كانت عزيمة أريانا على لقاء طفلتها مجدّدًا راسخة.
وكذلك عزمها على عدم تركها تموت في هذه الحياة.
لكن هذا لم يمحُ الألم البارد الذي شعرت به عندما فقدت طفلتها.
“بيبي ، من فضلكِ ، استيقظي ، أرجوكِ”
في اليوم المئة و العشرين من ولادتها ، بدأت بيبي بالتقلّب ، و في الشّهر الحادي عشر ، بدأت المشي.
كانت تعرف كيف تتلفّظ بـ”ماما” و تبتسم بجمال.
ثمّ ، في لحظة ، فقدتها بسبب السّعال المنتشر.
لم تعرف أريانا ماذا تفعل ، فاحتضنت طفلتها الميتة و بكت بحرقة.
“لا تتركي أمّكِ وحدها …”
كان شعور العجز الذي جعلها ترغب في التّوسّل عند أقدام أحدهم لإنقاذ طفلتها ذكرى مؤلمة.
طفلتها ، مرتدية ثوبًا من الدّانتيل الأبيض ، نائمة إلى الأبد.
و كينيث ، الذي جاء متأخرًا إلى الجنازة ، لم يذرف دمعة واحدة.
‘هل كانت الطّفلة التي أنجبتها بهذا القدر من اللا قيمة؟’
كان يجب أن تسأله آنذاك.
لكن أريانا هزّت رأسها بهدوء.
بدلاً من ذلك، مدّت إليه باقة زهور صغيرة.
بدلاً من الورود الفاخرة، اختارت زهور البنفسج الصّغيرة الرّقيقة، مربوطة بشريط أرجوانيّ، لأنّها لابنتها.
بإندفاع ، سألته: “صنعتُها مرّة.”
“….”
“…هل تريد أخذها؟”
نظر كينيث بالتّناوب إلى الزّهور ووجه أريانا.
أين ذهبت تلك العينان اليائستان اللتان كانتا تنظران إليه؟
لم يبقَ سوى عينين زجاجيّتين غارقتين.
كان النّظر في عينيها، وكأنّها تمسكت بحبل نجاة آخر غيره، يمزّق أعصابه.
ومهما فكّر، كان الأمر مريبًا.
إذا ضغطتَ على إنسان ، فمن الطّبيعيّ أن ينتفض و ينفجر.
«زوجكِ لا يمنحكِ المتعة، فهل تبحثين عن عشيق بالفعل؟»
كان ينوي جرحها بالضّغط عليها، متوقّعًا ردّ فعل مماثل.
لكن هذه المرّة أيضًا، لم يكن هناك سوى ردّ فعل غير مبالٍ.
لم يعد يؤمن بكلمات الحبّ.
لكنّه لا يزال يؤمن بكلمات اللّوم والكراهية.
‘لو ردّت عليّ بسخط، لكنتُ اطمأننتُ.’
كان سيطمئنّ أنّه لا يزال يعني شيئًا لها. لكن شعوره بأنّ أريانا تحاول الإفلات منه جعله يمسك الباقة ويلقيها على الأرض.
“تهدرين الزّهور عبثًا.”
بينما استدار، سُحقت بتلات الزّهور الصّغيرة الجميلة تحت حذائه.
ولم تحاول المرأة إيقافه وهو يبتعد.
***
لم يكن جوّ العشاء الأوّل مع الدّوق وزوجته سيّئًا.
على الأقلّ، من وجهة نظر داميان.
‘كنتُ أظنّ أنّه بسبب علاقته السيّئة مع زوجته، لا يريد إظهارها للآخرين.’
كان دوق كليفورد معروفًا بتردّده في استضافة الضّيوف في قصره ما لم تكن مأدبة كبيرة. لم يُقم حتّى حفل شاي واحد في هذا القصر الواسع، و هذا يقول كلّ شيء.
لذلك ، قال البعض إنّ المرأة جميلة فقط ، لكنّها عديمة الكفاءة في إدارة المنزل.
‘لكن الشّائعات تبقى شائعات.’
على عكس الشّائعات، كانت أريانا تشارك في الحديث بمهارة دون أن تجعل الجوّ محرجًا.
“السيّد باتيست، أنتَ متعب من السّفر، ألم يكن الطّعام ثقيلًا جدًا؟”
“أبدًا، سيّدتي. إنّها أكثر وجبة مريحة منذ وصولي.”
ابتسم داميان لأريانا بودّ.
لم تبدُ المرأة كمن تزوّجت منذ عام واحد فقط، بل كانت نقيّة جدًا. لو أزلتَ الرّجل القاتم بجانبها ، كان يُفترض أن تكون لا تزال تتلقّى عروض زواج.
فتح كينيث فمه لأوّل مرّة ردًا على إجابة داميان المرحة:
“هذه أوّل مرّة أسمع فيها هذا من فم ينتقد الطّعام الإمبراطوريّ يوميًا.”
“ليس يوميًا.”
ضحك داميان بعينين متجعّدتين على سخرية كينيث اللامبالية ، لكنّه شتمه داخليًا: ‘اضبط إيقاعك، أيّها الأحمق.’
لكن أريانا تدخّلت بلطف: “سمعتُ أنّ أطباق دوبريس غنيّة بالنّكهات. إنّهم بارعون جدًا في الطّعام والشّراب.”
“هه، شكرًا على كلامكِ. هل زرتِ المملكة من قبل، سيّدتي؟”
“في الحقيقة، ليس بعد. أشعر بالخجل لقلّة خبرتي …”
ظهرت لمسة من اللّون الورديّ على خدّي أريانا.
في تلك اللحظة، صفّر داميان في ذهنه بعفويّة.
أريانا أبردين، ابنة نبيلة متواضعة صعدت إلى منصب ولية العهد بجمالها.
رأى وجهها في صور الصّحف بالأبيض والأسود، لكن الصّور لم تلتقط نصف جمالها الحقيقيّ.
‘أتُعابَر زانية بسبب رجلين فقط؟ هذا بخس جدًا.’
جمالها كان يكفي لزعزعة دولة بأكملها. لو وُلدت في دوبريس، لكانت زهرة المجتمع الرّاقي.
لو لم تولد في هذه الأرض، في هذه العائلة، ولم تتشابك مع عائلة كليفورد…
ابتلع داميان بعض الأسف وتدخّل لتهدئة خجل سيّدة المنزل: “حتّى قبل بضع سنوات، لم تكن العلاقات الدّبلوماسيّة نشطة، فمن الطّبيعيّ ألّا تكوني على دراية. قد لا تضاهي مملكتنا ، العاصمة ، لكن مدن إقطاعيّة باتيست جيّدة للتّنزه”
رفع كأسه نحو أريانا و كينيث: “زورينا إذا سنحت الفرصة”
“حسنًا، السّيّد باتيست.”
ابتسمت أريانا بأدب.
كان مجرّد رفع زاويتي فمها قليلاً ، لكن وجهها الأبيض أشرق بجمال.
“أتمنّى أن يأتي ذلك اليوم. هل يمكنني طلب المزيد عن إقطاعيّتكَ…؟”
“بالطّبع، إنّه شرف.”
كان تقديم الحديث لسيّدة المنزل واجب الضّيف. و بما أنّ النّكات الخفيفة كانت من هوايات داميان ، فقد استجاب بسرور.
لكن عندما حرّك نظره، لاحظ تعبير كينيث البارد.
طق- طق-
كانت أصابع الدّوق الطّويلة تنقر على مسند الكرسيّ.
بخفّة ، وببطء شديد.
و كان يراقب زوجته بنظرة ثاقبة.
***
قبل دخوله الأكاديميّة، كانت حياة كينيث سلسلة من التّصحيحات الصّارمة.
في صباه، وبخلاف مظهره المريح، كان والده يتذمّر دائمًا من أنّ شخصيّته كحصان سباق: “لا أعرف كيف وُلد طفل متهوّر كهذا في عائلة لم تنتج جنرالًا واحدًا.”
كان من المفترض أن يكون النّبلاء الرّجال في كريمیسا قليلي التّعبير عن المشاعر، هادئين كبحر بلا أمواج، حتّى لا يُفترسوا.
لذلك، ركّز والداه على تهذيب طباع كينيث المتّقدة، مقطّعين أيّ جزء بارز أو حادّ.
كان عليه أن يكون متميّزًا في الكلام، المشي، والثّقافة، لكن دون أن يكون مميّزًا بما يكفي ليكون نقطة ضعف.
“كينيث، لا تنقر بأصابعك على ركبتك.”
كانت هذه العادة من بين ما حاول والده تصحيحه بصرامة.
في بعض الأحيان النّادرة، كان يفعل ذلك دون وعي عندما ينزعج أو يتوتر. لم يرَ كينيث أنّها مشكلة كبيرة، لكن حتّى العادات الجسديّة الصّغيرة قد تكشف عن القلب.
“حتّى هذا قد يصبح نقطة ضعف. انتبه وصحّحه.”
وهكذا، تمّ تهذيب كلّ شيء تدريجيًا ليصبح مثاليًا ومنضبطًا.
في الثّالثة عشرة، سخر منه أندرو، الذي كان في نفس عمره، ذات مرّة: “مذهل حقًا. ابن عمّي محظوظ.”
كان وليّ العهد غالبًا يبتسم بسخافة، لكن في طفولته المبكّرة، كان يُظهر شعوره بالنّقص تجاه كينيث بوضوح.
لم يفهم كينيث آنذاك لماذا كان يحمل هذا العداء.
‘لو كنتُ مكانه، لاستخدمتُ عائلة كليفورد كدرع.’
لكن الخيانة لتغيير النّسب الملكيّ كانت من أمور العصور القديمة.
الآن، كان التّفوّق على العائلة الملكيّة بالمال أكثر كفاءة.
كان كينيث مستعدًا لدعمهم إذا تجنّبوا الحماقات.
لكن أندرو، الذي لم يدرك ذلك، سخر: “أتساءل كيف يكون شعور كينيث كليفورد. النّاس على استعداد لنثر الذّهب على طريقك.”
“……”
“لكن هذا يجعلك أكثر وحدة.”
“….”
“أليس الجميع يريدون استغلالك فقط؟ هل لديك أصدقاء في الأكاديميّة؟”
عند هذا الكلام، نظر كينيث إلى السّقف بعيون خالية من العاطفة عن عمد.
كان سعيدًا لأنّه صحّح عادة النّقر على ركبته.
‘ليس خطأ.’
كلّ من قابلهم كينيث، صغارًا وكبارًا، كانوا مليئين بالنوايا الخبيثة. إذا لم يُرضِ نواياهم، كانوا يخونونه في النّهاية بطريقة أو بأخرى.
قال والداه إنّ عليه التّعود على ذلك:
“هذا هو مصير من يولد في عائلة كليفورد.”
وعندما التقى كوينتين في الأكاديميّة، شعر بهذا الإحساس.
لم يطمع علانية بالمال أو الأشياء الفاخرة، لكنّه كان يلحّ باستمرار على زيارة منزله: “أرسلت أختي رسالة؟ آه، أتمنّى أن تأتي الإجازة قريبًا حتّى أعود.”
“حسنًا.”
“تعرف اسمها، أليس كذلك؟ أخبرتك به.”
“قلتَ إنّها أريانا.”
“إنّها لطيفة جدًا. هل تريد مقابلتها؟”
في عينيه، قرأ كينيث شيئًا يتجاوز مجرّد التّواصل الوديّ.
كانت نفس النّظرة التي يحملها كونت بايرن، يحاول التّودّد إليه مع ثيودورا.
اعتقد أنّه شابّ جيّد، لكنّه أدرك حينها أنّه مخطئ.
كان ملوّثًا بأفكار البالغين الغريبة.
‘ربّما أقابلها مرّة وأجعله يصمت إلى الأبد.’
وهكذا، التقى بأريانا أبردين.
كان عليه أن يعترف أنّها لطيفة، لكنّ انطباعه الأوّل كان أنّها جريئة بشكل لا يُصدّق.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "16"