تمنّى كينيث أن تظلّ المرأة المصابة بكاحلها في غرفتها بهدوء ، و واصل الحديث: “ظننتُ أنّك ستشتكي من طقس الإمبراطوريّة بمجرّد وصولك ، لكنّك تفاجئني”
“هه! لستُ أشتكي من كلّ شيء في الإمبراطوريّة.”
كان ذلك كذبًا. فقد سخر داميان بلا ضرر من كلّ جزء في كريمیسا. لم يكن شيء، من الرّطوبة إلى الهواء والحرارة، يرضيه.
“اليوم، الطّقس جيّد نسبيًا بالنّسبة للنتيا …”
تلاشى صوت داميان. كان هناك ضجيج غريب عند مفترق الطّريق إلى القصر الرّئيسيّ.
أشار كينيث بعينيه للانتظار ، ثمّ تقدّم إلى الطّريق المغطّى بالأدغال.
اختلطت أصوات الخدم المذعورين في القصر ، لكن صوت كينيث قطع الضّجيج بحدّة.
“…لماذا أتيتِ إلى هنا؟”
“كنتُ أتنزّه وتاهت بي الطّريق”
سُمع تنهيد كينيث الممزوج بالضّيق.
هذا الصّوت جعل داميان يتفاجأ كثيرًا.
‘كليفورد هذا؟’
كيف لرجل يبدو و كأنّه محميّ بنعمة مقدسة ، خالد تقريبًا ، أن يُظهر مشاعره بهذا الوضوح؟
لم يستطع داميان كبح فضوله، فتقدّم ليجد مفاجأة أكبر تنتظره.
كان كينيث كليفورد، يظهر على وجهه انزعاج صريح.
طوال تعاملهما، كانت هذه المرّة الأولى التي يفقد فيها رباطة جأشه.
لكن ما جعل داميان يفقد النّطق حقًا كان شيئًا آخر.
امرأة ترتدي فستانًا أزرق لامعًا، تحمل سلّة زهور صغيرة.
تحت ظلال الأوراق، كانت عيناها الزّرقاوين كحبات زجاجيّة تتلألأ.
“آه…”
لم يتمالك داميان نفسه، فأطلق تنهيدة مختنقة.
كمواطن وطنيّ، كان يعتقد أنّ نساء دوبريس هنّ الأفضل، لكن هذه المرأة هزّت تلك القناعة بشدّة.
أعادت المرأة تثبيت سلّة الزّهور في يديها و همست:
“مرحبًا، يبدو أنّ هناك ضيفًا في القصر”
“آه… مرحبًا، سيّدتي.”
رسم داميان ابتسامة اجتماعيّة وكأنّ شيئًا لم يكن، لكن صوتًا في عقله كان يتمتم بيأس:
‘أرجوك ، قل إنّها ابنة عمّ الدّوق.’
لكن الدّوق لم يكن لديه أقرباء الآن.
إذن ، هل هي …؟
اقترب كينيث من المرأة وبدأ يتحدّث ببطء:
“لم ترَها جيّدًا في حفل الزّفاف ، أليس كذلك؟ دعني أقدّمها. هذه زوجتي ، أريانا كليفورد. و هذا الماركيز داميان باتيست من المملكة المجاورة”
…إذن، الإحساس السيّء لم يخطئ أبدًا.
لكن داميان ابتسم بلا مبالاة وخلع قبّعته تحيّة للمرأة:
“تشرّفتُ بلقائكِ.”
“وأنا كذلك، السّيّد باتيست. سأبذل قصارى جهدي لضمان راحتكَ هنا.”
اللعنة، صوتها جميل أيضًا.
ابتلع داميان ضحكة مكتومة و صحّح شيئًا في ذهنه:
حتّى لو كانت سمعتها السيّئة قد وصلت إلى دوبريس ، فإنّ الشّائعات عن جمالها لم تكن مبالغة أبدًا.
فجأة، هبّت نسمة خفيفة جعلت ظلال الأوراق ترقص فوق رأسها كالأمواج.
وكذلك، تراقصت ظلال في عيني كينيث و هو يراقب المحادثة بين الضّيف من عبر البحر و أريانا.
***
عندما اختفى الضّيف إلى مسكنه، أفلت كينيث يد أريانا التي كان يرافقها. حافظ على ابتسامة هادئة، لكنّ الضّيق كان يتسلّل في أعصابه كأفعى صغيرة.
“من أخبركِ أنّني هنا اليوم؟”
“لا أحد.”
أجابت أريانا بهدوء.
كلّ ما فعلته أريانا كان تخمينًا بناءً على الشّاي، فإن أخطأت، لا بأس، وإن أصابت، فهو مكسب.
‘إذا كنتُ سأستقرّ في دوبريس ، أليس الماركيز باتيست هو الأنسب ليكون حليفًا؟’
على الأقلّ، إذا اقتربت من أحد مرؤوسيه، قد تجد طريقة.
عبس كينيث ببرود و هو ينظر إلى وجهها المهذّب للغاية:
“ألم أحذّركِ من التّجوّل بحريّة؟”
“لقد ذكرتَ الكثير من الأشياء التي يجب ألّا أفعلها.”
أحكمت أريانا قبضتها على سلّة الزّهور:
“لكنّني كنتُ أتنزّه فقط و قدّمت تحيّة لضيفكَ. أليس هذا من الأدب؟”
“ضيف.”
تذكّر كينيث مشهد التّحيّة وسخر بصمت:
“زوجكِ لا يمنحكِ المتعة، فهل تبحثين عن عشيق بالفعل؟”
“…؟”
تجمّدت أريانا لبضع ثوانٍ أمام سؤال كينيث.
سمعت كلامه، لكنّها لم تستوعب معناه.
“ماذا؟ عشيق؟”
“قلتِ ذلك منذ أيّام، ألا تتذكّرين؟”
“كان ذلك …!”
تذكّرت أريانا أخيرًا الكلام الذي يسخر منه كينيث
«لهذا سأبحث عن المتعة هنا الآن»
هل يسخر من كلامها لإغرائه إلى الفراش بهذه الطريقة؟
احمرّ وجه أريانا و تلعثمت:
“هل تعتقد أنّني، لأنّني لم أجد المتعة يومًا، سأهرع فورًا للبحث عن عشيق…؟”
“حسنًا، يجب أن أثق بكِ أوّلاً.”
ردّ كينيث ببرود.
كان يعلم أنّ هذه السّخرية كانت ظالمة بعض الشّيء.
ألم يكن داميان باتيست هو من كان يُظهر اهتمامًا واضحًا؟
‘يجب أن أحذّره بشدّة.’
ومع ذلك، تصرّفه الطّفوليّ هذا كان لأنّه لم يرَ أريانا، عندما كانت أبردين، تتحدّث براحة هكذا من قبل.
فقد عائلته، أصيب بطلقات نارية، وتمزّق بالسّكاكين، لكنّه نجا، ومع ذلك ينزعج من شيء تافه كهذا؟
كانت هذه مفارقة الحياة.
‘وجاهلة لا تعرف حتّى كيف تتودّد لمن أنقذ حياتها…’
هدأت أعصابه المتمزّقة وهو يرى خدّي أريانا يحمرّان. كان اللّون الورديّ الفاتح يناسب وجهها، لكنّ الظّلال الأغمق لم تكن سيّئة أيضًا.
تذوّق وجهها المتورّد بعينيه و ضحك:
“لم تخرجي للتّنزّه هنا من قبل.”
“….”
“مع كاحل مصاب، تجوّلتِ إلى هنا. ألا يعني ذلك أنّ هناك سببًا آخر؟”
“وفي رأيك، كان ذلك بسبب رجل. لأنّني…”
ارتجفت يداها اللتان كانتا تُمسكان السلّة.
شعرت أريانا بألم يمزّق أحشاءها.
لكنّها تفوّهت بالكلمات التي أكلت قلبها:
“لأنّني امرأة تتوسّل بذلّ لتعيش؟”
“يا للّهول، أنتِ موضوعيّة جدًا بشأن نفسكِ.”
“سيّدي الدّوق-“
“لكن أليس هذا صحيحًا؟”
في تلك اللحظة، أرادت أريانا أن تصرخ أو تنفجر ضحكًا كالمجنونة.
هل يمكن لعشقها الجميل من أيّام مضت أن يسقط في الوحل هكذا؟
«مثل هذا العرض يُقدَّم عندما لا يكون السّائق موجودًا»
كان سابقًا يمازحها بقسوة، لكن كان هناك لطف خفيف.
أين ذهب ذلك الرّجل، تاركًا هذا الشّخص القاسي؟
في حياتها قبل الموت، كانت تلوم نفسها.
لو لم أدعه إلى المسرح. لو لم تطمع عائلتي …
‘لذلك لم أواجه كينيث بهذه الطّريقة آنذاك.’
أمام عينيها، ابيضّ كلّ شيء، وأرادت الرّد، لكن فكرة أوقفتها: ‘لماذا يجب أن أغضب؟’
كانت جوزفينا تغضب دائمًا لأنّها تحبّ أريانا.
لذا، الغضب والصّراخ كانا امتدادًا للحبّ.
لكن تلك المشاعر انتهت عندما اعترفت بحبّها وانتحرت بالمسدّس.
‘أنا هنا لألتقي بطفلتي. هذا هو الأهمّ.’
لم تعد بحاجة إلى مشاعر أخرى.
لماذا جاء كينيث إليها بصمت؟ من وضع ذلك السّلاح في سريرها، رغم أنّها قد تطلق النّار على كينيث؟
ألغاز حياتها السّابقة التي لم تحلّها، ستتركها تمرّ الآن.
بهذا التّفكير، هدأ غضبها المغليّ ببطء، وهدأ ألمها الممزّق.
خفضت أريانا أهدابها و همست:
“إذا تسبّبتُ في سوء فهم ، فأنا آسفة. لم يكن ذلك مقصودًا … كنتُ غير حذرة.”
“….”
“لن أحضر العشاء، سأترك الأمر للخدم ورئيسة الخدم”
عادةً، تكون مآدب القصر من مسؤوليّة سيّدة المنزل، لكن في هذا المنزل، لم يكن لها دور.
حياة كدمية تابعة لكينيث فقط.
لكن إذا أنهت هذا الحديث المؤلم، يمكنها التّراجع إلى تلك الحياة مؤقتًا.
أغمض كينيث عينيه و تنهّد بعمق:
“ما فائدة الاعتذار بعد فعلكِ؟ ألم ترَي ما حدث لعائلتكِ؟”
“….”
“احضري العشاء. تعاملي مع الأمر بإعتدال ثمّ انسحبي”
استدار كينيث نحو الجناح مرّة أخرى ، لكن نظره وقع لأوّل مرّة على يد المرأة التي تجنّبت الحديث: “تلك الزّهور؟”
أحكمت أريانا قبضتها على سلّة الزّهور أكثر.
كلمات لم تستطع قولها تقرحت في فمها:
‘هذه زهور لطفلتي.’
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "15"