6
الفصل 06
لم تكن لين ييوي تعلم أبدًا أن ربطة الشعر التي كانت تربط بها شعرها قد أخذها سونغ تشيوتشن.
قبل تلك الليلة من رأس السنة، كانا عادةً يرتديان ملابس سميكة حين يلتقيان.
لم تلاحظ في البداية أنه كان يضع شيئًا يشبه الرباط الأسود حول معصمه.
بعد…أن….
بعد أن انهار السرير، أصلحه، وأخبرها بذلك.
اغرورقت عينا لين ييوي بالدموع، ولم تكن تعلم لِمَ بكت فجأة.
رفع سونغ تشيوتشن يده ليمسح دموعها.
تحرك معصمه ذهابًا وإيابًا أمام عينيها. لاحظت لين ييوي أنها ربطة شعر سوداء.
سحبت يده. أمالت رأسها وحدّقت في ربطة شعرها السوداء.
وقع سونغ تشيوتشن في الفخ. أخفى يده خلف ظهره، ثم استدار بسرعة ليلتقط الأدوات الملقاة على الأرض. كنَس الأرض بعناية، وفرش لها الفراش.
جلست لين ييوي على السرير ملفوفةً ببطانية. نظرت إليه وسألته، “ذاك….”
بادر سونغ تشيوتشن بالاعتراف أولًا. “إنه لكِ.”
لم تستطع لين ييوي أن تدرك متى حصل على ربطة شعرها، وسألته، “متى؟”
ولماذا لم يكن لديها أي ذكرى عن ذلك مطلقًا؟
ابتسم لها سونغ تشيوتشن.
جلس الرجل على السرير. وضع يديه عليه واقترب منها. قبّل شفتيها برفق، ثم همس بصوتٍ أجش عند جبينها، “في أول مرة قبّلتكِ فيها.”
تراجعت لين ييوي قليلًا إلى الخلف. ارتفعت كتفاها بتوترٍ بسيط.
عانقته، واحتواها بين ذراعيه.
انزلقت البطانية قليلًا، فتسلّل بعض البرد، لكن دفء القرب غلب عليه.
***
تكرّر الأمر مرّاتٍ كثيرة بعد ذلك، حين كانت لين ييوي بحاجة إلى ربط شعرها، فكان سونغ تشيوتشن يربطه لها على شكل ذيل حصان منخفض بربطة شعرها التي لديه.
***
بعد خطوبة دامت ستة أشهر، وفي اليوم الذي شرعا فيه رسميًا بالمواعدة العام الماضي، تزوّج سونغ تشيوتشن ولين ييوي أخيرًا.
كان الطقس جميلًا جدًا في يوم الزفاف.
كانت الشمس مشرقة، ونسيم الخريف يهب.
ارتدى سونغ تشيوتشن زِيَّه العسكري الأخضر، وسار يدًا بيد مع لين ييوي، التي كانت ترتدي فستانًا أبيض، على السجادة الحمراء.
شهد الحفل عددٌ كبير من رجال الإطفاء، إضافةً إلى أقارب وأصدقاء من كلا الطرفين. لقد أصبحا الآن عائلة حقيقية.
استمرت إدارة الإطفاء في تلقي البلاغات ذلك اليوم، لكنها لم تكن سوى أمور بسيطة استطاع قائد الفريق أن يتولاها بمساعدة عدد من المجندين الجدد.
لم يقع أي حريق كبير.
كانت لين ييوي ممتنّة جدًّا لأهالي مدينة شين لأنهم لم يأخذوا عريسها منها في منتصف الزفاف. لقد سمحوا لها أن تحظى بحفل زفافٍ كامل.
لكن تلك الليلة، تلقّى سونغ تشيوتشن اتصالًا استدعاه على الفور.
ردّ على الهاتف فورًا، وأنصت لمتصل يُبلغه عن حريق، ثم احتضن لين ييوي سريعًا قبل أن يغادر المنزل على عجل.
جلست لين ييوي وحدها على السرير، تتأمل ما حدث قبل لحظات، ثم نهضت وبدأت بترتيب المكان.
بعد أن رتّبت غرفة النوم، انتقلت لترتيب غرفة المعيشة، ثم ذهبت إلى المطبخ.
كان هذا المنزل قد شُري في هذا العام، وكانت قد أشرفت بنفسها على تصميم كل جزء فيه.
حين أنهت تنظيف كل شيء، لم يبقَ ما تفعله. فعادت لين ييوي إلى غرفة المعيشة، وجلست على الأريكة، ثم التقطت ألبوم زفافهما، وبدأت تقلّب صفحاته ببطء.
عقب مدة غير معلومة، اتكأت على الأريكة وغفَت غفوةً خفيفة.
بعد وقتٍ وجيز، استيقظت لين ييوي فجأة. رأت أن سونغ تشيوتشن لم يعد بعد. أطرقت بنظرها نحو الألبوم من جديد. أغلقت غلافه، ووضعته جانبًا.
ثم نهضت وعادت إلى غرفة النوم.
لم يصل سونغ تشيوتشن إلى المنزل حتى اقتراب الفجر.
أول ما قام به كان البحث عنها.
فتح باب غرفة النوم، فرأى لين ييوي مستلقيةً على السرير تدير ظهرها للباب. تقدم سونغ تشيوتشن بخطى خفيفة ببطء.
كانت مغمضة العينين نائمة.
ولكي لا يُزعج راحتها، خلع ثيابه وخرج من غرفة النوم متوجهًا إلى الحمّام الآخر ليأخذ حمّامًا.
فتحت لين ييوي عينيها بعد خروجه من الغرفة.
لم تكن نائمة حقًّا. كانت فقط تظن أن هذا قد يجعله يشعر براحةٍ أكبر.
جلست ببطء. نهضت من السرير، وذهبت إلى المطبخ لغلي الماء، ثم أعدّت له المعكرونة.
حين خرج سونغ تشيوتشن من الحمام، كانت المعكرونة الساخنة التي أعدّتها لين ييوي جاهزة. سكبتها من القدر وقدّمتها له.
نظرت إليه وابتسمت، ثم قالت، “هل أنتَ جائع؟ تناول وعاءً من المعكرونة.”
اقترب سونغ تشيوتشن مرتديًا خفّيه. سحب كرسيًا وجلس.
لكن حين مرّت لين ييوي من جانبه، أمسك بها وأجلسها في حضنه.
وعاء من المعكرونة وزوج من أعواد الطعام.
أكلا معًا، لقمةً بعد لقمة.
وبعد أن أنهيا الطعام، كانت لين ييوي على وشك أن تنهض من حضنه لتغسل الصحون، غير أنها تفاجأت بأنه، على الرغم من أنه كان يأكل قبل لحظات، قد غفا على الكرسي وهو يعانقها.
تنهدت لين ييوي بهدوء. رفعت يدها ولمست وجنته بحذر.
لم تتحرك. فقط تركته يحتضنها.
ناما معًا لعدّة ساعات، متكئين على بعضهما عند مائدة الطعام، حتى بزغت الشمس.
***
في مطلع السنة الثانية من زواجهما، حملت لين ييوي.
وخلال الأشهر العشرة من الحمل، لم يكن لدى سونغ تشيوتشن وقتٌ كافٍ ليكون معها.
فقد رافقها إلى المستشفى لإجراء فحصٍ ما قبل الولادة مرةً واحدة فقط خلال كامل فترة الحمل. أما بقية الأوقات، فرافقتها والدة كِلٍّ من العائلتين.
رغم أن لين ييوي كانت حامِلة، إلا أنها بذلت جهدها للسيطرة على مشاعرها، ولم تشكُ إلى سونغ تشيوتشن.
لكن حين استطاع أخيرًا أن يرافقها إلى المستشفى قبل الولادة، شعرت بالحزن، فضمّته وبكت.
كانت ترغب في التنفيس عن كل ما عانته من صعوبات خلال الأشهر العشرة الماضية.
شعر سونغ تشيوتشن بالضيق حين رآها تبكي. تألم قلبه، واحمرّت عيناه من الحزن والقلق.
لكن الأصعب من كل ذلك، هو أنه حين اقترب موعد ولادتها، وقع حادثٌ كبير في وحدة الإطفاء.
وكان عليه أن يعود بسبب الحريق.
بينما كانت لين ييوي في غرفة الولادة بالمستشفى، كان سونغ تشيوتشن يواجه الحريق، وقد يفقد حياته في أي لحظة.
لكن، لحسن الحظ، انتهى الأمر بسلامٍ على الجانبين.
عاد سالمًا لرؤيتها هي وطفلهما.
كان صبيًّا.
قال سونغ تشيوتشن إنه لا يرجو سوى أن ينشأ الطفل بصحةٍ جيدة.
وهكذا، سمّياه سونغ كانغ.
***
بصفته أبًا، لم يكن لدى سونغ تشيوتشن وقتٌ كافٍ ليقضيه مع زوجته وابنه.
كادت ذكريات سونغ كانغ تخلو تمامًا من والده.
كان يعود أحيانًا متأخرًا في الليل، حين يكون الصغير قد نام. وحين يغادر صباحًا، لم يكن الطفل قد استيقظ بعد.
وحين كان سونغ تشيوتشن يحصل أخيرًا على إجازةٍ ليقضيها في المنزل، كان ابنه يختبئ خلف لين ييوي بخجل. وحين يراه، يرفض أن يدعه يلمسه، أو أن يطلب منه عناقًا.
كان سونغ تشيوتشن يقضي يومًا أو اثنين في محاولة التقرّب منه، ثم يضطر للعودة إلى فريقه.
وكل مرة يعود، يشعر بأن الأمور لم تتغير، وكأنه غريب بينهم من جديد.
تكرر هذا الأمر مرارًا. ولم يألف الطفل ذاك الرجل الذي يُدعى ‘أبي’ حتى بلغ الثالثة من عمره.
في إحدى الليالي، كانت لين ييوي تجري مكالمة فيديو مع سونغ تشيوتشن. فنادَت سونغ كانغ ليأتي.
احتضنت لين ييوي ابنها وقالت له بلطف، “كانغ كانغ، نادهِ أبي.”
حدّق سونغ كانغ إلى سونغ تشيوتشن في الجانب الآخر من مكالمة الفيديو بعينين غريبتين. ناداه بخجل، “عمي….”
لم تعرف لين ييوي كيف ترد، فقالت له، “هذا أبيك.”
“ألم تكن تقول إنك تشتاق إلى أبيك كل يوم؟ انظر، ها هو أبيك.”
وبعد فترة من التودّد والإقناع، غيّر سونغ كانغ أخيرًا نبرته ونادى سونغ تشيوتشن بفرح، “أبي!”
“أبي، متى ستعود؟”
“كانغ كانغ يريد أن يلعب معك ألعابًا.”
شعر سونغ تشيوتشن بالحزن والعجز. قرر أن يعود إلى المنزل ليكون مع ابنه في عطلة نهاية الأسبوع، فقال له، “أبيك سيعود في نهاية هذا الأسبوع. كانغ كانغ، قل لأبيك ماذا تريد.”
“أريد…” فكّر سونغ كانغ للحظة، ثم قال بصوته الطفولي، “أريد ألترامان! وأوتومان! النوع الذي يتحول!”
ابتسم سونغ تشيوتشن برقة، ووافق، “حسنًا. أبيك سيحضره لك عندما يعود إلى المنزل.”
لكن لم يكن أحد يتوقع أن تكون هذه مكالمة الفيديو الأخيرة التي تجمعهم كعائلة واحدة.
لم يعد في نهاية ذلك الأسبوع. ولم يكن ثمّة نهاية أسبوع أخرى يمكنهم فيها انتظار عودة سونغ تشيوتشن إلى المنزل.
في يوم الخميس من ذلك الأسبوع، اندلع حريق في شارع الطعام في مدينة شنيانغ.
توفي سونغ تشيوتشن أثناء تأديته لمهمته.
كان عمره اثنين وثلاثين عامًا فقط.
في نهاية ذلك الأسبوع، لم يعُد سونغ تشيوتشن إلى المنزل.
ظهرت لين ييوي في جنازته ومعها ابنهما.
لم يكن سونغ كانغ يدرك حقيقة الأمر بعد. كل ما كان يعرفه هو أن نهاية الأسبوع قد حلّت، وكان من المفترض أن يعود والده. فظلّ يبكي ويصرخ أنه يريد العودة إلى المنزل لرؤية أبيه.
كانت لين ييوي تُهزّ بلا توقّف من قبل ابنها، وعيناها لا تفارقان الجثمان الممدود. بدا وكأن روحها قد فُقدت، ولم يتبقَّ منها سوى قوقعةٍ خاوية.
تساقطت دموعها، وغمرت وجنتيها.
لكن، لن تكون هناك يد دافئة، جافة، خشنة الملمس، تمسح دموعها برفقٍ من جديد.
سُلّمت إلى لين ييوي وصيّة سونغ تشيوتشن الأخيرة.
وسُلّمت لها أيضًا لعبتا ألترامان وأوتومان اللتان كان سونغ تشيوتشن قد اشتراهما لابنهما.
***
“تشيوتشن، أنا حقًّا أريد أن أفتح مطعمًا صغيرًا.”
“افعلي ما تشائين، واغتنمي اللحظة كأنها آخر ما تبقى. لا تتركي في قلبكِ أثرًا من الندم يثقل كاهلكِ.”
لكنني غارقة في الندم…ندم لا يفارقني، ندمٍ على كل لحظة حملت فيها هذا الألم بصمت، على فراغك الذي أصبح جزءًا من روحي، ولا أجد طريقًا للعودة، ولا سبيلًا لتصحيح ما فات.
يتبع في الفصل القادم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 8 - وَصِيَّةُ الوَداعِ 2025-08-17
- 7 - لو أنَّ الوقت عاد بها 2025-08-17
- 6 - الزَّوَاجُ 2025-08-17
- 5 - الخُطوبة 2025-08-17
- 4 - القُبْلَة 2025-08-17
- 3 - المُواعَدةُ 2025-08-17
- 2 - التَّفاهُم 2025-08-17
- 1 - اللِّقاءُ 2025-08-17
التعليقات لهذا الفصل " 6"