1
الفصل 001
“لقد حزمتُ بعض المال والمجوهرات. ينبغي أن يكون هذا كافيًا للعيش دون أيّ مشكلات.”
دفعت أنايس حقيبةً ثقيلةً نوعًا ما داخل العربة. أما دافني، التي كانت منكمشةً داخلها خوفًا من أن تُرى، فأصدرت صوتًا خافتًا.
“لن أنسى هذا المعروف أبدًا.”
“ما الذي تقولينه، يا دافني؟ لماذا تتحدثين بهذه الرسميّة بيننا؟ وأيُّ معروفٍ تقصدين؟”
هزّت أنايس رأسها نافيةً.
قبل عشرِ سنين، كانتا تدرسان بالأكاديمية ذاتها، وقد وقعتا في الحبّ مع الرجل ذاته آنذاك. ومع مرور الأيام، تزوّجته إحداهما وصارت أرقى سيّدةٍ في الإمبراطورية شأنًا، فيما رفضت الأخرى أن تكون عشيقته، فأصبحت مطلوبةً هاربة.
لم تستطع دافني النظر إلى أنايس، وخفضت رأسها.
“أنايس، إنّي آسفة حقًّا.”
“كلا. إنّ الذنب على زوجي الذي أصرّ رغم رفضكِ. أنا آسفة لأنّي لم أستطع أن أقدّم لكِ أكثر من هذا.”
مسحت أنايس الدموع التي كانت تنهمر على وجنتي دافني وهي تتحدث.
“حين تصلين، ستكون أمّكِ وأختكِ الصغرى بانتظاركِ. آمل أن تعيشي سعيدة.”
“شكرًا لكِ كثيرًا.”
“لا يوجد وقت. اذهبي سريعًا.”
أومأت أنايس برأسها وأغلقت بنفسها باب العربة الخالية من الزخارف.
كليك!
انبعث صوت إقفال الباب من الخارج، ثمّ ابتسمت أنايس من خلال النافذة. حدّقت دافني بها بدهشة.
‘تلك الابتسامة!’
لقد ابتسمت أنايس بتلك الطريقة نفسها حين سرقت خطيب دافني، الذي صار الآن زوجها.
وكان الأمر نفسه عندما انهارت عائلة دافني وطاردهم الدائنون. تلك الابتسامة التي أشارت إلى أنها استمتعت بما حدث تحولت تدريجيًا إلى ضحك.
بعد أن ضحكت حتى أدمعت عيناها بدموعٍ بسيطة بعض الشيء، قالت.
“آه، أخيرًا أستطيع أن أنهي هذه العلاقة المشؤومة العنيدة.”
“أنايس!”
حاولت دافني فتح باب العربة، لكنه لم يتحرّك.
“دافني. شكرًا لكِ كثيرًا. لقد كان من الممتع حقًّا تعذيبكِ طوال هذا الوقت.”
“ممتع أن تعذّبيني؟”
“نعم. أتظنّين أني وقفتُ متفرّجةً حين انهارت عائلتكِ وصرتم في الشوارع؟ لقد كان لي دورٌ كبير في ذلك. سيكون من المؤسف أن تموتي دون أن تعلمي.”
ثمّ اقتربت من الباب وخفّضت صوتها قليلًا.
“كنتُ أودّ تعذيبكِ لوقتٍ أطول……يا للأسف.”
ألقت أنايس وداعها الأخير على دافني التي كانت تبكي.
“الآن حان وقتكِ للذهاب إلى الجحيم. وداعًا!”
وما إن لوّحت بيدها حتى بدأت العربة تتحرّك كأنّها كانت تنتظر إشارَتَها.
فقدت دافني توازنها وسقطت عند الانطلاق المفاجئ. حاولت النهوض بطريقةٍ ما، لكن بلا جدوى. كانت العربة تندفع بسرعةٍ جعلت من الصعب حتّى الجلوس بثبات.
زحفت دافني على الأرض وفتحت الحقيبة التي سلّمتها لها أنايس.
ها!
كانت مليئةً بالحجارة والقمامة.
حين أدركت أنها خُدعت مجددًا، انهمرت دموعها.
“لِمَ كلّ هذه القسوة؟ ماذا فعلتُ…….”
بكت دافني وهي تهز رأسها.
كلا، كنتُ أنا المخطئة.
أن تكون أضعف وأكثر غباءً من عدوّك كان خطأ.
ألم يكن الأمر نفسه حتى الآن؟ أن تكون يائسة إلى هذا الحد لدرجة أنها أمسكت يد أنايس مرة أخرى، ألم يكن هذا هو المتوقع؟
خلال الرحلة داخل العربة، استرجعت دافني ذكرياتها.
لقد كانت ابنة المركيز أرمين، أرقى العائلات النبيلة في الإمبراطورية. ومع ذلك، حدث انهيار تلك العائلة العظيمة في لحظة.
بدأ كلّ شيءٍ بخطبةٍ فُسخت.
خطيبها، الذي كان معها منذ الطفولة، طلب بفسخ الخِطبة، مدّعيًا أنّه وقع في حبّ أنايس.
ثمّ مات والدها وأخويها الأكبران واحدًا تلو الآخر، واستولى الدائنون على كلّ ما يملكون.
عملت دافني في كلّ شيءٍ لأجل أمّها وأخوها الأصغر.
بدأت كمربية، ثمّ تولّت الأعمال الوضيعة التي تقوم بها الخادمات عادةً، ثم أصبحت عميلة سرّية، وفي النهاية عقدت زواجًا شكليًّا.
“يا لها من حياةٍ مليئة بالمصاعب.”
لكنّ المصائب لم تنتهِ بعد.
فخطيبها السابق، الذي تخلّى عنها وتزوّج أنايس، عاد ليطلب منها أن تكون عشيقته.
وأثناء هروبها منه، انتهى بها المطاف في هذا الوضع الصعب.
لو لم يُهدِّد حياة أمّها وأخوها الأصغر، لما طلبت دافني المساعدة من أنايس أبدًا.
كانت على وشك أن تبدأ بالدعاء كالعادة، حين اجتاح قلبها شعور مفاجئ بالاستياء.
‘أليس الوقت قد حان لتساعدني؟’
كم هو بعيدٌ ذاك الحاكم حتى لم تَصِل إليه أدعيتُها بعد؟
‘لا يهمّ إن كان حاكمًا أم شيطانًا، أرجوكَ، ساعدني! لا أريد أن أموت هنا!’
عندما غربت الشمس وحلّ الظلام، توقّفت العربة. فتح السائق الباب ودخل العربة، ثم رمى دافني خارجًا.
رمشت، ونظرت من حولها. في ضوء القمر، لم يكن هناك سوى الأشجار والعُشب البرّي من كلّ جانب.
ابتسم السائق.
“لا بدّ أنّ هذه اللعبة جديدةٌ على آنسةٍ نبيلةٍ مثلكِ.”
أخرج فأسًا صغيرة من خصره ودوّرها بيده.
“اركضي بأسرع ما تستطيعين. سأعدّ حتى المئة ثم ألحق بكِ. لا، بما أن حالكِ يرثى له، هل أمنحكِ فرصة إضافية؟ مئتان، مئةٌ وتسعةٌ وتسعون، مئةٌ وثمانيةٌ وتسعون…….”
رغم الفَزَع الشديد، فهِمَت دافني الموقف بسرعةٍ ونهَضَت قبل أن يصل العدّ إلى مئةٍ وسبعةٍ وتسعين، وركضت بسرعةٍ لا تليق بآنسةٍ من النبلاء.
حتى لو لم يساعدها الحاكم ولا الشيطان، فلن تستسلم حتى النهاية.
غير أنّ الغابة كانت مليئةً بالعوائق، ولم يكن ضوء القمر كافيًا لترى طريقها. وفي النهاية، تعثّرت بحجرٍ وسقطت.
لسوء الحظ، سقطت فوق شجيرةٍ من الأشواك، وكلّما حاولت الإفلات منها ازدادت التفافًا حول جسدها. ومهما جاهدت لتحرّر نفسها، شعرت وكأنّ القدر يلتفّ حولها، مشدّدًا قيوده بلا رحمة.
اقترب صوت السائق وهو يعدّ.
“يا آنستي، هل تركضين جيدًا؟ لن تكون اللعبة ممتعة إن أمسكتُ بكِ بسهولة.”
جاهدت دافني بكل ما تبقّى لديها لتتحرّر.
ثم حدث الأمر.
آآآه!
صرخ السائق صرخةً حادّة، ثم تلاه صوتٌ مألوف.
“دافني!”
ارتجف جسدها كلّه.
ليونهايدت.
صديقٌ قديم، وخطيبٌ سابق، والخائن الذي تركها ليتزوّج أنايس. ولم يكتفِ بذلك، بل أصرّ لاحقًا أن تكون عشيقته.
أمسكت بيد أنايس للهروب منه، لكنها وجدت نفسها في هذا الحال.
ليونهايدت هو الذي أوصلها إلى هذا الحال.
كان وجوده أرعبها أكثر من الأشواك التي كانت تلتفّ حولها.
مزّقت دافني الأغصان بيديها العاريتين حتى تمزّق لحمها، وسال منها دفءٌ لزجّ، لكنها لم تشعر بالألم.
فبعد كل شيء، لا ألم أسوأ من أن تُمسك.
لا بدّ أن ليونهايدت قد جلب أتباعه، إذ ارتفعت الأصوات من كلّ الجهات. صاح أحدهم.
“من هذا الاتجاه، يا سيدي!”
بجسدها المصاب، لم تستطع مجاراة الفرسان المدربين.
غمر اليأس قلب دافني وهي تسمع خطوات الأقدام تقترب منها مسرعة.
وفي تلك اللحظة، انهارت الأرض تحت قدميها.
تدحرجت إلى أسفل المنحدر حتى اصطدمت بشجرةٍ أوقفتها أخيرًا. انتشر الألم في صدرها بشدّة، وكأن ضلعًا قد انكسر. تمسكت بالشجرة بذراعيها وهي تلهث، وكان كل شهيقٍ يجعلها تشعر وكأن أحشاؤها تتلوّى.
وعندما استعادت وعيها، أدركت أنها تتدلّى على حافة جرفٍ شديد الانحدار. كانت الشجرة التي تتشبّث بها عند حافة الجرف، بحيث لم يكن بالإمكان رؤية قاعه حتى في ضوء القمر الساطع.
أغلقت عينيها بإحكام من شدة الدوار الناتج عن الارتفاع الشاهق. لم يكن هناك مكان آخر يمكنها الذهاب إليه.
‘لا أستطيع أن أموت هكذا.’
وهي معلّقةٌ على حافّة الجرف، بالكاد قادرةٍ على التنفّس، رفضت أن تستسلم.
“دافني، أجيبي!”
ومن بين نداءات ليونهايدت القلقة القادمة من بعيد، تردّد صوتٌ آخر.
[أتُريدين أن تعيشي؟]
فتحت دافني عينيها المغمضتين بإحكام.
غَررر. تبِع السؤالَ ضحكةٌ غليظةٌ كزئيرِ وحشٍ خفيٍّ، لا يمكن أن تصدر عن إنسان.
ورغم أنّ الصوت انبعث من أعماق الجرف الشاهق، إلا أنّه بدا قريبًا منها حدَّ الهمس عند أذنها.
حدّقت دافني نحو الأسفل وكأنها مسحورة بسحرٍ غامض. ومن الظلام الدامس تحتها، تردّد الصوت مجددًا.
[أليس من المُحبط أن تُنقَذي فحسب؟ ألن يكون أفضل أن تعودي إلى الماضي وتغيّري كلَّ شيء؟]
وكأنها مشبعة بقوةٍ سحرية، ازداد إغراء الصوت القادم من قاع الجرف جاذبيةً مع كل كلمةٍ تُقال.
[أنقذي عائلتكِ، وانتقمي من أعدائكِ….]
ثم ضحِكَ مرةً ثانية، بصوتٍ خافتٍ هذه المرة. وجدت دافني نفسها تُومئ بلا وعي.
كم كانت هذه الكلمات المستحيلة عذبةً، وامتزجت دموع الحزن بالارتياح وهي تنهمر على وجهها.
لم يكن هذا صوتَ حاكم. لقد ظهر مباشرةً بعد أن دَعَت أن تبيع روحها لأي كان ليُنقذها.
لكن ما الفرق؟
وجدت نفسها تسأل بصوتٍ عالٍ.
“أيمكنك حقًّا أن تفعل ذلك؟”
في ظلمة الليل، لم يكن قاع الجرف شديد الانحدار يُرى البتّة. ومع ذلك، شعرت بوضوحٍ أنّه يهزّ رأسه.
[سأساعدكِ على العودة إلى الماضي. اقفزي.]
لم يكن ذلك منطقيًّا.
‘لكن، هل لديّ خيارٌ آخر؟’
تلاشى كلّ عقلٍ ومنطقٍ بينما كانت تنجذب إليه كما لو أُحيطت بسحرٍ خفيّ. خطر ببالها متأخرًا أن تكون مسحورة، لكنّ دافني لم تستطع أن تتخلص من ذلك الشعور.
كان الإغراء شديد الجاذبية والقوة.
كأنّ نداءاتِ ليونهايدت كانت تحاول كسرَ ذلك السحر، دوَّت صرخاته من جديد. وفي اللحظة نفسها، بدأ جسدُ دافني، المتدلّي على جذع الشجرة، ينزلق تدريجيًّا إلى الأسفل.
[أسرعي.]
بينما كان الصوت من أسفل الجرف يحثّها بلهفة، تقدّم ليونهايدت عبر الأشجار الكثيفة حتى ظهر أمامها.
“دافني!”
توقف فجأةً عندما رآها متدليةً من الشجرة.
“لا تتحرّكي. سأنقذكِ حالًا.”
لكن دافني كانت قد اتّخذت قرارها بالفعل.
“دافني، أرجوكِ، لا تفعلي هذا.”
هزّ ليونهايدت رأسه ودموعه تنساب على وجهه.
“دافني، أنا أيضًا ضحية إذا نظرتِ إلى الأمر من منظوري. سأشرح لكِ كل شيء. أرجوكِ!”
توسّل ليونهايدت باكيًا.
يتبع في الفصل القادم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"