ما إن وصل إلى العاصمة حتى تفقد رِيان أولًا القصرين المملوكان لسيسيل. لكن القصران كانا لا يزالان مهجورين، مما أوضح تمامًا أن سيسيل لم تختر الإقامة في أيٍّ منهما.
لم يستسلم رِيان، فلو كان ينوي الاستسلام بسهولة لما ذهب إلى العاصمة منذ البداية.
كان يزور قبر عائلة سيسيل يوميًّا بينما أرسل رجاله للبحث.
رغم اتساع العاصمة، كان فيها الكثير من العيون والآذان، وإن كانت سيسيل هنا، فسرعان ما ستصله أخبارها.
لكن مرت أيام دون جدوى…..لم يصادفها رِيان، ولم تصله أي تقارير تفيد بالعثور عليها.
فبدأ القلق ينهش روحه شيئًا فشيئًا.
في ذلك اليوم، بلغ به الجنون حد قضاء الليل بأكمله يراقب القبر. و أشرقت الشمس دون أن يجني شيئًا، فغادر القبر إلى قصر قريب ليستحم ويبدل ثيابه.
منذ وصوله إلى العاصمة، كان يحرص يوميًا على الاهتمام بمظهره. لقد كان صارمًا بشأن النظافة بطبيعته، لكن في الأيام الأخيرة أصبح يهتم حتى بأدق التفاصيل، مثل لون أزرار الأكمام.
أراد رِيان أن يكون في أبهى صورة عندما يلتقي بسيسيل، على أمل أن تقارنه – ولو دون وعي – بالرجال الذين تلتقيهم في العاصمة… ولو عبرت عن ذلك صراحة، فربما تكون له فرصة.
كان رِيان مدركًا لجاذبيته، فمن يملك عينين ويعرف معايير الجمال في هذا العالم لا يمكنه إنكار ذلك.
لكن لم يسبق له أن فكر في استغلال مظهره لتحقيق مكاسب.
‘هل كان يجدر بي ألّا أُهمل النوم؟’
حدق في المرآة، فرأى شابًا وسيمًا بشعر رمادي وعينين زرقاوين.
لكن كان هناك انعكاسٌ واضح لآثار السهر على وجهه بعد قضائه الليل بأكمله يراقب القبر، فأخذ يتفحص ملامحه بعين ناقدة – شيء لم يفعله من قبل – ثم ضحك بخفوت.
كانت ضحكةً ساخرة، موجهةً لنفسه.
“ما الذي أفعله؟”
رغم كل هذا الحرص على الظهور بمظهر حسن أمام سيسيل، إلا أنه حتى الآن لم يتمكن من العثور عليها، ولا حتى على شعرة واحدة منها.
راود رِيان سؤال كان يتجنب التفكير فيه.
هل سيسيل حقًا في العاصمة؟
كانت تلفت الأنظار بطبيعتها، فلو كانت موجودةً هنا، لكان من الغريب ألا يتمكن أيٌّ من رجاله من العثور عليها طيلة هذه الأيام.
…..لكن، ماذا لو لم تكن في العاصمة؟
ماذا سيفعل حينها؟
من أين سيبدأ البحث عنها؟
دفع ثمن سهره بفقدان هدوئه، ولم يستطع كبح الأفكار السوداوية التي تسللت إلى ذهنه، فاندفع نحو النهر وكأنه يبحث عن عزاءٍ في الطبيعة.
وهناك، على الجسر المطل على الماء، وجد قبعة سيسيل.
عندما انحنى لالتقاطها، ارتعشت رموشه قليلًا.
“الشخص الذي كان يرتدي هذه القبعة……هل كانت فتاةً شابة؟”
إنها سيسيل.
سيسيل في العاصمة.
كانت تخفي وجهها، ولهذا لم يتمكن من العثور عليها.
سأل رِيان الرجل غبي المظهر الذي كان يقف على الجسر عن مكان سيسيل، لكنه لم يكن يعرف شيئًا.
قرر أن يثق بالحظ…..وبحدسه. فاستقل عربةً وتوجه إلى أقرب متجر للملابس.
وبعد وقت قصير…..
الحظ، الذي سبق أن وقف إلى جانبه حين جمعه بسيسيل في الماضي، قرر مرة أخرى أن يكون في صفه.
***
ما الذي يحدث؟
لماذا رِيان في العاصمة؟ منذ متى وهو هنا؟
هل رأى رسالتي وأوراق الطلاق؟
توقفت أفكار سيسيل تمامًا بمجرد أن دخل رِيان إلى مسكنها.
”…..اجلس.”
أجلسته على الأريكة المخصصة للضيوف في غرفتها داخل النزل، ثم جلست مقابله، ليبدأ قلقها بشأن شيء آخر.
‘هل يجب أن أقدم له الشاي؟’
لم تكن صاحبة هذا النزل، لكن إن كانت هناك أدوار تُوزَّع داخل هذه الغرفة، فهي المضيفة ورِيان الضيف.
إذًا، ينبغي عليها تقديم الشاي…..
‘لكن لا يوجد شاي.’
بالطبع، لم تكن قد جهزت شيئًا كهذا. فحتى قبل لحظات، لم تتخيل أبدًا أنها ستستقبل ضيفًا هنا.
شعرت سيسيل فجأة بالندم.
وفقًا لمعاييرها، كانت غرفة النزل واسعةً ونظيفة، بل ومريحة إلى حد ما. لم يكن مكانًا سيئًا للإقامة.
لكن ماذا عن رِيان؟ …..هل يراها كإسطبل؟
ربما ليس إلى هذه الدرجة، لكنه سيبدو متواضعًا في عينيه بلا شك.
في الواقع، كانت سيسيل تشعر فعلًا بالتنافر. فلم يكن المكان وهذا الرجل مناسبيْن لبعضهما على الإطلاق.
ربما كان ذلك لأن رِيان بدا أكثر أناقة من المعتاد اليوم.
‘كان يجب أن أقترح الذهاب إلى القصر الذي يقيم فيه بدلًا من هذا.’
عندما خرجا من متجر الملابس وكان عليهما اختيار مكان للذهاب إليه، اقترحت بلا تفكير أن تأخذه إلى مسكنها.
تردد رِيان لوهلة، لكنه وافق فورًا، فركبا العربة معًا…..والآن ها هما هنا.
‘كان المكان قريباً، فلماذا أصرّ على المجيء بالعربة؟’
لكن بما أنه قد جلس بالفعل في المكان، لم يكن هناك جدوى من الندم الآن.
الآن كان على سيسيل أن تقرر: هل تستدعي موظف النزل لطلب الشاي أم لا؟
“كونت.”
عندما نادته، نظر إليها رِيان بصمت.
بدا وكأنها على وشك قول شيء ما، لكنها في النهاية لم تفتح فمها.
هل تتخيل الأمر؟ أم أنه…..غير راضٍ؟
آه، ربما ليس استياءً بل انزعاجًا.
لا عجب، فهو يجلس في “إسطبل” بعد كل شيء.
قررت تجاوز مسألة الشاي وإنهاء المحادثة بسرعة.
…..رغم أنها في الحقيقة أرادت إبقاء ريان هنا لأطول وقت ممكن، لكن ذلك لن يكون شيئًا يسعده.
‘لماذا يبدو أكثر وسامة؟’
هل خدعها قلبها لأنها لم تره منذ مدة؟ لا، ليس كذلك.
كان ريان وسيمًا منذ البداية، وإن بدا الوسيم وسيمًا، فهذا لا يعني أنها مخدوعة، بل أن عينيها أصبحتا أكثر وضوحًا.
بينما كانت تتفحص ملامحه بدقة – دون أن تدرك ذلك – توقفت فجأة. فقد رأت شيئًا لم يكن يجب أن تراه.
مستحيل.
“رِيان.”
خرج اسمه من شفتيها دون تفكير، بنبرة طغى عليها القلق.
للحظة، بدا أن ملامحه هدأت قليلًا، لكن سيسيل لم يكن لديها الوقت للاهتمام بذلك.
وسرعان ما طرحت سؤالًا خنقها القلق وهي تنطق به،
“أ…..ألم تتمكن من النوم؟”
بمجرد أن رأت الهالات الداكنة تحت عينيه، تبدد أي أثر للهدوء في ملامحها. و خفق قلبها، لكن هذه المرة ليس بسبب التوتر أو الارتباك.
‘هذا مبكرٌ جدًّا…..’
آخر مرة عانى فيها رِيان من الأرق، وفقًا لما تتذكره، كانت في بداية شتاء العام الماضي.
والآن نحن في أواخر الربيع، لم يمر عامٌ كامل، ولا حتى نصف عام.
‘لطالما كانت هذه النوبات تعود بعد عام كأقرب تقدير، وأحيانًا بعد عامين.’
لماذا إذًا عاد هذا الأرق اللعين بعد موسميْن فقط؟
لو كان أمامها كاهنٌ يتحكم في هذا الأرق، لكانت قد تحولت إلى محاربةٍ له في تلك اللحظة.
كادت تصرخ في وجه شيء غير مرئي، مطالِبةً بأن يُطلق سراح رِيان، لكنها تماسكت وأعادت تفحص وجهه عن كثب.
…..لم تكن مخطئة، ما رأته كان حقيقيًّا.
كم مرة رأت رِيان في هذه الحالة من قبل؟ سبع سنوات كانت كافية لتعرف هذه الملامح جيدًا.
ريان لم ينم على الإطلاق طوال يومٍ كامل، إذاً…..هل هذا هو يومه الثاني بلا نوم؟
تمنت سيسيل لو كان الأمر كذلك، لو أن ريان التقى بها قبل أن يزداد الوضع سوءًا.
“بدأ الأرق، أليس كذلك؟ منذ البارحة؟”
“لا، الأمر ليس كذلك..…”
بدأ رِيان بالرد، لكنه توقف فجأة.
و بعد لحظة، تغيرت ملامحه وكأنه أدرك شيئًا، ثم عدّل جوابه،
”…..نعم، سيسيل، أنتِ محقة. لم أتمكن من النوم منذ البارحة.”
تنهدت سيسيل بإيجاز، ثم أعلنت بحزم،
“سأساعدك.”
”…هل سيكون ذلك بخير؟ لن يضيع هذا وقتكِ؟ أنتِ في العاصمة الآن.”
“وما علاقة ذلك بالعاصمة؟”
“أعني أنه…..حاليًّا، ليس عليكِ أي الإلتزام بمساعدتي.”
كان من الصعب على سيسيل أن تفهم كلماته.
“لم أساعدكَ يومًا بدافع الواجب.”
لطالما كان الأمر كذلك.
و سرعان ما أصبحت نظرة رِيان أكثر ليونة قليلًا وهو يسأل،
“هلأنتِ قلقةٌ عليّ؟”
“بالطبع.”
لم يكن هناك حاجةٌ للنظر إلى وجهها أو الاستماع إلى نبرتها لمعرفة أنها تقول الحقيقة.
”…..أجل، لأنكِ شخص طيب، زوجتي.”
للحظة، فقدت سيسيل القدرة على الرد.
زوجتي.
لقد مر وقت طويل منذ أن جعلها هذا اللقب تشعر بالحيرة بشأن كيفية الرد عليه.
___________________
سهله قولي سم يازوجي
رِيان سهران عشانها بس لوء مب قايله يبيها ترقده😂😂😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 159"