الرجل الواقف بالقرب من أربانو كان طويل القامة لدرجة أن أربانو اضطر إلى رفع رأسه لينظر إليه، كما أن وجهه كان شديد الوسامة.
حتى أربانو، الذي لم يكن لديه أي اهتمام بوجوه الرجال، نسي للحظة كل الأفكار الأخرى وتأمل ملامحه.
العيب الوحيد الذي كان يمكن إيجاده في وجه الرجل، بصعوبة، هو شحوبه الطفيف، لكن في الواقع، لم يكن ذلك لينتقص من وسامته.
بل على العكس، أضفى عليه ذلك هالةً من الغموض جذبت الانتباه أكثر.
في تلك اللحظة، انحنى الرجل متفاديًا أربانو. و كان في يده القبعة التي ألقاها أربانو بعيدًا.
أمسك الرجل بالقبعة ذات الحجاب المتهدل وتأملها بصمت قبل أن يفتح فمه،
“الشخص الذي ارتدى هذه القبعة……هل كانت امرأةً شابة؟”
“ماذا؟ آه……نعم……هذا صحيح.”
أجاب أربانو بحذر دون أن يدرك ذلك.
ورغم أن الرجل استخدم صيغة التخاطب غير الرسمية، إلا أن أربانو وجد نفسه يرد عليه تلقائيًا بلهجة محترمة.
لسبب ما، بدأ العرق يتسلل بين خطوط كفه. و لم يستطع النظر مباشرة إلى عيني الرجل الزرقاوين، فخفض بصره.
كان الأمر غريبًا.
لم يكن على وجه الرجل أي ندوب من سيف، ولم يكن محاطًا بفرقة من الفرسان المسلحين.
ومع ذلك، شعر أربانو بالتهديد. و لسبب ما، راوده إحساس بأن هذا الرجل، إن أراد، يمكنه جعله يختفي من هذا الشارع وكأنه لم يكن موجودًا.
عندما انكمش أربانو غريزيًا دون وعي، سأله الرجل بصوت منخفض، عميق، ينضح بالإرهاق لكنه كان ممتعًا للسمع،
“إلى أين ذهبت؟”
***
داخل العربة، شعرت سيسيل بندم متأخر.
“لقد كانت قبعتي المفضلة……”
كان عليها أن تسترجعها بدلًا من التظاهر بالكرم والتخلي عنها.
“……لا، وفقًا لتجاربي، لم يكن ذلك النوع من الأشخاص الذي سيعيدها بسهولة لو طلبتها. بل ربما كان سيستغل الأمر ليواصل الحديث معي.”
استعادت في ذهنها صورة الرجل الذي حاول التقرب منها عند الجسر فوق النهر.
الرجل الذي نزع قبعة سيسيل بوقاحة لم يكن من النوع الذي تقابله لأول مرة منذ قدومها إلى العاصمة.
كل شيء بدأ في ذلك اليوم.
عندما طلبت وجبةً في مطعم الطابق الأول من النزل رغم أنها لم تكن تشتهي الطعام، ثم انتهى بها الأمر، بغباء، إلى البكاء وهي تسترجع ذكريات رِيان.
“سيدتي، تبدين بحاجةٍ إلى رجل. هل يمكنني تدفئة سريركِ الليلة؟”
ركلت ذلك المتحرش، الذي لم تعد حتى تتذكر ملامحه الآن، بأقصى ما استطاعت على ساقه الأمامية بكعب حذائها، ثم غادرت النزل إلى مكان آخر.
لكن حتى في النزل الجديد، تكرر الأمر ذاته.
هذه المرة، لم ترتكب خطأ لفت الأنظار إليها بالبكاء في المطعم، ومع ذلك، جاءها رجل ذات يوم قائلاً إنه كان يراقبها منذ عدة أيام.
“أتساءل ما القصة وراء بقاء حسناء مثلكِ وحيدة في نزل؟”
أمرت ذلك المتطفل الثاني بأن يختفي عن وجهها، ثم بدأت تفكر……
أليس النزل مجرد مكان يدفع فيه الناس المال ليناموا؟
هل إقامة امرأةٍ وحدها في نزل أمر يستحق كل هذا الاهتمام؟
بعد تفكير، أدركت سيسيل المشكلة الحقيقية.
لم تكن مجرد “امرأةٍ تقيم وحدها في نزل” هي ما جعلها هدفًا لأولئك المتطفلين.
المهم هو أنها كانت “امرأة شابة وجميلة”.
وفوق ذلك، “شابةٌ جميلة لا ترافق أي حارس، مما يجعل التحدث إليها سهلًا”.
“هاه……”
ما الخطأ في أن تقيم امرأةٌ شابة وجميلة بمفردها في نزل أو تتجول وحدها في الشوارع؟
لكن بما أن هذا العالم لم يكن يخلو من قاذورات تتحدث وتتحرك، وبما أنه لم يكن هناك سحر قادر على القضاء عليها جميعًا دفعةً واحدة، قررت سيسيل اللجوء إلى حل أسهل.
ارتداء قبعة تخفي وجهها. وكانت النتيجة مذهلة.
أصبحت أخيرًا قادرةً على الإقامة في النزل براحة، وتناول طعامها في المطعم دون أن تلفت الأنظار.
صحيح أنه بين الحين والآخر، كان هناك من يحاول التحدث معها رغم وجهها المغطى، لكنهم لم يكونوا سوى رجال مدفوعين بفضول سطحي لا أكثر.
“عمري خمسون عامًا ولدي خمسة أبناء. أشعر برغبة في رؤية ابني البكر اليوم، فهل يمكنك أن تكوني رفيق حديثي بدلًا منه؟”
“كان لدي سبعة أزواج، لكنهم جميعًا ماتوا. و كنت أبحث عن الزوج الثامن……”
كلما ألقت سيسيل مثل هذه العبارات بوجه جامد خلف الحجاب، كان الرجال يفرون واحدًا تلو الآخر.
و بالطبع، بسبب صوتها الشاب، ربما كان هناك من لم يصدق كلامها.
لكن حتى ذلك الشخص هرب في النهاية، والسبب لم يكن صعب التخمين.
حتى من منظور سيسيل، فإن امرأةً تغطي وجهها بالكامل بالحجاب وتلقي بسيلٍ من الأكاذيب السخيفة لم تكن تبدو بكامل قواها العقلية.
‘هه. حفنةٌ من الهواة.’
وهكذا، تخلصت سيسيل أخيرًا من أولئك المتطفلين الذين يجرؤون على التحدث معها أكثر من مرة……أو هكذا اعتقدت، حتى اللحظة التي سُحبت فيها قبعتها فوق الجسر اليوم.
“قبعتي الثمينة……”
تنهدت سيسيل مجددًا بأسف.
القبعة التي انتزعها ذلك الوقح كانت واحدةً من الأشياء التي أحضرتها من قصر الكونت كايتير.
كانت سيسيل تحب تلك القبعة. لم تكن من تصميم مصمم شهير يحمل توقيعه، ولم تكن مزينة بحُلي باهظة الثمن.
القبعة الخضراء ذات الحجاب الأسود ربما يمكن العثور على شبيهةٍ لها إذا بحث المرء في خزائن قديمة بأي قصر.
لكن على أي حال، كانت سيسيل تحب تلك القبعة، وكانت تفضل ارتداءها عندما تظهر في المناسبات العامة كـ”الكونتيسة كايتير”.
“…….”
شردت سيسيل في أفكارها دون قصد.
في البداية، أي بعد فترة وجيزة من زواجها لتصبح الكونتيسة كايتير، كانت تتخلص من جميع بطاقات الدعوة التي تصل باسم الكونتيسة دون أن تعيرها اهتمامًا.
لم يسألها رِيان يومًا عن سبب استخدامها لدعوات الحفلات واللقاءات الاجتماعية كوقود للمدفأة، كما أنها لم تبح بسببها لأحد.
ثم، ذات يوم، قررت سيسيل تعديل موقفها قليلًا، فتوجهت إلى رِيان وأخبرته،
“من الآن فصاعدًا، سأحضر الحفلات والمناسبات الخيرية المهمة. لكنني أرغب في تغطية وجهي، هل هذا مسموح؟”
أجابها رِيان بسهولة،
“افعلي ما تشائين.”
لكنه بعد لحظة، وكأنه لم يستطع كبح فضوله، سألها بتردد،
“……لكن، لماذا تريدين تغطية وجهكِ؟”
“أعتقد بأنه من الأفضل ألا يكون وجه الكونتيسة كايتير معروفًا قدر الإمكان.”
شرحت سيسيل بهدوء الفكرة التي راودتها.
الآن، هي “سيسيل كايتير”، لكن لاحقًا، ستصبح مجرد “سيسيل”. وحينها، لن تكون حياتها راقيةً أو أنيقة.
كان ذلك أمرًا بديهيًا. فبمجرد أن تتخلى عن لقب الكونتيسة، لن تعود نبيلة، بل مجرد شخص عادي يحتاج إلى العمل لكسب قوت يومه.
“……لكن إن كان وجهي معروفًا حينها، فستصبح حياتي هي ‘حياة الكونتيسة السابقة لكايتير’. وسيكون من السهل أن تتحول حياتي غير الأرستقراطية إلى مادة دسمة للشائعات، مما سيؤثر بدوره على سمعتكَ أنت أيضًا، رِيان.”
بعد سماع سبب رغبتها في تغطية وجهها خلال المناسبات العامة، لزم رِيان الصمت لفترة طويلة.
ثم، بعد وهلة، تحدث أخيرًا بوجه يصعب قراءة أفكاره من خلاله،
“هل هذا……بسبب طبعكِ؟”
“ماذا؟”
“رغبةٌ في حماية شخص ليس عليكِ حمايته……لا أدري إن كان يمكن تسميتها طباعاً.”
تمتم رِيان لنفسه، ثم واصل حديثه،
“على أي حال، لا داعي للقلق بشأن سمعتي. حتى لو تدمرت تمامًا، لن يهمني ذلك.”
“نعم، فهمت رأيك، رِيان. لكنني أهتم، لذا سأقلق بشأنه.”
تركت سيسيل رِيان جالسًا في مكانه، ينظر إليها بعينين متسعتين من المفاجأة، ثم خرجت من المكتبة.
……لم تفهم سيسيل معنى كلماته إلا بعد وقت طويل.
كانت هناك مرتان حاولت فيهما حماية شخصٍ كان وضعه، بوضوح، أفضل من وضعها.
المرة الأولى، عندما حاولت حماية الأسرة من الكونت كايتير الذي جاء إلى القصر حيث كانت تعمل كخادمة.
والمرة الثانية، عندما حاولت حماية سمعة الكونت كايتير في المستقبل البعيد.
بالنسبة لرِيان كايتير، كان من الطبيعي أن يشعر بالحيرة.
لو أن شجرةً ضخمة قالت يأنها ستصد الرياح، لكان ذلك أمرًا يستحق الامتنان، لكن ماذا لو قالت عشبة برية الشيء نفسه؟ ألن يكون ذلك مثيرًا للدهشة؟
لكن رِيان كان مخطئًا في فهم الأمر.
لم تتقدم العشبة البرية لمواجهة الريح لأنها وجدت في ذلك شرفًا أو فخرًا.
ما جعلها تقف في وجه الريح كان الحب. الحب الذي تحمله العشبة البرية.
كانت سيسيل تحب الزوجين العجوزين اللذين استأجراها كخادمة، وابنتهما.
وكذلك، كانت تحب رِيان أيضًا……ولهذا أرادت حمايته.
“لقد وصلنا.”
توقفت العربة أمام وجهة سيسيل دون أن تشعر بمرور الوقت.
________________________
يا رِيان يابطييء ترا كلها نطلة رجال والحقها بحصان مب لازم عربه
مشاعرها تجننن🤏🏻
المهم انفدا ثقة سيسيل وهي تقول انه جميله تجنن😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 156"