نظر كينيث إلى الخزنة الصّغيرة في غرفة النّوم.
التّاج الذي اشتراه في أيّام كان فيها أكثر غباءً مما هو عليه الآن ، لا بدّ أنّه يتراكم عليه الغبار داخلها.
رغم أنّه قطعة مجوهرات رائعة ، مصنوعة من إطار ذهبيّ رفيع ملتوٍ بمنحنيات أنيقة ، مرصّع بحبات أحجار شفّافة صغيرة.
“….”
أشعل كينيث سيجارًا بصمت ، و نظر إلى المنظر خارج النّافذة. كان عبير العشب ممزوجًا بمطر الرّبيع منعشًا ، لكنّ عقله كان مشوّشًا بذكريات الماضي.
في الحادية و العشرين من عمره ، اضطرّ إلى الاختباء خوفًا على حياته ، و في الرّابعة و العشرين ، استطاع استعادة المجد القديم لقصر الدّوق.
بفضل الشّركات التي أسّستها عائلته عبر حسابات وهميّة و وكلاء خارج الإمبراطوريّة ، كان من السهل إخضاع أولئك الذين حاولوا نهب ثروة الدّوقيّة.
بسبب كونه كليفورد ، تعرّض لهذا المصاب ، لكن بفضل كونه كليفورد أيضًا ، تمكّن من الانتعاش بهذا الشّكل.
و مع ذلك ، أذهل الجميع بتعافيه الكامل.
خاصّة أنّ الإمبراطوريّة بأكملها كانت تعلم أنّه كاد يموت مرّة.
أحيانًا ، كان هناك من يتجرّؤ ، رغم معرفته بالوقاحة ، على السّؤال تحت تأثير الخمر:”سيّدي ، هل يجري في عروقك دم الخالدين؟”
ضحك كينيث بسخرية ، لكنّه في قرارة نفسه أعجب بشجاعة السّائل.
لو كان صريحًا تمامًا ، ربّما أجاب:
إذا كنتَ تكره شخصًا و تخطّط لإسقاطه في الوحل ، فحتّى لو أُلقيتَ في قاع الجحيم ، ستزحف للخروج بكلّ قوتك …
كان لديه الكثير من الأهداف ليكرهها ، و كان أكثرها كراهية عائلة أبردين.
على الرّغم من تحذيرات والديه الخفيّة ، استمرّت العلاقة معهم لسنوات ، ممّا تسبّب في هذه الكارثة.
لذلك ، عندما أنهت عائلة أبردين حياتها بتهوّ ر، شعر بالأسف بدلاً من الرّاحة. لماذا لم يتحمّلوا جحيمهم لبضعة أيّام قبل أن يهربوا؟
و تركوا امرأة واحدة فقط خلفهم.
‘في الحقيقة ، كنتِ مُقرّرًا لكِ الموت في السّجن ، أريانا’
كان مصير أريانا أبردين أن تعيش وحيدة طوال حياتها ، تنتظر موتًا بلا موعد.
لكن عندما توسّلت أريانا لتنجو ، شعر بالنشوة.
و في الوقت نفسه ، غضب ببرود.
حتّى لو أُودِعَت في منشأة ، إذا نظرت إلى الحارس بتلك النّظرة …
ألن يهرب حتّى أقسى الرّجال معها؟
‘إذا بكيتِ و توسّلتِ ، قد يقع واحد منهم.’
حتّى لو أُجبرت على أن تكون عشيقة حقيرة أو خادمة ، سيتقدّم أحدهم ليكون منقذها …
كان يريد أن يكره هذه المرأة إلى الأبد ، لكنّه لم يتحمّل فكرة أن يتطوّع أحدهم ليكون منقذ أريانا أبردين.
لذلك ، عندما سخرت منه العائلة الملكيّة و كلّفته بمعاقبتها ، قرّر أن يتزوّجها.
كانت لقب ‘دوقة’ سجنًا رائعًا.
‘لن يشفق عليكِ أحد.’
بل سيوجهون أصابع الاتّهام إليها ، شاكرين الدّوق الذي أبقاها على قيد الحياة و اتّخذها زوجة حقيقيّة.
‘و هكذا ستكونين بجانبي ، تعيسة إلى الأبد.’
حارس و سجينة.
سيطرة تامّة على حياة أريانا.
كان راضيًا عن هذه العلاقة التي بناها خلال العام الماضي.
لذلك، لم يكن بإمكانه أن يتغاضى عن محاولة أريانا اليوم لانتزاع الأفضليّة.
“…يجب أن تكوني أنتِ من تتوسّل”
أخرج السّيجار من فمه و تمتم لنفسه:
توسّلي للعيش ، توسّلي كي لا أتخلّى عنكِ.
حتّى لو كان ذلك مع رجل تكرهينه.
***
تتذكّر أريانا ليلة حملها بـ بيبي.
كانت ليلة هادئة بشكل لا يُطاق ، ممطرة و كئيبة.
كريمیسا كانت دائمًا ممطرة ، لكنّ الجوّ آنذاك بدا و كأنّه يعكس الأجواء تمامًا.
يبدو أنّ الحديث عن الحرب القاسية من كلّ جانب يجعلني أشعر بهذا.
بفضل التّجارة البحريّة النّشطة في كريمیسا ، ازدهرت الإمبراطوريّة ، لكن كانت هناك أصوات متزايدة تدعو إلى التّفوّق بين القوى العظمى لدعم النّمو المستقبليّ.
‘سمعتُ أنّ العائلة الملكيّة اقترحت ذلك … لكن أليس هناك من يؤيّدون ذلك في مجلس النّبلاء أيضًا؟’
لم يكن أحد يرغب في إخبار أريانا بتفاصيل أكثر ، فتراكم إحباطها.
لكن عندما فُتح الباب ، نهضت أريانا من الفراش بخجل.
“…كينيث؟”
مرّة أخرى، سيحتضنها بصمت، ويغادر دون كلمة دافئة.
لكن مهما مرّ الوقت، لم يقترب الرّجل.
عندما اقتربت أريانا ببطء ، لاحظت أنّ كينيث كان أكثر اضطرابًا من المعتاد.
كان رجلاً يرتدي بدلته المثاليّة كدرع لا يسمح بأيّ ثغرة.
لكنّه جاء بدون ربطة عنق، وأزرار قميصه حتّى الرّقبة مفكوكة.
“كينيث.”
“….”
“هل أنتَ بخير؟ هل أستدعي الدّكتور بيالي …؟”
طوال الوقت الذي قضياه معًا، كان شخصًا صعبًا ومحرجًا.
كلّما رأت آثار حادثة دار الأوبرا على جسده ، كانت تكاد لا تتنفّس.
لكنّها جمعت شجاعتها ولمست خدّه بيد واحدة.
بالنّسبة لها، التي لم تجرؤ على لمسه من قبل، كان ذلك شجاعة عظيمة.
“أين كنتَ بالضّبط؟”
كان باردًا كالجليد.
أمسك يدها التي لمست خدّه بهدوء ولم ينطق.
‘هل هو في حالة صحيّة؟ هل يعاني من السّيّر أثناء النّوم؟’
عندما بدأت تتساءل بمثل هذه الشّكوك السّخيفة ، نادته مرّة أخرى.
“كينيث ، هل أنتَ حقًا بخيـ … أو!”
لم تكن متأكّدة إن كان يعاني من السّيّر أثناء النّوم، لكنّها شعرت أنّه ليس في وعيه.
لأنّه في تلك اللّيلة، قبّلها للمرّة الأولى.
“آه، أو ..”
رغم أنّهما فعلا أكثر من ذلك ، إلّا أنّ الإحساس الغريب بلمسة شفتيه ، أثار قشعريرة.
“انتظر، لحظة.”
حين حاولت فكّ القبلة من شدّة الصّدمة، أمسك رأسها بقوّة و بشراسة. ربّما اعتبر تقلبها رفضًا ، فاحتضن خصرها أيضًا.
بما أنّه رجل ضخم بالأساس ، لم يكن هناك مجال للهروب عندما قبّلها بجديّة …
بعد ذلك ، دون أن تجد وقتًا للتّفكير ، ابتلعها طوال اللّيل و كأنّها تُسحَب إليه.
في اليوم التّالي ،
خبّأت أريانا جسدها المليء بآثاره تحت الغطاء ، ونظرت إليه بهدوء.
كانت لا تزال في حالة فوضى، بينما بدا هو وكأنّ شيئًا لم يحدث، مرتديًا ملابسه بشكل مثاليّ.
شعرت بحزن غريب من هذا التّباين.
كأنّ كينيث يريد التّخلّص من كلّ ما حدث اللّيلة الماضية.
“كينيث ، نـ نحن بالأمس …”
“….”
“تتذكّر كلّ ما حدث بالأمس ، أليس كذلك؟ هل سيتغيّر شيء في علاقتنا الآن؟”
لكنّ كينيث نظر إليها ببرود.
كان يكرهها لدرجة أنّ فكّه تصلّب.
“اللّيلة الماضية كانت خطأ.”
“ماذا؟ ماذا تعني بخطأ …؟”
تراجعت أريانا و هي تحاول النهوض.
سقط الغطاء الذي كان يغطّي جسدها، كاشفًا كلّ الآثار التي تركها عليها.
“كيف يمكنكَ أن تقول إنّه خطأ بعد أن جعلتني هكذا؟”
“هاه…”
“ألم تبدأ… بمغازلتي قليلاً؟ لهذا، هكذا-“
“أنا؟”
عندها، تشوّه وجه كينيث بالاشمئزاز.
“استعدي وعيكِ، أريانا.”
“…!”
“من سيحبّ امرأة مثلكِ، تتوسّل بذلّ لتعيش؟”
طُعن قلبها بخنجر غير مرئيّ.
واستدار الرّجل الذي طعنها بقسوة.
“إذا حملتِ بطفل من هذا، سأتحمّل المسؤوليّة.”
“ليس هذا ما أردتُ سؤاله-“
“هذا كلّ شيء.”
“كينيث!”
حاولت أريانا مطاردته بسرعة، لكنّها انهارت.
كان جسدها، الذي احتضنه طويلاً، يؤلمها بشدّة. و قلبها كان يؤلمها أكثر.
“هذا ظالم جدًا…”
كان يمكن أن يكون باردًا من البداية إلى النّهاية.
لماذا يعطيها أملًا ثمّ ينتزعه؟
لماذا يحتضنها بحبّ ملتهب ، ثمّ يتخلّى عنها كلعبة لليلة واحدة؟
بمفردها، أسقطت أريانا رأسها وبكت بصوت عالٍ.
لكن في النّهاية، في عامها الثّاني والعشرين، وُلدت بيبي كتعويض عن بؤسها.
في عامها الثّالث و العشرين ، بدأت سحب الحرب تلوح في الأفق بسبب الهيمنة على البحر.
وفي العام نفسه، ماتت نعمة أريانا.
***
رغم إصابة جبهة و كاحل الدّوقة ، لم يُبدِ خدم عائلة كليفورد أيّ اهتمام.
لكن حدث تغيير واحد.
“سيّدتي! صباح الخير!”
جاءت إميلي بانس مرّة أخرى لخدمة أريانا.
منذ السّاعة التّاسعة صباحًا ، تبادلت أريانا النّظرات بين الخادمة المفعمة بالحيويّة و المنظر خارج النّافذة ، و غمضت عينيها قليلاً.
“أهو صباح جيّد حقًا؟ ألا يبدو أنّ المطر يهطل؟”
“آه، هذا؟ هذا مشرق بمعايير كريمیسا! عادةً ما يكون أكثر كآبة!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "12"