“أسلوب الغائب؟ ما هذا؟”
كانت كلمة أسمعها لأوّل مرّةٍ.
أملتُ رأسي يمينًا ويسارًا وأنا أُفكّر قليلًا بما قد يكون هذا الأسلوب.
“هذا، أسلوب مُزعج حقًا، تعلمين؟”
“كيف؟”
قالت إيميلي ذلك، وهي تُطبِق قبضتها بقوّة بعد لحظات.
“سأُعطيكِ مثالًا.”
“همم.”
وعند كلمات إيميلي الجادّة، ركّزتُ انتباهي عليها بالكامل.
“إيميلي تُحبّ الآنسة كثيرًا.”
“……؟”
“إيميلي تُريد أن تلعب مع الآنسة كلّ يوم.”
“لحظة، إيميلي. ما الذي تفعلينه فجأة؟ أنا الآن جادّةٌ بالفعل.”
قطّبتُ جبيني بانزعاج.
عندها قالت إيميلي، التي عادت إلى تعبيرها الخالي من الملامح:
“هذا هو أسلوب الغائب. طريقةٌ في الحديث يُحوِّل فيها الإنسان نفسه إلى ضمير الغائب.”
“أوه؟”
“ما رأيكِ؟ ألم تشعري، للحظة، بطفح من الانزعاجِ المفاجئ؟”
“بشدّة! شعرتُ بالغرابة والانزعاج، وتجعد جبيني تلقائيًّا.”
عند انطباعي هذا، أومأت إيميلي وكأنّها تقول:
بالضّبط.
“صحيح. هذا هو بالضّبطِ الرّدة التي كنتُ أبحث عنها.”
“واو، إيميلي. هذا يبدو نافعًا حقًا!”
“أليس كذلك؟ لكنّي مع ذلك لم أرغب في أن أُوصي بهذه الطريقة. فهي قد تثير القبضات فعلًا، حسب الشخص…….”
نعم، هذه هي الرّدة التي أبحث عنها.
ذلك الانزعاج الذي شعرتُ به للتو في أعماق صدري، وتلك الغرابة الممزوجة بعصبيّة تنبع من الجوف.
“إيميلي.”
“نعم، آنستي.”
“أُريد أن أُجرّب هذا. يبدو وكأنّه شيء مختلف كليًّا عمّا كنتُ أفعله.”
رفعتُ نظري إلى السّقف وكأنّني نلتُ استنارةً عظيمة، وأعلنتُ عزيمتي.
“أنا فقط لم أُردْ أن أُوصي به بسبب صورة الآنسة.”
“صحيح، هذه هي المشكلة بالفعل…….”
“لكنّ عزيمة الآنسة على أن تُرفَض كانت قويّةً لدرجةِ أننّي اضطررتُ للبوح به.”
“جيد! إيميلي. سأُجرّبه غدًا مباشرةً.”
أحكمتُ قبضتيّ متعهدةً.
نعم، ليست المسألة مسألة صورة. هذه مسألة نجاة. يجب أن أنجح هذه المرّة.
وبصراحة، لا مجال للفشل هذه المرّة.
“مهلًا. لكن تذكّري شيئًا واحدًا على الأقل.”
“ما هو؟”
“ليس في غرفة النوم. فهمتِ؟”
“مستحيل أن أذهب. لا تقلقي، إيميلي. لن أقترب من الطابق الذي فيه غرفة النوم مرّةً أخرى.”
لنرَ إن كُنتُ سأذهب إلى هناك مرّة أخرى.
“رائع، آنستي. لديّ شعور طيّب هذه المرّة.”
“آه، هذه المرّة، لديّ إحساسٌ قوي. سأُنجزها،
حتمًا.”
رغم ادّعائي هذا، إلّا أنّ اتخاذ القرار هذه المرّةَ كان أصعب من ذي قبل.
هل يجب أن أتنازل عن نفسي إلى هذا الحد؟
‘سأُرْفَضُ حتمًا!’
أحكمتُ قبضتيّ بقوّةٍ.
ثمّ أخذتُ نفسًا عميقًا للمرّة الأخيرة.
‘دق دق.’
منذ حادثة غرفة النوم الأخيرة، أصبحتُ أُعلِن دخولي قبل أن أفتح الباب.
“سأدخل، حَسَنًا……؟”
* * *
“إيفلين. لماذا لم تأتِ إلى غرفة النوم اليوم؟”
“توقّف عن السُّخرية!”
حقًا، كفى مزاحًا!
زمجرتُ ككلب صغير غاضب، فرفع هو زاوية فمه بابتسامةٍ مائلةٍ.
يا إلهي.
لنرَ إلى متى سيبقى يضحك هكذا.
هذه المرّة أنا واثقةٌ فعلًا.
حالما أستخدم أسلوب الغائب، سيُصاب كايل بالقشعريرةِ مني.
وقبل أن أبدأ الحديث الجاد مع كايل، استرجعتُ بسرعة الحديث الذي دار بيني وبين إيميلي في قصر الكونت.
“ابدئي أولًا بالتعلّق.”
“من جديد؟”
“نعم. بدلًا من البدء فجأة بأسلوب الغائب، من الأفضل استخدامه حين يكون القرب قد بلغ مداه.
سيُشعره ذلك بنفورٍ أكبر.”
“آه! هذا منطقي. هااا…… سأُنجز الأمرَ اليوم حتمًا!”
“نعم، وسأُشجّعكِ وأنا أنظّف غرفتكِ.”
‘إذًا، عليّ تقليص المسافة بيننا أولًا، ثم استخدام ذلك الأسلوب بعد أن أُصبح قريبةً جدًّا؟’
جيدٌ.
نظرتُ إلى كايل بعينَين ضيّقتين مثل ضبعٍ يتربّص بفريسته، وتعهدتُ في داخلي.
‘همف! اليوم سأُصبحُ شخصًا مزعجًا لا يُطاق.’
فأنا نفسي شعرتُ بغيظٍ حاد عندما استخدمت إيميلي أسلوب الغائب.
“إذًا، لماذا أتيتِ اليوم؟”
“سأبقى ملتصقةً بكَ! صراحة، كايل، وسامتكَ تُشعرني ببعض القلق!”
هذه هي اللحظة. لنُضَيِّق المسافة.
……هل أتمشّى قليلًا نحو مكتبه؟
ربّما يُثير ذلك ضيقه؟
“هكذا إذًا.”
“نعم!”
ثم..
“هل هذا يُرضيكِ؟”
صوته العميق ارتجف من خلال جسده الملتصق بي.
“……نعم، يعني…….”
كان كايل جالسًا على الكرسي أمام مكتب العمل يتفحّص الوثائق.
وأنا كنتُ جالسةً في حضنه، محاطةً بذراعيه.
‘هذا الرّجل…… ليس عاديًّا.’
من كان يتوقّع أن تؤول الأمور إلى هذه الوضعية بسبب جملةٍ واحدة؟
“هااا.”
خرج منّي تنهدٌ ثقيل لا إراديّ.
ولأنّني كنتُ مُلتصقةً به، خرج التنهدُ فوق صدره مباشرةً.
“لِمَ؟”
صوته العميق تردّد من فوق رأسي.
نظرتُ إليه خلسة، فوجدتُه يحدّق بي.
“فعلتُ ما طلبتِه، أليس كذلك؟”
“نعم؟”
“إذًا لِمَ التنهد؟”
“آه، فقط لأني مُرتاحة…… دافئ أيضًا…… والرائحة طيّبة.”
قلتُ أيّ كلام.
أومأ كايل برأسه وكأنّه فهم، دون أن يُجيب.
“لكن، كايل.”
“نعم.”
“ألستَ مُنزعجًا؟ من كوني أُعانقك وأنت تُراجع الأوراق؟”
كان يُقلّب الأوراق بيد واحدة، بينما يَضُمّني باليد الأخرى.
“لا.”
قالت إيميلي يومًا إنّ دوق هارديون ليس شخصًا عاديًّا.
أفهم الآن تمامًا ماذا كانت تقصد.
إنّه حازم، مُلحّ، ولا يهتم لأيّ شيء، ولكنّه في الوقت نفسه حادّ الملاحظة على نحوٍ غريب.
يجب أن أُخرج الورقة الأخيرة بسرعة……
لكن كايل يبدو منشغلًا جدًّا ولا أجرؤ على المحاولة.
“……يبدو أنّ لديك عملًا كثيرًا اليوم؟”
“شارفتُ على الانتهاء.”
أجابني وهو لا يزال يُحدّق في الأوراقِ.
‘آخ، يبدو أنّني اخترتُ اليوم الخاطئ.’
لكن في تلك اللحظة.
ألقى كايل بالأوراق على المكتب بنبرة خفيفة.
“هاه؟ انتهيتَ بالفعل؟”
“نعم. انتهيتُ أسرع ممّا توقّعت.”
قال ذلك مباشرةً.
أعاد ترتيب الأوراق بدفعةٍ واحدة، وهو لا يزال يَضُمّني.
كنتُ أظنّه سيُبعدني الآن، لكن ذراعيه لم تتحرّك.
“ألا تعتقد أنّه يُمكنني النزول الآن……؟”
“لكنّكِ قلْتِ إنّكِ قَلِقة. وطلبتِ أن نَبقى مُلتصقَين.”
لا يُفوّت أيّ كلمةٍ حقًا!
بل، في الواقع، هذا أفضل.
فإيميلي نصحتني بالحفاظ على أقصى قُرب ممكن.
“كايل.”
“نعم.”
“أُريد أن أراكَ جيدًا.”
ما إن نطقتُ بكلامي، حتى رفعني كايل وجعلني أواجهه.
“هكذا؟”
قال ذلك بابتسامةٍ مشرقة.
‘……وسيمٌ فعلًا.’
أومأتُ برأسي خفيفةً وأنا أبتلع خيبتي.
ولكن……
هاه، حقًا……
الآن أفهم جيّدًا لماذا كانت إيميلي تتردّد وهي تُعطيني المثال.
لم أكن متوترةً بهذا الشكل من قبل.ِ
هل عليّ فعل هذا فعلًا؟ بدأتْ يداي تتعرّقان.
والأكثر رعبًا أنّني لا أستطيع حتى تخيّل مدى بشاعة النظرة التي سيرمقني بها عندما أقولها.
‘هل يُعقل أن يُحاول قتلي؟’
مسحتُ عرقي بأطراف الفستان وهمست:
“كايل، اسمعني. لديّ شيءٌ أُريدُ قولهُ…….”
“نعم. ما هو؟”
تدحرج عرقي على ظهري.
فمي جافّ تمامًا. عضضتُ شفتَي من شدّة التوتر.
كايل لم يُقاطعني.
كان ينتظرني لأبدأ.
وكنتُ متوتّرة فعلًا، من فكرة تغيّر ملامحه بعد قليل.
“أم، حسنًا…….”
“نعم.”
“يعني، هو أنّ…….”
“…….”
“إ-إيفلين.”
“…….”
“إيفلين لا تُحبّ هذه الوضعيّة…….”
فجأةً، انخفض بريق عيني كايل.
كنتُ أظنّ أنّني رأيتُ من قبل نظرته المُتوحّشة.
لكنّ هذا؟ هذا كان أوّل مرّة.
“هاه.”
تنهد بتنهيدةٍ عميقة.
تجمّد عقلي. لقد وقعتُ في ورطة. هل هو غاضبٌ جدًّا؟
‘ما الذي…… هاه؟’
مهلًا، لحظة.
“كـ-كايل؟ ماذا تفعل؟”
داعبتَ يدهُ الخشنةُ خدَي.
“إيفلين.”
“…….”
“أحتاجُ فقط أن تكونَي أنتِ وحدكِ بجانبيَ، لا يهمني المكان.”
“…….”
“إذا واصلتِ إغرائي هكذا، فماذا تتوقّعين أن يحدثَ؟”
رفعني من حضنه بخفة، ثم وضعني فوق مكتبه.
“أليس كذلك؟”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 15"