كانت آريانا تنظر إلى كينيث بهدوء. بدت عيناه الزرقاوان وكأنّهما مغطّتان بحجاب، بعيدتين بشكل غريب.
“الحب؟”
كينيث لوى شفتيه بسخرية لهذا المصطلح المضحك.
منذ أن بدأت حالات الزواج عن حبّ تظهر في الإمبراطوريّة، أصبحت هذه الكلمة العبثيّة تتغلغل بشكل مفرط في طبقة كريميسا العليا.
“نعم. يبدو أنّ السيّدة بايرن ظنّت أنّ مساعدتك لي كانت بسبب مثل هذه المشاعر.”
“ها.”
أخفى ضحكة ساخرة بتنهيدة.
“وماذا أجبتِ؟”
“قلت إنّنا، بعقلانيّة، لسنا في مثل هذه العلاقة. لذا طلبتُ من السيّدة بايرن ألّا تضيّع وقتها في مثل هذه المزحات.”
“…”
“إذا بقيَت هادئة، فسيفكّر سموّك بها كخيار تالٍ من تلقاء نفسه. مثلما فعل الآخرون بالأمس.”
تذكّر كينيث الحديث الذي دار عندما أخذ آريانا بالأمس.
«ألم تكن السيّدة ثيودورا هي من زيّنت داخل هذه السفينة؟ مع هذه الرؤية ، بالتأكيد في فندق إيليسيا …»
كان الحديث يدور حول ثيودورا لأنّها المسؤولة عن ديكور السفينة.
أدارت آريانا رأسها تمامًا نحو البحر.
“…إنّكما تتناسبان. كـ’الشريكة المناسبة’ التي ستختارها يومًا ما.”
“لم أكن أعلم أنّكِ تلعبين دور الخاطبة أيضًا.”
ضحك كينيث بسخرية باردة.
الشعور الذي أحسّ به عندما رأى وجهها الأبيض في المقهى لأوّل مرّة كان يتلاشى مثل الجزر. وبدلاً من ذلك، اجتاحته موجة من السخرية الحادّة.
“أنتِ زوجة رديئة، لكن لديكِ عين جيّدة لاختيار زوجتي القادمة.”
“…”
“شكرًا على ذلك.”
بدت آريانا وكأنّ وجهها الأبيض أصبح أكثر شحوبًا. لم يكن واضحًا إن كان ذلك بسبب أشعّة الشمس أم الإرهاق المتراكم.
“لكن، سيدي الدوق، أنتَ أيضًا لا تهتمّ بي، أليس كذلك؟ لم تحتفظ بي بسبب أيّ مشاعر …”
“لا، أنا على وشك أن أقرّر الاهتمام بكِ الآن.”
“ماذا؟ ماذا تعني …”
“بعد ليلة الأمس، أدركت أنّكِ لم تكوني تتبجّحين فحسب.”
أراد أن يرى تعبير آريانا يتلوّى.
أن يحمرّ وجهها باللوم والخجل. أيّ شيء.
“لقد كان هذا هو استخدامكِ الحقيقي.”
“…”
“بما أنّكِ لستِ موهوبة في استقبال الضيوف أو إدارة العلاقات، فمن الآن فصاعدًا، ركّزي على أمور غرفة النوم.”
“…حسنًا.”
همست آريانا بوجه خالٍ من أيّ تعبير، كما لو أنّ أحداث الأمس لم تطرأ على بالها.
بدا كأنّ يديها المحيطتين بفنجان الشاي قد تجمّدتا.
“سأفعل ذلك جيدًا على الأقل.”
* * *
بعد انتهاء الحديث، بقي كينيث بمفرده في المقهى.
بعد أن أجابت أنّها ستؤدّي واجباتها الليليّة جيدًا، لم تتحدّث آريانا للحظات.
لكن عندما رنّ صوت بوق السفينة، نهضت من مكانها أوّلاً.
تعثّرت قليلاً، لكن لم تكن هناك حاجة لمساعدتها.
«يبدو أنّنا سنعود إلى الرصيف قريبًا. سأطلب التحضير للعودة»
لم يذهب كينيث معها.
كان الدخان يتصاعد في حلقه، وأدرك أنّ البقاء في نفس المكان سيؤدّي إلى قول كلمات دنيئة. لذا، كان من الأفضل أن يبقى بمفرده حتى تهدأ هذه العاطفة الجيّاشة.
«لقد كان هذا هو استخدامكِ الحقيقي»
«حسنًا. سأفعل ذلك جيدًا على الأقل»
كان نبرة الاستسلام المختلفة تمامًا عن ليلة الأمس مزعجة.
لكن ما كان يخدش داخله أكثر كان كلامها السابق.
«قلتُ إنّني لا أحبّك ، لذا لا داعي لمثل هذه الأفعال»
كانت هذه أوّل مرّة تُسمِعُه فيها آريانا تعبيرًا مباشرًا عن مشاعرها.
تذكّر كينيث الإطار الموضوع على مكتب العمل. امرأة كانت غارقة في السعادة بحبّ الأمير الإمبراطوري ، لا تعرف ماذا تفعل بنفسها.
كانت تحبّ الجبان الذي هرب تاركًا إيّاها.
كان يعرف هذه الحقيقة بالفعل، لكن لم يفهم لماذا شعر بها كأنّها جديدة.
بينما كان يحدّق في الفراغ دون حراك، اقترب روجر بحذر.
“سيّدي ، الجدول التالي …”
“حسنًا، سأنهض.”
عندما نهض، لم يكن على وجه كينيث أيّ أثر للاضطراب.
كان مجرّد شعور جديد، لكن لا شيء يستدعي الاضطراب، أليس كذلك؟
‘إذا كان هذا هو كلّ ما تريدينه، فهذا واضح.’
إذا كان التدحرج في غرفة النوم هو النهاية، فهذا أمر حقير، لكن يكفي.
“ما الذي يجب معالجته أوّلاً عندما نصل إلى القصر؟”
“يجب عليك تحديد جدول زيارة ميناء إيليسيا، سيّدي.”
“صحيح … يجب أن أذهب خلال الصيف”
كان افتتاح فندق بلايس متوقّعًا في أواخر الخريف.
لذا، كان كينيث يخطّط لزيارة الجنوب عدّة مرّات خلال موسم التواصل الاجتماعي، لكن روجر أضاف: “ألن يكون من الأفضل تأجيل ذلك؟ هناك مسألة النوّاب من النبلاء المحليّين …”
“همم.”
بما أنّ والديه اغتيلا أثناء ذهابهما إلى جمعيّة خيريّة، ظلّت أعمال الجنوب مهملة لفترة طويلة. كان يجب إعادة خطط الأعمال في تلك المنطقة إلى مسارها الصحيح بأسرع وقت ليُقال إنّ عائلة الدوق قد ‘انتعشت’ حقًا.
‘لكن خلفيّات هؤلاء النوّاب الجدد مقلقة.’
كانوا مجرّد أثرياء جدد بلا رابط مشترك واضح، لكن كان هناك مجال مقلق.
‘تصنيع الذخيرة والمتفجّرات.’
هل كان مفرط الحساسيّة بسبب ما حدث لوالديه؟
بينما كان كينيث و روجر يتحدّثان ويغادران المقهى، سأل نادل المقهى أحد أتباع كينيث: “هل نرسل هذا إلى الجناح؟”
كان الترايفل المُعدّ لآريانا موضوعًا في وعاء عميق على صينيّة فضيّة بكلتا يديه.
كان الكعك الإسفنجي مشبّعًا بشراب النبيذ، مغطّى بكريمة ثقيلة وفراولة وتوت بري بكثرة، كما يليق بحلوى للكبار.
لم يكن القول بأنّ هذه السفينة تهتمّ بالطعام والشراب مبالغة. كان هذا النوع من الحلوى كافيًا لتحسين حالة امرأة شاحبة الوجه.
لكن الحلوى التي كان يفترض أن تبدو شهيّة بدت مقزّزة كما لو كانت مصنوعة من الطين.
أدار كينيث عينيه الغارقتين في الظلام. رغم أنّ السؤال وُجّه إلى تابعه، كان يعلم أنّه عليه الإجابة بنفسه.
“أعده إلى المطبخ.”
ما الحاجة إلى الاهتمام في علاقة لا تتطلّب ذلك أصلاً؟
* * *
كانت الرحلة عودة إلى قصر الدوق أكثر هدوءًا من الذهاب.
لم تتذكّر آريانا كيف قضت الوقت في نفس العربة مع كينيث. كان يتصرّف كما لو أنّها غير موجودة، وكانت هي مغمضة العينين، غارقة في أفكار أخرى.
‘أريد رؤية بيبي.’
عندما وُلدت بيبي، كانت مجعّدة. كان من المدهش كيف أصبحت تتحوّل تدريجيًا إلى إنسان حقيقي …
شعرها الأشقر و أعينها الزرقاء المشابهة لآريانا. كانت تبكي كثيرًا، لكنّها كانت تبتسم بنفس القدر من الجمال.
في الحقيقة، كان من الأفضل لبيبي أن تشبه كينيث لتكون حياتها أسهل، لكن آريانا كانت تعتزّ بها أكثر لأنّها تشبهها.
كانت تشعر بالأسف الشديد لأنّها تشبهها …
‘عندما نصل إلى القصر، سأذهب لأحضر الزهور أوّلاً.’
حاولت آريانا الخروج من شفقة الذات ولو قليلاً، موجّهة أفكارها نحو شيء أكثر إشراقًا.
ربّما هذه المرّة تأخذ زهور الليلك؟ لتستنشق عطرها وتجدّد عزمها على لقاء طفلتها مجدّدًا.
لكن في وقت متأخّر من بعد الظهر، عندما وصلت إلى مقبرة العائلة حاملة باقة زهور، واجهت حرّاسًا لم ترهم من قبل.
“الدخول ممنوع من هنا، سيّدتي.”
“لم يكن هناك أيّ كلام عن هذا قبل الخروج ، فلماذا؟”
“تمّ إغلاق البوّابة منذ أن شعرتِ بتوعّك سابقًا.”
“لكنني جئت عدّة مرّات بعد ذلك، فلماذا …”
نظرت آريانا بحيرة بين الحرّاس والبوّابة.
كانت قد تركت زهور البنفسج وغيرها هنا عدّة مرّات، فكيف يمكن أن يمنعوها الآن بحجّة ارتباكها عند عودتها؟
كان هناك شخص واحد فقط يملك سلطة إغلاق أيّ شيء داخل القصر.
‘كينيث هو من أمر بذلك.’
لماذا؟ مكان لم يهتمّ به في حياتها السابقة …
‘هل لأنّني كنت آتي وأذهب مؤخرًا؟’
لم يكن هناك تفسير آخر. حتى هذه الحركة البسيطة كانت تزعجه.
لم يعد لديها مكان تستريح فيه خارج القصر براحة بال.
‘إذن، يجب أن أعود إلى المنزل …’
لكن أين منزلها؟
نظرت آريانا إلى القصر الضخم.
حتى عندما كان كينيث غائبًا، لم يجرؤ القصر الإمبراطوري على الاستيلاء عليه، فقد كان قصرًا مرموقًا.
لكن بالنسبة لها، كان يخنق أنفاسها.
سجن وحيد عاشت فيه لمدّة ثلاث سنوات قبل أن تطلق النار على رأسها.
عندما عادت أوّلاً، ظنّت أنّها ستتحمّل لأنّها مرّت به من قبل.
لكن لماذا اليوم، على وجه الخصوص، شعرت أنّ الدخول إليه صعب ومرهق؟
لم تجد آريانا الشجاعة لتخطو على الطريق الحجري الأبيض المؤدّي من الحديقة إلى القصر.
لكن في تلك اللحظة، همست إميلي، التي كانت تتبعها، قائلة: “سيّدتي!”
“نعم؟”
“ارتاحي هناك قليلاً قبل أن تذهبي!”
أشارت إميلي إلى أرجوحة كرسي بيضاء في زاوية من الحديقة الخضراء. كانت شجيرات الورد الأبيض تحجبها جزئيًا عن مدخل القصر.
“أعني، أنتِ تشعرين بالضيق من البقاء داخل القصر، أليس كذلك؟ منذ أن كنّا على تلك السفينة، بدوتِ كذلك…”
“…”
“ارتاحي هنا براحة، سأراقب الوضع من أجلكِ!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 29"