استفاقت “آنيس بلمارتييه” بعد غيبوبة استمرت أسبوعًا، وتعافت بسرعة فرح كثير من المواطنين بخبر شفائها، لكن سكان “سين” الذين كانوا يعتقدون يقينًا أنها تعود إليهم بلا شك، لم يخفوا مشاعر خيبة الأمل عندما أكدت مجددًا أمام الصحفيين أنها لا تنوي العودة إلى “سين”.
حاول “فيليب” إقناع “آنيس” بالعودة إلى “سين” بشتى الوسائل، لكنه لم ينجح في ذلك صحيح أنه كان يملك نقطة ضعف سحرية قادرة على جعلها تنصاع لرغباته، لكنه لم يكن ليصل إلى حد ابتزازها بها على الأقل، كان يريد أن يتصرف بشرف معها.
وأخيرًا، وبعد أيام قليلة، حصلت “آنيس” على إذن بالخروج من المستشفى—أو بالأحرى، نصحها الأطباء بالبقاء لكنها أصرت على المغادرة—فعادت فورًا إلى “دينان” استقبلها سكان “دينان” بفرح شديد كما لو أن حربًا أهلية قد انتهت، وتناوبوا على زيارتها محملين بالهدايا رغم تواضع أحوالهم المعيشية، مما جعلها تشعر بالحرج وتضطر لقضاء يوم كامل في الاعتذار ومحاولة رد الهدايا ولكن لحسن الحظ، تدخلت “ماري” في منتصف اليوم قائلة: “الطبيبه لن تحتفظ إلا بالهدايا التي أعطيتها لها أنا!”، مما جعل الأمر أكثر احتمالًا.
ومع ذلك، طوال ذلك اليوم وحتى غروب الشمس، لم يأتِ “ليونارد” لرؤيتها ولو مرة واحدة.
⚜ ⚜ ⚜
بعد انتهاء الزيارات، بفضل تدخل السيدة “بروني” التي قالت: “أوه، حتى الطبيب يحتاج إلى الراحة!”، وجدت “آنيس” نفسها جالسة بمفردها، تشعر وكأنها مذنبة تنتظر النطق بالعقوبة لم تكن تملك القوة لفعل أي شيء آخر، ولم تستطع النوم لأنها لم تكن تعلم متى سيأتي.
وبعد ساعات من العذاب الهادئ، جاء “ليونارد” إلى منزلها في وقت متأخر من الليل وبما أن بيتها كان أيضًا مستشفىً، فقد ظل بابه مفتوحًا حتى منتصف الليل، لذا دخل مباشرة دون أن يطرق الباب، ووقف عند المدخل مستندًا إلى الحائط. أدركت “آنيس” أنه لا مفر من هذه المواجهة، فدفعت الكرسي الذي كانت تجلس عليه ونهضت ببطء.
“لا بد أنك تود أن تقول لي شيئًا، أليس كذلك؟”
“أعتقد أن جلالتك هو من لديه كلام ليقوله.”
لقد رفضت حتى اللحظة الأخيرة أن تعترف بالأمر بنفسها زفر “ليونارد” أنفاسه بنفاد صبر، ثم قال بنبرة حملت مرارةً أعمق مما كانت عليه في أي حديث سابق بينهما:
“لماذا لم تقولي الحقيقة؟”
“لأنها ليست سوى مبررات لا أكثر.”
“هل تسمي ما فعلته من أجل إنقاذ عائلتي مجرد مبررات؟”
“لم أدفع رشوة للحراس لإنقاذ عائلتك، ولم أحاول البحث عن الممر السري في البرج الشرقي كل ما فعلته هو أنني عارضت القرار مرارًا وتكرارًا، لكن ذلك لم يكن ذا جدوى فكيف لي أن أدّعي أنني حاولت إنقاذهم؟”
تحدثت “آنيس” بهدوء كما لو أنها كانت تستعد منذ زمن بعيد لقول هذه الكلمات.
“لا أريد أن أكون شخصًا وضيعًا وجبانًا إلى هذا الحد، يا جلالة الملك.”
كتم “ليونارد” رغبته في سؤالها: هل كان أن تكوني “وضيعة” قليلًا أهون عليكِ من أن تتحملي كراهيتي؟ لكنه كبح جماح نفسه.
كان بإمكانه تحمل كل شيء الآن، لأنه بات يعلم يعلم أنها “آنيس بلمارتييه” نفسها التي عرفها، وأنها عارضت القرار، وأنها رغم إنكارها، بذلت أقصى جهدها لإنقاذهم.
لذلك، لم يبقَ لديه سوى سؤال واحد:
“لماذا… عارضتِ القرار؟”
“لأنني كنت أؤمن أنه ليس من العدل.”
اتسعت عينا “ليونارد” قليلًا لقد كانت هذه هي الكلمات التي تمنى لو يسمعها ولو مرة واحدة من أي شخص لم يكن يهمه من يقولها، لكنه لم يتوقع أبدًا أن يسمعها منها هي شعر أن علاقتهما أصبحت أكثر تعقيدًا مما تصور، بينما عضّت “آنيس” على شفتيها وتابعت حديثها:
“كنت أؤمن بأننا خلقنا عالمًا لا يُقتل فيه الأبرياء ظلمًا لكن الواقع كان عكس ذلك وحتى لو كان الشخص مذنبًا…”
حتى لو كان “أنطوان الثالث عشر” أو “الأمير الوريث هنري”.
“يا جلالة الملك… لم أتمنَ أبدًا موت أحد بهذه الطريقة.”
كان من المستحيل أن يُقتل إنسان دون محاكمة عادلة، فقط لأنه وُلِد ملكيًا في تلك الليلة المشؤومة، لم يكن هناك سجناء محكوم عليهم بالإعدام في البرج الشرقي لقد قررت الحكومة الجمهورية قتلهم لمجرد أنهم قد يشكلون خطرًا في المستقبل كان الحقد يعمي أبصار الجنود الذين نفذوا الإعدام كان كل شيء انتقامًا دمويًا، وليس تنفيذًا لقانون عادل.
“حتى لو كان ذلك الأمير الوريث نفسه.”
حتى لو كان هو الرجل الذي تسبب في مقتل والدها وأخيها، فإنها لم تستطع تمني مثل هذا الموت له لا تزال تتذكر الجندي الذي خرج مغطى بالدماء بعد تنفيذ الإعدام، والذي قال لها بابتسامة فخر: “لقد صوبتُ أكبر عدد من الطلقات نحو الأمير هنري لقد ثأرتُ لعائلتكِ!”.
في تلك اللحظة، كانت تفوح منه رائحة الدم، وكانت يديه الملطختان به تترك أثرًا على ملابسها السوداء كيف يمكن لشخص أن يقول ذلك بكل هذا الفرح؟ كيف؟
وبينما اجتاحها طيف تلك الذكرى، انهارت قدماها فجأة أسرع “ليونارد” ليمسك بها، لكنه لم يكن سريعًا كفاية كان يمكنه دعمها بطريقة مختلفة، لكن انتهى به الأمر وهو يمسك ذراعيها بكلتي يديه، قريبًا جدًا منها، حتى كادت وجوههما تلامس بعضها ابتلع أنفاسه في دهشة، بينما احمرّ وجه “آنيس” وحاولت التراجع، لكن بسبب توتره، لم يكن قادرًا على تركها.
“أنا بخير، جلالتك. رجاءً، دعني.”
“ألا تجدينه أمرًا غريبًا؟”
“ماذا تقصد؟”
“أنكِ ما زلتِ تنادينني جلالتك.”
قال ذلك، ثم أمسك بيديها وألقاهما حول عنقه قبل أن يحملها ويمضي بها نحو السرير لم يقل أي شيء آخر، كما لو أنه كان ينتظر إجابة منها.
لكن “آنيس” كانت مرتبكة شعرت بسخونة جسده من خلال ذراعيها، فعضّت على شفتيها كي لا تسترخي بين يديه أما “ليونارد”، فقد شعر بأنفاسها المضطربة عند عنقه، وكاد أن يفقد السيطرة للحظة، لكنه تمالك نفسه ووضعها بهدوء على السرير حينها، همست بصوت خافت:
“كنتُ أتمنى أن يأتي اليوم الذي لا أضطر فيه لمناداتك هكذا.”
“ألا تظنين أنه قد أتى بالفعل؟”
“لا أعلم… هل أتى حقًا؟”
نظر إليها “ليونارد” دون إجابة كان يجهل ما إذا كان العالم قد تغيّر حقًا أم لا، لكنه لم يعد متأكدًا مما كان يسعى إليه طوال هذا الوقت.
وأخيرًا، نطق باسمها:
“آنيس.”
“نعم، جلالتك؟”
“آنيس…”
لكنه لم يجرؤ أبدًا على طلب ما كان يرغب فيه حقًا.
دفع بالسؤال الذي لم يستطع طرحه إلى أعماق حلقه، وردد اسمها مرارًا وظلّ الاثنان صامتين دون تبادل أي حديث حتى غرقت آنيس في النوم تحت تأثير الدواء.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"