيارتها المبكِّرة قليلًا، فإنّ صاحبة الجرعة كانت قد غادرت المكتب برفقة كايل بالفعل.
كنتُ قد وصلتُ لتوِّي إلى قاعة الطعام. ونظرتُ بطرف عيني إلى كايل الواقف بجانبي وأنا أفكِّر:
‘…كيف عَلِمَ أنْ يُحضِّر الطَّعام؟’
هذا ليس ما كنتُ أتوقّعه.
لقد وضعتُ سيناريو مُسبَقًا في ذهني، وكان على النحو التالي:
1. أقتحم مكتبه فجأة وبدون استئذان.
2. أُطالبه بالطعام ما إنْ أرى وجهه. كما يفعل الأطفال.
3. كايل يردُّ بإحراج قائلًا إنّ الطّعام لم يُجهَّز بعد.
4. أواصل الإلحاح عليه وأتدلَّل كطفلة مدلَّلة.
5. كايل يُقطِّب حاجبيه ويتنهَّد بضيق.
6. يصرخ في وجهي ويأمرني بالخروج فورًا.
7. ثمّ يصلني إشعار بفسخ العقد.
كنتُ أتوقّع شيئًا كهذا.
لذلك جئتُ مُتمرِّنةً جيِّدًا على مشهد التّدلُّل المستمرّ من أجل الطّعام رغم انشغاله…
لكن لا بأس. ما زال لديّ كثير من الأوراق لألعبها.
‘لو كنتُ سأتراجع هنا، لَما بدأتُ أصلًا.’
هذه هي المرّة الأولى لي في قاعة طعام قصر دوق هارديون.
وقد بدت كأنّها قاعة مأخوذة من أفلام الفانتازيا التي رأيتُها في حياتي السّابقة… لم أستطع أن أُبعد ناظري عنها.
كانت فاخرة ومهيبة بشكل غريب يُذهل العقل.
بدأتُ أُشاهدُ جوانبها وأنا أنظر بخلسة.
‘لا، ليس وقت هذا الآن.’
‘ركِّزي، إيفلين!’
“يُمكنكِ الجلوسُ هنا.”
سحبَ لي الكرسيَّ بنفسه.
آه، كنتُ أنوي التَّدلُّل عليه ليفعلها، لكنّي فشلتُ في هذه أيضًا.
“هُمف! حسنًا إذًا!”
جلستُ فجأة على الكرسي، كأنّني فتاة مُدلّلة تُدير وجهها بانزعاج.
وبينما كنتُ أراقبه خفيةً، رأيتُ زاويةَ فمه تميل بانحراف.
ضحكَ بخفّة، ثمّ جلسَ في المقعد المقابل لي.
‘هُمف. سنرى إلى متى ستظلُّ تبتسم هكذا.’
عن قريب، سيغضب بشدّة ويصرخ بي قائلًا: اخرجي حالًا!
بدأتُ أُردِّد في رأسي المواقف المحتملة والجُمل المُناسبة لها.
‘إذا كان قد حضَّر شريحة لحم، سأطلب شواء باربيكيو بدلًا منها.’
ممتاز.
بدأت السّيناريوهات والتّفاعلات تترتّب بوضوح في ذهني.
تعب كلّ تلك اللّيالي التي قضيتها أتدرَّب مع إيميلي لم يذهب سُدًى.
ثمَّ أحضر الخدم الطَّعام.
‘عندما نظرتُ إلى جداول وجبات كايل، بدا لي أنّ القوائم بسيطة ومحدودة، لذا لا بدّ أنّ هناك أشياء غير موجودة.’
ولكن…
“لأنّني لا أعرف ماذا تُفضّلين،”
“……”
“طلبتُ منهم أن يُحضّروا جميع الأصناف.”
“…رائع حقًّا…”
إنْ لم أكن مُخطئة، فقد كانت كلُّ أصناف الطعام في الإمبراطوريّة موضوعةً أمامي.
لم يَكُن هناك فراغٌ واحد على الطاولة.
أنواع من الطّحالب البحريّة، ومختلف أنواع اللحوم، وسلطات متعدّدة منوَّعة.
وأنواع متعدّدة من الحساء أيضًا.
بينما كنتُ أحدِّق في الطاولة المُمتلئة كُلّها، حاولتُ عبثًا أن أُفكِّر في صنفٍ ناقصٍ ولكنّي استسلمتُ سريعًا.
أمسكتُ بالشّوكة دون أن أُلقي تحيَّة الطَّعام أو أقول أيّ شيء.
ثمّ قلتُ ببرود:
“هُمف! إنّني جائعة، لذا سأبدأ بالأكل أوّلًا!”
“حسنًا.”
أجابني بارتياح رغم وقاحتي.
سأجعلُ هذا الوجه الهادئ يَتغيَّر لا محالة.
ما إنْ بدأتُ بتناول الطّعام، حتى أمسكَ هو الآخر بالشّوكة والسّكّين بعد لحظات قليلة.
‘ما هذا؟ لماذا هو وسيمٌ هكذا؟’
كان كايل يُقطِّع شريحة اللّحم بوضعيّةٍ مستقيمة وأنيقةٍ.
‘واو، الأوردةُ في يده!’
لم أكن قد دقّقتُ فيه جيِّدًا من قبل بسبب انشغالي، ولكنّ الأوردة البارزة على ظهر يده كانت ملفتة.
‘يداه ضخمتان. بحجم وجهي تقريبًا.’
حدّقتُ فيه للحظةٍ كأنّني مسحورة.
‘إنّه فقط يُقطِّع شريحة لحم، لكنّي أُريدُ أن أطلبَ إذنًا وأُصوِّره وأحفظه. حتّى طريقة استخدامه للسّكّين تبدو كأنّها من فيلم.’
“…هاه…”
“ماذا هناك؟”
حينها، أمال كايل رأسه قليلًا ونظر نحوي.
أوه لا، لقد أمسكني وأنا أحدِّق فيه بذهول!
“هُمف! لا شيء على الإطلاق!”
أجبتُه بنبرة منزعجة كأنّي طفلة تدلَّلت.
لكن يبدو أنّني لم أكن مُقنعةً بما يكفي، لأنّه واصلَ تناول طعامه بهدوء.
‘حسنًا. يبدو أنّه حان وقت استخدام ورقة التّدلُّل.’
الورقة التي قضيتُ وقتًا طويلًا أُدرِّب عليها مع إيميلي.
حتّى الآن كنتُ أُركِّز على التّذمُّر، لكن رُدود فعله كانت باردة كالصَّخر. لا بدّ من إضافة بعض الدّلال الآن.
‘دعيني أُجرِّب نبرة الطّفلة المدلّلة.’
“كايل!”
“نعم.”
ردَّ عليّ ببراعة وهو يُقطِّع شريحة اللّحم.
“أُريد أنْ أجلس بجانبك يا كايل~!”
في تلك اللحظة، اتّسعت عيناه قليلًا. وكأنّه أراد قول شيء لكنه كتمه.
لا بدّ أنّه شتيمة، أليس كذلك؟
ما مِن أحدٍ يستطيع تحمُّل هذا الدّلال في أيّ حياة كانت.
‘ممتاز، هذا هو الوقت المناسب.’
تجاهلتُ ردَّة فعله، وهرعتُ لأجلس بجانبه دون أيِّ احترام.
ثمّ أدرتُ وجهي ناحيته وقلت:
“أُريد أنْ آكل هنا! بجانب كايل هو الأفضل~!”
“…حسنًا.”
بدا وكأنّه يبتسم عن مضض، فقد ارتعشت زاوية فمه قليلًا.
جيد. الأمور تسير كما خطَّطتُ لها.
أسرعتُ بطَعن قطعة من شريحة اللّحم، ثمّ مددتُها نحوه لأُطعمه.
“كايل، قُل: آ~ا!”
في تلك اللحظة، ارتسم خطّ رفيع على جبينه الأملس.
‘آه، يبدو أنّه فعلاً يكرهُ هذا. ماذا أفعل؟’
ابتهجتُ في داخلي.
رؤية هذا التّعبير من شخصٍ لا يغيّر ملامحه أبدًا يعني أنّه…
‘بدأ يشعر بالضيق.’
“آ.”
تلقَّى قطعة اللّحم مكرهًا، ثمّ عاد بهدوء إلى تقطيع شريحته وكأنّ شيئًا لم يكن.
حتّى وإن تظاهر بأنّه عادي، فقد رأيتُ بريقًا حادًّا في عينيه للحظة.
الآن هو وقت الهجوم.
أمسكتُ بذراعه وبدأتُ أهزّها.
“الآن دَورُكَ تطعِمَني، حبيبي~!”
آه، لم أكن أنوي قول كلمة “حبيبي”! لقد التصقت بي بسبب التّدريب مع إيميلي!
سارعتُ لرفع صوتي كي أُخفي زلّة لساني.
“هِيييه، أنا أطْعمتُك، صحيح؟ كايل أيضًا يجب أنْ يُطعِمَني!”
عبستُ بشفتيّ كأنّي غاضبة، وبدأتُ أُتدلّل بصوتٍ طفولي.
في تلك اللحظة، توقّف عن تقطيع الطّعام.
ووضع يديه على الطّاولة بتعب.
‘أوهه! بدأ يظهر عليه الضّيق؟’
كتمتُ ابتسامة كانت تُوشك أن تخرج منّي.
ثمّ نهض من مكانه، وسحب كرسيّي بقوّة.
ووضع يديه على مساند الكرسيّ، حاصرني بينهما.
“تُريدين أنْ أُطعِمَك؟”
مـ-مهلًا. نظرته مُرعبة قليلًا…
‘هل هو غاضب فعلًا؟’
لكنّني لم أُظهر خوفًا، وتجمّعتُ على شجاعتي. إن أردتُ أن أجعله يكرهني تمامًا، فيجب أن أُكمل الهجوم.
لقد أبلَيتُ حسنًا حتى الآن، لا يُمكنني التراجع.
“نعم!”
ابتسم بسخرية، ثمّ اقترب منّي أكثر.
وبعكس قراري السابق، انكمشتُ لا إراديًّا إلى الخلف.
“آخ، لـ-لكن هذا، قريبٌ جدًّا…”
اقترب منّي فجأة، فغمضتُ عيني وأدرتُ رأسي.
‘لا يُمكنني الابتعاد أكثر بسبب ظهر الكرسي!’
ثمّ أمسكَ ذقني بلطفٍ ورفعهُ.
فتحتُ فمي لا إراديًّا قليلًا.
‘مـ-ما هذا… ماذا يفعل؟’
توقَّف نفسي للحظة وأنا لا أفهم ما يحدث.
كانت نظراته حالمة كأنّه مخمور.
ونظرته وحدها كانت كافية لتُسحرني بدوري.
وحين تلاقت أعيننا، سألني:
“ما الذي تُريدينه أن أُطعِمَك إيّاه، إيفلين؟”
“……”
“همم؟ ماذا تُريدين؟ ، تحدَثـي وسأطعمكِ حتى لو كانت الطاولةُ بأسرِها”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 18"