‘هَه، لقدْ تَجهَّم وجهُهُ.’

 

نَظرتُ إلى تَجمُّدِ ملامحِه سريعًا، وأضفتُ بارتباك:

 

“لـ-لَا بأس إنْ كانَ الأمرُ مُزعجًا لكَ، فليسَ ضروريًّا أنْ تفعل ذلك. 

 

فـ-فقط اعتقدتُ أنّ التّواصلَ المتكرّر لن يكونُ أمرًا جيّدًا، لذا لا تُلقي لهُ بالًا. بـ-بالفعل لَا داعي لأنْ تفعلَ ذلك.”

 

قُلتُ وأنا أُلوّحُ بيديّ نافيةً.

 

لكنّ الصّمتَ ظلّ سيّد الموقف، وظلّ كايل بوجهٍ خالٍ من التّعبير.

 

‘ما العمل؟ يبدو أنّني حَفرتُ قبري بيدي.’

 

“أمـم أردتُ فقط معرفةَ كيفَ قضيتَ يومكَ. ماذا أكلتَ؟ وأينَ ذهبتَ؟… لم أكن أنوي إزعاجكَ أو إحداثَ مللٍ لك، أبدًا.”

 

أطرقتُ برأسي خجلًا، فقد بدأت أُدرك حماقتي.

 

‘ماذا لو قال لي: أتُريدينَ أن نلعبَ لعبةَ الأزواج؟ هَه. إنْ غضبَ ذاكَ الشّخص، فلا شكّ أنّه سيكون مُرعبًا.’

 

“ألَا يوجد شيءٌ آخر؟”

 

رفعتُ رأسي ببطء، فرأيتُ كايل يرفع حاجبًا واحدًا ببرود.

 

“نـ-نعم؟”

 

“هل هناك أمرٌ آخر تُريدين أن تطلبيه منّي؟”

 

“آه، نـ-نعم. فـ-في الوقتِ الحالي فقط.”

 

أجبتُ وأنا أومئُ برأسي بتوتّر.

 

‘من ملامحه، يبدو أنّه في داخلِه يُردّد: “هذه المرأة مزعجةٌ للغاية.”‘

 

تعبيرهُ الخالي من المشاعر كان مُخيفًا بحقّ، لكنّني نظرتُ إلى وجهِ كايل الذي تَجمَّد قبل قليل، واقتنعتُ حينها…

 

رُبّما، قد يُقرّرُ التّراجع عن الزّواج في أيّ لحظة.

 

 

 

⁦⁦*⁩ ⁦⁦*⁩ ⁦⁦*⁩

 

صباحُ اليومِ التالي.

 

وصَلَت رسالةٌ من كايل.

 

أخذتُ الرسالةَ من يدِ إيميلي بفرحةٍ واضحة وهزّيتُ كتفي حماسًا.

 

“إيميلي، إنّني واثقةٌ تمامًا.”

 

“ممّا؟”

 

“هذه الرّسالة… لا شكّ أنّها رسالةُ انفصال.”

 

“ماذا؟”

 

“أراهن أنّهُ فقدَ كلّ مشاعره ناحيتي بعدَ تصرّفاتي المزعجة بالأمس.”

 

“حقًّا؟ لا، لا أظنّ أنّ الأمرَ بلغَ هذا الحدّ.”

 

“بلى. حينَ طرحتُ عليه الموضوع، تغيّرَ وجهُه فجأة. بدا وكأنّهُ غاضبٌ قليلًا.”

 

“يا إلهي، هل هذا صحيح؟”

 

“نعم. لقد شتمني بعينيه! آه، رغم أنّني كنتُ مستعدّةً نفسيًّا، إلّا أنّه كان مرعبًا جدًا.”

 

“تهانينا، آنِستي. لقد أنجزتِ أمرًا عظيمًا. يبدو أنّكِ حقًّا جعلته ينفُر.”

 

“لنرَ ما كَتبَه.”

 

فَتحتُ الظرفَ بخفّة وقلبٍ يَرتجف قليلاً.

 

‘على الأرجح، سيكونُ محتواه: آسف، لنتظاهر بأنّ الزّواج لم يحدُث.’

 

“هاه؟ ما هذا؟”

 

هل قرأتُ خطأً؟

 

عقدتُ حاجبيّ وأبعدتُ الورقة قليلًا عن وجهي لأتأكّد.

 

في الصفحةِ الأولى من الرسالة، كُتِبَ ما يلي:

 

[بالأمس، لم يحصل خروجٌ من القصر، وكانَ المرافق الوحيد داخلَ المقرّ هو المساعد “هيوغو”.]

 

كما أضافَ: [في حالِ حدوثِ أيّ خروجٍ أو تنقّلٍ أو مرافقةٍ في الأيام القادمة، سيتمّ التّوثيق الكامل والتّفصيليّ لها.]

 

لذا، فيما يخصّ يومَ البارحة، لا شيء يستحقّ التّقرير.

 

لكنّ ما تبقّى من الرّسالة كانَ مُخصّصًا لتقريرِ أعمالِ كايل، وقائمةٌ مكتوبةٌ بالتّفصيل للوثائق التي عالجها طوال اليوم.

 

جداول مُقسّمة بحسبِ التّسلسل الزّمني، تملأ وجهَ الصفحة.

 

لشدّةِ التّفاصيل، شعرتُ بدوارٍ وأنا أقرأها.

 

“مهلًا، ما هذا بالضّبط؟”

 

تفوّهتُ دون قصدٍ وسطَ ذهولي.

 

“……أمم.”

 

حتى إيميلي، التي كانت تُشاركُني القراءة، ارتبكت ولم تستطع قول شيء.

 

أملتُ رأسي بارتباكٍ، وبدأتُ أشعرُ بألمٍ خفيف في رأسي.

 

‘هذا ليسَ ما كنتُ أتوقّعه…’

 

لكنّ هناكَ صفحةً أخرى داخلَ الظرف.

 

“آه، آنِستي؟ هناك صفحةٌ ثانية. دعينا نطالعها.”

 

“أ-أجل.”

 

ارتجفتْ أصابعي برودةً من فرطِ الارتباك.

 

فتحتُ الصفحةَ الثّانية بنظرةٍ مشوّشة.

 

<٥/٢ – قائمةُ الوجبات: إفطار، غداء، عشاء>

 

الإفطار: توست فرنسي، سلطة فواكه، قهوة سوداء.

 

انطباع الإفطار: تَوازنٌ رائع بين نكهةِ التوست الخفيفة، ومرارة القهوة، وانتعاش سلطة الفواكه.

 

الغداء: حساء الكريمة، كُتلَة لحمِ بقرٍ مَقلية، وسلطة خيار.

 

انطباع الغداء: المزيج بين حساءِ الكريمة اللطيف وقطع اللحم كانَ مثاليًّا. رغم أنّه قد يُصبح دسمًا، إلّا أنّ سلطة الخيار خفّفت من ثقله.

 

العشاء: شريحة لحم بقر (نصف ناضجة)، وسلطة صدور دجاج.

 

انطباع العشاء: أُفضّل وجبةً خفيفة غنيّة بالبروتين مساءً. طهي اللحم بالنّضج النّصف أعطى توازنًا جميلًا، والسلطة المرافقة أزالت ثقل الدّسم من اللّحم.

 

“……”

 

“……”

 

بل وصلَ به الأمر إلى كتابةِ تقييمٍ شخصيٍّ لكلّ وجبة.

 

وفي التّفاصيل، ذَكَر منشأ المكوّنات، أوزانها، ونسبة الكربوهيدرات/البروتين/الدّهون!

 

لم أستطع التّصديق. قلّبتُ الورقتين بعينين مذهولتين.

 

حينها، قبضَت إيميلي على يدي وقالت بلُطف:

 

“آنِستي… الأفضل أنْ تستسلمي.”

 

“لا يُمكن. مستحيل…”

 

ثمّ أشارت إيميلي فجأةً إلى أسفلِ الورقة الثانية:

 

“آه؟ آنِستي، انظري إلى هذا السّطر.”

 

في آخرِ الورقة، وُجدت جملة مُضافة بعلامة (*).

 

وكانت تقول:

 

[إيفلين. لضمانِ تَواصُلٍ أفضل، أعتقدُ أنّ إجراءاتٍ إضافيّةً ضروريّة. سأُعيّن قريبًا فارسًا موثوقًا به ليكونَ جهة التّواصل الخاصة بكِ. في حالِ خروجٍ طارئ، سأتواصلُ من خلاله.]

 

“ماذا… إيميلي، ما هذا؟”

 

“كأنّكِ أزلتِ ورمًا فَنَما اثنان مكانه.”

 

“أليسَ كذلك؟”

 

“بلى. من الآنَ فصاعدًا، كافّة تحرّكاتِكِ ستُنقَل إلى الدّوق من خلال الحارس المُعيّن.”

 

“ما العمل؟! سأُصبح تحت المراقبة؟!”

 

“لكنّكِ من بدأتِ بالتّشبّث أولًا… ألن يكون من الغريب رفض ذلك الآن؟”

 

“……”

 

“في الحقيقة، وجودُ فارسٍ ظلّ يُسهِّل التّواصل ويَضمن أمانكِ. ربّما هذا ما يَهدفُ إليه، وكأنّهُ يُراقبُكِ باسمِ الحماية.”

 

‘مَن كانَ يَظنّ أنّ ثمرة التّعلّق ستعودُ على شكلِ رقابة؟’

 

لا…

 

ما الذي يحدثُ فعلًا؟

 

بعد عدّةِ أيام.

 

“سأجنُّ فعلًا.”

 

وصَلَت الرّسالة الثّالثة لهذا اليوم.

 

كايل يُرسلُ لي يوميًّا تقاريرًا تفصيليّة عن جدول أعماله، بل تَزدادُ تفصيلًا يومًا بعد يوم.

 

والأدهى، أصبحتْ تصل أكثر من مرّة في اليوم: مرّتين، ثلاث مرّات!

 

عدد مرّات استحمامه في اليوم، إنْ خرج يُدوّن الأماكن والوقت الذي قضاه في المِركبة…

 

أعلم أنّه مشغولٌ للغاية، ولكن يبدو أنّه فعلًا مُنشغِل هذه الفترة.

 

حتى تقاريره المهنيّة باتت أطول وأكثف.

 

نهشتُ أظافري وأنا أُحدّق في الأسطر المكتظّة بالتّفاصيل.

 

لا توجد أيّ فجوة.

 

‘ماذا لو تركته وشأنه؟ ألن يتعب ويَتوقّف من تلقاء نفسه؟’

 

لكن حتى خَطّ يده كانَ مُرتّبًا ومُتّزنًا… وكأنّ الأمرَ عاديٌّ تمامًا بالنسبة له.

 

إيميلي رشفت من الشاي وسألت:

 

“يا إلهي، لقد اشترى مَنطقةَ المناجم في الغرب؟ سمعتُ أنّ مخزونَها بدأ ينفد، وقد انهارت أسعارها.”

 

“لا. تلك أرضٌ ذهبيّة. تحتوي على أحجارِ مانا مدفونة. خلال ثلاث سنوات ستَرتفع قيمتها أضعافًا. لقد أحسن الشراء.”

 

في القصّة الأصلية، باع الدّوق الغربي تلك الأرض بثمنٍ بخس ثمّ ندمَ بشدّة.

 

اجتاز التّقييم. أشرتُ على العقد بدائرة، وقلبتُ الصفحة.

 

كثرةُ التّقارير جعلتني أراقب قراراته، خشية أن يتّخذ واحدةً خاطئة.

 

“كما اشترى أرضًا في دُرمان الشّرقية. أليست أرضًا قاحلة لا تصلحُ للزراعة؟”

 

“إنّها محاطةٌ بجبالٍ ومياه. لو تمّ تطويرها بشكلٍ جيّد، فهي ذاتُ إمكاناتٍ عظيمة. المكاسب أكبر بكثيرٍ من المخاطر.”

 

وفي القصّة، تُصبح دُرمان لاحقًا أكبرَ سَلّةِ غذاء في الشّرق.

 

أحسنَ التّصرّف. عقدٌ موفّق.

 

لكن… كيف يعرف كايل كلّ هذا؟ هل لديهِ قدرةٌ تنبّؤية؟

 

لا… مُجرّدِ صدفة، حتمًا.

 

في القصّة، لم يَظهر شخصٌ بقدرة التنبّؤ أصلًا.

 

 

✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧

 

ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،

 

حَسابي واتباد : _1Mariana1

( حسابي السابق قد حُذف)

 

وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀