ابتلعت أريانا ريقها وهي تقترب منه ببطء.
كانت تتوقّع إلى حدّ ما ما سيحدث بعد ذلك، لكن عندما جذبها كينيث إلى حضنه وأجلسها، تفاجأت.
“آه!”
مع اقتراب صدرهما، شعرت بحرارة وجهها بسبب رائحته المنبعثة من عنقه.
حاولت تغيير وضعيتها، لكن ذلك أدّى فقط إلى مزيد من الحرج، فحوّلت نظرها بسرعة نحو النافذة.
لكنّها أدركت أنّ الزجاج يعكس صورتها، فاختارت التحديق في كتفه بدلاً من ذلك.
كانت يده التي تمسك خصرها بقوّة ساخنة كالنار، مما جعل عمودها الفقري يرتجف دون سيطرة.
“ألم تقولي أنّك ستستمتعين ببقية وقتكِ معي ، أليس كذلك؟ الآن دوركِ.”
“لكن، هنا؟”
نظرت أريانا حولها بقلق.
هذا مكان للعمل ومناقشة الأمور الرسميّة. لماذا يترك غرفة النوم المناسبة؟
أشار كينيث بيده الأخرى إلى الوثائق.
“لأنّ لديّ عمل لأنجزه، وليس لديكِ شيء تفعلينه.”
“……”
بذلت أريانا جهدًا لعدم عبوس وجهها.
من الذي جعلها كدمية موضوعة على الرف؟ من الذي وضعها في موقف حيث تنتظر قدومه بشكل أعمى؟
‘لا تدعي الغضب يسيطر عليكِ.’
الغضب والإحباط يتطلّبان الحبّ، لكنّها لا تحبّه.
لم يكن هناك سبب لتشكو من إرهاق جسدها.
‘بل، فلأعتبر هذا أمرًا جيدًا.’
إذا كان هذا الرجل يتّخذ تدابير لمنع “الأخطاء”، فلا بدّ أن يكون هناك أثر ما …
وضعت أريانا ذراعيها حول عنق كينيث.
“نعم، هذا صحيح. كلامكَ منطقي.”
“……”
“أنا التي ليس لديّ شيء لأفعله يجب أن تأتي.”
وضعت أريانا يدها على ربطة عنقه.
“… سأبذل قصارى جهدي.”
و انزلقت ربطة العنق الحريريّة من يدها و هي تتدفّق بسلاسة إلى الأرض.
* * *
كان هواء غرفة العمل البارد عادةً خانقًا بحرارة غير معتادة.
لكن نسيم المساء بدأ يتسلّل تدريجيًا إلى الفضاء المشبع بالحرارة.
كان كينيث ينظر إلى أريانا وهي مستلقية.
بالقرب من رأسها الصغير، كان هناك إطار صورة مقلوب.
إطار يحتوي على صورة صحفيّة لأريانا وهي تبتسم بسعادة في حضن رجل آخر.
حوّل كينيث نظره ببطء من الإطار إلى أريانا الحقيقيّة.
كانت أريانا تتنفّس بعمق، ووجهها ورديّ اللون. شفتاها المنتفختان من العضّ كانتا مفتوحتين قليلاً.
قبل ساعتين فقط، كانت تصدر أصواتًا، لكنّها الآن تبدو وكأنّها لا تستطيع إصدار حتّى همهمة.
تذكّر كينيث توسّلها المقطّع الذي سمعه عندما حرّكت شفتيها.
‘ساعدني …’
‘كيف؟’
بينما كان ينظر إلى وجهها، توقّع أن تقول إنّها لا تستطيع الاستمرار.
أدرك في منتصف الأمر أنّ أريانا كانت تتظاهر. نجحت في فكّ ربطة العنق، لكنّها بعدها كانت تكافح بشكل مضحك.
لكن أريانا كانت أكثر حماسًا ممّا توقّع. ربّما بشكل مريب بعض الشيء. أمسكت يده بلطف و مدتها ليحيط خصرها.
‘… لا أستطيع لوحدي’
تذكّر كيف فقد صوابه بسبب هديّة الإمبراطورة واندفع نحوها، لكنّه توقّف في منتصف الأمر، لكنّها هي من تشبّثت به بإصرار أكبر.
‘ما الذي تفكّر فيه بحقّ السماء؟’
هذه المرأة منافقة، يجب أن تُكره، ونواياها الخفيّة محيّرة.
لكنّه قرّر ألّا يسأل بصوت عالٍ.
ما الفائدة من القلق في هذه العلاقة الآن؟
هذه المشاعر تنتمي إلى من لديهم قلوب ضعيفة.
حتّى لو قالت أريانا شيئًا ، فما مدى مصداقيّة ذلك؟
في تلك اللحظة، أصدرت أريانا، بعيون مغلقة، أنينًا خافتًا.
“مم …”
أزال كينيث خصلة شعر ملتصقة بخدها وسخر.
“إنّ شعوركِ بالإرهاق يعني أنّكِ بلا ضمير، أريانا.”
“ماذا يعني ذلك …”
“يبدو أنّني من قام بكلّ شيء هذه المرّة أيضًا.”
تحوّل وجه أريانا من ورديّ إلى أحمر داكن.
توقّع أن تردّ عليه بعصبيّة، لكن عينيها كانتا خاليتين من أيّ تعبير، كما لو أنّها لم تبدُ كذلك من قبل.
حاولت أريانا النهوض مستندةً إلى المكتب، متلوّية بيديها.
“أعتذر … إذا كان الأمر سيّئًا لهذه الدرجة، سأحاول مجدّدًا.”
“……”
“لحظة فقط-“
“كفى.”
ظهرت تجعيدة ساخطة على جبين كينيث.
لم يكن يعرف في الأيّام الخوالي، لكن أريانا كانت بارعة في إثارة أعصابه أكثر ممّا توقّع.
تكون نشيطة في الأماكن التي لا تحتاج إلى ذلك، وتُظهر عنادًا غريبًا في الأوقات التي يجب أن تعترف فيها بالإرهاق.
حملها وهي تتعثّر أثناء محاولتها النهوض.
“آه …!”
أصدرت أريانا صوتًا مكتومًا من المفاجأة، لكنّها كانت بلا قوّة، فاستسلمت لحضنه كما لو أنّها تُسحب إليه.
كانت أذناها محمّرتين بالفعل.
“لحظة، هكذا مرّة أخرى-“
“أريانا، أعلم جيدًا أنّكِ تعاملينني كأداة للمتعة.”
عبس وهو يعاملها كشخص يفكّر بغرابة، مشيرًا إلى بعض الأغراض المتساقطة على الأرض.
“لكن إسقاط المزيد من الأشياء من على المكتب لن يفيد.”
“……”
“يبدو أنّ تلك الوثائق ستحتاج إلى إعادة كتابة.”
عندما نقر بلسانه بصوت خافت، تقلّصت كتفي أريانا. شاهد كينيث بصمت آخر ضوء الغروب يتلامع على رموشها المخفّضة.
قبل أن يُغرق في الجمال الصامت، حوّل رأسه لينظر عبر النافذة.
“لذا، ابقي هادئة.”
“……”
مالت أريانا ببطء نحوه. لم يتكلّم أيّ منهما.
كان قد استدعاها إلى غرفة العمل في وقت متأخّر من بعد الظهر، لكن السماء خارج النافذة كانت الآن ملوّنة باللون الأرجواني الباهت.
“… سمعت أنّكِ استدعيتِ تلك الصحفيّة مجدّدًا.”
“سمعتَ بذلك…؟”
“هل هناك شيء يحدث في هذا القصر ولا أعلم به؟”
لكن تسميتها صحفيّة قد يكون أمرًا مشكوكًا فيه.
تقلّبت أريانا في حضنه وهي تهمس.
“أعجبني ما قدّمته هذه المرّة، لذا طلبت منها أن تتولّى أمري في المستقبل.”
“أخيرًا، بدأتِ تستغلّين ميزانيّة الملابس بشكل مفيد.”
سخر كينيث ببرود وهو يجذب خصرها. حتّى مع الحركة الخفيفة، تسرب أنين خافت.
“آه!”
“جهّزي نفسكِ للرحيل.”
“سيّدي الدوق، لحظة …”
“لن نعود إلى هنا لفترة.”
لم تجب أريانا و هي متعبة ، لكنّها وضعت ذراعيها حول عنقه وأومأت برأسها.
أغلق كينيث عينيه عندما لامست وجنتاها الساخنتان عنقه.
لا يزال الكره الحارق يحرق حلقه، لكن هذا كان مقبولاً الآن.
‘لا يزال مقبولاً.’
طالما أنّه في موقع السيطرة في هذه العلاقة.
طالما أنّها تتشبّث به.
لكن قبل المغادرة، سيتعيّن عليه تحذير من يحتاجون إلى تحذير بشكل صحيح.
* * *
عندما أعلنت عائلة الدوق عن خطّتها للانتقال إلى الجنوب، ضجّ المجتمع الراقي في لنتيا.
حتّى لو كان دوق كليفورد يفضّل حضور الاجتماعات التجاريّة على الحفلات الاجتماعيّة ، كان هناك من يأملون في حضوره.
لذا، قبل مغادرة العائلة، تدفّقت الدعوات من أشخاص يتسارعون لتحديد مواعيد للقاء. وكان من بينهم عائلات تستطلع إمكانيّة مرافقتهم إلى الجنوب.
في كلتا الحالتين، كان على عائلة الدوق أن تتكيّف مع أولئك الذين اختلّت خططهم إلى حدّ ما.
قرّر أن يخرجوا إلى أراضي صيد خارجيّة مع عائلات أخرى لم تتطابق مواعيدهم.
عندما عاد كينيث للتوّ، كان الناس يتردّدون في دعوته إلى أنشطة قد تذكّره بالمأساة القديمة: البنادق ، الأوبرا ، الجمعيّات الخيريّة ، السفر الطويل.
لكن بدون هذه الأنشطة، كان التفاعل بين الناس مستحيلاً، و الأهم من ذلك، لم يستطع تحمّل السماح للماضي بإخضاعه.
لذلك، على الرغم من أنّه لم يكن مولعًا بالصيد سابقًا، إلّا أنّه بعد تجربة قريبة من الموت، أصبح أكثر انغماسًا فيه.
يظهر الهدف في المنظار.
ثمّ يُنهي حياته.
طاخ-!
مرّت رائحة البارود الحادّة بأنفه، وتصاعد الدخان من فوهة البندقيّة. لم يكن نوع الحيوان الصغير غير المهم الذي اصطاده يهمّ كينيث كثيرًا.
‘هذا تأهيل.’
كان الأمر مشابهًا لما تعرّض له سابقًا.
بعد أن تحوّل من فريسة إلى صيّاد، لم تعد حادثة دار الأوبرا كابوسًا حتّى. عندما جلب الخادم الفريسة المصابة، ارتفعت هتافات معتدلة من حوله.
“رائع، سيدي الدوق!”
“إصابة مثاليّة هذه المرّة أيضًا.”
بينما كان يردّ على المديح غير المهم ، ركّز نظره على رجل ذو شعر أشقر بلاتينيّ.
كان داميان باتيست ينظر باستمرار نحو قصر الدوق منذ قليل.
التعليقات لهذا الفصل " 33"