كان السبب الوحيد الذي جعل إيريان يستخدم كلمة “نسيان” لوصف نفسه أمرًا غريبًا، أو ربما كوميديًا.
في الواقع، قبل أن يتحدث مع ابنة عمّه عن موضوع “حارس القبر”، كان قد نسي تمامًا أنه قد عقد اتفاقًا مع سيسيل.
بمعنى آخر، لم يكن قد أدرك بعد أن حياتهما الزوجية ستنتهي.
عندما كان إيريان في العربة وهو يغادر العاصمة بعد جنازة الماركيز هويل، استعاد ذكرياته عن أول لقاء له مع سيسيل.
كانت ذكرى واضحةً بشكل مذهل، أكثر وضوحًا من وجه آخر ضيف زاره في قصر هويل.
كيف نسي مثل هذه الذكرى الواضحة؟
فجأة، أدرك إيريان أنه لم ينسَ.
بل كان ببساطة يتجاهل حقيقة أن سيسيل لن تكون زوجته الحقيقية التي ستبقى إلى جانبه طوال حياته.
‘هكذا هو الحال، إذاً. إيريان كايتير.’
عندما واجه مشكلةً لم يكن يريد التعامل معها، تبيّن أنه كان الشخص الذي يهرب منها ببساطة.
عبس وجهه للحظة، لكنه سرعان ما حاول أن يظهر على وجهه تعبيرًا هادئًا.
لم يكن ما كان يحاول السيطرة عليه هو تعبير وجهه فقط، بل كان يكافح أيضًا لتهدئة القلق الذي كان يحيط به منذ مغادرته قصر الماركيز.
إذاً……في الواقع، لم يكن الأمر مهمًا جدًا. موت جده، وانهاء فترة العقد بينه وبين سيسيل……
في هذا العالم، لحسن الحظ، هناك كلمة “تجديد العقد”.
لا، لا. هذه المرة، لن يكون هناك عقد بالضرورة.
هذه المرة……
خلال الرحلة الطويلة في العربة، تخيل إيريان ما سيريد قوله لزوجته عندما يلتقي بها.
ولكن……
“تركَت هذا لك.”
ما كان في انتظار إيريان عندما وصل إلى قصر الكونت قبل الموعد المحدد هو الخبر بأن سيسيل قد غادرت بالفعل، بعد تركها لأوراق الطلاق الموقعة.
***
بعد زيارة القبر، كانت سيسيل تجلس في فندق، فاقدةً للإحساس.
“ماذا أفعل الآن؟”
بعد أن وصلت إلى العاصمة، لم تكن تعرف ماذا تفعل بعد زيارة القبر.
كان هدفها الوحيد هو زيارة القبر، لذا قد يكون من الطبيعي أن تشعر بذلك……
“ربما أتناول شيئًا.”
شعرت بالجوع المتأخر. فنزلت سيسيل إلى الطابق الأول من الفندق حيث كان هناك صخبٌ وضوضاء بين الناس.
كان شعورًا نادرًا بأن ترغب في الاختلاط مع الآخرين. فقد كانت هناك وحدةٌ غريبة تحيط بسيسيل منذ وقت طويل.
لا، بالضبط، ربما منذ أن غادرت قصر كايتير.
طلبت سيسيل من النادل حساء البصل وكأسًا من الشراب.
و على الرغم من شعورها بالجوع، لم تكن الأطعمة تشدها كثيرًا، فطلبت شيئًا بسيطًا، ولكن بعد أن ابتعد النادل، جاءتها فكرةٌ مفاجئة.
‘لو رأى رِيان هذا، لكان قد أبدى اعتراضه على هذا الطعام.’
لكن الزوج الطيب الذي كان يلومها على تناولها طعامًا خفيفًا لم يكن بجانبها الآن.
“سيدتي الزبونة، الطعام الذي طلبتيه جاهز.”
“…….”
“هل أنتِ بخير، سيدتي الزبونة؟”
هزت سيسيل رأسها بهدوء في وجه النادل الذي كان يهتم بها. و أخذت الدموع تسيل على خديها الصغيرين الأبيضين.
عندما بدأت سيسيل في البكاء بهدوء، بدأ الضجيج في المطعم يتلاشى.
كان هناك من يراقب وجهها الباكي، غير قادرين على تحريك أنظارهم، لكن سيسيل لم تلاحظ أبدًا أنظارهم.
كانت سيسيل تحدق في طعامها أمامها بلا مبالاة، لكن ما كانت تراه حقًا لم يكن حساء البصل أو الشراب.
بل كانت الذكريات التي قد اجتاحت ذهنها فجأة.
***
كان ذلك عندما بلغت سيسيل ثمانية عشر عامًا. وكانت قد أكملت عامًا واحدًا كزوجة للكونت.
كان لديها شعورٌ غريب أن عيني زوجها، رِيان، قد أصبحتا في الآونة الأخيرة مظلمتين، وكان هذا الشعور ليس مجرد وهم.
“……هل تقولُ أنه يعاني من الأرق؟ الكونت؟”
“ليس دائمًا، ولكنه يعاني أحيانًا من هذه المشكلة.”
أجاب كبير خدم قصر كايتير بهدوء كما لو أنه ليس أمرًا كبيرًا.
أحيانًا. لكن، و على أي حال، كانت سيسيل ترى هذا السلوك من رِيان لأول مرة بعد زواجهما.
إذا كانت المشكلة تحدث مرة واحدة فقط في السنة، فقد لا تكون مسألةً كبيرة……
“هل يحدث ذلك لفترة طويلة؟ كم من الأيام لا يستطيع النوم؟”
“هم، يختلف حسب الوقت، ولكن في بعض الأحيان يستمر لأسبوع كامل.”
……كانت حقًا مسألةً كبيرة!
“كبير الخدم، أنا لا أعرف تمامًا، لكن إذا لم ينام الإنسان لمدة أسبوع……أليس من المفترض أن يموت؟”
“لن يموت بسهولة، سيدتي، حتى لو كان يعاني من صعوبة في النوم، فلا داعي للقلق.”
أضاف الخادم أنه على الرغم من عدم أخذ قسطه من النوم بشكل كامل، إلا أنه كان يقدم له شايًا خاصًا لتخفيف التعب بشكل منتظم.
ومع ذلك، لم تشعر سيسيل بالراحة رغم تصرف الخادم الهادئ.
لقد اكتشفت سيسيل مشكلة رِيان عندما لم يستطع النوم لمدة يومين فقط…….بمعنى آخر، كان من الممكن أن يمر خمسة أيام قبل أن ينام مجددًا.
“كبير الخدم، هل هناك أي شيء يمكنني فعله؟”
لم تكن تعرف لماذا أصبحت في هذا الوضع الموتر، لكنها كانت تشعر بالقلق والضيق.
على الرغم من أن المشكلة كانت تتعلق بعدم نوم رِيان، إلا أن وجه سيسيل لم يكن أفضل حالًا.
فكر كبير الخدم لفترة ثم بدأ يتحدث.
“أرق السيد يعود إلى طبيعته. لقد عانى منه منذ صغره. ولكن، بين سن العاشرة والرابعة عشرة، كانت فترات الأرق قصيرة.”
“ماذا كان الفرق في تلك الفترة؟”
لم تكن سيسيل تدرك كم كانت تبدو يائسةً في عيون الآخرين.
نظر كبير الخدم إلى سيسيل بوجهٍ يبدو عليه بعض الدهشة قبل أن يجيب،
“هناك خادمةٌ خدمت لوقت طويل في قصر كايتير.”
شرح الخادم أنه رغم أن والدة رِيان، الراحلة، لم تعاني من الأرق الطويل مثل رِيان، إلا أنها كانت تواجه صعوبةً في النوم بشكل مستمر.
ثم بدأت الخادمة في قراءة الكتب بالقرب من سريرها، وبعد ذلك أصبح نومها أكثر عمقًا.
“عندما بدأ السيد إيريان يعاني من أول مرة من الأرق في قصر كايتير، أرسلت الآنسة الراحل كايتير الخادمة إلى غرفة نوم السيد رِيان على أمل أن تساعده.”
استمع رِيان إلى قراءة الخادمة القصيرة، وتمكن من النوم لفترة قصيرة، وانتهت فترة الأرق بعد خمسة أيام.
‘خمسة أيام! رغم أنها أصبحت أقصر، كانت لا تزال فترةً طويلة!’
لكنها كانت أقصر من أسبوع. والأهم من ذلك أن رِيان تمكن أخيرًا من النوم حتى لو لفترة قصيرة.
أولئك الذين لم يختبروا الأرق العميق لا يفهمون الفرق بين النوم القصير والأرق المستمر. لكن سيسيل كانت تعرف.
“أين هي تلك الخادمة الآن؟”
***
الخادمة التي ذكرها كبير الخدم تركت قصر عائلة كايتير فور وفاة وال رِيان.
سأل كبير الخدم إن كان ينبغي له أن يبحث عن مكانها، فأمرت سيسيل بذلك بصفتها زوجةَ الكونت كايتير.
كانت قدرة عائلة كايتير على جمع المعلومات مذهلة. ففي اليوم التالي، جلب كبير الخدم مكان الخادمة التي تركت منزل كايتير منذ سبع سنوات.
كان ذلك في اليوم الثالث من عدم قدرة رِيان على النوم.
و لحسن الحظ، كانت الخادمة تعيش في ممتلكات قريبة من قصر عائلة كايتير، وعلى الرغم من أنها كانت رحلةً صعبة، إلا أنه كان بالإمكان العودة في نفس اليوم.
استعجلت سيسيل في تجهيز نفسها للخروج.
“زوجتي؟”
“سأذهب إلى مكانٍ ما. لنلتقي لاحقًا.”
قبل مغادرتها المنزل، قابلت سيسيل صدفةً رِيان الذي كان لديه هالاتٌ سوداء تحت عينيه، مما زاد من عزيمتها.
وفي تلك الليلة، بعد العودة إلى المنزل في وقت متأخر، أسرعت سيسيل في تنظيف الغبار عن جسدها وذهبت بسرعة إلى غرفة نوم رِيان.
“رِيان، هل يمكنني إزعاجكَ قليلًا؟”
“……تفضلي بالدخول. ما الأمر؟”
لم تستطع سيسيل أن تمنع نفسها من الدخول، حتى لو قال لها ألا تدخل، فأسرعت إلى داخل الغرفة.
ثم وضعت سيسيل الكرسي بسرعة بجانب السرير وجلست،
“استلقِ.”
كان رِيان قد انتهى بالفعل من التحضير للنوم. و بالطبع، لم يكن سيستطيع النوم بعد، بل كان قد استعد فقط لقضاء الليل مستلقيًا على السرير.
عندما يواجه رِيان فترةً طويلة من الأرق، كان في الأيام الأولى يظل يقضي الليل في مكتبه، وفي اليوم الثالث يبدأ في الاستلقاء على السرير محاولًا الراحة دون أن ينام.
وكان ذلك اليوم الذي جاءت فيه سيسيل إليه.
أمرت سيسيل رِيان بالاستلقاء بشجاعة، لكن سرعان ما خفضت عينيها وقد لاحظت ملابسه.
كان رِيان يرتدي رداء النوم، وكان الرداء……
‘بل أزرار الرداء………غير مثبّتة تمامًا!’
بينما كانت سيسيل تحاول طرد صورة صدره من ذهنها، اقترب رِيان من السرير بقبول تام.
_____________________
يناديها زوجتي😘
يارجال وينك بس زوجتك تصيح لحالها 😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 154"