1
الفصل 01
“مرحبًا، أنا سونغ تشيوتشن.”
إن أكثر ذكرى راودت لين ييوي لاحقًا، كانت يوم لقائها الأول بـ سونغ تشيوتشن؛ إذ أتاها الرجل مرتديًا زيًّا عسكريًا أخضر كحليّ اللون.
وكانت تلك أولى الكلمات التي خاطبها بها.
***
في يوم الموعد المُرتّب، دعا القائد إلى اجتماعٍ مقتضب، فحضره سونغ تشيوتشن على عجل، ثم همّ بالذهاب إلى مكان الموعد في حينه، إذ لم يكن ثَمّة وقتٌ ليعود فيبدّل ثيابه.
وكان من الأحرى ألا يتأخّر في لقائه الأول، فانطلق يقود عربته رأسًا إلى المطعم.
ولما بلغ المكان، إذا بالمطعم قد غُصّ بالزائرين، فرأى المرأة التي لم يرها من قبل إلا في صورٍ قليلة.
كانت ترتدي ثوبًا أبيض، وشَعرُها طويلٌ ناعم، وطباعُها وادعة. جلست هادئةً في موضعها، تحدّق في الأطباق الموضوعة أمامها.
كان زيّ سونغ تشيوتشن العسكريّ لافتًا للأنظار، بيد أنه لم يُعرِ انتباهَ الناس كبيرَ اهتمام، بل مشى إليها مباشرة، ووقف عند الطاولة، وأومأ برأسه قليلًا وقال بأدب، “مرحبًا.”
كانت لين ييوي آنذاك منشغلة في تأمّل التوابل المستعملة في الطبق الذي أمامها، فإذا بصوتٍ عميقٍ هادئٍ يبلغ سمعَها، فرفعت رأسها لترى. كان الرجل الواقف قبالتها ذا حاجبين كثّين، وملامح وسيمة، وعلى شفتيه طيفُ ابتسامةٍ خفيفة، ثم أردف قائلًا، “أنا سونغ تشيوتشن.”
فما إن رأته حتى نهضت من فورها، وابتسمت بخجل وقالت بصوتٍ خافت، “مرحبًا، تفضّل بالجلوس.”
جلسا، وكان الجوّ بينهما يشوبه شيءٌ من الحرج.
فكان سونغ تشيوتشن أول من كسر الصمت، فابتسم وسأل، “كم لبثتِ في الانتظار؟”
بدت لين ييوي خجولة بعض الشيء، وازداد احمرار وجهها حين نظرت إليه، ثم لما سمعت سؤاله أجابت، “لم أنتظر طويلًا.”
“أأتيت مباشرة من الاجتماع؟” وإن كانت تعرف الجواب في نفسها، إلا أنها أرادت أن تقول شيئًا.
فأجابها سونغ تشيوتشن بقوله، “نعم”، ثم استدرك موضحًا، “لم يكن الوقت كافيًا لأعود وأبدّل ثيابي.”
وفيما هو يتحدث، كانت لين ييوي تجمع خصلات شعرها المبعثرة، فلما رفعت بصرها مجددًا، رأته يحدّق بها، فازداد احمرار خدّيها خجلًا.
فراحت بارتباك تُزِيح خصلةً سقطت قرب أذنها، وخفضت رأسها.
فابتسم سونغ تشيوتشن وقال لها، “فلنأكل.”
وقد أولاها سونغ تشيوتشن رعايةً خاصّة أثناء الطعام؛ إذ لم يقتصر على صبّ الماء في كأسها كلّما نفد، بل ناولها منديلًا مبلّلًا أيضًا، وسرعان ما دفع الحساب حين غابت إلى دورة المياه، دون أن تخبره.
ثم لما خرجا من المطعم، سألها سونغ إن كانت ترغب في الذهاب إلى مكانٍ ما. فأحالَتِ الأمر إليه، فاتّخذ القرار وقادها إلى السينما.
ولما انقضى عرضُ الفيلم في ذلك اليوم، قال سونغ مازحًا، “لقد مرّت فترةٌ طويلة منذُ أن حظيتُ بظهيرةٍ هادئة ومريحة كهذه.”
وفي اللحظة التالية، تلقّى اتصالًا هاتفيًا.
“حسنًا، سأذهب في الحال. حضّروا العتاد من فضلكم.”
فلما أغلق الهاتف، همّ بالاعتذار من لين ييوي إذ اضطرّ للمغادرة، غير أنها سبقته بالسؤال، “هل لي أن أذهب معك؟”
لم يجد سونغ وقتًا ليتردّد، فهزّ رأسه موافقًا، ثم صعد السيارة وأدار محرّكها مسرعًا، وقال لها وهو ينظر أمامه، “لن أستطيع الاعتناء بكِ حين نصل، فأنتِ.…”
“لا تقلق بشأني، فافعل ما ينبغي عليك فعله.” قالتها ببالغ الاعتبار.
فقال سونغ تشيوتشن بنبرةٍ لا تخلو من المزاح، “الوقت مناسب تمامًا. هكذا يمكنكِ أن تستشعري طبيعة عملي على حقيقتها. فإن لم تستطيعي تقبّله الآن، فربما يمكنكِ أن تحاولي تقبّله لاحقًا.”
ثم أردف بجدية، “لا أعلم كم سأُشغل من الوقت. يمكنكِ أن تعودي من حيث أتيتِ. وإن بقيت لي فرصة، فربما نلتقي في موعدٍ آخر.”
لم تقل لين ييوي شيئًا، بل أومأت إقرارًا.
***
ولما بلغا مكان الحريق، قفز سونغ تشيوتشن من السيارة مسرعًا نحو شاحنة الإطفاء. رأت لين ييوي بعينها كيف ارتدى عُدّته ببراعةٍ ومهارة، ثم اندفع إلى قلب النيران ممسكًا بخرطوم الماء دون أدنى تردّد.
كان ظهره يشي بعزمٍ لا يلين.
ومضت الدقائق ثقيلة. لم تطق الجلوس في السيارة، فترجّلت ووقفت خارج المنطقة المحظورة.
وبعد زمنٍ لا يُعلم مقداره، أبصرت لين ييوي رجال الإطفاء يخرجون واحدًا تلو الآخر من المبنى الذي لا يزال يتصاعد منه الدخان، وقد ارتدوا العتاد وأقنعة التنفّس.
وكان آخر الخارجين هو القائد، سونغ تشيوتشن.
خلع قناعه، وإذا بوجهه قد اسودّ بالسُخام، غير أن عينيه ظلّتا صافيتين.
وفي اللحظة التي رآها فيها، ومضةُ دهشةٍ لمعَت في عينيه، إذ لم يكن يتوقّع بقاءها. ثم أقبل نحوها وهو يبتسم.
كان وجهه المغطّى بالسواد يبرز أسنانه البيضاء حين ابتسم، وظنّت لين ييوي في تلك اللحظة أنه لطيفٌ حقًا.
لقد كان لطيفًا جدًا.
اقترب سونغ تشيوتشن منها وقال وهو يبتسم بخجل. “ألم تغادري؟”
فأجابته لين ييوي مبتسمة، بنبرة هادئة، “كنتُ أختبر بجدّ إن كنتُ أستطيع تقبّل عملك حقًا.”
بدت على سونغ تشيوتشن مسحةُ قلق، ورفع يده إلى رأسه يعبث بشعره بتوتّر، ثم سألها، “وهل…استطعتِ؟”
قالت، “أستطيع أن أتفهّمه.”
وعلى الرغم من أنه كان متهيّئًا لسماع ذلك، إلا أن قلبه هبط في صدره لا إراديًا حين نطقت به.
لكن لين ييوي صمتت برهة، ثم استأنفت قائلة، “وأستطيع أن أتقبّله.”
تلألأت عيناه ببصيص أملٍ، ثم خبا سريعًا.
فقال بهدوءٍ واتّزان، “وإن كنتُ سأضحّي بنفسي لأجله؟” ثم أردف بلهجةٍ عقلانية. “إن كنتِ تفكّرين في الزواج بي، فعليكِ أن تضعي هذا الأمر في حسبانكِ.”
فأجابته، “أمّا أنا، فأرجو من قلبي أن تبقى سالمًا أبد الدهر.”
وبعد أن قالت لين ييوي ذلك، تبادلا ابتسامةً حانية، كانت تحمل الكثير من الفهم الصامت.
***
“وإن كنتُ سأضحّي بنفسي لأجل هذا؟”
“نعم.”
يُتبع….
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 2 - الفَهْم 2025-07-01
- 1 - اللِّقاءُ 2025-07-01
التعليقات لهذا الفصل " 1"