تفاجأت سيسيل للحظة من الهجوم المباغت للكونت، لكنها استوعبت المعلومات متأخرة.
“أسبوعٌ واحد…….”
“هل فترة التحضير قصيرة؟”
“لا، كما قلت سابقًا، يكفيني يوم واحد. لتقليد تعابير الوجه، والكلام، والعادات، والتصرفات.”
بمجرد أن ارتسمت على وجه الكونت كايتير الوسيم ملامح تفيد بأنه لا توجد مشكلة، تحدثت سيسيل.
“لكن تبين أنه يعزف على البيانو كهواية.”
“……البيانو؟ كيف عرفتِ ذلك؟”
“نظرت إلى يديه. و لاحظت مسامير جلدية لا تكون إلا عند من يعزفون البيانو كثيرًا.”
لديها قدرة ملاحظة جيدة. لا، بل من الطبيعي أن يكون الأمر كذلك. فموهبة سيسيل تكمن في تقليد الآخرين كما لو كانت نسخةً عنهم، لذا سيكون من الغريب إن لم تراقب الآخرين عن كثب.
“سألت عن المقطوعات التي كان يحب عزفها في شبابه.”
“وليس المقطوعات التي يعزفها مؤخرًا؟”
“……لأنني فكرت بأن جد رِيان، أو بالأحرى الكونت، مدينٌ بحياته لذلك الشخص عندما كان شابًا.”
حدّق الكونت كايتير في سيسيل بصمت. و لم تستطع فهم مغزى نظرته، مما جعلها تنكمش قليلًا.
لكن ذلك لم يدم طويلًا. فقد تذكرت ما قيل لها،
“عندما تؤدين دور الكونتيسة، فعليكِ التصرف مثل السيدة النبيلة.”
ما إن عدّلت سيسيل وضعية جسدها لتصبح أكثر استقامة حتى فتح رِيان فمه،
“لم أشك يومًا في حُسن اختياري.”
“نعم؟”
“أنا راضٍ. يبدو أنني اخترت شريكًا بارعًا مرة أخرى.”
…..هل كان يمدح نفسه، أم كان يمدحني؟
بينما كانت سيسيل تحاول استيعاب كلماته، تابع حديثه،
“سيسيل، استنتاجكِ كان دقيقًا. جدي كان بطل حرب، وخلالها اصبح مديناً بحياته لذلك الشخص الذي التقيتِ به اليوم مرتين. ثم بعد انتهاء الحرب بعدة سنوات، أنقذه مجددًا. كل ذلك حدث قبل أن يبلغ الأربعين من عمره.”
“…….”
“يبدو أن تواصلهما استمر حتى بعد تجاوز جدي الخمسين، لكن على الأرجح، الشخص الذي يفتقده هو ذلك الرجل من شبابه. حسنًا، إذاً، هل تنوين إتقان عزف مقطوعة على البيانو قبل مقابلة جدي؟”
“نعم.”
“هل سبق لكِ تعلّم العزف على البيانو؟”
“لا، لكن إن لم يكن عليّ تعلم قراءة النوتات الموسيقية من الصفر، فيمكنني إتقان مقطوعةٍ في غضون عشرة أيام.”
“وكيف ذلك؟”
“يكفي أن أحفظ حركات يد الشخص الذي يعزفها وأقلّده.”
“آه، فهمت. لديها ذاكرة مذهلة أيضًا، زوجتي هذه رائعة.”
تمتم الكونت كايتير بهذه الكلمات، بينما لاذت سيسيل بالصمت، ليس بسبب المديح، بل لأن كلمة “زوجتي” أربكتها للحظة.
“عشرة أيام، حسنًا. وبما أننا بحاجة إلى وقت للعثور على عازف، فلنذهب لمقابلة جدي بعد خمسة عشر يومًا.”
***
كانت سيسيل واثقةً تمامًا من قدرتها على إتقان عزف مقطوعة بيانو واحدة بشكل شبه مثالي خلال عشرة أيام.
لا شك في ذلك.
…..إلى أن وصل العازف الذي استأجره الكونت إلى قصر كايتير.
“تشرفت بلقائكِ للمرة الأولى، كونتيسة. أنا لويد.”
“…..مايك؟”
“نعم؟”
كان أمرًا مستحيلًا. لا، لم يكن مستحيلًا تمامًا، لكنه حدث في أسوأ توقيت ممكن.
عازف البيانو المدعو لويد كان يشبه شقيق سيسيل الراحل كالتوأم.
“…..لا، لقد أخطأت في الكلام. سررت بمجيئكَ، لويد.”
“آه، نعم. بل الشرف لي أن أوظَّف من قبل الكونتيسة. هل نبدأ الدروس من اليوم؟”
“نعم، فلنبدأ.”
بالطبع، لويد لم يكن مايك، شقيق سيسيل. حتى لو تجاهلت الحقيقة الأهم، وهي أن مايك كان شخصًا ميتًا، فالأمر سيبقى كذلك.
كان لويد يشبه مايك في الوجه فقط، أما صوته، وطريقته في المشي، وحجم يديه، فكانت مختلفةً تمامًا لدرجة لا تدع مجالًا للشك بأنهما شخصان مختلفان.
ومع ذلك، كان وجهه…..بالفعل، كان متشابهًا بشكل مفرط.
والمشكلة أنه حتى لون شعره كان مشابهًا. و لون عينيه أيضًا…..عندما تسطع عليهما الشمس، لم يبدُ مختلفًا كثيرًا.
“سيسيل؟”
“…..من الأفضل نقل غرفة البيانو.”
“ليس بالأمر الصعب، لكن هل لي أن أعرف السبب؟”
“يدخلها الكثير من ضوء الشمس.”
“همم، حسنًا، مفهوم. سننقلها اليوم.”
سألها الكونت كايتير عن السبب فقط ليطمئن إلى عدم وجود مشكلة، لكنه لم يستفسر أكثر ووافق فورًا على طلبها.
ومع ذلك، حتى بعد نقل غرفة البيانو، وجدت سيسيل نفسها تسرح بسهولة أثناء دروسها مع لويد.
“……أنا، كونتيسة. أعذريني، لكن إن كان من الصعب عليكِ الحفظ، هل أعزف بشكل أبطأ قليلًا؟”
“…….”
لم يكن لون العينين سوى مسألة ثانوية، والمفاجئ أنها لم تنتبه له إلا الآن.
لويد كان يشبه مايك. ما لم يتم محو هذه الحقيقة تمامًا، فلن تسير دروس البيانو بشكل طبيعي.
في اليوم الثالث، حين بدأت سيسيل ترى مايك فوق ملامح لويد، وصل بها الأمر في النهاية إلى أن تجعله يرتدي قناعًا أثناء الدروس.
وفي ذلك اليوم تحديدًا، جاء الكونت كايتير للبحث عنها.
“زوجتي.”
زوجة أو غير ذلك، سيسيل أرادت الفرار.
لم تتوقع أن تراودها أفكار غير مسؤولة كهذه.
في غضون أيام قليلة فقط، أدركت سيسيل بمرارة مدى ضعفها، وانحنت أمام الكونت وكأنها مذنبة.
لكن، على عكس ما توقعته، لم يوبخها الكونت كايتير أو يستجوبها بشأن ما فعلته أثناء الدروس، بل طرح عليها سؤالًا مختلفًا تمامًا.
“هل تتناولين طعامكِ بشكل جيد؟”
“نعم؟”
“وماذا عن النوم؟ كيف هو فراشكِ؟”
“…..ليس سيئًا.”
“تنامين جيدًا، ومع ذلك فقدتِ هذا القدر من الوزن.”
تمتم الكونت كايتير وهو يراقب وجه سيسيل، ثم نقر لسانه بضجر، لكن لم يكن هناك أي انزعاج في تعابيره، بل بالأحرى…..
“إذاً، هل تتخطين وجباتكِ؟ لماذا؟ هل الطعام لا يعجبكِ؟ لم يتغير الطاهي أيضاً…..”
“كونت.”
“هذا غير مقبول. من الآن فصاعدًا، ستتناولين كل وجبةٍ معي.”
“رِيان.”
عند سماع اسمه، صمت الكونت كايتير أخيرًا وكأنه يدعوها للحديث.
فتحت سيسيل فمها بحذر.
“هل جئتَ إلى هنا لأنك قلقٌ عليّ؟”
ارتفع حاجباه بدهشة.
“إذاً، لماذا تظنين أنني أتيتُ إلى جناحكِ؟”
“لتوبيخي…..”
“توبيخ؟ ولماذا أفعل ذلك؟”
“هل-هل من الممكن أنك لم تسمع شيئًا عن تقدمي في الدروس مؤخرًا؟”
“آه، سمعت.”
قال الكونت كايتير ذلك بينما ألقى ضوء الغرفة بظلال على وجهه.
“هل من الصعب عليكِ رؤية وجه العازف إلى هذا الحد؟ كان عليّ أن أدرك الأمر منذ أن طلبتِ نقل غرفة البيانو بحجة دخول ضوء الشمس إليها كثيرًا…..”
بينما تجمدت سيسيل للحظة بعدما كشف حقيقة لم تعترف بها بعد، تابع الكونت كايتير حديثه.
“اللوم يقع عليّ لأنني لم ألاحظ مسبقًا أن لديكِ معدةً حساسة.”
“ماذا؟”
“في الواقع، رغم أن مظهره ليس مبهجًا، ظننتُ أنه يملك وجهًا رجوليًا على الأقل، لكنني كنتُ مخطئًا…..”
“ل، لا! الأمر ليس أنني لا أطيق رؤيته لأنه قبيح!”
ما هذا الهراء الذي يقوله!
“ليس قبيحًا! أليس وجهه وسيمًا إلى حد ما؟ أ- أعني، لم يكن هناك أحد يمدح وجه مايك، صحيح! لكن ذلك فقط لأنه كان يتمتع بشخصية رائعة، وليس لأن مظهره كان سيئًا على الإطلاق…..”
“مايك؟”
عند تمتمة الكونت كايتير باسمه، استعادت سيسيل وعيها فجأة بعدما كانت تدافع عن شقيقها بحماس شديد.
“مايك…..إذا لم تخني ذاكرتي، فهذا اسم الشخص الذي نشأتِ معه، أليس كذلك؟”
كان الكونت قد أوضح بالفعل لسيسيل أنه أجرى الكثير من الأبحاث عنها، لذا لم يكن من المفاجئ أنه يعرف اسم مايك.
لكنها لم تكن تنوي الكشف عن علاقته بلويد بهذه الطريقة…..
لا فائدة من إخفاء الأمر الآن.
بوجه مستسلم، اعترفت سيسيل بكل شيء. وعندما أدرك الكونت كايتير الصعوبة التي كانت تواجهها سيسيل خلال الدروس، بدا عليه الارتباك.
“…..لم أكن أعلم. لو أخبرتني في اليوم الأول، لكنا استبدلنا العازف.”
“لكن العثور على عازف جديد سيستغرق بعض الوقت. لذلك، اعتقدتُ أنه قد لا يكون لدينا وقت كافٍ لإتقان المقطوعة.”
بالطبع، لو كنت أعلم أن الأمور ستسير كما هي الآن، لاخترتُ استبدال العازف.
“…..أنا آسفة.”
“لماذا تعتذرين فجأة؟”
“أعني، قد يحدث خلل في الخطط، أليس كذلك؟ إذا لم أتمكن من إتقان المقطوعة في الوقت المتبقي…..”
الآن، أصبح من المتأخر جدًا تغيير العازف.
وعلاوةً على ذلك، على الرغم من أن لويد يشبه مايك، إلا أنه منذ عدة أيام لم تستطع حتى حفظ الجزء الأول من المقطوعة، مما جعل ثقتها بنفسها تتراجع.
_____________________
اشوا يحسب انه قبيخ مب يحسبها حبته😭😭😭
يجنن جاي عشانه قلقان ويسألها عن نفسها ويهتم بأي شي لها ليه ما اعترفوا لبعض كل ذا السبع سنين؟😭
هي سبع ولا اكثر؟ مدري
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 149"