0
| مدخــــل |
______
عندما تغلق الأبواب في وجهك، ابحث عن النافذة.
______
لم تكن الحياة يومًا لطيفة مع جوهان، فعندما كان في السابعة وجد نفسه في الشارع، طفلًا لم يذق الفقر من قبل فجأة ألُقيّ به في قلبه، حذاؤه الأنيق ذو الشريطة البنيَّة، عيناه البريئتان وسذاجة زرعها فيه الرخاء الذي لطالمَّا أحاط به، كلها لم تساعده على فهم مَعالِم عالمه الجديد، سبعة سنوات نديّة بعدها سُحِب من أسفله البساط فسقط على وجهه، والآن في لحظة بدت له حياته السابقة بأكملها كحُلمٍ جميل استيقظ منه بصفعة قاسيَّة، صفعة تلقاها من رجلٍ كان أول من نعته بـ”المشرد” حينها أخيرًا وبعد مُضيّ ما يقارب الشهرين على وفاة والديه، بكى جوهان.
سبع سنوات أخرى، وصار جوهان شخصًا آخر، فهم قوانين الشارع جيدًا ولم يعد ضعيفًا كما السابق، غادرت الدموع محجريه منذ زمن، وبدأ في شق طريقه، علم نفسه بنفسه، لم يرتد أي مدرسة ورغم ذلك لم يكن متأخرًا في دراسته، بل بالعكس متفوقًا فيها، فقد كان يتعلم من أجل العلم نفسه وليس من أجل الحصول على درجة تؤهله لدخول جامعة مرموقة، تلك التي ستمنحه وظيفة الأحلام التي ستفضي به للزواج من فتاة بارعة الجمال ليعيش في كنف الرخاء مع طفلٍ لطيفٍ يشبهه، كان جوهان يكره هذه الفكرة المبتذلة ويحارب من أجل أن يصير ما يريده، ما يمليه عليه شغفه وما يعلم يقينًا أن نفسه لن تستكين لسواه!
ما بين أعمال جزئيَّة مُهلِكة ذات أجر قليل، ودروس ليلية أسفل أنوار المحلات، سطرًا بسطر، كتابًا بكتاب، كان جوهان يتسلق سُلم المجد دون أن يدريّ. في عمر السابعة عشر اكتشف جوهان أنه قد قرأ كل الكتب الموجودة في المكتبة الصغيرة التي اعتاد إرتيادها منذ سنوات، وقرر أن يبحث عن مكتبة أخرى، أكبر حجمًا ولا تحتاج لبطاقة عضويَّة لإرتيادها وعندما عثر على واحدة رسم على وجهه ابتسامة كبيرة ثم دلف بهدوء عبر بابها السحاب.
لفحه هواء التكيف البارد فأخذ نفسًا عميقًا، تجمدت أطرافه، ولم يستطع الرمش، كان ما يراه ودون مبالغة- أجمل مشهدٍ مر عليه في حياته، مئات بل الآلاف من الكتب وزعت في أرفف فاخرة احتلت ثلاثة طوابق بالكامل، طاولات فرديَّة، ثنائيَّة، أخرى بحواسيب، ومقهى صغير يقدم بعض المشروبات الدافِئة، مجموعة من الأطفال الصغار تجمعوا حول فتاة في المرحلة الثانويَّة تقرأ عليهم قصة، والكثير من الطلاب الجامعيين الذين يدرسون بجد. امتزجت رائِحة الكتب بعبق القهوة فظل –دون أن يشعرـ يعبُها في رئتيه عبًا.
تحركت قدماه قبل عقله لتأخذه في جولة حول المكان، كان مُندهشًا، وفاغر الفاه كطفل يزور عالم ديزني للمرة الأولى في حياته، مرر إصبعه على هوامش الكتب، جرب الجلوس على الكراسي المحشوة، بل تكور بداخل إحدى المقاعد على شكل أرجوحة تدلت السقف.
‘إنها جنة!’ هكذا حدث نفسه بسعادة وقد كاد يقهقه، سرعان ما كشر بمعاتبة: ‘فكيف له أن لا يجرب الدخول لمثلها من قبل؟’ سأل نفسه، رغم أنه كان يعلم الجواب، فهو كان يكره تلك النظرات التيّ تلقى ناحيته كلما دخل مكانًا كان من الواضح أنه لا ينتميّ له، ولكنه مؤخرًا وبعد حصوله على عمله الجزئي الجديد استطاع شراء قميصين إضافيين والحصول على قصة شعر لا بأس بها مما زاد من مخزون ثقته بنفسه قليلًا، فمهما تظاهر باللا مبالاة كانت نظرات الشفقة تلك تحز في كبريائه كسكين حادة.
وحتى هذه اللحظة لم يكن مرتاحًا بالكامل لتواجده في مثل هذه الأماكن ولكن دهشته قد أنسته كل شيء، بالتأكيد إلى حين ناداه صوت فجأة:
– عذرًا أتبحث عن شيءٍ معين؟
ارتعد جوهان في مكانه حين رأى الموظف الأنيق في زيه الأسود، ظل يرمش نحوه دون إجابة وقد أيقن تمامًا أنه أتى لطرده، فكثيرًا ما سمع هذا السؤال الذي يحمل طلبًا ضمنيًا: هل لك أن ترحل من هنا؟
لهذا تنحنح من مكانه لينهض منكس الرأس وقد تحولت جنته إلى جحيمٍ في لحظة، نهض من على الأرجوحة ليقول بصوتٍ خافت:
ــ لا، لا شيء.
تفاجَأ حين أمسكه الموظف من ذراعه ليلتفت ناحيته مستغربًا بينما كان الآخر مبتسمًا ومميلًا رأسه كطائر فضولي، سأله: “هل هذه المرة الأولى التي تأتي فيها هنا؟”
عقد جوهان حاجبيه وكاد أن يتجاهله ويذهب، لكن قبضته كانت محكمة، قويَّة ولكن ليست قاسية.
ـ أجل.
أجابه بتردد، وقد أُخِذ للحظة ببريق عيني مخاطبه، كانتا بلون تركوازيٍ عميق، يشعرك بأنك تسبح في أعماق المحيط، شعره ذهبي خُبئ بعنايَّة خلف قبعة تحمل علامة المكتبة. حرفيّ دبليو وإس بالأحمر الداكن.
ابتسم الموظف من فوره وقال: “جيد، إذًا هناك ما أود أن أريك إياه!”
لم يعرف جوهان بماذا يجيب عليه فترك نفسه يُقاد عبر الممرات حتى توقفا أمام قسمٍ في زاوية عمياء، أمامه تواجد المقهى الصغير، كان القسم عبارة عن أرفف بيضاء قصيرة فوق جميعها سماعات كبيرة بيضاء من ماركة بيتز وجي بي إل التجارية، بعض الشبان كان يهمهمون معها وآخرون متجمهرون أمام أحدث إصدارات الفرق المشهورة.
أشار للمكان من حوله بفخر: “إنه قسمنا الجديد، ستجد كل أنواع الموسيقى، باخ، موزارت، البيتلز، ألبومات أديل، جاستن بيبر-“
-هنا أدار عينيه بضجر-
“وأنا شخصيًا أفضل مقطوعات يانيّ كلما واتتني فرصة للتهرب من العمل أتيتُ إلى هذا الركن، آه هناك قائمة أمام كل رف توضح لك ما يوجد في كل قسم.”
أحس الشاب بنفسه قد ثرثر كثيرًا فنظر نحو جوهان وابتسم: “حسنًا، إن كان لديك أيّ استفسار ستجدني في قسم الروايات البوليسية، وآه عليك أن تجرب الموكاشينو الذي يقدمه المقهى، إنه رائع!”
أضاف الأخيرة بحماس فما كان من جوهان إلا أن يهز رأسه بغباء، فهو ما يزال لا يفهم ما يحدث هنا.
“أراكَ لاحقًا.” قال له الشاب بمرح ثم اِتَّجه نحو السلالم الكهربائيَّة ليعود إلى قسمه. وقبل أن يغادر تمكن جوهان من أن يلمح اسمه في بطاقة التعريف الملصقة على قميصه الأسود.
بيندكت ماتشيزن.
شخص غريب للغايَّة، هكذا حدث نفسه ثم هز كتفيه بلا إكتراث، على الأقل كان لطيفًا معه رغم كونه ليس مولعًا بالموسيقى كثيرًا أو بالأحرى لم تمنحه الحياة من الرفاهية ما يكفيّ لمثل هذه الأشياء، فكان في غالب الأحيان يقضيّ وقته في العمل أو الدراسة، وفي أحيانًا نادرة يكافئ نفسه بشرب كوب قهوة تركية في أحد المقاهي في نهايَّة الشارع بينما يقرأ في روايةٍ ما.
ولكن بما أنه هنا الآن لا بأس من الإستماع لبعضها، هكذا فكر بينما خطى بخطوات مترددة ناحية أحد الرفوف، مقطوعات كلاسيكيَّة. مرر عينيه على القائِمة وما إن رأى مقطوعة بعنوان – نستولجيا – لقائد الأوركسترا الشهير يانيّ حتى توقف عندها، ارتدى السماعات ثم قام بتشغيلها، ولنقل أن حياة جوهان تغيرت منذ تلك اللحظة.
…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 0 - Prologue 2025-10-11
التعليقات لهذا الفصل " 0"