“لكن، لتجنب أي حوادث غير متوقعة، سأرافق أنا والساحرة إيرينا الماركيز كل يوم!، لذا، لا تقلقي كثيرًا.”
أنهى بيتر كلامه ورفع قبضتيه نحو ماريان بحماس، كان شخصًا يغير مزاجه بسرعة مذهلة.
“لكن، حتى لو كان سينسى ذكرياته… ماذا لو أساء الناس فهم الأمر خلال هذه الفترة؟، قد يسبب ذلك إحراجًا له… بالطبع، لن يظن أحد أن هناك شيئًا بيني وبين الماركيز.”
قالت ماريان وهي تخفض عينيها بحرج، بعد أن نطقت، شعرت أن كلامها محرج، من سيظن أن هناك شيئًا بينها وبين سيلفستر؟، بجانبه، ستبدو مجرد خادمة تنفذ أوامره.
“فكرة أن القائد يحبّ شخصًا ويتبعه…”
تقاطعت نظرات بيتر وإيرينا.
“لا أحد سيصدقها.”
قالا الكلمات ذاتها في الوقت نفسه، بابتسامة واثقة، وأومأت ماريان براحة.
“…هل يمكنني سؤالكم عن شيء آخر؟”
ترددت ماريان لحظة قبل أن تطرح السؤال.
“بالطبع!”
“هل الماركيز شخص سيء لدرجة أنكم تريدون إحراجه بهذه الطريقة؟”
“حسنًا، ستعرفين بعد لقاءات أخرى معه، لكن…”
تلعثم بيتر، متفاجئًا بالسؤال غير المتوقع.
“الماركيز الذي التقيته اليوم كان لطيفًا وودودًا جدًا… لذا كنت أتساءل، أنا فقط التقيته لفترة قصيرة، لذا قد لا أفهم معاناتكم.”
عبثت ماريان بالباقة التي تلقتها من سيلفستر وابتسمت بحرج.
“القائد لطيف وودود؟، هذا مزيج غريب.”
“هل من الممكن أن التعويذة غيرت شخصيته أيضًا؟”
سأل بيتر إيرينا بجدية وهي تبتسم بسخرية.
“الحبّ قد يغير الشخصية.”
فركت إيرينا ذراعيها وكأنها شعرت بالقشعريرة، ثم أجابت بيتر.
“هل القائد من النوع الذي يتغير أمام من يحبّها؟، حسنًا، ربما تضخمت اللطافة والود الضئيلان جدًا المختبئان بداخله بسبب التعويذة.”
قال بيتر لماريان بوجه جاد.
‘رجل لا يكون لطيفًا حتى مع من يحبّهم ما لم يكن تحت تأثير تعويذة…’
بدأت ماريان تقلق من أن سيلفستر قد لا يفقد ذكرياته بعد انتهاء التعويذة، إذا قرر شخص بسلطته أن يطردها من المكتبة أو العاصمة، قائلاً إنه لا يريد حتى أن يتنفس الهواء ذاته مع شخص مثلها…
شعرت ماريان بقشعريرة في رقبتها وهي تتخيل هذا السيناريو.
“بالمناسبة، أيتها الأمينة، هل تعلمين؟”
قطع صوت بيتر أفكار ماريان المشوشة، رفعت عينيها وتقابلت مع عينيه.
“الماركيز وضع تعويذة على تلك الزهور، تلك التي تحملينها…”
أشار بيتر إلى الباقة في حضن ماريان، متحدثًا بصوت خافت كمن يكشف سرًا.
“أنا لم أكن أعلم.”
“يبدو أنه وضع تعويذة لمنعها من الذبول، إنها تعويذة فاخرة جدًا.”
“واو… إذن، هل ستظل هذه الزهور غضة إلى الأبد؟”
“لا.”
أجاب بيتر وهو ينظر إلى ماريان التي فحصت الباقة بعينين متسعتين، ثم تابع.
“حتى التعاويذ الفاخرة لا تستطيع منع نهاية الزمن الطبيعي، أو الموت، لا أعرف كم ستدوم، لكنها لن تبقى نضرة إلى الأبد.”
“ومع ذلك، إنه أمر مذهل.”
تمتمت ماريان بهدوء وهي تداعب الزهور النضرة بحذر، كأنها تتفتح للتو، هل بسبب التعويذة؟، كانت الزهور تحمل برودة خفيفة، لكن، لسبب ما، لم تستطع ماريان رفع يدها عن تلك البتلات الباردة.
عطر حلو انتشر من أطراف أصابعها، دغدغ أنفها مرة أخرى.
* * *
“ألا يبدو أكثر وسامة اليوم؟”
رفعت ماريان رأسها عند سماع صوت قريب، كانت صاحبة الصوت آنا، أمينة المكتبة الإمبراطورية والمسؤولة عن تدريب ماريان.
“من؟”
“من غيره؟، الماركيز هناك.”
أشارت آنا إلى الخلف.
“آه…”
رأت ماريان سيلفستر على مسافة ليست بعيدة ولا قريبة، فأطلقت تنهيدة خفيفة، وسرعان ما تقابلت عيناهما.
‘هل يجب أن أحييه؟’
تساءلت ماريان داخليًا، لكن ترددها لم يدم طويلًا، فلقد استدار سيلفستر فجأة، مبتعدًا عن نظراتها.
‘…هل انتهت التعويذة بالفعل؟’
فكرت ماريان أن ساحرًا عظيمًا مثل سيلفستر قد يكون قادرًا على التغلب على تعويذة تُلقى عليه، كما يتغلب شخص سليم على نزلة برد دون دواء، شعرت بالحرج وهي تعبث بإطار نظارتها السميك.
“أليس كذلك؟”
“آه، نعم، يبدو رائعًا جدًا.”
أجابت ماريان بسرعة على سؤال آنا.
عاد نظر ماريان إلى سيلفستر، الذي كان ينظر إلى رف الكتب، كما قالت آنا، بدا مختلفًا اليوم، ربما لأنه لم يرتدِ زيه الرسمي، بل ملابس عادية، على الرغم من أن تسمية ملابس النبلاء ‘عادية’ قد تكون موضع تساؤل، لكنها تركت هذا جانبًا.
“لكن الأمر غريب حقًا، الماركيز يأتي إلى المكتبة.”
“صحيح.”
“بدأ منذ بضعة أشهر، أليس كذلك؟، يأتي بانتظام، مهما كانت هذه المكتبة رائعة، لا يمكن أن تضاهي مكتبته الخاصة، لابد أن لديه كتبًا نادرة لا توجد هنا.”
أومأت ماريان موافقة على كلام آنا، كان من النادر أن يزور نبيل بمنصب سيلفستر مكتبة عامة، بل يمكن القول إنه لم يحدث أبدًا، فالنبلاء يمتلكون مكتبات مثالية في قصورهم وفيلاتهم.
لكن سيلفستر، على عكس النبلاء الآخرين، كان يزور المكتبة أحيانًا، وفقًا لآنا، لم يكن يفعل ذلك سابقًا، لكنه بدأ فجأة قبل أشهر.
‘ربما يحتاج إلى مكان لتغيير الجو؟’
فكرت ماريان وهي تراقب سيلفستر وهو يتحدى رفًا مليئًا بالكتب السحرية بنظراته، بعد ثواني، سحب كتابًا.
“كتاب السحر الأساسي…؟”
تقلصت عينا الأمينتين عند رؤية غلاف الكتاب في يد سيلفستر.
“رجل يُعد من بين أفضل ثلاثة سحرة في الإمبراطورية، يقرأ فجأة كتاب السحر الأساسي؟”
همست آنا بدهشة في أذن ماريان.
“…لأن تعلم الأساسيات مهمة.”
أجابت ماريان، وشعرت بالحرج وكأنها تتحدث نيابة عن سيلفستر، لكن كتاب السحر الأساسي لم يكن الشيء الغريب الوحيد، كان سيلفستر يمسك الكتاب مقلوبًا.
‘هل يمكنه قراءة كتاب مقلوبًا؟، مذهل.’
أعجبت ماريان بسيلفستر داخليًا، بينما كان وجه آنا، التي تراقبه، مليئًا بعلامات الاستفهام.
“همم، لا يهمني أي كتاب يقرأ، على أي حال، رؤية وجه وسيم في الصباح الباكر تجعلني في مزاج جيد.”
ابتسمت آنا واستدارت لتغادر، كان على ماريان أن تتبعها، لكن، بشكل غريب، لم تستطع تحريك قدميها بسهولة، ظلت عيناها تتجهان نحو سيلفستر، الذي لا يزال يمسك الكتاب مقلوبًا.
‘لماذا لم يحييني؟، قال إنه سيأتي غدًا، ألم يكن يجب أن يحيني بعينيه على الأقل؟، أم أن التعويذة انتهت فعلاً؟ …إذا انتهت، فهذا أفضل بالنسبة لي،فأنا لن أضطر للتعامل مع مواقف محرجة لا أعرف كيف أرد فيها.’
فكرت ماريان وأبعدت عينيها عن سيلفستر، استدارت لتتبع آنا، شعرت، لسبب ما، بثقل في صدرها.
* * *
ظل سيلفستر في المكتبة طوال الصباح، لحسن الحظ، لم يكن مع كتاب السحر الأساسي، بل مع كتاب قديم ضخم، ومع ذلك، اضطرت ماريان لبذل جهد لمنع نفسها من النظر إليه باستمرار.
لكن، أحيانًا، كانت تنظر إليه دون قصد، وأحيانًا كانت أعينهما تتقابل، فكانت إما تُحييه بإيماءة محرجة أو تستدير بسرعة، وخداها يحمرّان من الإحراج.
أدركت أن تعويذة سيلفستر لم تنته بعد عندما بدأ أمناء المكتبة يتناوبون على استراحة الغداء في مجموعات ثنائية عند الظهيرة.
قبل استراحة الغداء، كانت ماريان تتفقد حالة إعارة الكتب السحرية القديمة التي تتولاها، اقترب منها سيلفستر.
“…مرحبًا، سيدي الماركيز.”
رأت ماريان سيلفستر يقف على بعد ست خطوات منها تقريبًا، فبادرت بالتحية دون تفكير، متفاجئة، فهي كانت متأكدة أنه لا يوجد أحد في الإمبراطورية لن يتفاجأ برؤية وجه سيلفستر الوسيم فجأة.
“…مرحبًا، أيتها الأمينة.”
كأنه نسي تحيته المُعدة، رد سيلفستر على ماريان متأخرًا، ثم تابع.
“لقد تأخرت في تحيتكِ، كان يجب أن أحييكِ عندما تقابلت أعيننا عند الرفوف.”
“لا، لا بأس.”
رأت ماريان حاجبي سيلفستر منحنيين قليلاً، كمن يشعر بالإحباط، فلوحت بيديها بسرعة، أن يظهر تعبير كهذا على وجه كهذا بسببها!، شعرت ماريان وكأنها ارتكبت جرمًا.
التعليقات لهذا الفصل " 6"