‘أنا الآن…..لم أعد زوجةَ ريان.’
هل كان ذلك مجرد لقب نطقه عن عادة؟
الآن بعد أن فكرت في الأمر، قبل قليل أيضًا، سيسيل نادته بـ “رِيان”.
ذلك لقب لا يُسمح إلا لـ “سيسيل كايتير” باستخدامه.
أطبقت سيسيل شفتيها بإحكام. و قررت اعتبار الأمر خطأً متبادلاً من كليهما.
عندها، فتح رِيان فمه وتحدث.
“سأتقبل مساعدتكِ بكل سرور.”
عندما ارتجفت سيسيل قليلًا، واصل رِيان حديثه.
“لكن لدي طلبٌ بالمقابل، هل يمكنكِ الإقامة في القصر الذي أقيم فيه أثناء مساعدتكِ لي؟”
“آه…..حسنًا.”
أومأت سيسيل برأسها دون تفكير طويل.
رغم أن الوقت الذي تساعد فيه سيسيل ريان لا يستغرق سوى لحظات من اليوم، إلا أنه كان في الليل.
بل في وقت متأخر من الليل. فبدا لها أنه ليس من الحكمة العودة إلى النزل بعربة في ذلك التوقيت، حتى من وجهة نظرها.
مهما كانت العاصمة تُعتبر آمنة…..
وفوق كل ذلك، إن أقامت في القصر نفسه، فستتمكن من رؤية رِيان كثيرًا، بدلاً من لقائه للحظات فقط في الليل.
لم يكن هناك سبب يدعو سيسيل لرفض هذا العرض. وبصراحة، لم يكن عرضًا بقدر ما كان هدية.
“آه، صحيح.”
تحدثت سيسيل فجأة وكأن فكرةً خطرت ببالها.
“تفاجأت بوجودكَ في العاصمة. منذ متى وأنتَ هنا؟”
كان هذا السؤال يجب أن يكون أول ما تطرحه، لكنه تأخر بسبب انشغالها بمشكلة أرق رِيان.
تردد رِيان للحظة، وكأنه يفكر في شيء ما، ثم تحدث أخيرًا،
“…..منذ جنازة جدي، بقيت هنا طوال الوقت.”
“حقًا؟”
اتسعت عينا سيسيل بدهشة.
إذًا، هذا يعني أنه مكث لفترة طويلة…..لكن لماذا لم تصادفه حتى اليوم؟
لم تكن سيسيل تعلم أن رِيان لم يمكث في العاصمة بالقدر الذي تخيلته، وأنه قضى معظم وقته متجولًا حول القبر.
شعرت بالدهشة، لكنها سرعان ما خفضت نظرها بهدوء.
‘إذًا، الرسالة وأوراق الطلاق…..لم يطّلع عليهما بعد.’
لكن سيسيل رأت أن هذا لا يغير شيئًا. قعلى أي حال، جده، الماركيز هويل، قد رحل، والعقد انتهى.
كان بإمكان رِيان المُضي في إجراءات الطلاق فورًا إن أراد. يمكن للمحامي تجهيز الأوراق، وإن لم يكن ختم رِيان الرسمي موجودًا هنا، فبإمكانه ببساطة استخدام بصمته بدلاً من ذلك.
والآن بعد أن التقى بسيسيل، فلن يكون وضع بصمتيهما معًا على الأوراق أكثر تعقيدًا من تناول وجبة مشتركة.
‘لكن يبدو أن هناك فترة تأجيل الآن.’
لأن رِيان لا يزال بحاجة إلى مساعدة سيسيل.
ولأن سيسيل لا تزال بحاجة إلى مساعدته.
شعرت بمزيج من الإحباط والرضا في آنٍ واحد.
وبينما كانت تحدق إلى الأسفل، غارقةً في أفكارها، تحدث رِيان.
“ومتى وصلتِ إلى العاصمة، سيسيل؟”
“أنا؟”
ترددت سيسيل. هل يمكنها حقًا الالتفاف حول الحقيقة؟
كيف لها أن تبرر قضاء شهر كامل في العاصمة، بعد أن غادرت قصر الكونت مسرعةً بحقيبة واحدة فقط؟
لم تكن ترغب في التحدث الآن عن وثائق الطلاق غير الموقعة التي تركتها في قصر الكونت، والتي لم يطّلع عليها رِيان بعد.
‘في الأساس، لقد هربت لأنني لم أرغب في سماع كلمة ‘طلاق’ من فم رِيان مباشرة.’
الجميع يحاول تأجيل الأمور التي يكرهونها قدر الإمكان. أما بالنسبة لسيسيل، فقد أرادت، على الأقل، تجنب الحديث عن الطلاق مع رِيان حتى تنتهي هذه “الفترة المؤقتة” التي مُنحت لها وكأنها هدية.
“…..لم يمضِ وقتٌ طويل. فجأة شعرتُ برغبة في التجول في العاصمة.”
كان جواب سيسيل مبهمًا. بدا وكأنها أتت إلى العاصمة في نزهة قبل بضعة أيام فقط، لكنها لم تحدد تاريخًا دقيقًا.
كان هذا آخر ما تبقى من ضميرها.
“هكذا إذاً.”
ردّ رِيان دون أن يبدو عليه أي شك. فابتسمت سيسيل بهدوء، لكنها شعرت بوخزة طفيفة في صدرها، فأشاحت بنظرها بعيدًا.
وبعد لحظة صمت، تحدث ريان مرة أخرى.
“هل تحتاجين إلى وقت للاستعداد قبل أن تنتقلي إلى قصري؟”
“آه، نعم. أحتاج إلى بعض الوقت، لكن بضع ساعات ستكون كافية.”
بدأت سيسيل تفكر فيما ستفعله خلال هذه الساعات.
أولاً، ستقوم بحزم أمتعتها، ثم تخبر صاحب النزل بأنها ستغادر…..
‘يجب أن أشتري بعض الملابس أيضًا.’
فالملابس التي أخذتها معها من قصر عائلة كايتير كانت جميعها عملية، وغير ملفتة للنظر.
كانت ملابسها، في الغالب، ذات ألوان داكنة، ولم تكن تملك أي مجوهرات سوى الأزرار المزخرفة.
حتى عندما كانت تعيش في قصر عائلة كايتير، كانت ترتدي ملابس بسيطة في العادة، لكن لسبب ما، أرادت أن تبدو أكثر إشراقًا أمام رِيان في الأيام القليلة المتبقية.
‘لأنها الأخيرة.’
سيكون من الجميل لو تذكرها بصورةٍ أجمل مما هي عليه في الواقع، حتى لو لم يكن لذلك أي معنى.
“إذاً، سأعود في المساء.”
“نـ-نعم؟”
ألن يرسل خادمًا بدلاً منه؟
عندها، نهض رِيان من مكانه. قامت سيسيل بمرافقته حتى باب غرفة النزل.
وقبل أن يخرج، أمسك بيدها، ثم ضغط شفتيه على يدها المغطاة بالقفاز.
“أراكِ لاحقًا، سيسيل.”
كان عليها خلع القفازات فور دخولها إلى الداخل.
حتى بعد أن اختفى رِيان، ظلت سيسيل غارقةً في ندمها.
***
كل شخص يرتكب، ولو مرةً واحدة في حياته، تصرفًا جنونيًا.
أو ربما كانت سيسيل الوحيدة التي تفكر بهذه الطريقة، لكنها قررت تصديق ذلك.
…..لا، في الواقع، حتى لو أقنعت نفسها بذلك، فستظل شخصًا غريب الأطوار.
لأنها لم ترتكب حماقة “مرةً واحدة” فقط.
كان ذلك اليوم هو المرة الأولى التي أقدمت فيها على فعل مجنون.
ما الذي دفعها إلى ذلك؟
هل كان النبيذ؟ أم ضوء القمر؟
ربما كلاهما.
على أي حال، في ذلك اليوم، شربت هي و رِيان كأسًا من النبيذ بعد العشاء. و استمتع الزوجان بنكهة النبيذ العتيق ورائحته الغنية، واستمر حديثهما وقتًا أطول مما توقعا.
“من الأفضل أن نتمشى قليلًا.”
اقترح رِيان نزهةً ليلية بعدما لاحظ احمرار وجه سيسيل بسبب تأثير الكحول.
وهكذا، خرج الزوجان إلى الحديقة الخلفية. وللمصادفة، كانت الليلة مقمرة.
وهناك، جُنّت سيسيل.
“رِيان.”
نطقت باسمه تحت ضوء القمر.
“لديّ شيء لأعترف به.”
في ذلك الوقت، كانت سيسيل في الثانية والعشرين من عمرها، وكان زواجها من رِيان قد دخل عامه الخامس.
لحسن الحظ، أو ربما لسوء الحظ، لم تفقد عقلها تمامًا بسبب النبيذ والقمر وتعترف فجأةً بمشاعرها التي كتمتها طويلًا. لكن بدلًا من ذلك،
“في الحقيقة، مؤخرًا، عندما أنام وحدي، تراودني كوابيس.”
كان هذا كذبًا.
صحيح أنها مرت بفترة كانت فيها الكوابيس تؤرقها، لكن ذلك كان في الماضي، بل إنها خلال تلك الفترة كانت تشارك غرفتها مع خادمة مقربةٍ منها.
لذا، لم يكن هناك أي ذرة من الحقيقة في ادعائها بأنها تعاني من الكوابيس مؤخرًا عند نومها بمفردها.
لكن في تلك اللحظة، لم تهتم لا بضميرها ولا بأي إحساس بالذنب.
“هل يمكنني طلب مساعدتكَ؟ إذا لم يكن الأمر مزعجًا لك، رِيان.”
وكعادته، لم يستطع الزوج اللطيف تجاهل محنة زوجته.
وفي تلك الليلة، ناما معًا في سرير واحد للمرة الأولى.
في تلك الليلة، لم يحدث شيء سوى النوم بهدوء. نعم، في تلك الليلة فقط.
و في اليوم التالي، ندمت سيسيل على تصرفها، لكنها مع مرور الوقت، كررت نفس الفعل مرة أخرى.
وعندما نام الزوجان في سرير واحد للمرة الثانية، قضيا الليل ببراءة كما في المرة الأولى.
لكن المشكلة كانت أن سيسيل، التي اختبرت بنفسها مدى سهولة تكرار ما كان صعبًا في البداية، بدأت بعد ذلك في إيجاد المزيد من الليالي التي تجمعهما في سرير واحد.
ثم، في إحدى تلك الليالي…..
لم تقاوم سيسيل القوة التي جذبتها وسط السكون. وعندما تلامست شفاههما، أغمضت عينيها.
***
هزّت سيسيل رأسها بقوة، كما لو كانت تحاول طرد تلك الذكرى من عقلها. و أصبح وجهها يحترق.
“لماذا تذكرت ذلك فجأة؟”
هل كان ذلك لأنها كانت تنتظر رِيان، الذي كان يستحم في غرفة النوم؟
احتضنت الكتاب بين ذراعيها بإحكام.
كان بإمكانها قراءة محتواه عن ظهر قلب، لكنها تعمدت اختيار كتاب جديد لم تقرأه من قبل.
‘عليّ التركيز على محتوى الكتاب.’
ربما بذلك، ستتمكن من تهدئة ضجيج أفكارها ولو قليلًا.
‘تماسكي، سيسيل…..لا تفكري في أي شيء آخر. لم تأتِ إلى هنا لهذا السبب.’
قبل لحظات فقط، لم يكن هذا النوع من القلق يشغل بالها، لكن بمجرد دخولها غرفة النوم، بدأت ذكريات الماضي تتدفق بلا إذن، حتى باتت غير واثقة من نفسها.
لا، في الواقع، كانت الشرارة قد اشتعلت قبل ذلك.
تمامًا كما وعد، جاء ريان بنفسه ليأخذها.
و كان برفقته بعض الخدم، الذين قاموا بتحميل حقائبها – التي أصبحت اثنتين الآن – في العربة.
كانت سيسيل قد ارتدت فستانًا أصفر اللون، وصعدت إلى العربة مستندةً على يد ريان الذي قدم لها المساعدة.
في تلك اللحظة، شعرت ببعض الترقب، لكنها كانت هادئة. على الأقل، لم يكن عقلها فوضويًا كما هو الآن.
ولكن عند وصولهما، وبينما كانت تنزل من العربة، أمسك رِيان بخصرها ليرفعها بلطف إلى الأرض، وعندها، أصيبت أفكارها بانهيار تام.
___________________
رِيان متعمد يشيلها😭😭😭😭😭😭
ياناس خلاص مشاعرهم شوي وتنفجز وللحين مادرا كل واحد عن الثاني
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 160"