‘كأنَّني سمكةٌ علقتْ في سنّارة، وأخذتُ أُصارعُ بشدةٍ.’
“ههْ!”
لكنَّ كايل، على العكس، التصقَ بي أكثر.
لقد خِفْتُ حقًّا، إذ بدا وكأنَّهُ على وشكِ إزعاجي في أيِّ لحظة.
والسّبب أنَّني تعلّمتُ من المرّةِ السّابقة، حين اقتحمَتُ غُرفتهُ وتلقّيتُ درسًا قاسيًا.
طَقطَق، طَقطَق.
كانَتْ أغراض المكتب تَسقُطُ على الأرض كأوراقِ الخريفِ المُنهارة بلا قُوّة.
تراجعتُ إلى الخلف وأنا أُتحرّكُ بتوتّر، لكنَّهُ لَحِقَ بي والتصقَ بي فجأة.
‘هلْ حانَ وقتُ الانتقامِ مرّةً أُخرى!’
“آه! أرجوك، لقد أخطأت! لَنْ أقولَ أشياءَ غريبةً مُجدّدًا!”
توسّلتُ إليه، لكن بلا فائدة.
لقد دفنَ وجهه في عُنقي وأشتد عناقهُ.
‘لا بُدَّ أنّهُ جُنَّ، حقًّا…!’
“تَبًّا.”
شعرتُ وكأنّني غزالٌ جَرَفَتْهُ دوّامةٌ عاتية.
“أنتَ تفعلُ هذا عن قصد، أليسَ كذلك؟”
يبدو أنَّهُ كشفَ خُطّتي، أنَّني كنتُ أُريدُ إثارةَ أعصابه عمدًا….
* * *
“يا إلهي!”
تراجعتْ إيميلي إلى الوراء بدهشةٍ وهي تستقبلُني عند المدخل.
كنتُ أشبهُ بالجُثّة، بالكاد أستطيعُ أن أُبقي عيني مفتوحتين. لا أدري لماذا شعرتُ بالحُزن الشّديد.
أشعّةُ الشّمسِ المسائيّة كانت تُحيطُ بإيميلي كالهالة.
“إيميلي…”
“هلْ… حدثَ لكِ ذلك مرّةً أُخرى؟”
أومأتُ برأسي فقط، لم يكُنْ لديّ حتّى القوّة للكلام.
أسندتُ جسدي المُنهك عليها، فأعانتني بصمت.
وحتّى وأنا على هذه الحال، كنتُ لا أزالُ أُمسكُ بتقريرِ الأعمالِ اليوميّ في يدي. التقريرُ الذي سلّمهُ لي كايل بنفسه قبل قليل أمامَ البوابة.
‘أُريدُ أن أرميه بعيدًا… متى سأقرأُ كلّ هذا؟’
“سأصطحبُكِ إلى غرفةِ النومِ أوّلًا. وجهُكِ في حالةٍ يُرثى لها.”
قصصتُ عليها كلّ ما حَدَثَ اليوم.
“أظنُّ أنّنا أوقعنا أنفسنا في مشكلةٍ كبيرة. صحيحٌ أنّني كنتُ أُدركُ أنّه ليس شخصًا عاديًّا، لكن…”
“هلْ استخدمتُ الأسلوبَ بشكلٍ خاطئ؟”
“لا. لم تفعلي.”
“إذًا… هل استخدمتُ طريقتي بشكلٍ صحيح؟ لكن ردّة فعل كايل… هل كانَ غاضبًا فعلًا؟ حتّى أنّهُ كانَ أكثر عنفًا…”
هزّتْ إيميلي رأسها بصمت.
كانت ملامحها جِدّيّة.
“بل على العكس، يبدو أنَّ أسلوبكِ قد أتى بنتائج عكسية، هذه الخُطّة كانت فشلًا ذريعًا.”
“يا إلهي، ماذا أفعل الآن؟”
“علينا أنْ نُفكّرَ بطريقةٍ أُخرى.”
أطبقتْ إيميلي شفتيها وضاقتْ عيناها.
“لكن قبلَ ذلك، هناك أمرٌ أريدُ التأكّدَ منه.”
“ما هو؟”
“هلْ تُريدين فعلًا أنْ يُفْسَخَ خِطبتكِ؟ لأنَّهُ بصراحة، يبدو أنَّهُ أمرٌ صعبٌ جدًّا في هذه المرحلة.”
‘لكن… أنْ أتزوّجَ من شخصيةٍ سوداويّة سايكوباتية؟’
“نعم. أُريدُ ذلك فعلًا.”
“كما توقّعتُ.”
“حقًّا… ماذا سأفعل؟ أنا في ورطة.”
تنهدتُ بيأس.
لقد كانت هذه خُطّةً واثقةً من النّجاح في نظر إيميلي، ولكنّها لم تُجدِ نفعًا على الإطلاق.
وانتهى بي الأمرُ غارقةً في الإرهاق، أُفرغُ ما في قلبي دون أنْ أشعر، ثم نِمتُ فجأة.
كانت إيفلين تغطُّ في نومٍ عميقٍ كحديثي الولادة.
في غرفةِ نومِها الهادئة، لم يُسمَعْ سوى أنفاسِها المُتقطّعة.
جلستْ إيميلي على الكرسيّ الصغير بجانب السّرير، تُراقبُها بصمت.
إيفلين، التي بدتْ وكأنّها قد أُغميَ عليها، لم تتحرّكْ قيد أنملة.
‘أمرٌ غريبٌ حقًّا.’
الآنسة، في كلّ مرّةٍ تعودُ فيها من قصرِ هاردِيون، تنامُ وكأنّها فقدتْ وعيها. كما لو أنَّها تناولتْ مُسكّنًا قويًّا.
“لستُ متأكّدةً ممّا حدثَ، لكن لا بُدَّ أنَّهُ كانَ مرهقًا جدًّا.”
بينما كانت إيفلين تحتضنُ وسادتها البيضاء، عبستْ قليلًا فجأة.
لقد سقطتْ خصلةُ شعرٍ صغيرة على وجهها وأزعجتها.
فقامتْ إيميلي بترتيبِ شعرِها بلُطفٍ شديد.
‘ما هوَ أصلُ قصصِ الحبِّ بين الرّجالِ والنّساء، يا ترى؟’
تأمّلتْ قليلًا، ثمّ تذكّرتْ مُهمّةً كانت قد أوكلتْ لها من قِبل رئيسةِ الخادمات.
“يا إلهي، لقد تأخّرتُ!”
أسرعتْ في تجهيزِ نفسها وتوجّهتْ إلى السّاحة.
“أُريدُ مجموعةَ ماكارون بنكهةِ البرتقال، من فضلكِ.”
“حسنًا، انتظري قليلًا. سأقومُ بتغليفها فورًا!”
فجأة، تذكّرتْ إيميلي وجهَ إيفلين وهي تلتهمُ الماكرون كالسنجابِ السّارقِ للجوز.
“أعطني مجموعتين، لو سمحتِ.”
“حاضر!”
لقد أُنفقَ كلُّ راتبها الأسبوعي.
جلستْ إيميلي على كرسيٍّ قريبٍ وهي تُفكّر.
بما أنّها أنهتْ مُهمّتها، وكان لديها بعضُ الوقت، قرّرتْ شراءَ الماكرون المُفضّل لدى إيفلين.
ولحُسنِ حظّها، لم يكن قد نَفِدَ بعدُ من السّوقِ كما يحدثُ غالبًا في الصّباح.
صحيحٌ أنَّ راتبها تبخّر، لكن لا بأس.
تخيّلتْ وجهَ الآنسة المنتفخ بعد الاستيقاظ، وهي تأكلُ الماكرون ببطءٍ ورضًا.
شعرتْ بالسّعادة.
“حبيبيي~ آهـ، افتح فمَك!”
ارتعشتْ إيميلي فجأة وشعرتْ بقشعريرةٍ تسري في ظهرها.
الصوتُ الغريب لطفلٍ مُدلّلٍ خرجَ من الطاولةِ المجاورة.
ورغمَ الانزعاج، إلا أنّ صوتَ الفتاةِ كانَ يملكُ جاذبيّةً غريبة جعلتْ إيميلي تُنصِتُ لا إراديًّا.
كانَ هناكَ زوجان يجلسان جنبًا إلى جنب، والفتاة كانت ملتصقةً بالرّجل.
وبالرّغم من ملامحه المتضايقة، إلا أنّهُ كانَ يأكلُ من الكعكة التي تُطعمهُ إيّاها.
“هلْ طيّبة؟”
“…نعم.”
كانتْ طريقتها في الكلام والتعبيرِ مُبالغًا فيها للغاية، كما لو أنَّ لسانها قد قُطِع.
حتى في المقهى المزدحم، لم تُبالِ بما يُفكّر به الآخرون.
على العكس، كان الرّجل يُحاولُ أنْ يَتصرّفَ بطبيعيّةٍ ويتفادى النّظرات.
وفجأة، التقى نظرُهُ بنظرِ إيميلي.
أدارَ وجههُ فورًا وكأنّهُ قد كُشِفَ.
“حبيبي! أطْعِمْني الفراولة أيضًا!”
فأطعمها صامتًا.
“أُريدُ أيضًا البرتقال!”
فناولها إيّاه بصمت.
وحين التقتْ عينا إيميلي بعينيه من جديد، بدا وكأنّهُ رأى نفسه عاريًا، واحمرَّ وجههُ خجلًا.
“حبيبي! هلْ كنتَ تُحدّقُ بتلك المرأة؟!”
“لا، لا! لم أفعل!”
“أنتَ لئيم! فِيفي غاضبة!”
“فِيفي، أرجوكِ، أخبرتُكِ ألّا تتحدّثي بهذه الطريقةِ في الخارج!”
كان صوتُهما يعلو أكثر فأكثر، لكن إيميلي واصلتْ مراقبتهما بهدوء.
“حبيبي… هلْ أنتَ غاضبٌ مِن فِيفي؟! هُهُوهوهوهوه!”
أخذتْ تبكي مثل جروٍ صغيرٍ جُرِحَ.
“كفى! لقد سَئِمْتُ! لنُنهِ الأمر، نحنُ نَنفصل!”
انفجرتْ القنبلة.
فقدَ أعصابه وخرجَ من المقهى بسرعة.
“حبيبــــــــي!!! إلى أين تذهب؟!”
وفجأة، أصبحتْ لغتُها سليمةً مئة بالمئة، وانطلقتْ تُلاحقه بصوتٍ جهوريّ.
مرّتْ دقيقتان فقط.
نعم، مجرّد دقيقتين حتّى طُرِدتْ تلك الفتاة الغريبة من قِبل حبيبها.
ورأتْ إيميلي كلَّ ذلك، لتُضاءَ لمبةٌ في رأسها.
‘هذا هو… التدلل.’
وتذكّرتْ في اللحظة نفسها ما كانت قد تعلّمتهُ في علمِ النّفسِ السّلوكيّ.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 16"