عندها ارتسمت على وجه سيسيل تعابير الحرج.
ماذا ستفعل البارونة رونا عندما تتأكد من أن سيسيل جاءت إلى العاصمة وحدها؟
عندما رأت تعابير وجه البارونة، شعرت وكأنها تستطيع رؤية المستقبل القريب أمامها.
‘ستنتشر فورًا شائعات عن طلاق الكونت كايتير وزوجته في المجتمع الأرستقراطي.’
وسيُضاف إلى تلك الشائعات أن الكونتيسة، التي طُردت من الإقطاعية بجسدها فقط، تتجول في العاصمة بمظهر بائس دون أي مرافقة……مع شهادات شهود عيان تؤكد ذلك.
لم يكن هناك حاجةٌ لتصحيح مسألة الطلاق، لأنها كانت صحيحة، لكن ما كان يزعجها هو أن يُعرف بأنها “طُردت” من قصر الكونت.
‘رِيان ليس من هذا النوع من الأشخاص.’
حتى لو كانت علاقته بزوجته متوترةً للغاية، لم يكن الكونت كايتير ليطرد زوجته من القصر بلا شيء.
لكن ما كان يثير الإحباط هو أن معظم نبلاء المجتمع الأرستقراطي لا يهتمون بالحقيقة أصلًا.
‘……هل يجدر بي أن أكذب بدلًا من ذلك؟’
ترددت سيسيل في الأمر.
في البداية، ستختلق كذبةً مناسبة للخروج من الموقف، ثم سترسل رسالةً إلى الإقطاعية.
‘التقيتُ بالبارونة رونا في مشغل الأزياء بالعاصمة، وحدثت بعض الأمور، لذا اضطرت إلى التظاهر بأن العلاقة بين الكونت كايتير وزوجته خاليةً من المشاكل.’
مما يعني أنها ستطلب في رسالتها تأجيل الطلاق لفترة من الوقت……
وبالطبع، ستضيف في الرسالة أنها لن تعود إلى قصر الكونت، لذا لا داعي للقلق بشأن ذلك.
عندما انتهت من تخيل محتوى الرسالة، تحدثت البارونة رونا دون أن تنتظر رد سيسيل.
“إن كان من الصعب على الكونت تخصيص وقت في الحال، فماذا عن هذا؟ لدينا مأدبة عشاء في قصرنا غدًا……سيكون من دواعي سرورنا لو حضر الكونت والكونتيسة وزادا الحفل بهاءً.”
كان هذا أحد تلك الأسئلة التي يكون جوابها محسومًا سلفًا.
الحضور إلى مأدبة العشاء غدًا؟ ذلك مستحيل ما لم تستطع إحضار رِيان من الإقطاعية إلى العاصمة خلال يوم واحد.
“أعتذر، لكن الغد غير مناسب.”
“إذاً، ماذا عن بعد غد؟”
“…….”
“وماذا عن بعد ثلاثة أيام؟”
“…….”
“حتى بعد أربعة أيام، سيكون مناسبًا لي.”
أدركت سيسيل الأمر.
لم تكن البارونة رونا تنوي التراجع، ليس قبل أن تسمع من سيسيل مباشرةً أن “رِيان ليس هنا.”
حتى العذر الذي فكرت فيه سيسيل، بأن رِيان مريض، لن يجدي نفعًا. فقد تقرر البارونة إحضار طبيب والذهاب لرؤيته على الفور.
‘……في الواقع، أي كذبة سأختلقها ستُكشف بسهولة. يكفي فقط التأكد مما إذا كان رِيان في قصر الكونت كايتير أم لا.’
كانت سيسيل واثقةً من أن رِيان لا يزال هناك، فقد مر أكثر من شهر منذ مغادرتها القصر.
لا بد أنه أنهى جنازة جده، الماركيز هوغو، وعاد بالفعل، واطلع على الرسالة التي تركتها له، وكذلك أوراق الطلاق.
وربما، في هذه اللحظة، تكون تلك الأوراق قد وُقّعت بختم الكونت كايتير وأُرسلت إلى القصر الملكي.
إذا كان الأمر كذلك، فإن طلبت تأجيل الطلاق سيكون مجرد رجاء عبثي لا طائل منه. فربما كان طلاقهما قد أُقر بالفعل.
عندها، عقدت سيسيل عزمها.
‘سأقول إنني هربت من المنزل.’
في هذه الحال، لم يكن أمامها خيارٌ سوى أن تصبح كونتيسة طائشة تستحق الطلاق.
لم تكن فكرة أن تكون زوجة غير جديرة بالثناء أمرًا يبعث على الارتياح، إذ لم يكن الزوج يفخر بزوجة ناقصة، لكن لم يكن أمامها خيارٌ آخر.
رأت البارونة رونا تردد سيسيل في الرد، فارتسمت على وجهها ملامح الترقب المليء بالأمل. فكادت سيسيل تبتسم بمرارة أمام هذا التوقع الواضح.
……هل هذا الأمر مفرح إلى هذا الحد؟
البارونة رونا كانت مخطئةً في فهمها للأمور. فهي لم تكن تلك المرأة التي استحوذت على حبها القديم، والتي كان يُفترض أن تثير غيرتها.
“سأرفض جميع الدعوات.”
قالت سيسيل ذلك بهدوء، وعندها سُمِع صوت رنين خافت خلفها.
لم تنتبه سيسيل، التي كانت تدير ظهرها للباب، ولا حتى البارونة رونا التي كانت تركز عليها، إلى ذلك الصوت الطفيف.
“يا إلهي، لماذا؟ أخبريني عن السبب. لماذا، رغم أنني منحتكِ عدة أيام، لا يمكنكِ حضور المأدبة مع الكونت……؟”
اتسعت عينا البارونة رونا وهي تنطق كلماتها ببطء وتقطع. فشعرت سيسيل أن هناك شيئًا غريبًا، لكنها قررت إنهاء هذه المحادثة أولًا وفتحت فمها لتتحدث.
“السبب هو……”
“لأننا جئنا إلى العاصمة للاحتفال بذكرى زواجنا.”
في تلك اللحظة، تجمدت سيسيل في مكانها.
شكّت للحظة أنها قد سمعت خطأ. ففي الثواني الأولى، كانت مقتنعة تقريبًا بأنها تتخيل.
“……الكونت.”
لو لم تنطق البارونة رونا بهذه الكلمة، لكانت شكوك سيسيل قد استمرت لفترة أطول.
كانت البارونة رونا مندهشةً للغاية لدرجة أنها أسقطت المروحة التي كانت تحملها.
تكرّم رِيان بالتقاط المروحة وإعادتها إلى صاحبتها بلطف، ثم كرر كلامه مرة أخرى.
“نرغب في قضاء وقتنا في العاصمة كزوجين دون تخصيصه لأي شيء آخر. هل يمكنكِ تفهم ذلك، البارونة رونا؟”
“آه، نعم……بالطبع، يجب أن أتفهم ذلك.”
ارتعشت يد البارونة رونا قليلًا وهي تستلم المروحة.
عندها التفت رِيان لينظر إلى سيسيل. التي كانت تحدق في وجهه، غير قادرة على النطق.
شعرت وكأنها قد أُلقيت داخل حلمو . لم يكن هناك أي إحساس بالواقع.
“تأخرتُ في اختيار الزهور.”
أحاطها صوته الدافئ.
“لكن في النهاية، لم أتمكن من الاختيار……هل تسمحين لي بأن أقدم عذري عندما نكون وحدنا؟”
كان يقترح عليها تغيير المكان.
كانت سيسيل شديدة الارتباك بسببه، فلم تومئ برأسها بالموافقة إلا بعد لحظةِ تأخير.
***
عندما أمسك رِيان بأوراق الطلاق في قصر كايتر، تجمد في مكانه كأنه تمثال، غير قادر على فعل أي شيء.
بعد فترة، بالكاد استطاع أن ينطق بأول كلمة.
“……هل تركت وجهتها؟”
أجاب كبير الخدم الذي أوصل له الرسالة والأوراق بهزة رأس مرتبكة، وكأنه ارتكب خطأ جسيمًا.
عندها، أصدر رِيان أمره فورًا.
“جهّز العربة.”
صعد رِيان إلى العربة مرة أخرى دون أن يأخذ قسطًا من الراحة بعد عناء السفر. و توجه مباشرة إلى دوقية أكشيد.
“……لقد غادرت بسرعة، ولم تمكث طويلًا. كان ذلك قبل أكثر من عشرين يومًا.”
لكن حتى هناك، لم يحصل على الإجابة التي كان يبحث عنها. و لم تكن سيسيل في ذلك المكان.
للحظة، شعر رِيان وكأن الدنيا تدور من حوله.
لم يكن يعلم سبب هذا الشعور، لكنه لم يستطع إنكار ما كان يشعر به بوضوح.
“هل ذكرت أي وجهة قد تكون قصدتها؟”
“لم تمنحنا حتى فرصة لوداعها، لقد غادرت فجأة……”
“هكذا إذاً. حسنًا.”
لم يتمكن من الحفاظ على صوته ثابتًا.
وبعد لحظة، اكتفى رِيان بتوجيه شكر رسمي على وقتهم، ثم استدار للمغادرة. و خلفه، سُمِع صوت خافت،
“كان يجب أن أخبره!”
لكنه لم يكن أمرًا يستحق اهتمامه.
“سأتوجه إلى العاصمة.”
“نعم، سيدي الكونت.”
خمّن رِيان أن الوجهة الثانية لسيسيل ستكون العاصمة.
“إن تخليتُ عن كوني كونتيسة، فسأصبح حارسة قبور.”
لم يكن يتجه إلى العاصمة بناءً على هذه الكلمات القديمة وحدها. فلدى سيسيل عدة منازل هناك، جميعها كانت هدايا من رِيان نفسه.
تعددت الأعذار التي استخدمها لمنحها تلك الممتلكات، هدية ميلاد، هدية ذكرى زواجهما، مكافأة فوزها في رهان……
ورغم أنها كانت تتحرج من قبول هدايا الميلاد وذكرى الزواج، إلا أنها كانت تأخذ بسرور ما يُقدم لها كمكافأة للرهانات.
في الواقع، إلى جانب مهارتها في تقليد الأشياء، كانت تمتلك العديد من المواهب الأخرى.
كانت بارعةً في القراءة السريعة والحفظ، وأظهرت براعةً في الأنشطة البدنية مثل ركوب الخيل، أما في الألعاب، فكانت موهوبة بشكل خاص في الشطرنج.
أما عن الشطرنج، فبالرغم من أنها تعلمته في وقت متأخر، فقد وصلت إلى مستوى يكاد يكون مساويًا لمستوى رِيان.
كان رِيان أحيانًا تثيره روح التحدي، لكنه كان يخسر أمامها في بعض الأحيان. فيشعر للحظة بالإحباط، لكنه سرعان ما كان ينسى كل شيء عندما يرى وجهها المبتهج بالفوز.
“……هاها.”
خرجت ضحكةٌ صغيرة من بين شفتي رِيان رغمًا عنه، لكنها سرعان ما تلاشت عن وجهه. ثم ظهرت في ذهنه بوضوح بصمة إصبع سيسيل الحمراء على أوراق الطلاق.
ترى، ما الذي شعرت به حين غمست إصبعها في الحبر ووضعت تلك البصمة؟
ما هو الإحساس الذي سيطر عليها في تلك اللحظة؟
هل كان شعورًا بالتحرر؟
أم أنها، أخيرًا……أخيرًا، شعرت بالسعادة لأنها تخلصت من عبء ذلك “الواجب” الطويل؟
رفع رِيان يده ليغطي فمه بظاهر كفه. و كان يشعر بالفوضى داخله.
اعترف لنفسه بأنه قد أخطأ. لقد كان متغطرسًا.
والآن، بعد كل هذا، يريد أن يبني علاقةً مع سيسيل ليست مجرد عقد؟
من أين أتى بهذا اليقين الأحمق بأنها قد توافق على ذلك؟
كان رِيان وسيسيل شخصين مختلفين، لذا كان من الطبيعي ألا تكون مشاعرهما متطابقةً حتى لو مرا بنفس التجربة.
ربما كان الوحيد الذي وجد الرضا في حياتهما الزوجية لدرجة أنه نسي أن زواجهما لم يكن سوى عقد……
“…….”
أخفض رِيان نظره. فلم يكن بإمكانه ترك الأمور تنتهي هكذا.
كيف يمكن أن تختفي بهذه الطريقة أحادية الجانب؟
حتى لو كان هو الوحيد الذي استمتع بزواجهما، وحتى لو كانت تلك الحياة الزوجية عبئًا لا يُطاق بالنسبة لها……
أغمض رِيان عينيه. و بدا أن أمامه رحلةً طويلة وشاقة في العربة.
_______________________
ياحرام هم المساكين🫂
وش كانت ليلي تبي تقول؟ شكلها بتقوله جدد العقد يارجال
المهم رِيان طلع رجال اخيرا طلع لو تأخر تكه بس قلت لوء بطيء مايستاهل سيسيل
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 158"