رغم أنّها كانت لحظة عابرة، إلّا أنّها كانت معروفة بدقّة ملاحظتها، فاستطاعت أن تقول بثقة إنّها لاحظت الفرق الواضح بين نظرته إلى زوجته وهي تقف متأنّقة، ونظرتِه إليها، إديث، كما لو كانت شيئًا مزعجًا يعيق طريقه.
لم تكن متأكّدة من مشاعر أريانا كليفورد، لكن الدوق، بالتأكيد …
‘كانت هناك شائعات عن علاقتهما الباردة. لكن يبدو أنّ ذلك غير صحيح؟’
على أيّ حال، كان عليها استغلال هذه الفرصة لتكوين أكبر عدد ممكن من العلاقات.
من يدري؟ ربّما تكتب خبرًا مثيرًا يهزّ الإمبراطوريّة؟
***
تجمّع الناس من كلّ حدب وصوب بحثًا عن كينيث كقطيع من الأغنام.
كانوا يائسين لجذب انتباه دوق كليفورد، لكنّهم يتظاهرون بعكس ذلك.
“أهلًا بك، سيدي الدوق! لقد مرّ وقت طويل.”
“كنتُ أعلم أنّني سأراك في مناسبة عائلة بايرن.”
لم تفتح أريانا فمها كثيرًا.
دورها لم يكن الكلام، بل الوقوف إلى جانب الدوق بابتسامة سعيدة.
كان الناس يحيّونها بأدب، لكنّهم لم يتمكّنوا من إخفاء الفضول الدنيء في أعينهم.
لم يكن كينيث يهتمّ بحمايتها من مثل هذه الأمور.
كان عليها أن تنجو بنفسها، فهذه مهارة أريانا.
تحلّق الناس حول الزوجين، يتحدّثون بحماس عن أعمال الجنوب.
“بالمناسبة، سمعتُ أنّ ميناء إيليسيا سيُفتح رسميًا قريبًا.”
“هاها، لقد زرته مرّة. حتّى من بعيد، كان مذهلًا!”
ميناء إيليسيا، زهرة مشاريع عائلة كليفورد و تاجها.
كان الدوق السابق يطمح لتحويل منطقة الجنوب الجميلة إلى مدينة سياحيّة ضخمة، مع فنادق تطلّ على الشاطئ مباشرة، ومشاريع أخرى جاهزة.
لو سارت خطط عائلة كليفورد كما هو مخطّط، لأصبحت المنطقة مركزًا اجتماعيًا ثانيًا يزدهر ببريق بعد العاصمة.
لولا الحوادث التي تسبّبت بها عائلة أبردين.
‘لهذا لم يأخذني كينيث إلى هناك أبدًا.’
رغم معرفتهم بهذه الخلفيّة، استمرّ الناس في الحديث بحماس. وكان أحدهم، متأثّرًا بالجوّ، قد استرخى أكثر من اللازم.
“إذا تعاونت مع عائلة بايرن، ستكون شراكة مثاليّة! رحلة إلى الجنوب على هذا اليخت ستكون مربحة للطرفين”
ردّ كينيث ببساطة على ما بدا كلامًا منطقيًا: “ربّما. إذا بدأت رحلة بحريّة حقيقيّة، قد يكون ذلك ممكنًا.”
“وألم تتولّ السيدة ثيودورا تزيين هذا اليخت؟ مع هذه الرؤية، حتّى فندق بلايس في إيليسيا-“
فجأة، وخز مرافق المتحدّث جنبه.
كان من الخطأ القول إنّ ثيودورا ستتفوّق في عمل من المفترض أن تقوم به سيدة المنزل.
كاد الجوّ أن يصبح متوترًا بسبب هذا الزلّة.
لكن قبل أن تضطرّ أريانا للردّ، اقترب خادم اليخت في الوقت المناسب.
“سيدتي، جئتُ لأصطحبكِ إلى الدعوة لتناول الشاي.”
“حسنًا.”
ابتسمت أريانا بصعوبة ونظرت إلى الحضور المتحيّرين.
“سأذهب الآن، سيدي الدوق. سأراكم لاحقًا، أيّها السادة.”
نظر كينيث إلى وجهها بلامبالاة دون أن يمنعها.
كان ذلك متوقّعًا، فتناول الشاي هو وقت تجتمع فيه النّساء الأكثر رفعة على متن اليخت، ولم يكن بإمكان أريانا التغيّب عنه.
لكن عندما وصلت إلى غرفة الطعام بصحبة الخادم، شعرت بالضيق.
‘هف، كما توقّعت.’
تتولّى سيدة المنزل عادةً ترتيب الجلوس، لكن بما أنّ زوجة الكونت بايرن توفّيت مبكرًا، كانت ثيودورا هي من تتولّى الأمر.
لذا، كان من تدبير ثيودورا أن تُجلس أريانا بجانب المرأة التي كادت أن تصبح حماتها، تحت ذريعة “مكانة الشرف”.
ابتسمت الإمبراطورة كما لو كانت سعيدة حقًا: “هه، مرّ وقت طويل، أريانا”
“أحيّي جلالة الإمبراطورة. أعتذر عن غيابي الطويل.”
“أيّ غياب؟ تبدين متألّقة. بل أكثر تألّقًا ممّا كنتِ عليه عندما كنتِ تستعدّين لتصبحي أميرة وليّ العهد.”
“وكيف يمكن أن يختلف ذلك الوقت كثيرًا عن الآن؟”
“حسنًا، قد تفكّرين بهذه الطريقة.”
فحصت الإمبراطورة زيّ أريانا ببطء من أعلى إلى أسفل.
“ألم تكوني دائمًا مبهرجة كالطاووس؟ عائلة أبردين كانت دائمًا تستمتع بالتألّق في وضح النهار.”
“…”
“يبدو أنّ زوجكِ يعتني بكِ جيّدًا. دوق كليفورد كريم جدًا.”
كانت هذه سخرية واضحة. حتّى النّساء الجالسات على الطاولة تبادلن ابتسامات متردّدة ممزوجة بالفضول.
في تلك اللحظة، ابتسمت ثيودورا، التي كانت تجلس إلى يمين الإمبراطورة، بنعومة: “أوه، جلالتكِ، لقد أخفتِ السيدة.”
“أوه، انظري إلى نسياني.”
ضحكت الإمبراطورة ضحكة قصيرة كما لو لم يحدث شيء.
بينما كانت تربت بلطف على يد ثيودورا، بدا أنّهما اتّفقتا على السخرية من شخص واحد.
“يجب الحفاظ على اللياقة. إنّه يوم ثيودورا الخاص.”
“أنا ممتنّة، جلالتكِ. وسيدتي، لم تصدمكِ نكتة جلالتها، أليس كذلك؟”
ابتسمت ثيودورا لأريانا كما لو كانت تشفق على شخص ساذج: “ولا تعلمين كم قلقتُ عليكِ عندما رأيتكِ آخر مرّة. هل تأذّيتِ حينها؟”
“ما الذي تقصدينه؟ هل أصيبت الدوقة؟”
عندما سألت الإمبراطورة بعينين مليئتين بالفضول الدنيء، أومأت ثيودورا برأسها نحو أريانا بعينين مليئتين بالشفقة: “في يوم ممطر، رأيتُ السيدة تتأذّى في الشارع. شعرتُ بالأسف لعدم تمكّني من مساعدتها فورًا.”
“يا إلهي! لكن كيف يكون ذلك خطأ ثيودورا؟”
سخرت الإمبراطورة من أريانا بازدراء: “منصب الدوقة لا يزال ثقيلًا عليكِ. يجب أن تسعي للحفاظ على كرامتكِ أكثر، أريانا.”
وضعت أريانا فنجان الشاي بهدوء أمام سخرية الثنائي المسرحيّة.
‘كنتُ أعلم أنّهما سيتحدّثان عن تلك الحادثة يومًا ما.’
في ذلك اليوم الممطر، عندما أصيبت أريانا بحجر في جبهتها وسقطت.
كانت ثيودورا تقف إلى جانب كينيث، تنظر إلى أريانا بعينين مليئتين بالنشوة.
تذكّرت أريانا تلك اللحظة و ابتسمت بلطف. في ذلك الوقت ، اضطرّت للتراجع بذلّ بسبب المواجهة المفاجئة.
‘لكن لن أسمح بحدوث ذلك مرّة ثانية.’
لن تُذلّ أبدًا أمام امرأة أهانت طفلها.
“شكرًا على قلقكِ، السيدة بايرن. كنتُ مشوشة حينها ولم أتمكّن حتّى من تحيّتكِ.”
“أوه، كان يجب أن تخبريني. لقد مرّ وقت طويل منذ أن رأيتكِ.”
“صحيح. مرّ وقت طويل، وشعرتُ بالسعادة لأنّكِ لم تتغيّري، سيدتي.”
“…”
تشنّجت عينا ثيودورا قليلًا.
قول “لم تتغيّري” قد يكون مدحًا للنساء المسنّات، لكنّه إهانة خفيّة تؤذي كبرياء امرأة شابّة.
لاحظت أريانا أنّ ثيودورا شعرت بالإهانة، فابتسمت بلطف أكبر: “ما زلتِ تحبّين أغراضي كما كنتِ. لقد أسعدني ذلك حقًا.”
“ماذا؟”
عمّ صمت بارد حول الطاولة بسبب كلام أريانا.
كان معروفًا ضمنيًا أنّ ثيودورا بايرن تطمع في منصب دوقة كليفورد، لكن الحديث عن ذلك كان من المحرّمات في الأوساط الاجتماعيّة.
فكيف تجرؤ “الدوقة الحاليّة” على قول ذلك؟
لكن قبل أن يزداد الجوّ توترًا، أضافت أريانا بهدوء: “أتحدّث عن المعطف الذي كنتِ ترتدينه ذلك اليوم. عندما ارتديته العام الماضي، صمّمت المتاجر الأخرى تصاميم أجمل.”
“…”
“والآن أتذكّر، يبدو أنّكِ أعجبتِ بفستاني ذي الدانتيل الشفّاف. يبدو أنّ ذوقينا متشابه.”
بدأ شفتا ثيودورا السفليتان تتشنّجان.
سواء أرادت أريانا ذلك أم لا، كلّ ما ترتديه يصبح موضة. و الموضة، مهما حاول المرء تجنّبها، ينتهي به الأمر باتّباعها دون وعي.
كان من المُذلّ لابنة عائلة نبيلة مرموقة أن تتبع موضة بدأتها ابنة فيسكونت.
أومأت أريانا برأسها نحو الإمبراطورة بأدب، وهي تخفض رموشها.
للأسف، لم تكن تملك المهارة للردّ على سخرية الإمبراطورة الجارحة بذكاء وخفّة.
فإذا لم تستطع ذلك، كان من الأفضل جعل الجوّ ثقيلًا.
“وكيف أتفاجأ بكلام جلالتكِ؟ كلّه صحيح.”
“ماذا تعنين، أريانا؟”
“بفضل خلفيّتي المتواضعة، نلتُ حبّ العائلة الإمبراطوريّة الزائد.”
“ها…”
“سأعمل على صقل مهاراتي كدوقة في المستقبل، جلالتكِ.”
حرّكت الإمبراطورة شفتيها الرقيقتين.
في الوقت الذي يعلم الجميع أنّ العائلة الإمبراطوريّة أجبرت أريانا على الزواج من كينيث ، كان قول “حبّ زائد” نقدًا مقنّعًا تحت ستار التواضع.
لكن قبل أن يغرق الجوّ في التوتر أكثر، سارعت ثيودورا لتغيير الموضوع: “بالمناسبة، سمعتُ أنّ الأمير سيدريك سيعقد خطوبته قريبًا!”
“أوه، صحيح”
سرعان ما أصبحت غرفة الطعام مفعمة بالحيوية مع الحديث عن الابن الأصغر الجميل وخطيبته الشابّة.
لم يوجّه أحد الكلام إلى أريانا بعد ذلك.
‘حسنًا، هذا أفضل.’
على عكس حياتها السابقة، شعرت بخفّة عندما عبّرت عن ضغينتها المكبوتة.
لكن على الرغم من ذلك، شعرت بضيق في التنفّس بسبب العدد الكبير من الأشخاص في المكان.
‘أشعر بدوخة قليلة.’
أمسكت أريانا قبضتها حتّى غرست أظافرها في يدها.
بدأت تسمع طنينًا في أذنيها، وتجمّع العرق البارد على جبهتها.
أمام عينيها، تضاءل الضوء كما لو كان يمرّ عبر ثقب إبرة، وأصبح كلّ شيء أسود.
‘آه …!’
في اللحظة التي كادت فيها قلبها أن يهوي، سمعت صوتًا منعشًا وواضحًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 22"