“إنه رديء، أليس كذلك؟”
“ألم يكن قبرًا بنيته عندما كنتِ في الثالثة عشرة من عمرك؟”
“……لا شيء يخفى عليكَ بشأن حياتي.”
قالت ذلك دون تفكير، فقط ما خطر ببالها، لكن بدا أن الكونت كايتير ارتجف قليلًا لسبب ما.
“إن كان ذلك يزعجكِ، فسأكون أكثر حذرًا.”
“ماذا؟ ولم قد يزعجني ذلك؟”
“ليس من الأمور المريحة أن يعرف الآخرون تفاصيل ماضينا التي لم نخبر بها أحدًا بأنفسنا.”
“لكنكَ لستَ شخصًا غريبًا. أنت زوجي.”
تساءلت سيسيل حينها عن سبب ملامح الكونت كمن تلقى صفعة. فحتى لو كان زواجنا محددًا بمدة، فهو من أصر على التأكيد على علاقتنا كزوجين أولًا.
على أي حال، نظرت سيسيل إلى القبر وتحدثت.
“بالفعل، بالنظر إلى أنه بُني بمال حصلت عليه فتاةٌ في الثالثة عشرة من عمرها، فهو مصنوعٌ بإتقان. آه، لكن لم يكن المال من جيبي مباشرة. لقد طلبت سلفةً على راتبي.”
“يبدو أنه كان صاحب عمل عادل.”
“كان شخصًا طيبًا.”
التزم الكونت كايتير الصمت للحظة قبل أن يسأل،
“بعد أن بنيتِ القبر، لكم بكيتِ؟”
“……لستُ متأكدة. بصراحة، لا أتذكر جيدًا، لكنني على الأرجح بكيتُ طويلًا.”
“أنا فقدتُ والدتي عندما كنتُ في الثالثة عشرة، وبكيتُ موسمًا كاملًا.”
“ماذا؟”
كانت هذه أول مرة تسمع فيها عنه أمرًا شخصيًا، بل لم تتخيل أن لدى شخص مثل الكونت كايتير ماضٍ كهذا.
“ماذا عنكِ؟ هل بكيتِ موسمًا كاملًا أيضًا، سيسيل؟”
“……أعتقد أنني بكيتُ أقل منك.”
“إذًا، فهذا يعني أنكِ أقوى مني.”
رمشت سيسيل بعينيها. و حينها فقط أدركت أن الكونت كايتير كان يواسي الفتاة ذات الثلاثة عشر عامًا التي كانت عليها يومًا ما.
خفضت نظراتها بعدما كانت تحدق به.
عندما ينتهي هذا العقد……من ستكون زوجة هذا الرجل؟
شخص مثل الكونت كايتير لن يقضي حياته وحيدًا بلا زوجة.
شعرت بألم خفيف في صدرها من شدة الغيرة، وعندها، وكأنها كذبة، أدركت سيسيل حقيقة مشاعرها.
***
“إيريان!”
خرج إيريان كايتير من غرفة الاستقبال، فاندفعت ابنة عمه نحوه وأمسكت به على عجل.
نظر إيرينا إلى وجهها وهو لا يزال ممسكًا بذراعه، ثم سأل فجأة،
“كم عمركِ؟”
“ماذا؟”
كادت أن تنفجر غاضبة قائلة: “ألا تعرف حتى عمري؟”، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة.
……ففي الواقع، هي نفسها لم تكن تعرف عمر إيريان.
“أوه، لقد أتممتُ عامي الرابع والعشرين منذ فترة قصيرة.”
استعاد إيريان ذكرى عمر سيسيل.
كانا في العمر نفسه.
“حسنًا. ما الذي تريدينه؟”
قطبت ابنة عم إيرينا حاجبيها…..لم تكن تعرف السبب، لكنها شعرت وكأنها اجتازت للتو نوعًا من الاختبار.
“أليس لديكِ ما تقولينه؟”
استعادت وعيها سريعًا وفتحت فمها بصعوبة.
“أنت……هل كنتَ جادًا عندما قلتَ أنكَ ستتنازل عن لقب جدنا وثروته لصالح الدولة؟”
“لو كنتُ أمزح، لما قلتُ ذلك أمام المحامي.”
“ماذا؟! هل فقدتَ عقلكَ……؟ آه، لا، أقصد……لكنك لن تتخلى عن هذا القصر، أليس كذلك؟ ماذا تنوي أن تفعل به إذاً؟”
سألت بحذر عما إذا كان ينوي العيش هنا. فأجاب إيريان بوجه خالٍ من التعبير،
“ليس لدي هواية العيش في القبور.”
“ماذا؟”
“سأحول هذا المكان إلى ضريحٍ لجدي. و سيتم دفن التابوت في الحديقة الخلفية.”
فتحت ابنة عمه فمها بدهشة، ثم شدّت قبضتها على ذراع إيريان.
لكن قبضتها لم تكن ذات قوة تُذكر. و كاد إيريان أ يبعد يدها، لكنه تذكر عمرها وقرر أن يتحمل قليلاً.
عندها، نطقت فجأة.
“إذاً، ألا يمكننا نحن العيش هنا؟”
“نحن؟”
“أنا ووالداي……أعني ذلك.”
“هل نسيتِ ما قلته قبل لحظات عن تحويله إلى ضريح؟”
“لكن أي ضريح يحتاج إلى شخص يعتني به! يمكننا أن نكون القائمين عليه.”
“ما هذا……؟”
نظر إيريان إلى ابنة عمه بوجه يعبّر عن عدم التصديق لما قالته، لكنه فجأة تجمّد في مكانه. و حتى ابنة عمه شعرت بقشعريرة من التغيير المفاجئ في ملامحه.
“إيريان؟”
“……هل يمكن أن يكون الهذيان معديًا؟ لا يمكن……كيف أمكنني نسيان هذا؟”
“……إيريان؟ هل تسمعني؟”
سرعان ما التقت نظرات إيريان الباردة والخالية من المشاعر بعيني ابنة عمه.
“هل غرق القصر الذي كنتم تعيشون فيه في الأرض؟”
“……حصلت بعض المشاكل.”
لم يكن بحاجة لسماع المزيد. كان إيريان على دراية تامة بإسراف عمته، والدة ابنة عمه. و قرر أن يكون كريمًا هذه المرة، فقد حصل على شيء من محادثته معها قبل قليل.
“حسنًا. ليكن كذلك.”
“حقًا؟ شكرًا…..”
“لكن بشرط، لن تقوموا بتوظيف خدم.”
“……ماذا؟”
“وظيفة القائم على الضريح هي العناية به. إذا أوكلتم ذلك لشخص آخر، فسيكون تقاعسًا واضحًا عن العمل.”
“…….”
“لا أنوي الاستمرار في توظيف قائم على الضريح ليكون كسولًا.”
أطلقت ابنة عمه سراح ذراعه بوجه مذهول.
القرار الآن يعود إليها وإلى والديها، إما أن يعيشوا في القصر مقابل القيام بعمل لم يسبق لهم أن أدّوه في حياتهم، أو أن يبحثوا عن مكان آخر للعيش فيه.
لم يُلقِ إيريان نظرةً خلفه على من تركهم وراءه، بل تابع سيره بلا تردد.
***
انتقل إيريان إلى الشرفة، حيث استقبلته نسمات الرياح وهو يسترجع مشهدًا من الماضي.
كان ذلك يوم زيارته مع سيسيل إلى قبر عائلتها.
حينها، وبعد أن قضت وقتًا قصيرًا أمام القبر – أو هكذا شعر إيريان – التفتت إليه و قالت بأن عليهما المغادرة.
“إن كنتِ تريدين المغادرة بسببي، فلا بأس بالبقاء قليلًا، لا يزعجني ذلك.”
“لا داعي. على أي حال، سأكون هنا لاحقًا إلى أن أشعر بالملل من المكان.”
“إلى أن تشعري بالملل؟”
“نعم. عندما أتخلى عن لقب زوجة الكونت، سأصبح القائمة على الضريح.”
لم تكن عبارة “القائمة على الضريح” هي ما علق في ذهنه من ذلك الحوار. فقد كانت مجرد مفتاح قاده لاسترجاع حديث جرى منذ سنوات.
“عندما أتخلى عن لقب زوجة الكونت.”
تلك الكلمات تحديدًا هي ما جعل إيريان يتجمد أمام غرفة الاستقبال.
تشقّ-!
في تلك اللحظة، سُمع صوتٌ حاد. و لوهلة، تساءل إيريان إن كان ذلك الصوت قد انبعث من عقله بسبب صدمة إدراكه، لكنه أدرك أن ذلك مستحيل.
“من لدينا هنا! أليس هذا أكبر بخيل في عائلة هويل؟”
الشخص الذي دخل متأخرًا إلى الشرفة التي سبق أن احتلها إيريان كان أحد أبناء عمومته.
اسمه……لم يستطع تذكره، للأسف.
وضع ابن عمه كأسًا كريستاليًا على طاولة الشرفة وبدأ يتحدث بصخب.
“أيها اللعين، كنتُ أعرف أنكَ ستفعلها. وحشٌ مهووس بالمال مثلك! هل لديك أي فكرة عن حجم ثروة جدنا؟ كيف تجرؤ على الاستيلاء عليها كلها بنفسك؟”
لم يكن إيريان يرغب في التحدث مع ابن عمه، الذي لم يتذكر حتى اسمه. خاصةً أنه كان ثملًا، والأسوأ من ذلك، ضعيف الذاكرة.
عندما قرر تجاهله والمغادرة من الشرفة، نطق ابن عمه بكلمات أوقفته في مكانه.
“أنت محتال! هل يعرف الآخرون أن زوجتكَ مجرد فلاحة سوقية؟”
توقفت خطوات إيريان على مقربةٍ منه.
“هاه، أنا أيضًا لم أعرف إلا مؤخرًا. لقد خدعتَ جدكَ ببراعة، أليس كذلك؟ ماذا كان ذلك؟ ابنة نبيل توفي في حادث؟ يا لك من وقح. في الواقع، إنها مجرد فتاة يتيمة بلا أصل، خرجت من دار أيتام رخيصة ولا أحد يعرف من أين جاءت……”
“اسمح لي بتصحيح شيء.”
مدّ إيريان يده والتقط الكأس الكريستالي الفارغ من على الطاولة.
“قلتَ أن لا أحد يعرف من أين جاءت؟ لا، أنا أعرف. عملت كخادمة في أحد قصور العاصمة منذ أن كانت في الثانية عشرة. والآن بعد أن أفكر في الأمر، أشعر بارتياح شديد أنها لم تكن تعمل في قصرك تحديدًا……فأنت كنت تستمتع برفع تنانير الخادمات والفرار بعدها، أليس كذلك؟”
“ماذا، ماذا قلت؟ متى كان ذلك……آآآخ!”
اندفع الكأس الكريستالي الذي كان إيريان يمسك به ليضرب رأس ابن عمه.
صرخ ابن عمه وسقط على الأرض، وبين يديه الممسكتين برأسه تدفق الدم الأحمر الفاتح.
نظر إيريان إلى ابن عمه وهو لا يزال ممسكًا بالكأس الكريستالي السليم، ثم تمتم قائلاً:
“لم ينكسر رأسكَ، أليس كذلك؟ إنها المرة الأولى التي أضرب فيها شخصًا، فلا أعرف ما آثارُ ذلك.”
“آه، أووه……رأسي……”
“سأعطيك الثمن، فلا تتظاهر بالألم. أخبر عمي. إذا أرسل شخصًا إلى القصر خلال ثلاثة أشهر، سأوفر لك المال الذي طلبته في المرة السابقة.”
كان عم إيريان يملك بعض المشاريع التجارية المهددة بالفشل، ومنذ فترة، أرسل شخصًا إليه محاولًا إنقاذ بعضٍ منها.
عند التفكير في الأفعال التي ارتكبها عم إيريان في الماضي بحقه ووالدته، لم يكن لديه أي شعور بالحياء.
فأمر إيريان الخادم الذي أحضر الرسالة بإعادتها، بينما كانت الأمطار تتساقط.
كما في ذلك اليوم البعيد، عندما نزلت والدته من العربة ممسكةً بيد إيريان البالغ من العمر تسع سنوات، أمام قصر عمها.
أفلت إيريان الكأس الكريستالي من يده، وابتعد عن الشرفة.
____________________
وناسه دامك تذكرت رح لقبور عائلتها يعنني تزورهم وكذا بعدين تقابل سيسيل✨ شلالالااااا
هي قالت لنفسها انها تحبه بس هو للحين ماقال شي مستحي حتى منا؟ توء توء
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 151"