مع التدخل المفاجئ لقوات إمبراطورية كلاديف، وقصف بيلوز، ثم الهجوم الذي شنّه بعدها مباشرة مقاومو باسبور، فقدت القوات الحكومية لجمهورية ليانغ – وهو الاسم الرسمي الجديد للجيش الثوري السابق – معظم الكوميونات في منطقة بيلوز لصالح المقاومة ولم يبقَ في أيدي القوات الحكومية سوى خمس كوميونات دُمّرت تمامًا.
[ “الكوميونات” تعني المناطق أو البلدات الصغيرة ضمن ليانغ، والتي تأثرت بالحرب والصراع العسكري.]
أرجع الخبراء العسكريون سبب استهداف قوات كلاديف الإمبراطورية لقصف بيلوز بدلاً من رُوييه، التي كانت مركزًا للقوات الحكومية، إلى غياب الحاجز الواقي.
بمعنى آخر، بما أن رُوييه كانت مقرًّا للقوات، فقد كان المجال الجوي فوقها محميًّا بحاجز، مما يجعل من المستحيل تقييم القوة الحقيقية لسلاحهم الجديد “سونتيه” عند استخدامه هناك. ولذلك، اختاروا بيلوز الشرقية، وهي منطقة مدنية تقع عند حدود رُوييه، حيث لا توجد أي عوائق تمنعهم من مراقبة التأثير المباشر لقوتهم النارية، كما أن استهدافها من شأنه أن يبثّ الرعب في صفوف القوات الحكومية.
وبالتالي، فإنّ خمس كوميونات، بما في ذلك فيردوا ودينان، سقطت في جحيم من النيران على مدى يومين فقط لمجرّد وقوعها بالقرب من حدود رُوييه.
ورغم أن المنطقة كانت ساحة معركة رئيسية، فإن شنّ قصف بهذا الحجم على منطقة سكنية مدنية يُعدّ انتهاكًا صارخًا لاتفاقية “آشبرج”، التي تنصّ على أن “على الجيوش أن تبذل قصارى جهدها لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين أثناء العمليات العسكرية”.
وعلى إثر ذلك، أصدر كلٌّ من ملك ورئيس وزراء مملكة فالتريا، وهي الدولة الراعية لهذه الاتفاقية، بيانات رسمية تدين هذه المجازر، وأعلنا دعمهما لحكومة جمهورية ليانغ.
وفي الوقت ذاته، أُعلن رسميًا عن تدخل جمهورية ويستيريا في الحرب الأهلية في باسبور.
⚜ ⚜ ⚜
هل يُمكن اعتبار هذا بُعد نظر؟
جلست آنيس على الأريكة في غرفة المعيشة الصغيرة، تراقب ليونارد وهو يحمل ماري النائمة بعناية إلى الغرفة الصغيرة.
بعد أن اختفى خلف الباب، مرّرت يدها برفق على سطح الأريكة، فوجدت بعض الغبار العالق على أطراف أصابعها، لكنه لم يكن كثيرًا.
على الأقل، لم تذهب جهودها في تنظيف المكان من حين لآخر سُدى.
بعد خروج ماري من المستشفى، توجهت آنيس وليونارد معها إلى سانت كوردي.
تُعد سانت كوردي إحدى الكوميونات التابعة لرُوييه، وهي مدينة صغيرة تقع بين رُميز، حيث مقرّ حكومة المدينة، وبارديش، التي أصبحت مركز القتال الجديد بعد القصف.
لم يكن الأمر مخططًا له مسبقًا تحسبًا لمثل هذا السيناريو، لكن آنيس كانت قد اشترت سابقًا طابقًا بأكمله في أحد المنازل المستقلة في هذه المدينة، قبل أن تقرر الاستقرار في دينان.
واتفق الثلاثة على البقاء هناك لبعض الوقت.
ثلاثة أشخاص، إذًا.
كانت آنيس تدرك تمامًا أن الوضع يبدو غريبًا لم يكن من المنطقي أبدًا أن تعيش مع ليونارد تحت سقف واحد، خاصة أنهما لم يكونا أشقاء، ولا متزوجين، ولا حتى عشاقًا، بل مجرد رجل وامرأة يعيشان مع طفلة ليس لها أي صلة دم بهما.
والأكثر غرابة أن صاحبة الفكرة كانت هي نفسها!
لكن في النهاية، لم يكونوا يعيشون في عالم عادي، ولم تكن الأوضاع طبيعية أصلًا.
لقد عمّت الفوضى أنحاء إيلداني بعد قصف بيلوز ازدادت أعداد اللاجئين المتجهين نحو الجنوب والشرق والغرب، مما أدى إلى شلل تام في المواصلات، بل حتى أولئك الذين كانوا يراقبون الحرب الأهلية كأنها مجرّد عرضٍ بعيد، بدأوا يشعرون بالخوف.
أما القلة التي نجت من المجازر في خمس كوميونات مدمّرة، فقد فقدت منازلها وعائلاتها وأصدقاءها وكل ممتلكاتها، ولم تجد حتى الآن مأوى يحميها من قسوة الحياة.
ومع ذلك، كان الناجون الأربعة من دينان – بمن فيهم ماري – من المحظوظين فقد تمكن اثنان منهم من اللجوء إلى منازل أقاربهم في مدن أخرى، بينما وفرت إحدى الشركات في رُميز المأوى والمساعدة لأحدهم بعد سماع قصته أما بالنسبة إلى ماري…
“أليس من الأفضل إيداعها في إحدى المنشآت المختصة؟”
هذا ما قاله فيليب عندما زار المستشفى حيث كانت آنيس تعتني بالطفلة لم يكن ما قاله خاطئًا تمامًا، لكن الحقيقة هي أن دور الرعاية في ليانغ كانت تعاني من إهمال حكومي طويل الأمد، مما جعل العثور على مؤسسة مناسبة أمرًا في غاية الصعوبة.
والأسوأ من ذلك أن الوضع الحالي في البلاد جعل من المستحيل إيجاد مأوى جيد في وقت قصير.
ومع ذلك، فإن اقتراح فيليب لم يكن يهدف إلى البحث عن ملجأ جيد لها، بل كان يعني ببساطة “سلميها لأي مسؤول حكومي ليتولى أمرها”.
لكن آنيس، التي رأت بأم عينها مئات الأطفال الأيتام وهم يهيمون في الشوارع أثناء عملها مع المدنيين في باسبور، كانت تعرف تمامًا أن هؤلاء الأطفال لم يتلقوا أي دعم حقيقي من الحكومة.
حتى أولئك الذين حالفهم الحظ وحصلوا على مكان في دار رعاية لم يكونوا بالضرورة في وضع أفضل.
إذا فكرت بالأمر من هذا المنظور، فإن مجرد العثور على مؤسسة ترعاها كان بحد ذاته “حظًا جيدًا” بالنسبة لماري.
لكن…
لكن هذه الطفلة هي ماري بلانك أخت مارسيل بلانك.
بالطبع، هذا لا يجعل ماري طفلة مميزة أكثر من غيرها، لكنها كانت كذلك بالنسبة لآنيس وليونارد على الأقل.
لم يكن للأخوين بلانك أقارب، وبالنسبة لماري، التي نشأت وترعرعت في عالمها الصغير داخل دينان، كان هذان الشخصان هما كل من تبقى لها من “معارف”.
لم تكن آنيس تريد التخلي عنها بسهولة وتركها لشخص آخر، خاصة أنها كانت الأخت الوحيدة لصديق قديم لها.
وبينما فكرت آنيس ولو للحظة في خيار إيداع ماري في دار رعاية، لم يكن لدى ليونارد أي تردد في رفض ذلك تمامًا بمجرد أن نقلت إليه كلام فيليب، بل غضب بشدة.
آنيس تفهمت موقفه، إذ كانت تدرك جيدًا مع من كان يقارن ليونارد الطفلة، لكن مجرد التفكير في ذلك كان يفوق قدرتها على الاحتمال.
“لدي منزل في سانت كوردي، اشتريته سابقًا إذا لم يكن لديك مانع…”
وبهذا انتهى بها الأمر إلى تقديم عرض غير مباشر لليونارد بأن يعيشوا معًا لتربية ماري.
لم تقلها بصريح العبارة، لكنها كانت تعني ذلك بكل وضوح.
للحظة، شعرت أنها فقدت عقلها تمامًا.
هل كانت شديدة الحزن؟ أم شديدة الإرهاق؟ أم أنها وصلت إلى حد الاشمئزاز من كل شيء؟ لا يهم، لكنها قالت شيئًا ما لم يكن عقلها السليم ليسمح لها بقوله ولو كان ليونارد في كامل وعيه، لكان من المفترض أن يعتبرها مجنونة.
“إذا كنتِ تسمحين، فسأكون ممتنًا لك.”
وهكذا، انتهى الأمر باثنين فقدا صوابهما إلى اتخاذ هذا القرار، الذي بدى لهما وكأنه أفضل ما يمكن فعله.
“آنسة آنيس، هل أنتِ متأكدة من هذا؟”
فيليب، في الواقع، كان يريد أن يسألها مباشرةً: “هل جننتِ؟” لكن خطأه كان في أنه لم يدرك مشاعر آنيس تجاه ماري – أو بالأحرى، تجاه شقيقها الراحل، مارسيل – عندما اقترح إيداعها في دار رعاية.
في الظاهر، كان يسأل إن كانت موافقة على العيش تحت سقف واحد مع ليونارد، لكنها تجنبت هذا الجزء من النقاش تمامًا، مؤكدة أنها “ترغب في رعاية أخت صديق مقرب لها”.
وهكذا، بمجرد حصولها على إذن بخروج ماري من المستشفى، غادرت مع ليونارد متوجهين إلى سانت كوردي، وكان ذلك اليوم هو أول يوم لهم هناك.
في ظل هذه الظروف، لم يكن الوضع الاجتماعي طبيعيًا أو مناسبًا بما يكفي ليثير القيل والقال حول رجل وامرأة بالغين يعيشان مع طفلة لا تمت لهما بصلة.
حتى صاحبة المنزل، التي كانت تعيش في الطابق الأول من المبنى وتؤجر الطابق الثاني، لم تعلق بشيء سلبي عند معرفتها بقصتهم، بل أمسكت بيد ماري الصغيرة بحنان، متأثرة بما مرت به ولم يكن الأمر أنها “لم تكن تعرف من هي آنيس”، بل ربما لأنها “كانت تعرفها جيدًا”، مما جعلها تفهم الوضع بشكل أعمق.
استرجعت آنيس هذا الموقف بابتسامة ساخرة وهي لا تزال جالسة في غرفة المعيشة، حين خرج ليونارد بهدوء من الغرفة التي كانت ماري نائمة فيها.
عالم لم يعد يخضع للمنطق… أشخاص فقدوا عقولهم تمامًا.
وفي هذا العالم، ربما كانا هما الاثنان أكثرهم جنونًا.
التقت نظراتهما للحظة، ثم كانت آنيس أول من صرف بصره بعيدًا لكنها كانت أيضًا أول من تحدث.
“هل يمكننا التحدث قليلاً؟ قبل أن تستيقظ ماري.”
“بالطبع.”
جلس ليونارد على الأريكة المقابلة لها كان الأثاث الصغير المزهر في الغرفة، الذي جاء مع المنزل، لا يتناسب مع هيئته، لكن لم يكن هناك وقت للانشغال بالتفاصيل غير المهمة كان هناك الكثير من الأمور الأكثر إلحاحًا.
على سبيل المثال، ماذا بعد؟
لقد قرروا البقاء معًا، لكن ذلك لم يكن سوى “إجراء مؤقت” لم يكن من الممكن أن يستمر هذا الوضع إلى الأبد.
حتى لو اقترحت عليه العيش معًا، لم يكن ذلك يعني أن مخاوفها قد تلاشت على العكس، كان لديها الآن مخاوف أكبر، مثل: “ماذا لو اكتشف أحد رفاقها أنها تعيش مع شخص آخر؟ وماذا لو بدأوا يتساءلون عن هويته؟”
رغم أن بقاء ليونارد “أمام أعينها” بدا أكثر أمانًا من تركه يواجه المجهول، إلا أنها كانت لا تزال تتمنى، قبل أي شيء آخر، أن يكون بخير.
كان ليونارد قد أكد مرارًا وتكرارًا أنه “لن يغادر باسبور”، لكن الأمور لم تعد كما كانت.
الآن، هناك ماري.
لم يكن من المنطقي إبقاء الطفلة في هذا المكان الخطير ربما، وربما فقط، كان ليونارد قد بدأ يفكر في مغادرة باسبور، أو حتى ليانغ بأكملها، من أجل تأمين حياة آمنة لماري.
لكن…
“ما زلتَ مصممًا على عدم مغادرة باسبور؟ إذا كنتَ تنوي الاستمرار في رعاية ماري، فمن الأفضل أن تجد مكانًا أكثر أمانًا…”
“إذا ساءت الأمور، فأنا واثق أنكِ ستعتنين بها أما أنا، فلن أغادر باسبور.”
صوته كان حازمًا، لدرجة جعلتها تتساءل ما إذا كان يرى في ماري صورةً لأطفاله الراحلين.
كان ينظر إليها بثبات، وعيناه الرماديتان تتوهجان بعزم لا يتزعزع.
“حتى لو متُّ، سأموت هنا… سأبقى حتى النهاية، وسأكرس حياتي لمساعدة أهل هذا المكان.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 32"