“……إذا علمتِ بأنني أتيتُ إلى العاصمة لأجلكِ، فهل ستشعرين بالضيق مني؟”
“بالضيق؟”
اتسعت عينا سيسيل بدهشة، فهذه كلمةٌ لم تستطع ربطها برِيان على الإطلاق.
“لم يكن أمامي خيارٌ سوى التفكير بهذه الطريقة، لأنني اعتقدتُ أن العقد انتهى، وأنكِ رحلتِ مرتاحة البال.”
مرتاحة البال، إذاً، كان هناك أصلٌ لسوء الفهم هذا.
صوبت سيسيل الأمر بصوت خافت.
“مرتاحةَ البال؟ لا شيء من هذا. لقد بكيتُ فور وصولي إلى العاصمة بمفردي وأنا أفكر فيكَ.”
“……حقًا؟”
رفع رِيان جسده قليلًا وكأنه مصدوم، ثم تابع متسائلًا عن شيء آخر.
“إذاً، بكاؤكِ بالأمس أيضًا كان بسببي؟ في غرفة النوم…….”
“وهل هناك سببٌ آخر؟ شعرتُ بالحزن والأسى لمجرد التفكير في فراقنا……لهذا بكيت.”
في الحقيقة، ما جعلها تبكي هو تخيلها لرِيان متزوجًا بامرأةٍ أخرى وينجب منها طفلًا. لكن سيسيل لم تجد ضرورةً للكشف عن كل شيء.
فجأة شدّ رِيان سيسيل إلى أحضانه. و أما سيسيل، فقد أعجبها ذلك، فهي لطالما أحبت هذا الحضن.
“لا أستطيع التوقف عن التفكير في أنني كنتُ أحمقًا.”
“ولماذا؟”
“لو أنني عبّرتُ لكِ يومًا عمّا أشعر به تجاهكِ، لما حدث هذا أبدًا.”
هل يقصد بهذا لأنها بكت؟ وما أهمية الدموع أصلًا؟ هناك من يبكي حتى لمجرد رؤية طائر أم تعتني بصغيرها في الطريق.
لكن بدلًا من تخفيف شعور رِيان بالذنب، فضّلت سيسيل تحليل كلماته بتمعن، فقد أثار فضولها ما كان يشعر به تجاهها طوال هذا الوقت.
“أخبرني الآن. وأنت تنظر إليّ كل يوم، بماذا كنت تفكر؟”
“ليس بالأمر العظيم، لكن…….”
بعد أن أثار فضولها، أخذ رِيان وقته قبل أن يكمل حديثه.
“كنتُ أراكِ محببةً للغاية. وأحيانًا كنتُ أشعر بالارتياح لمجرد التفكير في أنكِ زوجتي. ولو أعود بذاكرتي للوراء، فقد حدث ذلك مرارًا.”
رِيان، وكأنه غارق في ذكريات الماضي، أضاف،
“لقد تصرفتُ بصبيانية بسببكِ من قبل أيضًا.”
“تصرفتَ بصبيانية؟”
“……هل تتذكرين؟ ذلك البارون الذي قدّم لكِ منديله.”
“هم؟ ……آه!”
أطلقت سيسيل شهقةً صغيرة، ليس لأنها استرجعت ذكرى عظيمة، بل العكس تمامًا.
فحتى مثل هذه التفاصيل الصغيرة لا تزال محفوظةً في ذاكرته.
رغم أن ذاكرته ليست سيئة على الإطلاق.
“تقصد ما حدث في الحفل الخيري، أليس كذلك؟”
في ذلك الحفل، اكتشفت سيسيل عن غير قصد أنها تعاني من حساسية تجاه نوع معين من الزهور. ولهذا السبب، تم اجتثاثها تمامًا من حديقة وقاعة استقبال قصر الكونت كايتير في العام التالي.
على أي حال، خلال الحفل، شعرت سيسيل بحكة في عينيها، فمسحتهما تحت حجابها. وفي تلك اللحظة، تقدم إليها رجل طويل القامة وناولها منديله.
يبدو أنه اعتقد أنها كانت تبكي، فقد قدّم لها المنديل مع جملة تقول أنه من غير اللائق أن يتجاهل الرجل دموع السيدة.
ثم……
“ذلك المنديل، أنتَ من أخذه، أليس كذلك؟”
لقد اختطف رِيان المنديل في منتصف الطريق قبل أن يصل إلى سيسيل، رغم أنه كان موجهًا إليها بوضوح.
و ليس ذلك فحسب، بل شكر الرجل بكل وقاحة أيضًا.
“شكرًا لكَ، لقد كنتُ على وشك البكاء.”
كان الحفل الخيري مخصصًا للتمني بموسم حصاد وفير، لكن لا أحد يعلم ما الذي كان يدفع رِيان للبكاء في تلك اللحظة.
على أي حال، استخدم منديل الرجل وكأنه ملكه، وضغط به على عينيه بدقة شديدة.
أما صاحب المنديل، فقد راقب تصرف رِيان بحذر، ثم استعاد منديله،
“إنه لشرف لي أن أكون عونًا لسيادتك، كونت.”
وبعد ذلك، غادر المكان بسرعة لسببٍ ما.
“إذاً، كنتَ تغار؟”
“……يمكنكِ قول ذلك.”
“كنتُ أعتقد حقًا أنك شعرتَ برغبة في البكاء.”
فالأتربة، والرياح، وحبوب اللقاح، كلها أسباب قد تبرر ذلك.
تمتمت سيسيل بدهشة، لكنها سرعان ما انفجرت ضاحكة.
“هذا غير معقول.”
رِيان، وهو يشعر بضحكات سيسيل من خلال جسدها، انتهى به الأمر إلى تركها.
كان يحب دفء أنفاسها وارتجافها أثناء الضحك، لكنه أراد رؤية وجهها أيضًا.
“سيسيل، لماذا غادرتِ قصر الكونت بتلك الطريقة؟”
وضعت ختمها على أوراق الطلاق، ولم تترك حتى معلومةً عن وجهتها التالية.
كل ذلك اختُصر في كلمة “بتلك الطريقة”. فأجابت سيسيل،
“لأنني كنتُ أحبكَ.”
“لا أفهم.”
“لم أرِد أن أسمع منكَ عبارة ‘انتهى العقد’.”
لذلك، هربت قبل أن يحدث ذلك.
بقي رِيان صامتًا، وكأن كلماته سُلبت منه. ثم أخيرًا، نطق ببطء،
“أريد أن أقول بأنه لا يوجد شيء أكثر جنونًا من أن أؤذيكِ، وأنني لم أكن لأقول لكِ ذلك أبدًا، لكن…….”
“لم أكن أعلم.”
“أعلم، لأنني أنا أيضًا لم أكن أعلم بما في قلبكِ حتى الآن.”
كان ضوء الفجر يزداد سطوعًا شيئًا فشيئًا. و أخذت سيسيل تحدّق في ملامح رِيان ببطء، وكأنها تريد نقشها في ذاكرتها.
يُقال أن الحياة تبدو كملهى من بعيد، لكنها مأساة عند الاقتراب.
لكن علاقة رِيان وسيسيل كانت على العكس تمامًا.
من بعيد، بدت علاقتهما كمأساة. لكن عندما باتا قريبين بما يكفي ليتبادلا الحديث ويتشاركا أنفاسهما، أصبحت أشبه بلهى.
لن يكون هناك انعكاسٌ أجمل من هذا في ما تبقى من حياة سيسيل.
“عندما أفكر في الأمر، لم أكن أنا ولا أنت غير مخلصين لبعضنا أبدًا.”
لو تم حذف كلمة “عقد”، لكان الكونت و الكونتيسة كايتير مجرد زوجين يعيشان بتناغم.
هكذا كانا، طوال سبع سنوات.
“لماذا لم ندرك ذلك؟ بأننا نحب بعضنا؟”
طرحت سيسيل تساؤلها البريء، لكن رِيان وجد الإجابة بسهولة.
“ربما لأننا كنا نحب بعضنا.”
“ماذا تعني؟”
“عندما لا يكنّ المرء أي مشاعر تجاه شخصٍ ما، يكون من السهل عليه تحليل تصرفاته.”
رِيان، بينما كان يتلمس يد سيسيل، رفعها نحو شفتيه وطبع عليها قبلةً قصيرة.
أغمضت سيسيل عينيها قليلًا. فقد كان الأمر مثيرًا للدغدغة……لكنه لم يكن كافيًا.
“هذا صحيح. سواء كان كلامًا أو فعلًا، يمكن ببساطة تفسيره كما هو دون إضافة رأي شخصي.”
“نعم، لكن عندما يقوم الشخص الذي نحبه بتصرف معين……نصبح أكثر حذرًا في الحكم عليه.”
“أفهم ما تعنيه. الأمر يتعلق بعدم اليقين، أليس كذلك؟ هل فسرتُ تصرف الطرف الآخر كما هو فعلًا، أم أنني أسقطتُ عليه توقعاتي ورغباتي الخاصة؟”
في محاولة لا واعية لتجنب الوقوع في الوهم، انتهى بهما الأمر بالابتعاد عن الحقيقة.
“في النهاية، كدنا نفشل لأننا كنا حذرين أكثر من اللازم. أنا وأنتَ، رِيان.”
“لكننا لم نفشل في النهاية.”
طبع رِيان قبلةً أخرى على يد سيسيل، و هذه المرة كانت أطول قليلًا.
“أليس هذا بسبب القدر الذي لا يسمح لنا بالفراق؟ أنتِ وأنا، سيسيل.”
حركت سيسيل شفتيها قليلًا.
يا له من كلام مخجل.
لكن بدلًا من الرد، اكتفت بإطلاق ضحكةٍ صغيرة. وقبل أن تغلق شفتيها تمامًا، عضّها بلطف على شفتها.
أغمضت سيسيل عينيها، بينما تشابكت أصابع ريان بأصابعها، و يحجبها عن ضوء الفجر.
***
الكونت وزوجته غادرا العاصمة في عربة رباعية العجلات، يقودها سائق ماهر.
وأثناء الرحلة إلى مقاطعة الكونت، فتحت سيسيل فمها فجأة.
“رِيان، هل ستتزوجني؟”
“نحن متزوجان بالفعل.”
سرعان ما زفر رِيان بتنهيدة وكأنه يوبّخ نفسه على تفكيره القصير.
“سنقيم الحفل فور وصولنا.”
عندما تزوجا بموجب العقد، كان كل منهما مشغولًا بظروفه الخاصة، لذا تخطيا مراسم الزفاف. ومع ذلك، كان رِيان قد أعد خاتم الزواج، والذي كان الآن في درج غرفة نوم سيسيل.
لكن سيسيل هزت رأسها.
“ليس هذا ما قصدته، بل هل ستقبل بي كشريكة حياتكَ إلى الأبد؟”
“……كنتُ أظن أننا تأكدنا من مشاعرنا بالفعل.”
“تساءلتُ فقط إن كنتَ قد نسيت……بأنني لا أستطيع إنجاب الأطفال.”
كلماتها، التي ألقتها بنبرة هادئة، قد تكون اعترافًا عظيمًا بالنسبة للبعض. لكن بدلًا من أن يتوتر، بدا على رِيان وكأنه قد شعر بالارتياح.
“كنتُ قلقًا من أنني قد فعلتُ شيئًا خاطئًا أيضاً.”
“ألا تحتاج إلى وريث؟”
“يمكننا تبنّي طفل، سيسيل. وبما أننا تطرقنا للموضوع، فلنقم ببناء عدة دور رعاية جديدة في المنطقة الشرقية.”
رمشت سيسيل بعينيها بدهشة.
رغم أن الموضوع قفز فجأةً إلى السطح، إلا أن فحواه كان مرحبًا به.
“لا يجب أن نقتصر على المنطقة الشرقية فقط، ويمكنكِ أن تكوني أكثر انخراطًا في الأمر، سيسيل. لم يعد هناك داعٍ لإخفاء وجه الكونتيسة كايتير بعد الآن.”
“يبدو رائعًا، لكن……”
بدا على سيسيل أنها متحمسة، لكنها سرعان ما هزت رأسها.
“هل أنتَ متأكدٌ حقًا؟”
“هل تتحدثين عن موضوع الأطفال؟ لستُ ملكاً، لذا لا أرى ضرورةً لاستمرار نسبي.”
……ملك؟
بقيت سيسيل عاجزةً عن الكلام، إلى أن أمسك رِيان يدها، ونزع قفازها، ثم ضغط شفتيه على ظهر يدها.
ارتعشت رموشها قليلًا…….فقد بدا رِيان وكأنه أصبح معتادًا على تقبيل يدها خلال الأيام القليلة الماضية.
_______________________
رِيان ياورع شكلك مضيع وش تبوس يدها يارجال خذها بحضنك وضمها احلا الشي الضمه 🫂
ماتوقعت سيسيل ماتقدر تنجب ياعمري هي🫂
بس عادي دام رِيان سالكه معه خل يتبنون نونو ويربونه ثم يتبنون بنيه صعنطوطه ويربونها وخلوص
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 164"