أريد رؤية سيون.
ذهبت ليلي إلى دوقية أكشيد حاملةً هذا الفكر الوحيد، لكنها التقت كبير الخدم قبل أن ترى سيون.
شعرت بسعادةٍ خفيفة عندما رأت شخصًا يشبه كبير الخدم في “الواقع”، لكن ذلك لم يدم طويلًا.
“سيدي ليس متواجدًا في القصر حاليًا.”
“آه….”
لماذا لم تتوقع مثل هذا الموقف؟
إذاً، كم ساعةً عليها أن تنتظر هنا؟
وبينما كانت ليلي تفكر في ذلك،
“متى سيعود الدوق؟”
“لقد غادر إلى الإقليم منذ عشرة أيام، لذا…….”
شكّت ليلي في ما سمعته. الإقليم؟
“لن يعود إلا بعد عشرة أيام أخرى.”
دوّى الرعد في رأس ليلي.
ثم سرعان ما انهمر المطر. مطر اجتمعت فيه خيبة الأمل، والإحباط، والشعور بالضياع.
وبينما كانت ليلي تتبلل بهذا المطر، فتح كبير الخدم فمه،
“هل تريدين أن أنقل له أنكِ جئتِ تبحثين عنه؟”
استعادت ليلي وعيها فجأة.
ذلك يعني……
‘إنه يطلب مني المغادرة.’
إنها أوامر بالطرد. أخذ عقل ليلي يعمل بسرعة وبصخب لا يسمعه سواها.
ماذا أفعل؟
‘هل يجب أن أفصح عن أنني ليلي هيلدغار و أطلب البقاء في الدوقية حتى يعود سيون؟’
لو فعلت ذلك، فلن تُجبر الدوقية على طرد “ابنة الماركيز” إلى خارج القصر.
لكن……
‘لكن حينها، سيعرف هنري مكاني.’
وإذا عرف هنري مكانها، فلن يتركها وشأنها.
إما أن يأتي بنفسه لقتلها، أو يرسل شخصًا ليفعل ذلك. و أحد الخيارين سيحدث بالتأكيد.
كما أن الرحلة من مقاطعة الماركيز هيلدغار إلى العاصمة تستغرق قرابة أسبوع حتى لو كانت بوتيرة بطيئة.
أن تُقتل على يد هنري هيلدغار قبل أن يعود سيون إلى الدوقية؟ هذا احتمال واردٌ تمامًا.
بعد أن انتهت ليلي من حساباتها، عقدت حاجبيها.
الموت لم يعد مخيفًا. فهذا في النهاية مجرد حلم.
لكن بعد كل هذا العناء—الهروب من الحراس، وقضاء أيام في عربة السفر……لم أتمكن من رؤية سيون…
‘لا! هذا ظلم!’
حتى لو كان استيقاظها من الحلم مرتبطًا بموتها مجددًا على يد هنري، فقد كان ذلك أمرًا ترفضه.
فقد أرادت ليلي رؤية سيون الموجود في هذا الحلم.
ولو سألها أحد لماذا تتوق لرؤية سيون، رغم أنه مجرد وهم من صنع لاوعيها، لما وجدت إجابة.
إن كان لا بد من ذكر سبب، فببساطة……كانت تريده فحسب.
“يا آنسة؟”
عادت ليلي إلى وعيها فور سماع كبير الخدم يخاطبها باحترام.
وتذكرت.
طريقةٌ للبقاء في هذا القصر كـ”ليلي”، وليس كـ”ليلي هيلدغار”.
“سيدي، لست آنسة نبيلة. في الحقيقة……”
تشابكت يداها بإحكام بينما واصلت كلامها،
“أريد العمل كخادمة في هذا القصر.”
***
كانت ليلي تعتقد أن كبير خدم دوقية أكشيد لم يتعرف عليها. وحتى هذه اللحظة، كان ذلك صحيحًا.
لكن البارونة سيسيل ديمارت، التي كانت تعيش في دوقية أكشيد، كانت مختلفة.
فهي تعرف تمامًا ملامح “ليلي هيلدغار”.
لم تكن ليلي تشارك كثيرًا في المناسبات الاجتماعية، أي أنها نادرًا ما أظهرت وجهها للآخرين.
لكن مصادر المعلومات الموثوقة قادرةٌ على معرفة حتى عدد الشوك والسكاكين في منزل أحدهم.
لهذا، جمعت سيسيل عبر مخبريها صورًا دقيقة لكل أفراد عائلة هيلدغار في الماضي. فقد كان عليها أن تعرف وجوه الأشخاص الذين سعوا يومًا لإيذائها وعائلتها.
“خادمةٌ جديدة؟ حسنًا، سأقبلها. وسأتحدث مع الدوق بنفسي.”
سيسيل، رغم معرفتها بهوية ليلي، قبلت بها كخادمة في القصر.
‘لا أعرف ما الذي تخططين له……’
ابتسمت سيسيل ببرود وهي تتذكر ليلي، التي قدمت نفسها تحت اسم مستعار: “لارا”.
‘لكن الذئب لا يمكنه أن ينجب أرنبًا.’
كانت ليلي ذات شعر وردي لامع، وعينين خضراوين، وبشرة شاحبة ووجه صغير.
تبدو وكأنها لا تستطيع حتى إيذاء نملةٍ تمر في طريقها، لكن في النهاية، تبقى واحدة من عاىلة الماركيز هيلدغار.
‘سأكشف نواياكِ قبل أن يعود سيون. ثم سأفضح أمرك وأطردكِ شر طردة.’
قبل عشرة أيام، هذا ما قررته سيسيل بكل وضوح.
لكن الآن، بعد أن راقبت ليلي تعمل كخادمة طوال تلك الأيام العشرة……
***
استرجع سيون كلمات سيسيل وتعبيرات وجهها.
“تلك الفتاة تعمل كخادمة في القصر.”
عندما أخبرته سيسيل بما كانت تفعله ليلي في دوقية أكشيد، بدا عليها بعض الارتباك.
في البداية، ظن سيون أن ارتباكها ناتج عن فكرة أن “ليلي هيلديغارد تعمل كخادمة”، وهذا ما جعله هو نفسه يشعر بالدهشة عندما سمع بالأمر.
لكن سرعان ما أثبتت سيسيل خطأ افتراضه بإضافة كلمات أخرى.
“لكن السبب في ذلك……في الواقع، لا زلت غير متأكدة……مع ذلك، من خلال ملاحظتي لها……”
بينما كان سيون يتذكر حديثها ويسير في الممر، تباطأت خطواته تدريجيًا.
هذا مستحيل.
عندما أكملت سيسيل حديثها، خطر في ذهن سيون بضع كلماتٍ فقط.
“قد لا يكون الأمر كذلك، لكن ضع ذلك في اعتبارك. أنت وحدكَ من يقرر ماذا ستفعل بها.”
انقطع الصوت الذي كان يتردد في عقل سيون. و في نفس اللحظة، التقت عيناه بعيني الخادمة التي كانت تمسح إطار النافذة في نهاية الممر.
اتسعت عينا الخادمة وسقطت قطعة القماش من يدها.
“……سيون؟”
خرج صوتٌ صغير جدًا من شفتيها. لو كان شخص آخر واقفًا في مكان سيون، لظن أنها بالكاد حركت شفتيها دون أن يصدر منها أي صوت.
لكن سيون كان هناك، وسمع صوتها بوضوح. و شعر بإحساس غريب.
هل كان ذلك بسبب أن ليلي هيلدغار ترتدي بالفعل زي الخدم داخل قصره؟
أم لأنه سمع اسمه يخرج فجأةً من شفتيها، رغم أنه لم يعرّف عن نفسه بعد؟
أم أن السبب……
تلك النظرة.
تلك النظرة التي بدت وكأنها ستُحفر في ذاكرته إلى الأبد.
تحرك سيون نحو الخادمة التي توقفت في مكانها، مترددة. و كانت ليلي، الخادمة، متجمدةٌ في مكانها.
حدق سيون بها بتمعن.
لماذا تتراجع؟ هل شعرت بغريزة طبيعية بالإبتعاد عندما اقترب منها شخص آخر؟
لكن……لا، لم يكن ذلك السبب. فعلى العكس، ليلي كانت……
لسبب غير معلوم، بدا وكأنها تحاول كبح رغبتها في الاقتراب منه.
لكن لماذا؟ هل هناك داعٍ لكبحها؟
توقف سيون عند هذا السؤال، لكنه سرعان ما شعر وكأنه عض لسانه من الداخل.
لم يكن بوسعه إنكار أن أفكاره منذ لحظات جعلته يبدو وكأنه يتمنى أن تقترب ليلي منه بنفسها.
بعد أن مر بتلك الدوامة من الأفكار وحده، وقف سيون أخيرًا أمام ليلي.
كانت ترتدي زي الخدم الأسود والأبيض، وتنظر إليه من الأسفل.
حدقت ليلي فيه للحظة، ثم سرعان ما أدركت خطأها، فانخفض رأسها كما لو أنها ارتكبت زلةً لا تُغتفر.
“تشرفت بلقائكَ للمرة الأولى، سيدي الدوق.”
“…….”
“أنا لارا، وقد بدأت العمل في هذا القصر منذ عشرة أيام.”
“آنسة هيلدغار.”
رفعت ليلي رأسها بسرعة، و كأن صاعقةً ضربتها.
نظر إليها سيون وفكر بلا وعي: “تبدو وكأنها تلقت صدمة برق.”
“أنا أعرف بالفعل من تكونين.”
“…….”
“لذا، سأطرح فقط الأسئلة التي أحتاج إلى إجابة عليها. لماذا أنتِ هنا؟”
“…….”
“هل كان هدفكِ مقابلتي؟”
لم تُجب ليلي على الفور.
هل تحاول اختلاق كذبة معقولة؟ أم أنها تتردد بين قول الحقيقة أو الكذب؟
وإن أجابت بصدق، فهل ستكون تلك الإجابة يا ترى……
“أتعلم، سيون؟ تلك المرأة……”
في اللحظة التي رأى فيها سيون وجه ليلي، تأكد تمامًا.
لم يسبق له أن التقى بهذه المرأة ولو مرة واحدة قبل هذه اللحظة. لهذا، لم يستطع فهم كلمات سيسيل أكثر.
“إنها……”
فتحت ليلي شفتيها، بينما خفت صوت سيسيل في رأسه.
“نعم.”
اتسعت عينا سيون قليلًا. و تساءل للحظة عمّا تعنيه كلمة “نعم”. لكنه سرعان ما تذكر السؤال الذي طرحه قبل قليل.
هل كان هدفها مقابلته؟
“كنت أرغب بشدة في لقاء الدوق.”
“…….”
“أعتذر لعملي كخادمة دون أن أفصح عن هويتي الحقيقية. لكن كانت لدي أسبابي. إذا سمحتَ لي، أود أن أوضحها لك.”
“سأستمع إليكِ.”
بعد أن أجاب سيون، اقترح فجأة،
“هل ننتقل إلى مكان آخر؟”
______________________
طيب اصبر وش قالت سيسيل
عجبني الفلاش باك ذاه كأنه قصة حبهم بطريقة ثانية🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 141"