‘هاه، لكن هل من المسموح أصلًا أن يُرسِل لي وثائق عمل عائلته هكذا؟
من المفترض أن تكون سرّية. لمجرّد أنّني خطيبته يخبرني بكلّ شيء؟
لا أظنّه يُخبر زوجته بهذا القدر حتى!’
بِطَرِيقةٍ ما، وجدتُ نفسي أُراجع وثائق دوقية العمل مع إيميلي.
كنتُ أعلم أنّه رجل ذكيٌّ ويملك حِسًّا تجاريًّا ممتازًا، لكن لم أكن أظنُّ أنَّ الأمر بهذه الدرجة.
“أوه، لقد غربتِ الشّمس بالفعل؟”
“أحقًّا؟ لِمَ مضى الوقت بهذه السّرعة؟”
بينما كنّا نُراجع الرّسائل، لا بل الوثائق، مرّت ثلاث ساعاتٍ في لمح البصر.
ورغم ذلك، ما زال هناك الكثير من الأوراق التي ينبغي النّظر فيها.
“إذا أردنا إنهاء كلّ هذا، سنحتاج نصف نهارٍ إضافي على الأقلّ.
آه، بحقّ الجحيم، بهذه الوتيرة متى سأُرفَض؟ لدينا موعدٌ غدًا، فماذا سأفعل؟”
“يبدو أنّكِ ترغبين بشدّة في أن يتمّ رفضكِ، آنستي.”
“طبعًا!”
“همم. في الحقيقة، لم أكن أُريد أن أُوصيكِ بهذه الطّريقة، لكن يبدو أنّه لا خيار آخر.”
“أهناك طريقة جيّدة؟”
لم أكن أُعلّق آمالًا كبيرة. فهو رجل لا تنفع معه حتّى التّعلّق به أو الإلحاح. لو كنتُ مكانه، لرفضتُني منذ زمن.
“لكن، في هذه الطّريقة، يجب أن تبذلي جهدًا أنتِ أيضًا. لكن بالمقابل، النّتيجة مضمونة.”
“مضمونة؟ حقًّا؟”
“نعم.”
إيميلي ليست من النّوع الذي يُطلق كلامًا فارغًا.
هي فتاة لا تتكلّم عبثًا، وتقول فقط ما يجب أن يُقال، وما هو صائب.
فتاةٌ كهذه تتكلّم بهذه الثّقة؟
“ما هي؟! قوليها حالًا!”
ضربتُ الطّاولة بيأسٍ كمن يتشبّثُ بآخر قشّة، وألححتُ على إيميلي.
“تُقال مقولة منذ ما قبل تأسيس الإمبراطوريّة. تقول: الرّجلُ كالكلب.”
“كلب؟”
“نعم. هل تعرفين لماذا؟”
سألتني إيميلي بنظرةِ أستاذٍ جامعيّ.
شعرتُ بالإحراج وبدأتُ أحكُّ مؤخّرة رأسي.
“لا أعلم.”
بدأت إيميلي تُفصّل الكلمات واحدةً تلو الأخرى، وكأنّها تُريدني أن أُثبّتها في ذهني.
“لأنّه إذا لاحقْتِه، هرب، وإذا هربتِ، لحقَكِ.”
“يعني، إنْ هربتُ، ستكون النّتيجة عكسيّة؟”
“بالضّبط. آنستي، يجب أن تُلاحقي الدّوق بشدّة الآن. إلى أن يُرهق ويتعب هو أوّلًا.”
“وكيف؟ ماذا عليَّ أن أفعل؟ سأفعل كلّ ما تقولينه لي، إيميلي.”
“أوّلًا، يجب ألّا تكون الأمور مثل تلك الوثائق، التي يُمكن للدّوق أن يُكلّف بها خدمه.”
“الأشياء التي يُمكن إنجازها عبر الخدم؟”
“بالضّبط. مثلًا، تلك الوثائق ربّما أعدّها مساعدُه، أليس كذلك؟”
“الآن وقد قلتِ هذا، نعم، يبدو ذلك منطقيًّا.”
“وأيضًا، قائمة الطّعام ربما أعدّها الطّباخون.”
كلامها كان صائبًا تمامًا.
“لذا، من الآن فصاعدًا، الأهمُّ هو أن تتحرّكي بنفسكِ.”
“نعم، نعم. طيّب، ماذا أفعل؟ قولي لي.”
“ربّما شخص مثل الدّوق، الذي يقضي أغلب وقته بمفرده، يشعر بالانزعاج من وجود الآخرين معه.”
أجابت إيميلي بهدوءٍ على سؤالي، وأحسستُ أنّ السّحاب قد انقشع عن رأسي.
“صحيح، صحيح. كما أنّ لديه وسواسًا قهريًّا، ويكره لمس الآخرين. ويكره أن يدخل أحد إلى مساحته الخاصّة.”
“أوه، يبدو أنّكِ تعرفينه جيّدًا؟”
“سـ-سـ-سمعْتُ إشاعاتٍ فحسب! ومن مظهره، يبدو عليه أنّه دقيقٌ بشكلٍ مُزعج.”
“هذا صحيح. لذا، ما رأيكِ أن تتجاوزي حدوده الشّخصيّة هذه المرّة؟”
حدوده الشّخصيّة…
ما مدى هذه “المساحة الشّخصيّة” بالنّسبة لكايل؟
“ربّما المكتب الذي يتردّد إليه باستمرار، أو القصر.”
“تقصدين أن أُداوم على الذّهاب مرارًا وتكرارًا إلى أن يَملّني؟”
“نعم. وتتبعيه قائلةً إنّكِ لا تشعرين بالرّاحة إلا عند التّواجد بقربه، وإنّكِ تشعرين بالقلق إن لم يكن كذلك.
وتُلاحقيه بلا توقّف. بشكلٍ مزعج.”
كانت خطّة إيميلي منطقية إلى حدٍّ بعيد.
بصراحة، مُجرّد طلب مشاركة يوميّاته عبر الكتابة، هو أسهل بكثير من المواجهة وجهًا لوجه.
فما عليه إلا أن يكتب بالقلم ويرسل الرّسالة.
“لكن، سيكون الأمر مرهِقًا للغاية. ماذا لو تَجاوزتُ الحدّ، وانتهى الأمر بأكثر من مجرّد فسخ خطوبة؟”
“عليكِ أن تَفهمي الموقف وتُوازنيه بذكاء.”
“حسنًا، سأُجرّب. إيميلي.”
“رغم أنّ الطّريقة قد تبدو غير مهذّبة قليلًا.”
“هم؟”
“شخصيًّا، أعتقد أنّه ليس سيّئًا إنْ ذهبتِ إليه فجأة دون موعد هذه المرّة.”
“هُوَه… أهذا مناسب؟ زيارة قصر أحدهم دون أن تُرسلي إشعارًا مُسبقًا يُعدُّ أقلّ قواعد الإتيكيت!”
ناهيكِ عن أنّه كايل نفسه.
“آنستي، رغم أنّني لا أعرف الدّوق جيّدًا…”
“نعم؟”
“لكن من خلال ما رأيتُ، أعتقد أنّ معظم الأشياء لا تُجدي معه. لقد رأيتِ تلك الوثائق بنفسكِ.”
أومأتُ موافقة على كلام إيميلي.
“لذا، أعتقد أنّ من الأفضل الذّهاب باكرًا غدًا. ربّما سينزعج بشدّة، أليس كذلك؟”
“لكنّنا اتّفقنا مسبقًا أن يأتي لاصطحابي غدًا ! أتجاهل ذلك؟”
“نعم. اذهبي إليه قبل أن يأتي هو إليكِ. ألا ترينها فكرة جيّدة؟”
“حسنًا. سأذهب فجأة غدًا. لا أنكر أنّني خائفة قليلًا من ردّ فعله…”
* * *
“آنسة إيفلين؟ لقد وصلتِ باكرًا؟ لا يزال هناك وقتٌ على الموعد. هل حصل شيء؟”
“آه! ليس أمرًا سيّئًا، أبدًا. فقط… أردتُ رؤية الدّوق بسرعة. آسفة، هيوغو. هل أوقعتُك في مشكلة بسببي؟”
لم أُرِد أن يتورّط أحدٌ في مشاكلي مع كايل.
وإنْ كان هيوغو سيتلقّى توبيخًا بسببي، كنتُ مستعدّةً للعودة فورًا.
“لا. أبدًا. لكن، في الحقيقة، الدّوق ما زال في غرفته. ربّما قد يُسعده هذا في الواقع…”
غرفة النّوم؟! ذلك مكانٌ خاصّ تمامًا!
علِقتْ أُذني على كلمة “غرفة النّوم”، ولم أُدرك ما قاله هيوغو بعدها.
ربّما قال إنّه لا يعتقد أنّ الدّوق سيَسعد بزيارتي.
طالما أنّ هيوغو لن يتورّط، فلا بأس.
“هيوغو. هل يمكنك أن تُرافقني إلى غرفة الدّوق الآن؟”
“آه، هذا… في هذا الوقت من الصّباح، ربّما يكون الوضع خطِرًا…”
“نعم؟”
“آه، لا بأس. سأرافقكِ.”
رافقني هيوغو إلى غرفة الدّوق، والتي كانت في نهاية الممرّ في الطّابق الثّاني.
“أتمنّى لكِ وقتًا طيّبًا، آنسة إيفلين.”
“شكرًا لك، هيوغو!”
وما لبث أن اختفى بسرعة كعادته.
أظنّني فوتُّ بعض الكلمات التي قالها في الطّريق، لكن لا بأس.
لكن… ماذا لو غضب كايل من أنّني أزعجه صباحًا وقرّر أن يقتلني؟
‘طَرَقْ طَرَقْ’
أخذتُ نفسًا عميقًا وطرقتُ الباب بخفّة.
“ادخلي.”
لم أتردّد.
فتحتُ الباب دفعةً واحدة وقلتُ بصوتٍ عالٍ:
“أنا آسفة! أعلم أنّ هذا تصرّفٌ غير لائق، لكنني فقط أردتُ رؤيتكَ بسرعة.”
هذا كان الحدّ الأدنى لحماية نفسي.
إنْ اقتحمتُ غرفته فجأة دون حتّى كلمة اعتذار، فقد لا أخرج حيّة!
ولكن…
“……”
“هاااه! أنا آسفة جدًّا!”
أغلقتُ الباب بعنفٍ مرّةً أخرى.
تَلاقَت أعينُنا بينما كان يرتدي فقط رداءً يُغطّي الجزء السّفلي، وصدره العاري مُبلّل بالماء، يتقطّر من عضلات صدره المشدودة.
أغمضتُ عينيَّ بشدّة، وارتطمتُ برأسي على الباب.
‘حقًّا… لماذا لا يسير أيّ شيءٍ كما أُريد؟’
ثمّ…
بدأت خطواتٌ ثقيلةٌ تقترب من خلف الباب.
حينها فقط هممتُ أن أبتعد برأسي عن الباب…
لكن فجأة، صَدر صوت “طَقطَق”، وانفتح الباب، فجعل جسدي يندفع إلى الأمام.
“آه…؟”
كدتُ أفقد توازني.
ونظري انصبّ مباشرةً أمامي.
وهذه المرّة، من خلال الفتحة بين طرفي الرّداء، بدت عضلاته النّاعمة المتناسقة واضحة للعيان.
رغم ارتباكي، لم أستطع منع عينيَّ من التّوقّف عند هذا الجسد.
وبينما كانت عيناي تصعدان ببطء على جسده العاري…
استقرّت النّظرة أخيرًا على خصلاته السّوداء المُبلّلة المُنسدلة، وتلك العينان الحمراوان المُتّقدتان من بين الشّعر.
“إلى أين تظنّين أنّكِ هاربةٌ؟”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 13"
🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰