قررت سيسيل التظاهر بعدم المعرفة، لكنها اعترفت في النهاية معتقدةً أن هذا القدر لا بأس به.
“……نعم.”
“هل يمكنني أن أسأل كيف قدمتِني؟”
“قلتُ أنكَ شخصٌ جيد.”
وكان ذلك صحيحًا. و بالطبع، أوضحت لماذا تعتبر رِيان شخصًا جيدًا، وكيف أن هذا الشخص الجيد يجعلها تشعر الآن بمشاعر معقدة وطويلة، لكن…..
“هل قدمتِني باسمي رِيان؟”
رمشت سيسيل بعينيها ببطء.
“……أعتقد ذلك.”
ساد الصمت للحظة، لكن سيسيل لم تجد في ذلك أي إزعاج.
لولا أن قلبها كان ينبض بسرعة أكبر قليلًا، لكانت شعرت بسلام تام.
وأخيرًا، اقترح رِيان،
“هل تودين القيام بنزهة؟”
“حول المكان؟”
“إن كان الأمر لا يزعجكِ، سيسيل.”
بالنسبة لسيسيل، لم يكن هناك ما يزعجها. حتى لو اقترح رِيان فجأة التنزه في الصحراء—رغم أنه لا توجد صحراء قريبة—لكانت تظاهرت بالتفكير قليلًا ثم وافقت في النهاية.
“حسنًا.”
بما أن سيسيل قضت طفولتها هنا، كانت تعرف المنطقة جيدًا، لذا تقدمت بشكل طبيعي إلى الأمام.
“هل تتذكرين الطرق التي كنتِ تلعبين فيها عندما كنتِ صغيرة؟”
توقفت سيسيل عن المشي، رغم أنها كانت تنوي قيادة رِيان إلى الطريق الوحيد الذي تمر به العربات ويشبه الطريق الفعلي.
“أتذكرها، لكن…….”
“أود أن أسير في ذلك الطريق.”
“إنه مجرد ممر ضيق…..لا، ربما لم يعد طريقًا أصلًا.”
اختفى الملجأ، ولم يعد هناك أطفال يركضون جيئةً وذهابًا، يدوسون على الأرض ويمهدونها بأقدامهم الصغيرة.
“ما دمتِ لا تشعرين بعدم الارتياح، لا يزال ذلك الطريق يثير فضولي.”
“أنا…..حسنًا، لا بأس.”
بما أن رِيان لم يمانع، لم تجد سيسيل سببًا للاستمرار في الرفض، فقادته عبر الطريق المنقوش في ذكرياتها القديمة.
لحسن الحظ، لا يزال يمكن بالكاد اعتبار هذا الطريق ممرًا ضيقًا.
‘حسنًا، إنه طريقٌ بالفعل.’
في تلك اللحظة، مدَّ رِيان يده نحو سيسيل.
لم تفهم سيسيل مغزى هذا التصرف، وبينما كانت ترمش بحيرة، تحدث رِيان،
“الطريق وعر.”
‘…..آه، إنه يعرض الإمساك بيدي.’
ترددت سيسيل قليلًا، لكنها تذكرت فجأة أنها ترتدي حذاءً بكعب.
صحيح. مهما كانت سيسيل قد اعتادت الركض في هذا الطريق خلال طفولتها، فإنها لم تفعل ذلك أبدًا وهي ترتدي حذاءً كهذا. فالآن، وهي بالغة ترتدي حذاءً غير مريح، و لم يعد هذا الطريق مألوفًا لها كما كان من قبل.
لذا، إمساك يد رِيان ليس تصرفًا يحمل نوايا خفية أو لا داعي له، بل هو أمرٌ منطقي تمامًا.
“لن أرفض ذلك إذاً.”
لم تنتبه متى خلع رِيان قفازه، لكن يده كانت عارية.
وضعت سيسيل يدها المغطاة بقفاز قطني أبيض برفق فوق يده.
لكن بدلًا من إمساك يد سيسيل، قام رِيان بنزع قفازها.
رفعت سيسيل رأسها نحوه بعينين متسعتين، فرأت عينيه تنحنيان بلطف في ابتسامة هادئة.
“القفازات زلقة.”
نقل رِيان القفاز إلى يده الأخرى، ثم أمسك بيد سيسيل مباشرة.
همّت سيسيل بفتح فمها لتقول شيئًا، لكنها خفضت رأسها بصمت.
من الصحيح أن القفازات القطنية قد تكون زلقة.
لكن…..ألم تكن ترتدي قفازاتٍ جلدية قبل قليل؟
ومع ذلك، لم ترغب سيسيل في الإفلات من يده.
لم تكن تعرف السبب، لكنها شعرت وكأن هذه اللحظة هديةٌ صغيرة قُدّمت لها، وليس هناك ما يمنعها من الاستمتاع بها.
كان المشي في الممر الضيق بطيئًا ويستغرق وقتًا طويلًا لكن لم يمانع أيٌ منهما.
***
بعد زيارة القبور، قاما أيضًا بجولة عند ضفاف النهر. وبينما كانا ينظران إلى النهر من فوق الجسر، اعترفت سيسيل فجأة بأنها فقدت قبعتها هنا ذات مرة.
يبدو أنها كانت تريد أن تخبر رِيان بأي شيء عنها، مهما كان بسيطًا.
“كيف فقدتِ قبعتكِ؟”
لم تكن القبعة تبدو سهلة الطيران مع الرياح، لذا كان من الطبيعي أن يتساءل عن الأمر. فأجابت سيسيل بهدوء،
“كان رجلاً قابلته لأول مرة هنا و قام بنزعها عني. لم أرغب في مطالبته بإعادتها، فقلت له أن يحتفظ بها.”
بينما كانت سيسيل تنظر إلى النهر، لم تلحظ كيف تصلب وجه رِيان. ولم تسمع أيضًا تمتمته التي غطاها نسيم النهر المار،
“من حسن الحظ أنني أتذكر وجهه.”
في ذلك اليوم، قضت سيسيل بقية المساء برفقة رِيان، ولم تعد إلى القصر إلا بعدما حل الظلام تمامًا.
و لم تدرك أنها أمضت اليوم بأكمله معه دون أي فواصل حتى وضعت قدمها داخل القصر.
والآن، رغم أنهما سيفترقان لبعض الوقت، إلا أن ذلك لن يدوم طويلًا، لأن…..
“أعتقد أنني سأخلد إلى النوم مبكرًا الليلة.”
ثم قال رِيان عبارةً غامضة أخرى قبل أن يختفي،
“أتمنى لكِ ليلة هانئة، سيسيل.”
بعد أن أُغلقت باب غرفتها، انهارت سيسيل جالسةً على الأرض.
“لماذا عليه أن يقول أشياء ذات معانٍ مريبة كهذه..…؟”
بالطبع، اعتقاد سيسيل بأن كلام رِيان كان يحمل معنى غامضًا لم يكن سوى تفسير نابع من وجهة نظرها الشخصية. فعلى الأرجح، رِيان لم يكن يفكر في أي شيء محدد.
كان ذلك بحد ذاته أمرًا محزنًا، لكن سيسيل عاشت ما يكفي من الوقت لتدرك أن هذا النوع من الحزن لم يعد كافيًا ليجعلها تنهار.
بعد وقتٍ قصير، بدأت تستعد للذهاب إلى غرفة رِيان. فاغتسلت، و غيرت ملابسها، وجلست قليلًا على سريرها حتى جاء أحد الخدم لإعلامها بأن الوقت قد حان.
اصطحبت معها كتابًا إلى غرفة رِيان، لكن كما حدث في الليالي السابقة، لم تنجح في قراءته.
ما حدث هذه الليلة كان أكثر غرابة من الليلة الماضية.
قال رِيان بأنه يريد التحدث عن طفولته، وسيسيل استمعت بصمت.
كادت، في لحظة من اللحظات، أن تمزق الكتاب بين يديها دون أن تشعر. فقد غضبت، وحزنت، وشعرت بالمرارة والضيق.
كانت تعتقد أن الأرق هو المعاناة الوحيدة التي عرفها رِيان، لكن العالم كان أكثر قسوةً على طفل صغير مما تصورت.
وأدركت أيضًا أن موهبتها كانت تعني له أكثر مما كانت تظن.
قدرتها على تقليد الآخرين لم تكن مجرد وسيلة لمنح رجل ثري مزيدًا من الثراء.
كانت سيسيل تشعر بسعادة غامضة لكون مساعدتها أصبحت ذات قيمة أعمق.
لدرجة أن الفراق الذي يقترب لم يعد يبدو مؤلمًا كما كانت تتوقع.
***
لقد كان مجرد وهم.
إنه مؤلمٌ بشدة.
راودتها هذه الفكرة بينما كانت تنظر إلى رِيان النائم بعمق.
اليوم كان اليوم الرابع من معاناته مع الأرق. منذ أن بدأت سيسيل بالقراءة له، كان رِيان يتحرر دائمًا من لعنة الأرق في الليلة الرابعة، ولم يكن هذه المرة استثناءً.
لكن كان هناك استثناءٌ آخر هذه المرة—هذه الليلة، لم تقرأ له سيسيل أي كتاب على الإطلاق.
كل ما فعلته هو التحدث عن نفسها، والاستماع إلى قصة رِيان.
ومع ذلك، كما لو أنها قرأت له بالفعل، تمكن رِيان من طرد الأرق سريعًا والنوم بسلام.
يبدو أن الأرق، الذي كان يأتي دون سابق إنذار، قرر على الأقل الالتزام بالمغادرة في موعده المعتاد.
وكان هذا، على الأقل، أمرًا يدعو للارتياح.
“…….”
تذكّرت سيسيل الأيام القليلة التي قضتها مع رِيان بشكل طبيعي.
منذ أن بدأت العيش في هذا القصر، لم ينادِها رِيان أبدًا بـ”زوجتي”.
لو كان الأمر مجرد تجنّب للخطأ، لما فكرت كثيرًا في الأمر، لكن عندما بدأ في إبداء اهتمام بطفولتها، أصبح الشعور مختلفًا.
رغم أنها لم تكن سوى بضعة أيام، شعرت سيسيل بأنها اقتربت من رِيان أكثر كشخص، كـ”سيسيل” نفسها. و بالطبع، لم تكن متأكدةً مما إذا كان رِيان يشعر بنفس الشيء. لكن…..لو لم يكن يشعر بأي نوع من الألفة تجاهها، لما شاركها قصص طفولته.
كانت قصصًا حساسة. على الأقل، خلال الفترة التي قضتها كزوجة للكونت، لم تسمع أبدًا أي شخص يذكرها أمامها.
ربما أصبحت “سيسيل” واحدةً من القلائل الذين يعرفون ماضي رِيان.
بمجرد أن خطرت لها هذه الفكرة، شعرت باضطراب غير مألوف في قلبها.
ثم خطرت لها فكرةٌ أخرى فجأة.
فكرت سيسيل فجأة: ماذا لو بقيت بجانب رِيان كـ”سيسيل” فقط؟
بالطبع، لم تكن تقصد أن تأخذ مكانها كزوجة للكونت كما كان الحال سابقًا. قلن يوافق على ذلك رِيان أبدًا.
تخيلت سيسيل أن تعيش بجانب رِيان كجيران، يلتقيان أحيانًا ليتبادلا الأخبار، وتساعده إذا مرّ بأرق.
ثم، عندما يتزوج رِيان من امرأةٍ مناسبة له، ستبارك له هذا الزواج.
وإذا كان له أطفال، ستعتني بهم…..
ضحكت سيسيل.
كان ذلك غير معقول.
‘لماذا تخيلتِ أشياء لا أستطيع تحمّلها، سيسيل؟’
انزلقت دمعةٌ على خديها، وعلقت على ذقنها قبل أن تسقط.
لقد نام رِيان بعمق بعد أربعة أيام من الأرق، ولم يكن سيستيقظ بسبب صوت تنهداتها فقط.
ومع ذلك، كانت سيسيل تعض شفتها وتكبح دموعها.
يجب أن تذهب.
ويجب ألا تقترب من رِيان مرة أخرى.
______________________
رِيان جعلك التبن وش النوم الثقيل ذاه؟ زوجتك تبكي!
باقي ثلاث فصول واضح ربيعهم في آخر فصل😭
اكره المؤلفه حتى في الاضافي مافكتنا
بعدين عسا ماشر؟ ليه ماتسوي لهم روايه مايكفي 19 فصل
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 162"