دخلت سيسيل إلى محل الأزياء. فبما أنها فقدت القبعة الوحيدة التي جلبتها من قصر الكونت، كان عليها شراء قبعة جديدة.
‘آه، قبعتي العزيزة.’
“أهلًا وسهلًا، سيدتي.”
سمع الموظف صوت الجرس الصغير المعلق على باب المحل، فهرع مسرعًا من الداخل،
“أعتذر، لكن لدينا زبون مهم جاء قبلكِ……هل يمكنكِ الانتظار قليلًا؟”
“بالطبع.”
أجابت سيسيل دون تردد ثم جلست على الأريكة في المحل.
أثناء انتظارها، أخذت تفكر في مستقبلها.
صحيح أنها أمضت الأيام الماضية متهاونة دون تخطيط، لكنها لم تستطع العيش هكذا إلى الأبد.
أولًا، عليها تحديد مكان إقامتها.
‘أين سأعيش من الآن فصاعدًا؟’
‘هل سيكون من الأفضل العيش في مكان غير بعيد عن دوقية أكشيد؟ حتى أتمكن من زيارة ليلي أو سيون في أي وقت.’
لكن وجه سيسيل سرعان ما أصبح قاتمًا.
دوقية أكشيد قريبة من مقاطعة كايتير……وذلك كان هو المشكلة.
لطالما كانت المنطقة الشرقية تتمتع بسمعة طيبة، وزادت شهرتها كمكان مثالي للعيش بعد ظهور مقاطعة البطل، لكن سيسيل لم تكن ترغب في الاستقرار هناك.
لأنها كانت تخشى……أن تصادف رِيان يومًا ما أثناء حياتها هناك.
كانت سيسيل قادرةً على تخيل أسوأ السيناريوهات بسهولة.
و في تلك التخيلات، كانت تعيش حياتها بشكل طبيعي، لكنها تلمح رِيان من بعيد بين الحين والآخر، وفي كل مرة تراه، تعود المشاعر التي ظنت أنها اختفت إلى الظهور مجددًا.
ثم في النهاية، تكتب اسم الشخص الذي أحبته طوال حياتها في وصيتها، وتدفن في قبرها……
شحب وجه سيسيل.
‘أي وصية بائسة هذه؟ هل جننتِ؟’
“……سأعيش في الغرب أو الجنوب.”
يمكنها الاكتفاء بالتواصل مع سيون و ليلي عبر الرسائل. و في الواقع، حتى الأبناء عندما يكبرون يستقلون بحياتهم، فهل هناك حقًا سبب يستدعي أن تبقى قريبةً من سيون؟
‘الغرب أم الجنوب؟’
كانت سيسيل قد وضعت الجنوب كخيار أول بعد تفكير عميق، عندعا سمعت صوت خطوات تقترب، تلاه صوتٌ مرتفع يعكس الدهشة، يملأ أرجاء محل الأزياء.
“يا إلهي؟”
دون قصد، التفتت سيسيل نحو مصدر الصوت، وما إن رأت صاحبة الصوت حتى اتسعت عيناها قليلًا وتدلى فكها في صدمة.
“كونتيسة كايتير؟”
يا للمصيبة.
كيف لهذه المرأة أن تكون هنا، وفي هذا التوقيت تحديدًا، وفي هذا المحل بالذات……؟
شعرت بقشعريرةٍ تسري في جسدها من فرط هذه الصدفة العجيبة، وعقدت العزم مجددًا.
‘عليّ أن أعيش في الجنوب.’
إن كانت تصادف أشخاصًا كهذا هنا بالصدفة، فليس من المستبعد أن تصادف رِيان إذا عاشت في الشرق.
نهضت سيسيل من على الأريكة وهي تفكر بذلك. ورغم مشاعرها الداخلية، رسمت ابتسامةً على وجهها.
“مر وقت طويل منذ آخر لقاء لنا. هل كنتِ بخير خلال هذه الفترة، بارونة رونا؟”
كانت البارونة رونا واحدةً من قلة قليلة من النبلاء الذين يعرفون وجه الكونتيسة كايتير. وها هي الآن تمنح سيسيل صدمةً جديدة بهذه المصادفة العجيبة.
كانت رونا قد رأت وجه سيسيل لأول مرة قبل أن تصبح بارونة.
في ذلك الوقت، بعد مرور عدة أشهر على زواج سيسيل وحصولها على لقب الكونتيسة، ظهرت فجأة في قصر كايتير.
“لن أعود قبل أن أقابل رِيان.”
حاولت سيسيل آنذاك تهدئة نفسها بعد أن شعرت بالمفاجأة. فقد نطقت رونا اسم رِيان بكل طبيعية.
‘تُرى ما هي علاقتها به؟’
ثم، عندما ظهر رِيان أخيرًا في غرفة الاستقبال، انفجرت رونا بالبكاء، وهي التي كانت آنذاك خطيبة البارون رونا، وصرخت بانفعال،
“كيف يمكنك الزواج دوني؟ كيف تفعل بي هذا؟!”
كان ذلك الصراخ قد انفجر قبل أن تتمكن سيسيل، التي استقبلت الضيفة نيابة عن رِيان المنشغل، من مغادرة المكان.
تجمدت سيسيل في مكانها، بينما تنهد رِيان قبل أن يستدعي كبير الخدم ويأمره بمرافقة الضيفة للخارج.
و حاولت خطيبة البارون رونا المقاومة مرارًا قبل أن تُجرّ إلى الخارج بالقوة.
لم تكن سيسيل قد أبدت اهتمامًا بحياة رِيان الشخصية من قبل، لكن في ذلك اليوم، لم تستطع كبح السؤال الذي علق في حلقها.
“هل كنتما على علاقة؟”
حينها، بدا رِيان وكأنه سمع للتو سؤالًا مهينًا، كما لو أنها سألته إن كان قذرًا.
“ما الذي يجعلكِ تظنين أنني شخص سيئٌ إلى هذا الحد؟”
“عذرًا؟”
“وفقًا لكلامكِ، فقد طردتُ لتوي حبيبتي السابقة من قاعة الاستقبال وأخرجتها من القصر.”
أظهر رِيان أولًا تعبيرًا يوحي بالظلم قبل أن يضيف توضيحًا،
“لقد تحدثتُ معها مرةً واحدة فقط خلال حفل في العاصمة، وأقسم أن هذا كل شيء. صحيحٌ أن هناك بعض الرسائل المتبادلة، لكنها لم تكن ذات أهمية ولم أردّ عليها. والآن بعد أن فكرت في الأمر، أرسلت لي رسالةً بعد خطوبتها من البارون رونا، تقول فيها أنها فرصتها الأخيرة……لم أفهم معناها آنذاك، لكن الآن بات واضحًا.”
عجزت سيسيل عن الكلام. فلا تزال صورة ذلك الوجه الذي كان يذرف الدموع الغزيرة بوضوح في ذاكرتها.
فكرة أن تتحول المشاعر أحادية الجانب إلى هذا العمق……في ذلك الوقت، كان الأمر مجرد صدمة بالنسبة لها.
بعد ذلك، نسيت أمر خطيبة البارون رونا لفترة، لكن بعد أن أدركت مشاعرها لرِيان، عادت لتتذكرها فجأة.
ترى……هل تعيش حياةً سعيدة؟
شعرت بفضول غريب، وحين بحثت عن أخبارها، وجدت لحسن الحظ أن الأخبار كانت جيدة.
قيل أن زواج البارون رونا وزوجته في المقاطعة كان ناجحًا لدرجة أن الجميع كانوا يغبطونهما عليه.
حتى بعد ذلك، كانت سيسيل تسمع بين الحين والآخر عن أحوال البارون وزوجته، وكلما سمعت عن حياتهما السعيدة، كانت تشعر براحة لا تدري سببها.
والآن……
عندما وقفت وجهًا لوجه أمام البارونة رونا، عادت تلك المشاعر الغامضة التي شعرت بها آنذاك إلى الظهور، ولو بشكل باهت.
“بالطبع، كنتُ بخير.”
قالت البارونة رونا ذلك وهي تلوّح بمروحتها برفق، بينما تأملَت سيسيل بنظرة ذات معنى.
“هل كانت الكونتيسة كايتير بخير أيضًا خلال هذه الفترة؟”
“نعم، لقد كنت بخير دون أي مشاكل تُذكر.”
“هكذاً إذاً. ما زلتِ كما أنتِ تمامًا، كونتيسة.”
كان بإمكان سيسيل أن ترد بنفس الكلام على البارونة رونا، إذ لم تكن ملامحها قد تغيرت كثيرًا عن الصورة التي حفظتها في ذاكرتها.
حسنًا، لولا ذلك، لما تعرّفتا على بعضهما البعض من النظرة الأولى.
“قد تتساءلين عن سبب لقائي بكِ في محل الأزياء هذا في العاصمة.”
توقفت سيسيل للحظة……فقد كانت تتساءل بالفعل.
فحتى سنوات قليلة مضت، كانت آخر الأخبار التي سمعتها عن البارون وزوجته تفيد بأنهما يعيشان في المقاطعة.
لوّحت البارونة رونا بمروحتها مجددًا وضحكت برقة.
“هوهو، في الواقع، أنا وزوجي نعيش في العاصمة منذ العام الماضي.”
اتسعت عينا سيسيل في دهشة. فقد كان هذا خبر جديد لم تكن تعلمه.
‘آه، إذاً لهذا السبب……’
“لقد ذكرتُ الأمر عرضًا فقط، وقلت أنني أرغب في العيش في العاصمة، لكن تخيلي! لقد اشترى لي زوجي قصرًا هناك في ذلك الشهر نفسه! قصرٌ جميل مع حديقة أيضًا.”
“مباركٌ لكِ.”
قالت سيسيل ذلك بصدق. بدا أن البارون وزوجته لا يزالان يعيشان حياةً زوجية سعيدة، رغم أنها لم تتعمد متابعة أخبارهِما في السنوات الأخيرة.
كان ذلك أمرًا جيدًا حقاً.
“شكرًا لكِ. همم، ولكن……هل أتيتِ إلى محل الأزياء وحدكِ، كونتيسة؟”
تفحّصت البارونة رونا المساحة الخالية حول سيسيل.
أما هي، فقد كانت برفقة وصيفتين، تقف كلٌ منهما على جانبها، ويداها متشابكتان بأدب.
“نعم، احتجتُ إلى بعض الأشياء، لذا مررتُ هنا بسرعة.”
“أفهم ذلك.”
بدا أن البارونة رونا تفكر في شيء ما للحظة، ثم سألت فجأة،
“وأين هو الكونت؟ لا يبدو كشخص قد يترك زوجته وحدها بعيدًا عنه. لا بد أنه قريب، أليس كذلك؟ بما أنها مناسبة نادرة، أود أن أحييه.”
رمشت سيسيل بعينيها بدهشة.
كانت البارونة رونا تخفي شفتيها خلف مروحتها، لكن عينيها كانتا تتألقان بلمعة غريبة.
لم يكن هذا التصرف غريبًا عليها، فقد رأت سابقًا في الحفلات والمناسبات سيدات أرستقراطيات يتصرفن بالطريقة ذاتها، يخفضن وجوههن قليلًا بينما تتألق عيونهن بحماس خفي.
وفي كل مرة كانت تلك السيدات……إما يتبادلن الشائعات، أو يثرثرن بالسوء عن الآخرين، أو يهاجمن شخصًا ما وجهًا لوجه.
بمعنى آخر، كنّ دائمًا يتصرفن بهذه الطريقة عندما ينوين فعل شيء مريب.
إذاً، أي من هذه الأمور تنوي البارونة ونا فعلها الآن؟
بينما كانت سيسيل تحاول استيعاب الأمر، تابعت رونا حديثها،
“ثم إنني……رغم أنه كان منذ زمن بعيد، أرغب في الاعتذار للكونت عن أمر ما. لذا، أرجوكِ أن تسمحي لي بمقابلته لأؤدي واجبي، كونتيسة.”
“أفهم ذلك، وأقدّر نيتكِ، لكن الكونت……”
كادت سيسيل أن ترد بشكل عفوي بأن رِيان موجود الآن في مقاطعة كايتير، وبالتالي من المستحيل أن تلتقيه هنا في العاصمة.
لكنها توقفت فجأة.
‘آه……الآن فقط أدركت ما كانت تريده البارونة رونا بالفعل.’
إنها تحاول التأكد مما إذا كنت قد جئتُ إلى العاصمة وحدي.
____________________
شففففف تبي تهينها؟ ياويلس من رِيان
رِيان ان ماطلع الفصل الجاي مب رجال
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 157"