شعرتُ بأن اليوم التالي قد حل، فقد قام الجندي بوضع ماء و خبز لشخصين في السجن حيث كنا محتجزين.
قدمت ليلي الماء و الخبز بالكامل إلى سيون. فنظرًا لأنها كانت تحلم، لم تشعر ليلي بالعطش أو الجوع الشديد على أي حال. لذلك، لم يكن من الصعب عليها التنازل عن الطعام لسيون.
بالطبع، حتى لو كان الأمر صعبًا، لكانت ليلي قد فعلت ذلك.
“…….”
نظر سيون بصمت إلى الطعام الذي قدمته ليلي، ثم أخذ فقط نصيبه من الماء و الخبز. عندها تحدثت ليلي بقلق.
“خذ حصتي أيضًا. لا بأس إن لم آكل.”
“…….”
“حقًا، أنا بخير……”
“هل أبدو لكِ كشخص يريد أن يعيش؟”
أصاب الذعر ليلي.
كان صوت سيون مرحبًا به، لكن محتوى كلماته لم يكن كذلك أبدًا.
“والدكِ يمسك بسلامة عائلتي بين يديه.”
“…….”
“إذا أنهيتُ حياتي بنفسي، فالعائلة الوحيدة المتبقية لي ستموت أيضًا.”
خفق قلب ليلي بعنف.
سيسيل.
إنه يتحدث عن سيسيل.
“كل ما أحتاجه هو ماءٌ وطعام بالكاد يبقياني على قيد الحياة. لا أحتاج إلى أكثر من ذلك.”
فتحت ليلي فمها، ثم أغلقته. فقد كادت أن تنطق باسمه، سيون.
لكن سيون لم يخبرها باسمه بعد……
فجأة، راودتها فكرة طفولية.
‘لقد سمع اسمي بالفعل.’
لكن تلك الفكرة تلاشت سريعًا.
أعرف. لم يكن سيون مهتمًا باسمي.
فمن الأساس، كان قد سمعه بالفعل في الطابق الأول قبل أن يُسحب إلى السجن.
ما أراده سيون فقط هو أن يجعل ليلي تعترف بنفسها. تعترف بأنها ابنة الرجل الذي قتل عائلة سيون وسجنه هنا.
‘……ليلي هيلدغار.’
إنه مجرد حلم، ومع ذلك، كم هو قاسٍ.
حدقت ليلي في ظهر سيون وهو مستلقٍ، ثم غرقت في النوم. وعندما فتحت عينيها، لم ترَ سوى ظهره مجددًا.
‘آه……؟’
لكن فجأة، شعرت بقشعريرة باردة تسري في جسدها.
لم يكن هناك سبب واضح. لا شيء مؤكد، ولكن……
مدت ليلي يدها نحو سيون. و أمسكت بكتفه وأدارته ليستلقي على ظهره، لكنه لم يُبدِ أي مقاومة، فقط استدار لينظر إليها.
انقبض صدر ليلي بشدة. كان سيون يبكي.
لم يُصدر أي صوت، ولم يرتجف كتفاه، لكن دموعه كانت تنهمر بلا توقف من عينَيه الخاويتين.
و دون تفكير، ضمّته ليلي إلى صدرها، ولم تستعد وعيها إلا بعد أن فعلت ذلك.
لا.
ربما كان من الأفضل ألا تستعيده أبدًا.
أن تواجه هذا الألم، أن تشعر بهذه المشاعر وهي في كامل وعيها……كم هو قاسٍ.
شعرت برطوبة تنتشر على كتفها.
كانت تمسح ظهر سيون الهزيل وكتفيه مرارًا، تربّت عليه برفق. ولم تجد ما تقوله سوى جملة واحدة.
“أنا آسفة. آسفة.”
“…….”
“آسفة…….”
كان منزل سيون قد احترق بالفعل. و عائلته ماتت منذ زمن.
فما الجدوى من اعتذارها البائس؟
ومع ذلك، رغم تفكيرها بهذه الطريقة، لم تستطع ليلي التوقف عن تكرار نفس الكلمات.
***
“كلاكما، اخرجا.”
أمرَ الخادم بصوت متعجرف وهو يفتح باب الزنزانة. و بفضله، أدركت ليلي أنه قد مضى بالفعل عدة أيام منذ أن سُجنت هي و سيون.
كان الشرير يخططُ لقتله بنفس الطريقة.
‘سيأخذونني أنا و سيون إلى ساحة الصيد بهذه الحالة……’
‘لماذا أستمر في رؤية هذا الحلم؟’
عبست ليلي من استيائها، ثم خرجت أولًا من الزنزانة.
عندها، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة، صاح الخادم وهو ينظر خلفها.
“لا تتباطئ! أيها العبد القذر.”
…:ماذا؟
قبضت ليلي يدها ولكمته بقوة في خصره، ليُسمع صوت ارتطام واضح.
تحركت يدها قبل أن تفكر، لكنها أحبت النتيجة.
تراجع الخادم من وقع الضربة، ثم حدّق في ليلي بذهول. فرفعت ذقنها بجرأة.
“ماذا؟”
“لا، الآن فقط……”
“لا تكن أنت البطيء هنا. أبي أمركَ بإخراجي أنا……وذلك الشخص من السجن، صحيح؟ إذاً نفّذ الأمر بسرعة.”
تشنّج وجه الخادم من الغضب والإهانة، لكنه لم يجرؤ على الرد بأي تصرف انتقامي.
‘هاه؟ لماذا هو هادئ هكذا؟’
كانت ليلي قد استعدّت حتى لتلقّي صفعة، لذا فوجئت بأنه لم يقل شيئًا بعد تلك الإهانة المباشرة.
وبعد لحظات، عندما وصلت إلى سطح الأرض، أدركت السبب وراء عدم قدرة الخادم على المساس بها.
“سأمنحكِ فرصة.”
بمجرد صعودها إلى السطح، استُدعيت ليلي على انفراد. فنظرت إلى الفارس أمامها بعبوس، والشمس الساطعة خلفه جعلت عينيها تنقبضان.
“أي فرصة؟”
“عليكِ الذهاب إلى ساحة الصيد اليوم، آنسة.”
ما زال يناديني بالآنسة، هاه؟
بينما فكرت ليلي في ذلك، واصل الفارس حديثه.
“عليكِ أن تختاري، هل ستستقلين بالعربة مع ذلك الفتى الذي سُجنتِ معه، أم مع الماركيز؟”
قطّبت ليلي جبينها، ليس بسبب الشمس هذه المرة، بل بسبب الحيرة.
“ما الذي تقصده؟”
“أحسني الاختيار. إذا قررتِ ركوب العربة مع الماركيز…”
أكمل الفارس شرحه، وعندما أنهى حديثه، خفضت لايلا رأسها وانفجرت ضاحكة. و ارتكزت نظرات الفارس الحادة مباشرة على رأسها، لكنها لم تهتم.
‘يا له من شرير مجنون.’
كيف يمكنه أن يتصرف كشرير بكل هذا الكمال حتى في حلمي؟
شعرت ليلي بقشعريرة تسري في جسدها.
كون الشرير يتصرف كما ينبغي في حلمها، لا بد أن ذلك يعني أنها تعرف الشرير جيدًا في أعماقها.
شعرت بالاشمئزاز.
وصبّت ليلي هذا الاشمئزاز على الفارس أمامها، إذ حدّقت به بغضب وفتحت فمها،
“أين عربة نقل الأمتعة؟”
بهذا، تخلّت ليلي عن آخر فرصة لها للبقاء كـ”ليلي هيلدغار”. وبمجرد أن سمع الفارس إجاباتها، لم يعد يعاملها كـ”آنسة”.
“خذ هذه أيضًا.”
جرّها الفارس بخشونة إلى حيث كانت عربة الأمتعة، ثم دفعها إلى الداخل عبر الباب الخلفي المفتوح.
و في الداخل، كان سيون جالسًا بالفعل.
كان بلا تعابير، ينظر إلى الأرض، لكنه ما إن رأى ليلي حتى تغير وجهه.
“أنتِ……”
“مرحبًا.”
لم يخطر ببالها شيء لتقوله، فاكتفت بالابتسام والتلويح له بتحية خفيفة.
و وسط كل ذلك، وجدت ردة فعل سيون الجديدة مثيرة للاهتمام.
في الماضي، أي في الواقع، كيف كان الأمر؟
في البداية، تجاهلها تمامًا. ثم……كان يكتفي بالنظر إليها.
نعم، هذه هي المرة الأولى التي يُبدي فيها وجهًا مصدومًا هكذا.
راقبت ليلي وجه سيون المصدوم.
أن يكون شون مصدومًا بسببها……لم تكن متأكدةً مما إذا كان هذا الشعور في محله، لكنها شعرت بنوع من الرضا.
في تلك اللحظة، بدأت العربة بالتحرك. و لم تكن ليلي قد جلست بشكل صحيح بعد، ففقدت توازنها للحظة.
عندها، مدّ سيون يده وأمسك بذراعها وسحبها للأسفل.
بوووف-!
سقطت بجانبه، واتسعت عيناها وهي تحدّق فيه. و لاحظت فجأة أن مستوى نظرها أصبح مماثلًا لمستوى نظره.
منذ أن كبر سيون، سواء كانت تجلس أو تقف، كان عليها دائمًا أن ترفع رأسها لتنظر إليه……
“لماذا تبتسمين؟”
“……هل كنتُ أبتسم؟”
“نعم.”
عندما سمعت تأكيده، أدركت ليلي أنها كانت تبتسم دون وعي.
متى ارتفع طرف فمي هكذا؟ يا له من أمر غريب……
حدّق بها سيون بصمت للحظات، ثم فتح فمه وسأل،
“لماذا ركبتِ هذه العربة؟”
“هاه؟”
“الخادم الذي لم يستطع قول كلمة واحدة رغم أنكِ ضربتِه في السجن. الفارس الذي أخذكِ على انفراد.”
“…….”
“لو أردتِ، كان بإمكانكِ ركوب عربة أخرى غير هذه.”
يا له من حدس حاد……
“ليس الأمر كما لو أنني عُدت بالزمن إلى الوراء، ومع ذلك فأنت بهذا الذكاء.”
“ماذا قلتِ؟”
“لا شيء.”
أغلقت ليلي فمها، وحرّكت عينيها قليلًا، ثم قررت في النهاية أن تكون صادقة.
“لم أختر أن أكون ليلي هيلدغارد لأنني أردتُ ذلك.”
كلمات بالكاد كانت همسًا. وسط ضجيج العربة المتحركة، و من غير المرجح أن يسمعها أحد غير سيون.
ليس أن الأمر سيشكل فارقًا حتى لو سمعها أحد، لكنها أرادت أن تعيش اللحظة.
أن تكون وحدها مع سيون، تتبادل معه كلمات لا يسمعها سواهما.
“أن أموت وأتخلى عن كوني من هيلدغار، أفضل من أن أعيش وأبقى واحدةً منهم.”
كان هذا شعورًا صادقًا.
و في الواقع، كبتت هذه المشاعر بسبب وعدها لأختها.
لكن هنا، هذا مجرد حلم. يمكنني قول هذا النوع من الكلمات كما أشاء.
‘بل أفضل شيء هو أن أتخلى عن كوني من هيلدغار دون أن أموت……’
في الواقع، هذا ما حدث بالفعل. وبينما استرجعت ليلي ذكريات الواقع، ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ خافتة.
“لكن، على أي حال، هذا أمرٌ صعب، أليس كذلك؟”
“…….”
“قبل قليل، أُتيحت لي فرصة الاختيار بين البقاء كواحدة من هيلدغار أو لا، وقد اخترت الخيار الثاني. لهذا السبب ركبتُ هذه العربة.”
بعد أن أنهت ليلي شرحها، التزم سيون الصمت.
كل ما سمعته لعد ذلك هو صوت ارتجاج العربة أثناء سيرها.
***
عندما رفضت ركوب العربة مع الماركيز، واختارت الصعود إلى عربة الأمتعة حيث كان سيون، كانت ليلي واثقة من أنها ستموت معه في الغابة التي تُستخدم كساحة صيد.
لكن الماركيز غيّر رأيه فجأة.
أطلق سهمه على سيون فقط، ولم يستهدف ليلي على الإطلاق.
________________________
الماركيز مايفكنا حتى في الاحلام؟ زفت
سيون يوم بكى 😔 وجع تراها فصول الاضافيه يكفي احزان 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 145"