“كلّ ما طلبتُه أن يُخبرني أين يذهب، مَن يقابل، وما الذي يأكله في الإفطار والغداء والعشاء. هذا فقط، لا أكثر…”
“طلبتِ هذا فحسب، ومع ذلك رُفضتِ؟”
“نعم! أليس هذا حُطامًا من البشر؟! أليس من الطبيعي في العلاقة أن يتشارك الحبيبان تفاصيل يوميّة بسيطة كهذه؟ أليس كذلك، إيفلين؟”
اتّسعت عيناي دهشةً.
‘هل مِن الطبيعي في العلاقات أن نُخبر بعضنا بقائمة وجبات اليوم؟’
لم أكن أعرف. لم أسبق لي أن خضتُ علاقة.
عندها، دعمتها دوروثي من الجانب قائلة:
“طبعًا!
هذا من أساسيات الأدب بين الأحبّة!
أمّا الذين يقولون إنّهم لا يفعلون ذلك لضيق الوقت أو لأنهم ليسوا من هذا النوع،
فهم فقط لا يملكون مشاعر كافية.”
مسحت كيت دموعها بقوة ثم قالت:
“لكنّني رُفضتُ لأنّه قال إنّني فتاةٌ مملّة. هل يبدو أنّ العيب فيّ؟”
“كيت، لا تلومي نفسكِ. ليس بكِ عيبَ، بل هو مجرد حثالةٍ لا يستحقكِ.”
“أليس كذلك؟ هااه… بعد البكاء، أشعر بانخفاضِ السكر.”
وبدون أيّ أثر للبكاء، مسحت كيت دموعها والتقطت شوكتها، ووضعت في فمها ثلث قطعة الكعك دفعة واحدة، ثم سألت:
‘انتظري.’
شعرتُ وكأنني حصلتُ للتو على معلومةٍ مهمّة.
‘أليس الرجال يقولون إنّهم يكرهون التعلّق؟ لكنّ هذا يُسمّى مشاركة اليوميات، أليس كذلك؟ الطعام، وأيضًا…’
“بالمناسبة، إيفلين. أين كنتِ ذلك اليوم؟ اختفيتِ فجأة وأقلقتِنا.”
“هاه؟”
“كيف تتركيننا وسط الاحتفال وتختفين؟! ظللنا نبحث عنكِ في القاعة.”
“آسفة… خرجتُ لأستنشق بعض الهواء، ولم أقصد أن أغيب.”
“كان يجب أن تُخبِرينا!
هل تعرفين كم قلِقنا؟!
العالم مليء بالناس السيئين. لا يكون قد حدث لكِ شيء في ذلك اليوم، أليس كذلك؟”
بل حدث.
“لو أردتُ أن أخبركنّ بالتفاصيلِ، فالقصةِ طويلةٍ. لكن باختصار… لقد فسختُ خطبتي.”
“ماذا!؟”
“حقًا؟ مع إدوين؟!”
‘من الأفضل أن يعرف أكبر عدد من الناس بخبر فسخي للخِطبة مع إدوين. إنْ أصبح الأمر علنيًّا، فلن يجرؤ على التلاعب لاحقًا.’
ربّما أكون حذرةً أكثر من اللازم، لكن من الأفضَل أن أستبق الأمور مع من تبقّى لي من معارفٍ.
“مهلًا لحظة، إيفلين. هل هذا حقيقي؟ فسختِ خِطبتكِ من إدوين؟”
“نعم. انتهى كلّ شيء بيننا.”
“لكن لماذا؟ لقد تحمّلتِه لعشر سنوات!”
سألتني دوروثي، التي كانت تؤدّي دائمًا دور الفضوليّة الكبرى.
“أنتنّ تعرفن، لم يكن يُسمح لي بالذهاب لأيّ حفلة إلّا بموافقته، وكان يتذرّع دائمًا بأنّه وصيّي!”
“نعرف. بل إنّه لم يكن يرضى بأن تبقي معنا في الحفلات حتّى وقتٍ متأخّر!”
“بالفعل. كان الأمر سخيفًا. من يَرضى بهذا في هذه الأيام؟”
أومأت كيت ودوروثي تأييدًا، بسرعة وكأنّ أعناقهنّ ستنكسر.
“كما تعلمن، حضرتُ تلك الحفلة مع إدوين. آه، باستثناء كاميلا. لم تستطيعي الحضور، أليس كذلك؟”
أومأت كاميلا، التي كانت تجلس إلى يميني، بصمت.
“نعرف، نعرف. لكن لماذا؟ لا تُخبِرينا أنّكما تشاجرتما لأنّكِ شربتِ الكحول؟”
شربتُ جرعة كبيرة من الشاي الذي أمامي، ثم وضعتُ الكوب على الطاولة بصوتٍ عالٍ وقلت:
“لا. وجدتُ إدوين… مع فتاة في الحديقة. يفعلان ذلك الشيء. ليلًا.”
كشفتُ بوضوح عن خيانته القذرة.
لم يكن لديّ أيّ نية لحمايتهِ. عليّ أن أُظهر موقفي بوضوح كي لا يُساء فهم فسخي للخِطبة.
“ماذا؟! هل جُنّ؟! ومَن كانت تلك الفتاة؟!”
“واو… لا يُمكن أن يُصدّق. لم يتزوّج بعد ويفعل هذا؟”
“لا أعرف بالضبط مَن كانت. كانت الحديقة مظلمة، ولم أرَ سوى ظهر إدوين وشعره.”
قطّبتُ جبيني بقرفٍ وأنا أستعيد ذلك المشهد الحيواني البشع.
“إيفلين! كان يجب أن تصفعيهما على الفور! هذا النوع من الفضائح لا يُسكَت عنه!”
صرخت كيت بغضبٍ، ولم تخلُ كلماتها من الشتائم.
“الخطأ كلّه على إدوين، كان خطيبي، لا هي.”
أومأت كيت ودوروثي موافقةً على كلامي.
لكن كاميلا كانت صامتةً أكثر من اللازم اليوم.
وجهها أيضًا لم يكن على ما يُرام، فبدأتُ أقلق.
فيما كانت كيت ودوروثي تواصلان ذمّ إدوين، التفتُّ بهدوء إلى كاميلا وسألت:
“كاميلا، هل تشعرين بتوعكِ؟”
“همم؟”
“وجهك شاحب. لا لون فيه.”
“آه، لا بأس. ربّما أكلتُ بسرعة في الغداء، أشعر فقط ببعض عسر الهضم.”
“إن شعرتِ بأيّ تعب، لا تتردّدي في طلبَ دواء. مفهوم؟”
“أجل، شكرًا لكِ إيفلين.”
ربّتُّ على ظهرها برفقٍ مرتين، ثم عدتُ للحديث مع الفتيات.
بعد موجة شتائم طويلة ضدّ إدوين، هدأت الأجواء قليلًا.
قالت كيت إنّها ستذهب لتُصلح مكياجها في القصر.
أمّا دوروثي، فقد أفرغت جميع أطباق الكيك قائلة إنّها جاعت بسبب كثرة الكلام.
حينها، التفتت دوروثي الجالسة قبالة كاميلا نحوها وسألت بهدوء:
“كاميلا، ألستِ جائعةً؟”
كنتُ أراقب كاميلا منذ قليل، لذا انحنيتُ قليلًا لأتفقّد وجهها.
لقد ازداد شحوبه أكثر، فسألتها بحذر:
“قلتِ سابقًا إنّكِ تشعرين بتوعّك… ما زال الأمر كذلك؟”
“نعم… معدتي مضطربة. آسفة يا فتيات.”
عادت كيت، مضيفة الجلسة، من تعديل مكياجها، فاقتربت من كاميلا وربّتت عليها قائلة:
“لا تعتذري، لا بأس.”
لكن دوروثي، التي تمتاز بسرعة البديهة، لم تتركَ الأمر يمرّ هكذا.
ضيّقت عينيها وسألت كاميلا مباشرة:
“كاميلا، قولي الحقيقة. هل حدث شيء؟”
“همم؟”
ارتبكت كاميلا بشدة من السؤال المباغت.
“تقولين إنّ معدتكِ مضطربة، لكنّكِ تمسكين أسفل بطنكِ طوال الوقت… لحظة، لا تقولي لي…”
‘يبدو أنّ الأمر ليس مجرّد اضطراَب.’
قصتي تبقى قصتي. لكنّ حالة كاميلا لا تبدو بخير.
التفتُّ نحوها باهتمام.
قالت دوروثي بصوتٍ ناعم ومليء بالحنان:
“كاميلا… قولي لنا، ما بكِ؟ كتمان الأمور يزيد الطين بلّة.”
خفضت كاميلا رأسها فجأة.
ثم بدأت ترتجف بخفة.
كنتُ الأقرب إليها، فأمسكتُ بيدها المرتجفة.
بدت بائسة.
فهمستُ لها بلطف:
“لا بأس، كاميلا. إنْ كان من الصعب عليكِ الكلام، فلا تتكلّمي. تحدّثي حين ترغبين.”
ثمّ، بدأت قطرات دموعها الثقيلة تتساَقط على يدي.
فهمت كيت ودوروثي أنّ الأمر خطير، فصمتن فورًا.
وانتظرن معها بصمتٍ كامل.
حتّى تتجرّأ على البوح.
أخذت كاميلا نفسًا عميقًا، ثم زفرته بتوتّر.
كان المكان ساكنًا، لا يُسمع سوى أنفاسها.
وبعد عشر دقائق من الصمت، تحدّثت أخيرًا.
“فتيات…”
أجبناها بصوتٍ مطمئن:
“نعم، كاميلا.”
“نحن هنا… خذي وقتك.”
بدأ صوتها يختنق بالبكاء، وهي تتابع:
وبينما الجميع يُصغي بانتباه، خفّضت رأسها وقالت كمن يعترف بجريمة:
“…في الحقيقة، أنا حامل.”
تجوّلت ستّ عيون بيننا بسرعة، تتبادل النظرات في ذهول.
كتمت كيت ودوروثي أنفاسهنّ، وعمّ الصَمت.
في أيّ مكان، لا يكون النظر للأمهات غير المتزوّجات إيجابيًّا.
ولعلّ وضع كاميلا كان أسوأ ممّا نتخيّل.
تنفّستُ بهدوء وسألتها:
“هل قال إنّه سيتحمّل المسؤولية؟ أقصد، والد الطفل؟”
هزّت كاميلا رأسها وهي تبكي، ثمّ نطقت بصوتٍ متقطّع:
“سألني إن كنتُ أملك دليلًا… قلتُ له مرارًا إنّه طفله، لكنّه لم يصدّقني…”
“…….”
“ثمّ اختفى… لا يُجيبني، ولا يريد لقائي…”
كم هي قاسيةٌ هذه الدنيا، كيف يُمكن لشخصٍ أن يتصرّف هكذا مع امرأة تحملُ طفله؟
“كاميلا… مَن هذا الحقير؟ والد الطفل؟”
سألتها دوروثي بغضبٍ شديد.
لكن كاميلا نظرت إليّ للحظة، ثم قالت:
“آسفةٌ… لا يُمكنني إخباركن.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 10"