“آنِسَتي.”
“هاااام. إيميلي، أَتَيْتِ؟”
بعد أن مددتُ جسدي، شعرتُ بأنَّ جسدي قد انتعش تمامًا.
كان الخارج مظلمًا. لقد اختفت الشمس تمامًا وطلع القمر.
“واو، لقد حَلَّ اللّيلُ مجدَّدًا. لِمَ أنا نَعسةٌ إلى هذا الحدّ دائمًا؟”
مجرَّد أن أعود من لقاء كايل، أبقى نصف يوم على الأقل مُنهارة من النعاس وغير قادرة على التركيز.
لكنّ الأمر العجيب هو أنَّني، على الرّغم من الإرهاق الشديد والخمول الذي يُشبه الموت، أستفيق بعد غفوة قصيرة وأنا منتعشة بشكلٍ لا يُصدّق.
“آنِسَتي. الآن ليس الوقت المناسب لذلك. لقد رأيتُ اليوم فتاةً تمّ رَفْضُها بعد دقيقتين فقط.”
“مجنونة! كَيفْ؟”
“اجلسي أوّلًا.”
أسرعتُ إلى الطاولة القريبة من النافذة، وجلست إيميلي قبالتي مباشرة.
“قبل أن نبدأ بالموضوع الأساسي، آنِسَتي، أنتِ متأكّدة من أنَّكِ تُريدين فسخ الخطوبة، صحيح؟”
“نَعَم! تمامًا!”
“جيّد. لكن من الآن فصاعدًا، علينا أن نتحلّى ببعض الجرأة في مواجهة المخاطر.”
“مواجهة المخاطر؟”
عبستُ من وقع كلماتها الغامضة.
“أقصد أنّه عندما لا تنجح الطريقة التي نُخطِّط لها، كما حصل اليوم، علينا أن نكون مستعدّين لتلقّي نتائج عكسيّة.”
“نتائج عكسيّة…”
“لأنّ الرجل الذي رأيتُه اليوم كان شخصًا عاديًّا، فانتهى الأمر بانفصال بسيط، لكنّكِ تعلمين أنّ الدوق شخص خطير بعض الشيء. قد يتعرّض وضعكِ الشخصيّ للأذى، ويجب أن تكوني مدركة لذلك.”
ما كانت إيميلي تُحاول إيصاله من خلال كل تلك الكلمات المُلتفّة هو أنّني إذا هاجمتُ كايل، قد يُهاجمني هو بدوره.
لكن… أن أعيش حياتي مع ذلك الشيطان الخفيّ؟! لا. سأُجازف بكلّ شيء بدلًا من ذلك.
“نعم. حسنًا. سآخذ هذا في الحُسبان. أظنّ أنّ المحاولة على أيّ حال أفضل من لا شيء.”
أخرجت إيميلي دفتر ملاحظات وقلم ريشة من جيب زيّها الرسميّ.
ثمّ بدأت تنقر بطرف القلم على الطاولة وقالت:
“ما سنفعله هذه المرّة يختلف عن خطّة (التعلّق) التي جَرَّبناها في السابق. سنتّبع هذه المرّة طريقة أرقى وأكثر تعقيدًا.”
ذلك الصوت المليء بالثقة…
وذلك الأداء الهادئ الثابت…
تولَّدَ بداخلي إحساسٌ عميق بالاطمئنان. إيميلي هي الأفضل، فعلًا.
“جيّد، جيّد! أنا أثق بإيميلي!”
“عليكِ أن تتدلّقي عليه كثيرًا. إنْ كانت خطّة (التعلّق) قائمة على رغبة عاطفيّة تجاه الطرف الآخر، فهذه المرّة علينا أن نُركّز على الفراغ الداخليّ. بما أنّكِ لا تُعانين من أيِّ نقص تجاه الدوق، فعليكِ أن تخلقي فراغًا وهميًّا بخيالكِ.”
لكنّني لم أفهم بالضّبط ما تعنيه.
حتى لا ينتهي الأمر مثل تجربة (الحديث بصيغة الغائب) السابقة، كنت بحاجة إلى أمثلة واضحة وأدلّة ملموسة.
“إيميلي. أعطني مثالًا. سأبدأ بتدوينه.”
خَطفتُ منها القلم والدفتر بسرعة.
“اطلبي منه أن يفعل كلّ شيء من أجلك. مثلًا، أن يُطعمكِ أثناء تناول الطعام…
أو أن تحجّجي بعدم القدرة على المشي واطلبي منه أن يحملكِ. فقط طلبي كلّ شيء، وبلا توقّف.”
رُشْدِي لا يقبل ذلك بسهولة… شخصٌ بالغ يطلب أن يُطعَم؟!
كنت بحاجة لشرح أوضح.
“لِمَ أفعل ذلك؟ هل عليّ أن أتصرف كطفلة؟”
“نعم، بالضّبط. وإذا أضفتِ إلى ذلك التذمّر والدلال، فسيكون الأمر أكثر فاعليّة.”
“دلال؟ كيف أتذمّر؟”
“شاهدي جيدًا، آنِسَتي.”
“نَعَم.”
قبضت إيميلي قبضتيها كما فعلت في المرّة السابقة.
“إينغ إينغ~!”
“……؟”
“هينغ~! قلتُ لكِ احمليني!”
“……ماذا؟ ما هذا الآن؟”
ساد الصمت للحظة.
ثم أخرجت إيميلي علبة الماكرون من الكيس الورقي الذي أحضرته، ووضعتها على الطاولة. أمسكت واحدة منها وغيَّرت تعبير وجهها لتبدو كطفلة بريئة.
“آنِسَتي~ آآه!”
“ما الذي تفعلينه؟”
“آآينغ~ خُذي قضمة واحدة فقط. طعمه لذيذٌ جدًّا، صدّقيني!”
“إيميلي، أنا في وضعٍ جِدّي الآن، ما الذي تفعلينه؟”
عادت ملامحها إلى الجديّة، وأعادت قطعة الماكرون إلى العلبة.
“آنِسَتي، أُريد أن آكل هذه.”
“هم؟”
“وهذه أيضًا… أطعميني إيّاها، من فضلكِ!”
“إيميلي. ما الذي تفعلينه بحقّ السماء؟”
“هووونغ! هل غضبتِ منّي؟ سأغضبُ منكِ إذًا!”
ثم قالت بصوتٍ طبيعيّ تمامًا:
“إلى هنا ينتهي المثال.”
“آه؟ إذًا عليّ أن أُقنعه بأنّ لساني مقطوع؟”
“كما هو متوقَّع من آنِستي الذكيّة. لخَّصتِ الخطة بكلمة واحدة. المرأة التي رأيتها اليوم تصرَّفت هكذا بالضبط، وتمَّ رَفْضُها خلال دقيقتين.”
مذهل.
رائع. بدأت أدوّن كلّ ما قالته بحماس.
“آه، آنِسَتي، تذكَّري أمرًا مُهمًّا. لا تُظهري أيّ علامة تدلّ على التعلّق. يجب أن تُفرّقي بدقّة بين مفهومي (التعلّق) و(النقص).”
“هاه؟”
“بمعنى… لا تقولي شيئًا مثل: ‘سأبقى بجانبك دائمًا! أنا خائفة وحدي!’ كما فعلتِ في المرّة السابقة.”
“حسنًا. لن أُظهر أيّ تعلّق.”
التعلّق مُحرَّم تمامًا.
دوَّنت الملاحظة الأولى بعناية.
“وأيضًا، انسَيْ أسلوب الحديث بصيغة الغائب.”
“كنتُ أعلم أنّه لا يُناسبه.”
“نعم. تمامًا. لا يُمكن أن ينجح معه ذلك أبدًا.”
“فهمت. لن أستخدم أسلوب الغائب أبدًا بعد الآن.”
الحديث بصيغة الغائب (ممنوع تمامًا)
دوَّنت الملاحظة الثانية أيضًا بإتقان.
ثم نظرتُ إلى إيميلي.
“وأخيرًا، استخدمي الدموع لتُسدّدي الضربة القاضية.”
“الدموع؟”
“نعم، فقط ابكي حتّى تجعليه يشعر بالضيق. حتى يتمنّى الهروب من الموقف.”
الضربة القاضية بالدموع.
دوَّنت تلك الجملة الأخيرة بحرص.
“تذكّري فقط: ابكي، واصرخي، وتدلَّلي. مفهوم؟”
“رائع. هذه المرّة، ستكون الأخيرة فعلًا.”
أتممتُ مراجعة تقرير الأعمال الذي أرسله كايل اليوم بسرعة، ثم ذهبتُ إلى النوم استعدادًا لمعركة الغد.
لكن، لم أكن أشعر بالنعاس إطلاقًا.
كان ذلك منطقيًّا. لقد نِمتُ نصف يوم بعد عودتي.
ذلك الرجل الذي يدَّعي أنّه مشغول دومًا، حين يتعلّق الأمر بالعلاقة، يُصبح وكأنّ الغد لا وجود له.
“يعني، مشغول لهالدرجة، ولا ينزعج من كلّ هذا التقرُّب؟ ألا يجب أن يغضب على الأقل؟ لم يصرخ في وجهي مرّة واحدة، حقًّا. متى سأُرفَض إذًا؟”
هل هو يخفي مشاعره لأنّه مُصاب باضطراب نفسيّ؟ كيف لا يُظهر الضيق أبدًا؟
‘على أيِّ حال، سأُحطِّم صبرك غدًا، يا سيّدي الدوق.’
* * *
جيّد.
سأبكي، وأتدلّل، وأتذمّر، وأتصرّف كالمزعجين.
هذه المرّة، سأتأكّد من أنّ كايل سيرفضني!
طراخ!
وكجزء من خطّة (العبء الثقيل)، فتحتُ باب مكتبه دون أيِّ طرق.
‘إيفلين، أنتِ عبء.’
‘إيفلين، أنتِ مُتذمّرة.’
‘إيفلين، أنتِ بكّاءة.’
بدأتُ أُكرّر تلك الجمل في رأسي بشكلٍ مستمرّ.
ومن الغريب أنَّ ذلك جعلني أشعر بخفّة، على عكس المَرَّة التي حاولت فيها التحدّث بصيغة الغائب.
فقط تظاهري أنّكِ فقدتِ لسانك، وكأنّكِ طفلة في السابعة، وسيكون كلّ شيء سهلًا.
‘هُه. الآن حقًّا… سأجعلكَ تكرهني، يا سيّدي الدوق!’
لكنّني واجهتُ عقبة منذ البداية.
كنتُ أظن أنّ كايل سيتفاجأ من اقتحامي، لكنّه بدا وكأنّه كان بانتظاري.
‘…ما هذا؟’
“لقد أتيتِ.”
آه، آه. فهمت الآن.
كما هو متوقَّع منه.
رجلٌ ضيّق المشاعر وضعيف التفاعل، لا يهتمّ إلّا بالبطلة التي كان مُهووسًا بها. لا يعرف معنى الحرج أو الدهشة.
بدأتُ بتنفيذ الجُمل التي حضرتها:
“أنا جائعة! أعطني طعامًا أوّلًا!”
وكأنّه مدين لي بالطعام، طلبتُ منه بإلحاح.
كما لو كنتُ طفلة تُتعب أهلها كلّما حلّ موعد الطعام، بدأتُ أتدلّل عليه من أجل وجبة.
“لقد أمرتُ بتجهيز الطعام بالفعل.”
“ماذا؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 17"