2
الفصل 02
فلمّا ثبتت علاقتهما، تبع ذلك تَعَمُّق في فهم أحدهما للآخر.
وفي الحقّ، فإن الوقت لم يسعفهما كي تنمو مشاعرهما على مهل.
كان سونغ تشيوتشن قائدًا لفِرقة الإطفاء، يحمل أثقالًا جمّةً على عاتقه. كان منشغلًا بوظيفته في الدائرة، ولم يكن له من فراغٍ خارج العمل إلّا القليل.
ومع قلّة لقاءاتهما، لم تشعر لين ييوي بالسخط.
إذ لمّا علمت أن وظيفة قرينها المُقَدَّر في الموعد المُرتّب هي، رجل إطفاء، كانت قد أعدّت نفسها سلفًا لهذا.
ورؤيتها له، يوم اندفع إلى قلب النيران بغير تردُّد، أيقظت في قلبها يقينًا بأنه ما من بُدٍّ من القبول بهذا الواقع إن كانت راغبةً في الاستمرار معه.
وكان هذا يقينًا ثابتًا في صدرها.
***
كانت لين ييوي تَشْغَل وظيفةَ معلّمة في روضةٍ للأطفال.
ففي كلّ يومٍ من أيّام عملها، كانت تقضي وقتها بين ثُلّةٍ من الصغار. فإذا انقضى الدوام، رجعت إلى شقّتها الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها الثلاثين أو الأربعين مترًا مربعًا، فتُعدّ لنفسها عشاءًا يسيرًا.
ولم تكن من أهل المبادرة، بل كانت تخشى أن تُزعجه إن أرسلت إليه رسالة على غفلة، فتُربك عمله. ولهذا، فإنه بعد انقضاء شهرٍ على تعارفهما، لم تُرسل إليه رسالةً من تلقاء نفسها أبدًا.
وكانت المحادثات القليلة التي جرت بينهما خلال ذلك الوقت كلّها بمبادرةٍ من سونغ تشيوتشن.
فإذا سألها عن عَشائها في تلك الليلة، بعثت إليه بصورةٍ لِما أعدّته.
وكان هو، في غمرة انشغاله، يغتنم فُرصةً ليلتقط صورةً لأعضاء الفريق أثناء تدريبهم، ثم يسألها: [وأنتِ؟ ماذا تفعلين الآن؟]
وقد كان يسأل وهو عالمٌ بالجواب.
فمنذُ لقائهما الأول، أخبرته أنها تعمل معلّمة في روضةٍ للأطفال، وأنها تقضي نهارها معهم من الإثنين إلى الجمعة.
ولم تُنبّه لين ييوي أبدًا إلى تفاهة سؤاله ‘ماذا تفعلين’، بل كانت تبعث إليه دومًا ببعض الصور لأطفال الروضة.
ثم تكتب له: [أنا مع الصغار.]
وكانا بعدُ في طور التعارف. فالمحادثات، وإن شابها شيءٌ من التكلّف أو الحياء أحيانًا، لم تكن غريبةً أو متباعدة.
وقبل أن يكتمل شهران على تعارفهما بأسبوعٍ واحد، وردتها رسالةٌ من سونغ تشيوتشن مساء الخميس.
سونغ تشيوتشن: [هل أنتِ متفرّغة يوم السبت؟]
فخفق قلب لين ييوي خفقةً خفيفة.
ومسحت بأناملها النحيلة شاشة الهاتف، وكتبت: [همم، نعم.]
ثم أضافت، متردّدةً: [لِمَ تسأل؟]
وبعد حينٍ جاءه ردّه: [أودّ أن تلتقين بهذا الطفل الكبير.]
فانبثقت من وجهها دهشةٌ خفيفة، ولم تُدرك المعنى في الحال.
حتى وردتها رسالته التالية: [هل تريدين قضاء وقتٍ ممتع مع هذا الطفل الكبير؟]
ولم تكن تدري أن ابتسامةً صغيرةً ارتسمت على شفتيها، وأن أصابعها راحت تتنقّل بخفةٍ على الشاشة. [حسنًا.]
طفل كبير.
قهقهت لين ييوي ضاحكة.
فقد كانت كلّما تحدّثت إليه، تذكر أطفال الروضة الذين تشرف عليهم، وكانت تناديهم دائمًا بـ’الصغار’، فاختار هو أن يُسمّي نفسه ‘الطفل الكبير’.
وأمّا سونغ تشيوتشن، فقد حدّق في شاشة هاتفه المضيئة، ولمّا رأى كلمة ‘حسنًا’ التي أرسلتها، ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ صغيرة.
سونغ تشيوتشن: [سآتي لآخذكِ إذن.]
لين ييوي: [نعم، حسنًا.]
***
صباح السبت.
وقفت لين ييوي قبالة المرآة، تتأمّل هيئتها. بلوزة من الشيفون بأكمامٍ منسدلة، وتنورة سوداء من طراز حورية البحر تصل إلى منتصف الساق، وحذاء أسود ناعم لم تكن تنتعله كثيرًا.
وكان سونغ تشيوتشن قد قاد سيارته إلى المبنى الذي تسكنه، بحسب العنوان الذي أرسلته له. ولمّا ترجّل من السيارة وهمّ أن يتّصل بها، خرجت هي من المبنى.
رأى الرجل ذلك فضحك ضحكةً خفيفة، وقال بلهجةٍ يغلُب عليها اللّين، “ألم أقل لكِ أن تنتظريني حتى أبلغ المكان، وسأتّصل بكِ قبل أن تنزلي؟”
كان قد أخبرها بذلك لمّا خرج من منزله، لكن لين ييوي رأت أن الوقت قد حان، ولم تكن تظنّ أنها ستصادفه وهو متّكئٌ على باب السيّارة، والهاتف في يده، على وشك الاتصال بها، حين خرجت من المبنى.
رمشت بعينيها وقالت كاذبة، “رأيتُ سيّارتك من الأعلى.”
فما إن فرغت من كلامها، حتى ازداد البريق في عيني الرجل اتّقادًا وابتسامًا.
ولم تدرِ لين ييوي بَعدُ أن في الأمر ما يُريب.
فتح لها باب السيّارة، فركبت وربطت حزام الأمان بنفسها.
ولمّا انطلقت السيّارة في الطريق، أدركت لين ييوي أنها قالت ذلك كي لا تُثقل عليه، لكن….
كان ظاهرُ قولها يدلّ على أنها كانت تنتظره منذُ البدء.
فإذا بحرارةٍ تفور في وجنتيها فجأة.
ولحسن الحظ، فإن سونغ تشيوتشن كان مشغولًا بالقيادة، ولم يُدرك ارتباكها.
وقد اصطحبها ذاك الصباح إلى مدينة الملاهي في موعد غراميّ.
ولعله كان قد قرأ دليلًا على الشبكة، إذ اصطحبها إلى كلّ المحطات ‘الواجبة على العشّاق’ كما يُقال.
ركبا دولاب الهواء، ثم الخيول الدوّارة، ثم مرّا بعددٍ من الألعاب، حتى بلغ مسيرُهما إلى بيت الرُّعب.
كان المكان مظلمًا، تتخلّله أضواءٌ خافتة حمراء وخضراء تتلألأ من حينٍ لآخر، وتندفع من الجهات الأربع نَفَحاتٌ باردة، تزيد من رهبة الجوّ. فبفعل هذه المؤثّرات، اكتسى المكان كله جوًّا كئيبًا مشحونًا بالتوتّر.
وكانت لين ييوي، في ظاهرها، تبدو وادعةً ضعيفة، كأنها امرأةٌ ترهقها مثل هذه الأماكن المُرعبة.
غير أنها، في حقيقتها، لم تكن تخشى ذلك البتّة.
لكنّها تعثّرت على حين غرّة.
وفي اللحظة ذاتها، قبضت يدٌ على يدها بثبات.
كانت راحة كفّه خشنة، وأطراف أصابعه قاسية، فلمّا لامس جلد يدها، أحسّت بوخزٍ خفيف كأنه خدش.
فقفز الارتباك في قلب لين ييوي قفزًا.
ظلّ متمسكًا بيدها على ذلك، ولم يُفلِتها.
كان ممسكًا بيدها هكذا، وكأنه جرى مع الموقف، وكأنه أيضًا كان ينتظر اللحظة.
يده الدافئة الجافّة كانت تلفّ أصابعها النحيلة.
وسار بها متّجهًا إلى الأمام.
ولم تسحب يدها، بل تركته يقتادها برفق.
ولمّا حاصرهم أربعة أو خمسة من الأشباح المُزيّفين، جذبها سونغ تشيوتشن إلى صدره، وحال بينها وبين تلك الأيادي التي امتدّت تُحاول لمسها.
لكنه، مع ذلك، لم يُلامسها حقًّا، ولم يضمّها بشدّة.
كان كما لو أنه رجلٌ نبيل.
رفعت لين ييوي وجهها قليلًا، وفي ظلّ الضوء الخافت، لمحَت تقاسيم وجهه الجانبيّة الهادئة، وخطّ فكه المشدود بعض الشيء.
وفي اللحظة التالية، انحنى الرجل فجأةً ونظر إليها.
وكانت واثقةً بأن عينيهما التقتا للحظة.
فحوّلت بصرها على الفور، وقد احمرّ وجهها خجلًا، إذ أدركت أنه أبصرها وهي تحدّق فيه.
لكنّه همس فحسب، “لِمَ لم تعودي تكلّمينني منذُ زمن؟”
ففوجئت لين ييوي قليلًا، ثم أجابت بخفوت، “أنتَ مشغولٌ جدًّا، خفت أن أُربكك في عملك.…”
“كلا.” فقال بصوتٍ ثابت. “لن أشعر أنكِ تُربكينني.”
“أرسلي ما شئتِ في أي وقت، وسأردّ عليكِ متى رأيتُ الرسالة.”
أطرقت لين ييوي بعينيها الطويلتين، وقد حجبت الرموشُ الابتسامةَ التي لاحت في عينيها.
ولا تدري لمَ، لكن بهجةً ما دَبّت في قلبها فجأة.
فقالت، “حسنًا.”
***
“ييوي، أريد أن أواعدكِ رسميًّا.”
“حسنًا.”
يُتبع….
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 2 - الفَهْم 2025-07-01
- 1 - اللِّقاءُ 2025-07-01
التعليقات لهذا الفصل " 2"