حسنًا. في الحقيقة، لم يكن رِيان يبحث فقط عن يد سيسيل. لكنه الآن في العربة، لذا كان عليه أن يضبط نفسه ويتحكم بها حتى توصل إلى هذا الحل الوسط.
ومع ذلك، فإن حقيقة أنه نزع قفازها……كانت مضحكة. يا للعجب.
خفضت سيسيل بصرها وحدّقت في يدها الممسوكة بيد رِيان.
كانت يده التي قبضت على يدها تحمل عنادًا غريبًا، وكان ذلك أيضًا يثير الضحك.
حتى لو ترك هذه اليد، فلن تهرب سيسيل على أي حال.
فهذه عربة.
لا، المكان ليس مهمًا……
رِيان تأكد من مشاعر سيسيل، لكنه لا يزال يبدو غير مدركٍ للحقيقة. الحقيقة التي تفيد بأنها ربما تكون أكثر منه رغبةً في تقييد الرجل الذي يمسك بيدها.
لو عرف كم سنةً كتمت سيسيل مشاعرها، هل كان سيفهمها أكثر؟
لو علم بأي تخيلات خطرت لها أثناء النظر إليه، وما الأكاذيب التي اختلقتها لتسرق دفئه؟
لسبب ما، لا تريد إخباره بذلك الآن.
رغم أنها تعتقد أنه لن يرفضها الآن، إلا أن الأمر ما زال يسبب لها إحراجًا.
ماضي سيسيل لم يكن مجرد تاريخ من الحب من طرف واحد، بل كان أيضًا تاريخًا من الأوهام. وكان ذلك غريبًا بعض الشيء.
‘……حتى لو ذهبتُ إلى الجنوب، ربما لم أكن لأصمد طويلًا. كنت سأجد أي عذر لأعود وأراه مجددًا، مهما كان.’
تتبعت سيسيل بصرها على طول يد رِيان، إلى معصمه، ثم إلى كتفه، وصولًا إلى وجهه، و هي تحقر كل تفصيلٍ في ذهنها.
اكتشفت سيسيل أنها لا تستطيع إنجاب الأطفال قبل بضع سنوات.
كانت دورتها الشهرية غير منتظمةٍ بطبيعتها، لكنها في ذلك الشهر، بعد تخطيها عدة أشهر، جاءت بشكل غير معتاد.
حينها، أغمي على سيسيل بسبب فقر الدم، وعندما فتحت عينيها، وجدت نفسها تخضع لفحص طبي على يد طبيبة.
وهناك، سمعت خبرًا غير متوقع عن الأطفال، خبرًا سيئًا.
كان الأمر مشكلةً خلقية. لم يكن الأمر أنها لا تستطيع الإنجاب تمامًا، بل إنها لم يكن ينبغي لها ذلك. وفقًا لتشخيص الطبيبة، لو أنجبت طفلًا، فسيكون مصير كلٍ من الطفل والأم الموت المحتوم.
في ذلك الوقت، تقبلت سيسيل الأمر ببساطة. كان هذا كل شيء. فلم يكن لديها يومًا طمع في إنجاب الأطفال. و لم تعتقد أبدًا أن إنجاب الأطفال وتربيتهم هو واجب كل امرأة.
وحتى لو كان كذلك، أليس هناك طرقٌ أخرى لتحقيقه؟ كأن تكمل مهمةً لم يستطع شخص آخر إنهاءها بسبب ظروفه، أو تربي طفلًا متروكًا، مثلًا.
والآن، بعدما ذكرت سيسيل أمام رِيان حقيقةً تحاوزتها بلا مبالاة قبل سنوات، راقبته برضا.
لقد كان هو من أضاع الفرصة الأخيرة بيده. حسنًا، كانت تتوقع ذلك على أي حال.
حينها، بينما لا يزال ممسكًا بيدها،
“في الواقع، على أي حال، الشاي……”
“شاي؟”
تمتمت سيسيل بإعادة كلمات رِيان التي لم تكتمل بعد.
بدا مترددًا، لكنه في النهاية كشف السر الذي يحمله.
“لقد شربت شايًا عشبيًا ذو تأثيرٍ دائم. مهما قابلت من أشخاص، لا يمكنني الإنجاب.”
رمشت سيسيل بعينيها، ثم انفرجت شفتاها قليلاً بدهشة.
“متى؟”
“……منذ زمن.”
“لا تقل لي……أول مرة لنا؟ حينها؟”
هما زوجان، ولم يعودا مجرد زوجين بعقد، بل زوجان حقيقيان، ورغم الليالي الكثيرة التي جمعتهما، ظلت الكلمات المباشرة عالقةً في فمها دون أن تخرج.
أومأ ريان برأسه ليؤكد بصمت.
“أما أنتِ، فسيتعين عليكِ الآن قضاء حياتكِ بأكملها مع شخص معيبٍ مثلي.”
لكن……هل يمكن وصفه بالمُعيب وهو بهذه الدرجة من الكمال؟
حسنًا، إن كان يرى نفسه كذلك……
دون أن تدري، تسللت أصابع سيسيل بين أصابع رِيان.
نظر ريان إلى يدهما المتشابكة، و يفكر كيف أن تلك اليد النحيلة كانت تبدو هشةً لدرجة أنه يخشى الإمساك بها بقوة.
في الواقع، لم يبح لها بكل أسراره. أي أنه لم يخبرها عن خطته العظيمة التي كانت تهدف إلى إغوائها مستغلًا وجهه وجسده ووقته في العاصمة، أو عن أن أرقه، الذي اعتقدت أنه قدم مبكراً، كان في الحقيقة جزءًا من تلك الخطة.
ورغم أنه كان يؤمن بأنها رحلت مرتاحة بعدما سئمت زواجها السابق، إلا أنه لم يكن يفكر في تركها، بل كان مهووسًا فقط بإغوائها من جديد.
هذا الجانب من نفسه أخفاه عنها في الوقت الحالي.
ربما سيحظى بفرصة للبوح بذلك ذات يوم، كما لو كان يسترجع ذكرى، لكن الآن……كان يخشى أن تتفاجأ.
كانت هناك أفكارْ مشابهة قد شغلت عقل سيسيل الصغير قبل لحظات، و هذا ما لم يكن لرِيان أن يعرفه.
عندما وصل الكونت وزوجته إلى القصر، سأل كبير الخدم ببرود،
“هل استمتعتِ بنزهتكِ، سيدتي؟”
كيف كان لها أن تجيبه؟
فكرت سيسيل قليلا و اكتفت بـ،
“نعم، كانت ممتعة.”
في النهاية، كانت نزهةً سعيدة بالفعل.
***
“متى بدأتَ تحبني؟”
في إحدى الليالي التي جمعتهما كزوجين، سألت سيسيل رِيان فجأة، وكأن فضولها قد تحرك.
المشكلة أن رِيان، في تلك اللحظة، لم يكن يملك الفرصة أو ضبط النفس الكافي ليوقف ما كان يفعله ويركز على التفكير بهدوء.
رِيان، وهو يدفع سيسيل إلى الزاوية متسائلًا إن كانت حقًا تريد معرفة الإجابة الآن، جعلها تفقد أي فرصة للتفكير. وهكذا، تلاشى السؤال في أجواء غرفة النوم.
لاحقًا، بينما كان يزيح خصلات شعرها وهي نائمة، تذكر رِيان سؤالها.
متى بدأ الأمر حقًا؟
كان من الصعب تحديد لحظةٍ دقيقة. ففي ذاكرته، كان الأمر أشبه بعادة نشأت من تلقاء نفسها—نظراته كانت تتبعها دائمًا وكأنه أمر بديهي.
هل ستفرح إن أخبرها بأنه أحبها منذ لقائهما الأول؟
لكن الحقيقة أنه لم يكن حبًا آنذاك، على الأرجح. ربما ما شعر به حينها كان مجرد رضا وفضول……لا أكثر.
أما اللحظة التي اهتز فيها عالمه حقًا، فكانت عندما ضمها بين ذراعيه.
كان يعرف أنها لم تكن سوى فتاةٍ في السابعة عشرة من عمرها، وكان يدرك أنها تحمل في قلبها ألمًا يفوق سنها بكثير.
لكن في تلك اللحظة، تحولت هذه المعرفة من مجرد معلومة في ذهنه إلى شعور اخترق صدره.
حين بللت دموعها حضنه، حبس رِيان، ذو العشرين عامًا، أنفاسه دون أن يدري.
وأدرك حينها كم كان ذلك الجسد، وتلك الأكتاف، وذلك الظهر صغيرًا وهشًّا وهو يحتضن حزنًا متماسكًا بإحكام.
“هل كان بدأت مشاعري حينها؟”
لم يكن متأكدًا تمامًا. و لو سأله أحد إن كان ما شعر به حينها شفقةً أم إعجابًا أم كليهما معًا، لما تمكن من اختيار إجابة بسهولة.
ربما وقع في حبها في ذلك اليوم. أو ربما كان الأمر مجرد تسلل تدريجي نحوها، قطرةً بعد أخرى.
عندها، تحركت سيسيل في نومها، وأصدرت أنينًا خافتًا وكأنها مرهقة، ثم هدأت من جديد. كأن لكمةً من الذنب أصابت رأس رِيان.
كان قد سمع مرارًا من جدته أن بنيته قويةٌ منذ ولادته، لكن سيسيل لم تكن كذلك. يكفي النظر إلى عظامها ليعرف ذلك.
لهذا……عليه أن يتمالك نفسه. هذا ما قرره.
بغض النظر عن متى بدأ يحبها، فإن أكثر ما يخشاه الآن هو أن تكرهه زوجته التي يحبها بجنون.
***
وصلت رسالة إلى الدوقة أكشيد.
“آه!”
بعد أن قرأت الرسالة، أسرعت ليلي إلى زوجها وعانقته.
“……لماذا؟”
“هناك خبرٌ سعيد!”
لم يكن سيون يعرف ما هو ذلك الخبر، لكنه شعر بالسعادة لسعادتها. إلا أنها انسحبت من بين ذراعيه قبل أن يتمكن من تطويق خصرها.
“يجب أن أخبر نايد أيضًا!”
نايد كانت على الأرجح نائمةً في جناح الأميرة في هذه اللحظة.
ما الفائدة من إبلاغ طفلة نائم؟ بل في الواقع، ليس النوم هو المشكلة هنا.
“نايد لن تفهم هذا الخبر أصلًا.”
“لا بأس، المهم أن أشاركها مشاعري. يقولون أن شعور الأم بالسعادة المتكرر يفيد الطفلة.”
لكن الطفلة نائمة حاليًا……
قبل أن يتمكن سيون من التمسك بحجة لإبقائها، غادرت ليلي بسرعة.
“نايد.”
رغم قولها أنها ستنقل لها الخبر، لم تكن تنوي إيقاظها، لذا دخلت غرفة النوم هامسةً باسمها.
لكن نايد كانت مستيقظةً بالفعل.
‘يا لابنتي الرائعة، دائمًا تفهم مشاعر أمها جيدًا!’
ابتسمت ليلي واقتربت من سريرها.
“نايد، اليوم وصلت رسالةٌ من سيـسيل.”
وأثناء حديثها بجانب السرير، استرجعت ذكرى لم تستطع مشاركتها مع سيسيل حينها.
“أختي، هل أنتِ هنا؟ أنا ليلي.”
في قصر عائلة كايتير، لم يكن هناك من ينادي سيسيل بـ”أختي” سوى ليلي، ورغم ذلك، عرّفت بنفسها وهي تفتح باب مكتبة سيسيل في ذلك اليوم.
كانت تنوي إخبارها بأخبار سيون التي تأكدت منها للتو عبر الرسالة، لكنها توقفت عند عتبة الغرفة.
كانت سيسيل نائمة، ممددةً على المكتب، وإلى جوارها، كان إيريان كايتير يراقبها بصمت.
كان ينظر إليها بعينين دافئتين، وعندما التقت عيناه بعيني ليلي، وضع إصبعه على شفتيه مشيرًا لها بالصمت.
ومن دون أن تدرك حتى ما تفعله، أومأت ليلي برأسها بهدوء وأغلقت باب المكتبة وخرجت.
“منذ ذلك الحين، كنت أعلم. لا، في الواقع، كنت أعرف حتى قبل ذلك—لم يكونا يومًا مجرد زوجين بعقد.”
في الواقع، دخلت ليلي إلى المكتبة متأخرةً قليلًا. لو كانت قد وصلت في وقت أبكر ورأت المشهد بالكامل—إيريان وهو يمسك خصلات شعر سيسيل بين أصابعه ويطبع قبلةً عليها—لما اكتفت باليقين، بل لتحول الأمر لديها إلى إيمان راسخ.
وحين أتت سيسيل لاحقًا إلى دوقية أكشيد تتحدث عن عملها وما شابه، لكانت ليلي قد نهضت من مقعدها وصاحت فورًا،
“ما هذا الهراء! أقسم بشرف الدوق أكشيد أن ذلك الرجل يحبكِ يا أختي!”
لكن هذا مجرد افتراض، ولم يحدث أن شهدت ليلي ذلك المشهد الحاسم في المكتبة، لذا لم يكن هناك قسم في قاعة الاستقبال باسم شرف سيون.
على أي حال، كانت الرسالة التي تلقتها ليلي تحمل الأخبار التي لطالما تمنتها—أخبار سيسيل.
وباختصار، لقد أعادت توقيع العقد، ولكن هذه المرة، كان الأجل……مدى الحياة.
“أنا سعيدة لأن سيسيل أصبحت أخيرًا سعيدةً. أليس كذلك، نايد؟”
تمتمت ليلي وهي تحدق في عيني ابنتها الخضراوين الصافيتين.
حركت نايد يديها في الهواء.
“وووااه ماما!”
[نهاية الجزء الثاني من القصة الجانبية: حتى لو عادت ابنة الشرير]
_____________________
نايد قالت ماما شكل ذي اول كلمة لها
الفصول الاضافيه ذي كانت تجنن وقصة سيسيل و رِيان مره حلوه😔♥️
بس بعد كان ودي برخص سيون وليلي بعد ماجت نايد بس عادي ذا الي صار اخر شي حلو😂
المهم شكرا وان شاء الله استمتعتوا بالروايه واشوفكم في رواياتي الجايه😘
الروايه ذي خلصت ترجمتها بسرعه فيبي لي ادققها بعدين لايكون فيه شي منا ولا منا
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 165"