‘…على أي حال، التعويذة ستنتهي.’
أكملت ماريان تفكيرها وفتحت فمها مجددًا.
“حسنًا، إذن، نادني أنت أولاً بما يريحك، وسأناديك، إن لم تشعر بأنه مناسبًا، سأناديك بشكل أكثر راحة قليلاً.”
لمعت عينا سيلفستر عند سماع كلام ماريان.
“…الأمينة ماريان؟”
“…”
“الآنسة ماريان؟”
اختفت الجرأة السابقة من سيلفستر، ونقل نظره بحذر من عيني ماريان إلى حاجبيها، وتحدث.
“نعم، القائد سيل-سيلفستر.”
“…يجب أن نكون متساويين.”
تنهدت ماريان، نظرت حولها للحظة، ثم اقتربت قليلاً من سيلفستر، كمن اهمس بسر.
“…السيد سيلفستر.”
همست ماريان بحرج، وهي تخفض نظرها إلى طرف ذقن سيلفستر.
“الآن، يجب أن أعود إلى المكتبة.”
“إذا لم يكن ذلك إزعاجًا، هل يمكنني مرافقتكِ؟”
سأل سيلفستر مبتسمًا بلطف، بدلاً من الإجابة، أومأت ماريان برأسها ببطء.
“في الطريق، هل نتحدث عن الأشياء التي نحبّها؟، لقد قلتُ إنني سأخبركِ بشيء عني كل يوم.”
“…نعم.”
تقابلت أعينهما، التي كانت تنظر إلى حاجبي وذقن بعضهما، مجددًا، وفي الوقت ذاته، تسرب ضحك خفيف من فميهما.
كانت شمس الظهيرة الدافئة والنسيم المريح لا يزالان يحيطان بهما في تلك اللحظة.
* * *
“لم يحدث شيء غريب، أليس كذلك؟”
“لا، لا شيء.”
أجابت ماريان على سؤال بيتر، جاء بيتر وإيرينا في موعد انتهاء دوام ماريان، وتنهدا قائلين إنهما لم يتوقعا أن يأتي سيلفستر قبل وقت الغداء، وبالملابس العادية، لزيارتها.
“أمم أنتما…”
نظرت ماريان إلى تعبيري الساحرين، إيرينا وبيتر، ثم فتحت فمها مجددًا.
“لا داعي للقلق كثيرًا.”
“…حقًا؟”
سأل بيتر، ووجهه لا يزال يحمل القلق.
“حسنًا، لا أعتقد أنني سأكون في خطر أو في موقف محرج، لذا، لا حاجة لتخصيص وقت لمراقبته…”
“كلامك يحمل نوعًا من الثقة الغريبة، يبدو أنكِ اقتربتِ من القائد كثيرًا.”
قالت إيرينا وهي تنظر إلى ماريان بعينين متقلصتين.
“لا، ليس الأمر كذلك، فقط… نوع من الثقة ينشأ بين أشخاص الذين يتشاركون الأسرار، هذا كل شيء.”
تلعثمت ماريان، لمعت عينا بيتر الفضوليتان، لكنه، لحسن الحظ، لم يستفسر أكثر.
“حسنًا، لن نتبع الماركيز دون داعٍ بعد الآن.”
قالت إيرينا بعد تفكير لحظة، ثم أضافت.
“لكننا سنزوركِ مرة واحدة يوميًا، فإذا لاحظتِ شيئًا غريبًا أو مزعجًا، أخبرينا بحرية.”
“حسنًا، سأفعل.”
أجابت ماريان.
“بالمناسبة، لقد بدأنا بحثًا جديدًا…!”
تدخل بيتر في حديث إيرينا وماريان.
“نحاول إيجاد طريقة لفك التعويذة عن الماركيز والأمينة، قد تستمر التعويذة، إذا حدث خطأ، لثلاثة أسابيع، شهر، أو حتى أطول.”
“ألم تقولوا إنه لا توجد طريقة لفك التعويذة؟”
سألت ماريان وهي تفتح عينيها على وسعهما.
“إذا لم تكن موجودة، سنصنع واحدة، نحن نجمع الكتب القديمة ونبحث في السجلات، لكن لا تعلقي آمالاً كبيرة.”
قالت إيرينا.
“على أي حال، من المرجح أن تنتهي التعويذة بشكل طبيعي قبل انتهاء البحث، فلا داعي للقلق!، وبما أنها أسبوعين، واليوم أقصر مما يبدو… ربما ستلتقين بالقائد ثلاث أو أربع مرات فقط؟”
“آه… ثلاث أو أربع مرات.”
تمتمت ماريان وهي تنظر إلى الساحرين يتبادلان الحديث.
“مهما أحبّ الماركيز الأمينة، فلن يتمكن من زيارتها كثيرًا، فهو مشغول جدًا.”
قال بيتر بلا مبالاة، كان سيلفستر قد قال لماريان إنه سيخبرها بشيء عنه كل يوم، لم يكن هذا وعدًا خفيفًا، لكن، بغض النظر عن صدق هذا الوعد، لم تتوقع ماريان أن تلتقيه يوميًا، كما قال بيتر، سيلفستر شخص مشغول جدًا.
“سأعتمد عليكما، أيها السحرة، أبذلا قصارى جهدكما.”
أنهت ماريان كلامها بابتسامة محرجة، شعرت بشعور غريب عندما فكرت أن الوقت المتبقي للقاء سيلفستر لن يتجاوز بضع مرات، لم تعرف كيف تصف هذا الشعور الغامض.
‘هل أشعر بالأسف لأنني لن أرى وجهه الوسيم بعد الآن؟’
لذا، قررت ماريان التفكير في الأمر بخفة وتجاوزه.
* * *
المكتبة التي تعمل فيها ماريان كأمينة متدربة ليست مكتبة عادية، حجمها، اسمها، موقعها، والأشخاص الذين يستخدمونها، كلها مرتبطة بالإمبراطور.
من الطبيعي أن تتدفق الكتب إلى مكتبة بهذه الأهمية، كانت الكتب الجديدة تصل كل يومين أو ثلاثة، بحوالي مئة كتاب في كل مرة.
كانت الكتب التي يطلبها الزوار -العلماء، السحرة، وأحيانًا طلاب الأكاديمية- إلى جانب الكتب القديمة المشتراة في المزادات، الصحف، الكتب التي ترسلها دور النشر في جميع أنحاء البلاد لأغراض ترويجية، وإصدارات الكتاب المشهورين، متنوعة جدًا.
الآن، في غرفة المواد في زاوية المكتبة، كانت ماريان تتفحص كتابًا جديدًا وصل صباح اليوم، كان كتابًا يمثل القارة الغربية التي تقع فيها الإمبراطورية، ويتناول الأعشاب والزهور التي لم تعد موجودة، وهو نوع من قاموس النباتات.
على عكس قواميس النباتات العادية، ركز هذا الكتاب بشكل كبير على الرسوم التوضيحية، من بين العديد من الرسوم في الكتاب، جذبت صورة زهرة بيضاء في الصفحة الوسطى انتباه ماريان، كانت البتلات البيضاء المنتفخة كالفقاعات، والأطراف المصبوغة بلون وردي باهت، والساق، مرسومة بدقة شديدة، حتى شعرت ماريان وكأنها ترى الزهرة الحقيقية.
سُحرت ماريان، التي كانت تتفقد حالة الكتاب الجديد، بهذه الصورة الجميلة واللطيفة للزهرة.
“…جميلة.”
انتقلت عينا ماريان إلى الصفحة المجاورة للرسم التفصيلي الكبير الذي ملأ صفحة كاملة، في الصفحة التالية، كُتب اسم الزهرة، واسمها العلمي، ومعنى الاسم، وقصص مخفية، ومعنى الزهرة في لغة الزهور، بجمل قصيرة وسهلة.
“سيروبيا.”
تمتمت ماريان باسم الزهرة، بجانب كلمة ‘سيروبيا’، كُتب أن الاسم مشتق من لغة منسية لمملكة اندثرت.
“معناها، كلمات الحبّ.”
كم يناسب هذا الاسم شكلها!، أُعجبت ماريان داخليًا.
“لكنها الآن… زهرة لم تعد موجودة.”
تلعثمت ماريان بحسرة وهي تقرأ الفقرة الأخيرة من النص.
‘بالطبع، لو كانت زهرة بهذا الجمال موجودة، لكنت رأيتها.’
في إمبراطورية إيغل أرفيد، وخاصة في العاصمة حيث يقع القصر الإمبراطوري، كان الناس يعشقون الزهور، لتلبية هذا الطلب الكبير، كان هناك متجر زهور في كل شارع تقريبًا، حتى أصبح هناك مزحة تقول إنه يمكن رؤية كل زهور العالم في العاصمة.
تعلمت ماريان أسماء العديد من الزهور بفضل متاجر الزهور التي كانت تمر بها في طريقها إلى العمل ومنه.
“هل تهتمين بعلم الأعشاب؟”
رن صوت رخيم فوق رأس ماريان بهدوء، آه، من هذا!، كادت ماريان أن تسقط الكتاب من يديها من المفاجأة، لكنها أمسكته بقوة بكلتا يديها، تنفست الصعداء، ثم استدارت لتواجه صاحب الصوت المألوف.
“…هل أفزعتكِ، آنسة ماريان؟”
قال سيلفستر بسرعة، وعيناه متسعتان، فجأة، تذكرت ماريان حديثها مع بيتر.
‘مهما أحبّ الماركيز الأمينة، فلن يتمكن من زيارتها كثيرًا، فهو مشغول جدًا.’
كانت ماريان قد وافقت على هذا الكلام، لكن، كما قال بيتر ‘ربما ستلتقين بالقائد ثلاث أو أربع مرات فقط؟’، ها قد تحقق لقاء واحد بالفعل …لن يأتي كل يوم، أليس كذلك؟
“لا، لا بأس.”
“أنا لا أعرف السبب، لكنكِ بدوتِ مفزوعة جدًا.”
تفحص سيلفستر وجه ماريان بجدية.
“ربما هذا الكتاب…”
نظر سيلفستر بعينين متقلصتين إلى الكتاب في يدي ماريان، كانت نظرته كأنه على وشك حرق الكتاب… لا، بالتأكيد لقد أسأت الفهم.
“لقد كنت منغمسة جدًا بالكتاب، فلم أنتبه لقدوم أحد، أنا بخير.”
رفعت ماريان الكتاب قليلاً لتريه لسيلفستر، ثم أضافت.
“أنا لست مهتمة بعلم الأعشاب، فقط، لقد وصل كتاب جديد، وأثناء تفقده، سحرتني صورة هذه الزهرة، أليست رائعة؟”
“نعم، إنها تبدو جميلة جدًا في عيني أيضًا.”
قال سيلفستر وهو ينظر لعيني ماريان التي تبتسم بحرج، كأنه لم يحدق بالكتاب أبدًا، تحرك شعره الأشقر البلاتيني قليلاً وهو يحني رأسه، شعرت ماريان للحظة وكأن نسمة، لا يمكن أن تهب في الداخل، مرت بهما.
نظرت ماريان إلى سيلفستر دون قصد، ثم فتحت فمها مجددًا بابتسامة محرجة.
“اسم هذه الزهرة سيروبيا، لغة لم تعد مستخدمة، لكن معناها ‘كلمات الحبّ’، أليس شكلها يناسب اسمها تمامًا؟”
تحولت عينا سيلفستر إلى الرسم التفصيلي في الكتاب، مثلما فعلت ماريان، حدق في الكتاب بعمق، ثم تقابلت عيناه مع عينيها مجددًا، كان وجهه جادًا إلى حد ما.
“يبدو أن معناها جميل بقدر شكلها.”
أومأ سيلفستر بحماس، موافقًا على كلام ماريان، كان تصرفه لا يتناسب مع مكانته أو لقبه أو مظهره، لكن إذا تجاوزت ماريان كل ذلك وفكرت…
‘كلبي الصغير.’
للحظة، وأثناء النظر إلى سيلفستر، تذكرت ماريان كلبها الكبير الأبيض الوسيم الذي كانت تربيه في مسقط رأسها، للحظة فقط.
التعليقات لهذا الفصل " 9"