كانت سيسيل تعرف كيف تقرأ. فقد قام والداها بتعليم الجميع الذين كانوا يعيشون في المنزل القراءة.
كان سيون هو الأسرع في التعلم. و لم تكن سيسيل قادرة على قراءة الكتب الصعبة بسهولة مثل سيون.
لكن، مثل باقي الإخوة باستثناء سيون، كانت تستطيع قراءة وكتابة الكلمات البسيطة والأرقام دون أخطاء.
و كانت سيسيل تتفحص الإعلانات المعلقة في ساحة السوق دون أن تفوت أيًّا منها. ثم ذهبت إلى القصر الذي كان يبحث عن خادمة تتراوح أعمارهن بين 12 و25 عامًا.
استقبلت سيسيل امرأةً عجوز عندما وصلت في منتصف الليل.
أجلستها العجوز وبدأت بطرح الأسئلة عليها عندما أخبرتها سيسيل بأنها تريد العمل كخادمة.
“كم عمركِ؟”
“……اثنتا عشرة سنة.”
“هل سبق لكِ العمل كخادمة؟”
“….…لا، لكنني سأبذل جهدي. أنا جادة.”
ترددت سيسيل قليلًا قبل أن تضيف،
“و ليس لدي مكانٌ أذهب إليه…….”
تأملت العجوز وجه سيسيل بصمت، ثم فتحت فمها لتتحدث.
“ارتاحي في غرفة النوم اليوم، وابدئي العمل صباح الغد.”
في القصر المكون من ثلاثة طوابق، كان يعيش الزوجان المسنان، والابنة التي تبنياها في كبرهما، والبستاني، والطاهي، بالإضافة إلى خادمتين غير سيسيل.
كانت سيسيل مسؤولةً بشكل أساسي عن تنظيف الطابق الثالث.
لم يكن العمل صعبًا. بل كان مرهقًا، لكنه بسيط.
كانت سيسيل تبدأ عملها كل يوم مع شروق الشمس. وبحلول غروب الشمس، كانت تنتهي من جميع المهام المطلوبة لذلك اليوم.
حين حلَّ الغسق، وقفت سيسيل في ممر الطابق الثالث، تحدق بلا هدف من النافذة.
تأملت السماء المحمرة قليلًا، ثم انهارت جالسةً على الأرض. و جمعت يديها لتغطي وجهها.
لقد اشتاقت لوالديها.
أرادت أن تعرف حال إخوتها، وكانت قلقةً بشأن سيون.
أرادت العودة إلى المنزل. فلم تتوقف دموعها لفترة طويلة.
ومضى عام منذ أن بدأت سيسيل العمل كخادمة في القصر الذي يملكه الزوجان المسنان.
وعندما بلغت الثالثة عشرة، حصلت على بعض المال الذي لم يكن مشمولًا في أجرها، بالإضافة إلى إجازة.
“لا تعودي حتى يحل المساء. إنه أمر. في مثل سنكِ، عليك أن تتعلمي كيف تقضين اليوم كله في اللعب…..”
قامت السيدة العجوز، صاحبة عمل سيسيل، بإخراجها من القصر في وقت مبكر من الصباح.
وجدت سيسيل نفسها خارج القصر دون أن تدرك، وشعرت بالضياع. فلم تكن تعرف ماذا تفعل حتى غروب الشمس.
وقفت متسمّرةً على جانب الطريق بالقرب من القصر. عندها، تذكّرت فجأة الوعد الذي قطعته مع سيون.
“إياكِ أن تعودي إلى المنزل. إياكِ. فهمتِ؟ لقد وعدتِ بذلك.”
ذلك الوعد الذي قطعته بأصابعها المتشابكة……
……ولكن، إلى متى تدوم صلاحية الوعد عادة؟
ترددت سيسيل قليلًا، ثم بدأت تتحرك ببطء نحو موقف العربات. و لم تعد إلى القصر إلا بعد مرور وقت طويل على غروب الشمس.
ألقت السيدة العجوز، عند رؤيتها عودة سيسيل في وقت متأخر من الليل، بجملة مقتضبة،
“ظننت أنكِ ذهبتِ إلى المنزل.”
وقفت سيسيل في مواجهتها، ممسكةً بطرف تنورتها بكلتا يديها بإحكام.
‘المنزل……’
عَضّت سيسيل شفتيها بقوة حتى لا تنفجر بالبكاء فورًا.
لقد ذهب الى المنزل. لا، بل إلى المكان الذي كان منزلها.
إلى الموقع الذي كان فيه المنزل……
التزمت سيسيل الصمت للحظة، ثم فتحت فمها مخاطبةً السيدة العجوز التي لم تغادر مكانها.
“لدي سؤال.”
“ما هو؟”
“أريد أن أبني قبرًا….”
“…….”
“بسبب الحريق، يجب أيضًا إزالة أنقاض المنزل المنهار……”
“…….”
“وأيضًا، أريد إقامة جنازة……كم من المال سأحتاج؟”
“سأرسل شخصًا إلى القصر غدًا.”
“لا، لا بأس. ليس الآن….”
“سأقرضكِ المال، فلا تقلقي.”
رمشت سيسيل بعينيها، ثم حدّقت في وجه السيدة العجوز بتمعن. و سرعان ما أصبحت رؤيتها ضبابية. انحنت سيسيل بعمق.
“……شكرًا لكِ. سأعمل بجد لسداد الدين.”
أزالت سيسيل أنقاض المنزل الذي التهمته النيران، وأقامت في ذلك المكان قبرًا لعائلتها.
قبل صنع التابوت، أقامت الجنازة بأفضل ما تستطيع وفقًا للأصول. و استغرقت عامين كاملين لسداد كل المال الذي اقترضته من السيدة العجوز.
فيذالخامسة عشرة.
و مؤخرًا، بدأت سيسيل تدّخر أجرها لهدف آخر.
بلغ عدد الرفات المدفونة في القبر الذي صنعته قبل عامين سبعة.
كان هناك واحد ناقص.
فأسرتها، باستثناء سيسيل، كانت تتألف من ثمانية أفراد.
لابد أن أحدهم لا يزال على قيد الحياة. كانت تأمل بشدة أن يكون كذلك.
أرادت سيسيل معرفة مصير آخر فرد متبقٍّ من عائلتها.
وبعد البحث، علمت بأن العاصمة لديها مكانٌ يُدعى نقابة المعلومات، حيث تُباع المعلومات كسلعة مقابل المال.
كانت تنوي الاستفادة من تلك النقابة، رغم أنها سمعت أن تكلفتها مرتفعةً للغاية.
فبدأت في جمع المال لهذا السبب.
“سيسيل!”
في أحد الأيام، بينما كانت سيسيل منهمكةً كالمعتاد في عملها كخادمة، اقتربت منها ابنة الزوجيْنِ بخطواتٍ مرحة.
“هل أنتِ مشغولةٌ هذا المساء؟”
كانت سيسيل تنظف زجاج النافذة في ممر الطابق الثالث، فوضعت قطعة القماش مؤقتًا على حافة الإطار، ثم نظرت إلى الفتاة التي كانت أقصر منها قليلًا.
اسم ابنة أصحاب القصر المتبنّاة كان دوروثي، وكانت تصغر سيسيل بعامين.
“لا، لست مشغولة.”
“إذاً، لنذهب معًا لمشاهدة المسرحية!”
“……مسرحية؟”
“نعم! لقد حصلتُ على تذكرة. قبل قليل، طلبتُ من أمي أن تذهب معي، لكنها قالت إنها ستكون مشغولة طوال اليوم، وأخبرتني أن أذهب معكِ بدلًا من ذلك.”
“…….”
“ستأتين، صحيح؟”
“متى تبدأ المسرحية؟”
ساهدت سيسيل المسرحية لأول مرة في حياتها. و كانت المسرحية، عاديةً فحسب.
لم تكن ممتعةً لدرجة أن تنغمس فيها وتفقد إحساسها بالوقت، لكنها أيضاً لم تكن مملة لدرجة أن تتساءل لماذا قد يدفع أحد المال لمشاهدتها.
بعد مشاهدة المسرحية، عادت سيسيل إلى القصر في حالتها المعتادة.
لكن حالة دوروثي كانت مختلفةً تماماً عن سيسيل. فمنذ خروجها من المسرح، لم تستطع إخفاء توهج وجهها المتحمس، وبمجرد وصولها إلى القصر، أعلنت فجأة،
“سأصبح ممثلةً مسرحية!”
تفاجأت سيسيل قليلاً، لكنها سرعان ما تقبلت الأمر.
لم لا؟ على أي حال، إعلان دوروثي لم يكن له أي علاقة بسيسيل.
……أو هكذا ظنت.
“سيسيل، ساعديني قليلاً.”
“ماذا؟”
“سأبدأ التدريب على التمثيل من اليوم. وللتدريب، أحتاج إلى شريك في التمثيل.”
“لا تقولي……”
“نعم! ستكونين شريكة التمثيل الخاصة بي! تعالي إلى هنا!”
وهكذا، وجدت سيسيل نفسها تُساق دون أن تدري إلى غرفة دوروثي، التي كانت تغمرها الحماسة بعد أن وجدت حلمها الجديد.
وبالمناسبة، لم يتدخل والدا دوروثي بالتبني، وتركوا لها حرية أخذ سيسيل معها. فلطالما كان الزوجان المسنان غير متدخلين فيما تفعله ابنتهما الوحيدة التي تبنياها في كبرهما.
“حسناً، سيسيل. نحن عاشقان، لكن علينا أن نفترق بسبب رفض عائلتينا.”
وقفت دوروثي في وسط غرفتها، وضعت سيسيل في مواجهتها، ثم تحدثت بجدية واضحة.
“سأكون أنا الفتاة. إذاً، لنبدأ.”
“….…حسناً.”
تنحنحت دوروثي قليلاً، ثم بدأت بأداء دورها بحماس شديد،
“أوه، سيسيليو!”
“….…”
“لا أريد أن أفترق عنك، حبي الأبدي!”
“وأنا أيضاً لا أريد أن أفترق عنكِ.”
“لا، سيسيل! لا يمكنكِ فعل ذلك هكذا!”
“ماذا؟”
“لسنا في لقاءٍ أو اجتماع كيف يمكنكِ قراءة النص وكأنكِ تقرئينه من كتاب؟ هذا جامد وممل للغاية!”
“…….”
“حاولي التحدث وكأنك سيسيليو الحقيقي.”
“لكنني لا أعرف أي شخص اسمه سيسيليو.”
“أوه، يا لكِ من بطيئة الفهم! سيسيليو مجرد اسم! ما أعنيه هو أن تحاولي تقليد رجل عاشق بطريقة مقنعة.”
رجل لديه امرأة يحبها……تقليد……
غرقت سيسيل في التفكير، فتذكرت المسرحية التي شاهدتها اليوم، حيث كان هناك رجل يعشق محبوبته بجنون.
وبعد أن أنهت تفكيرها، فتحت فمها وقالت،
“حسناً، سأحاول أن أكون مثل سيسيليو.”
كانت لدى سيسيل موهبةٌ غير متوقعة.
“سيسيل؟ هل أنتِ بارعةٌ في التمثيل؟”
“لستُ بارعةً في التمثيل، بل أستطيع تقليد الآخرين بدقة.”
“أليس هذا نفس الشيء؟”
“أليس هناك فرق؟”
“على أي حال، أرينا ما لديكِ أيضاً! جربي تقليد دوروثي!”
في اليوم الذي اكتُشفت فيه موهبة سيسيل لأول مرة، و بدأت دوروثي تطلب منها القيام بهذا وذاك.
“قلّدي هذا الدور من المسرحية، وذاك الدور أيضاً، حاولي تقليد أمي وأبي، تحدثي وتصرفي تماماً مثل البستاني……”
نفّذت سيسيل كل ذلك بنجاح، وبعد بضعة أيام، بدأت في استقبال الزوار الذين يأتون إلى القصر.
“لن أطلب منكِ مجرد العرض فحسب، سأدفع مقابل مشاهدته.”
_________________________
العب سيسيل طلعت ممثله
شكل زوجها يحبها صح؟ وناسه كم كوبل فلح قبل الابطال هنا
المهم دوروثي ذي مره دلوعه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 124"