“الساحرة أليمان، لقد قرأت بعناية أطروحتكِ عن سحر تغير المناخ.”
نظرت المرأة التي سمعت رد سيلفستر إليه بعيون متأثرة، كانت أليمان، وهي ساحرة ذات خبرة طويلة، قد كتبت ونشرت العديد من الأوراق البحثية حتى الآن، لقد تلقت الكثير من المديح والتعليقات الإيجابية، بل إن أحد أبحاثها التي قدمتها قد فاز بالمركز الأول في مهرجان أكاديمي، لكن هذه كانت المرة الأولى التي يقرأ فيها قائد الفرقة، لا أقل ولا أكثر، أطروحة بحثية مخصصة لتقرير ربع سنوي، والتي تُكتب عادةً لمجرد إظهار أن ‘هذا الربع، فكرت حتى في أفكار غير منطقية كهذه لتبرير راتبي.’
تبعت أليمان عدة ساحرات أخريات رفعن أيديهن، وفي النهاية، رفع الجميع أيديهم، كل ساحر في غرفة البحث تلقى تعليقات من سيلفستر على الأطروحة التي قدمها، كانت تعليقاته مزيجًا من المديح المناسب والنصائح، ولم يكن هناك أي توبيخ، على عكس المعتاد.
مثل ماريان التي كانت تتذكر معلمها من طفولتها، لمعت عيون السحرة بالفرح، ومع رؤية السحرة الذين يطرحون الأسئلة بعيون لامعة، ظهرت ابتسامة صغيرة على شفتي سيلفستر دون أن يدرك.
انتهى العرض الصغير بعد حوالي ثلاث ساعات، بعد وداع مختصر، خرج سيلفستر من غرفة البحث، كان عليه أن يلتقي بشخص ما.
لكنه، قبل ذلك، صادف شخصًا آخر.
“أوه، القائد، مرحبًا.”
صوت متوتر يحمل نبرة صبيانية، انحنى رجل يملك صوتًا يعرفه سيلفستر جيدًا ليحييه. وتبعته امرأة بجانبه، تنحني هي الأخرى، كانا بيتر وإيرينا من قسم الأبحاث الثالث، لم يرهما في الغرفة، لذا يبدو أنهما كانا مشغولين بأمر آخر.
رد سيلفستر بإيجاز على تحيتهما، ثم تبادل معهما بضع كلمات سطحية قبل أن يتوقف الحديث، فلقد حان الوقت ليذهب كل منهما في طريقه.
لكن… لا يمكن أن يستثني هذين الاثنين فقط، تذكر سيلفستر كلام ماريان عن معاملة الجميع بلطف، وفتح فمه مجددًا.
“قرأت بعناية الأطروحة التي قدّمتاها معًا هذا الربع، بغض النظر عن إمكانية التنفيذ، كانت الفكرة بحد ذاتها رائعة.”
ساد صمت غريب في الرواق، تمامًا كما حدث في غرفة البحث.
“نحن… أطروحتنا تلك الغريبة، قرأتَها…”
تلعثمت إيرينا، التي كانت عادةً هادئة، لسبب ما، كانت وجوه إيرينا وبيتر، الذي كان بجانبها، متورّدة.
“لدي الكثير لأقوله، لكن للأسف، لا وقت لدي الآن، تعاليا إلى مكتبي يومًا ما، فأنا أود أن نجري حوارًا مطولاً.”
ابتسم سيلفستر بلطف لإيرينا وبيتر، بغض النظر عن النوايا الأولية، بما أنهما ساعدا في توطيد علاقته مع ماريان، فلا بأس بمعاملتهما بشكل خاص قليلاً.
بعد أن أنهى كلامه، استدار سيلفستر على الفور وغادر رواق غرفة البحث، وقف إيرينا وبيتر في منتصف الرواق، يتعانقان ويصرخان بصمت من الفرح.
كانت وجهة سيلفستر الأخيرة غرفة التدريب في الطابق السفلي، على عكس فرسان الفرقة الأولى، كان سحرة الفرقة الثانية يتدربون في قبو مزود بحاجز سحري خاص، لأن السحر القتالي الذي يستخدمونه قد يتسبب في أضرار على السطح.
تحت قيادة نائب القائد هيو، كان السحرة يتدربون ويصقلون مهاراتهم بطرق مختلفة، راقب سيلفستر المشهد بصمت، ثم أرسل نسيمًا خفيفًا نحو هيو.
شعر هيو بالنسيم يداعب ظهره، فاستدار، “آه!” تفاجأ هيو برؤية سيلفستر وأطلق صوتًا عاليًا دون قصد، ثم اقترب منه بخطوات سريعة.
وقف هيو أمام سيلفستر بوضعية صلبة مثل فرسان الفرقة الأولى، وقدم تحية مهذبة أولاً، لم يكن متوترًا كما في مراسم التعيين، لكنه بدا متوترًا إلى حد ما.
“يبدو أن سحر الجميع قد أصبح أقوى منذ آخر مرة رأيتهم فيها، يبدو أن طريقة تدريبك، يا نائب القائد، بدأت تؤتي ثمارها بالفعل.”
“بدلاً من القول إن تدريبي فعّال… هذا بفضل جهود كل فرد.”
أجاب هيو وهو يتصبب عرقًا باردًا، كان من النوع الذي لا يستطيع أن ينسب الفضل لنفسه.
“هذا شيء لم يستطع فعله الآخرون الذين كانوا في منصبك.”
قال سيلفستر، مشيرًا إلى نائب القائد السابق، الساحر الذي كان يأخذ رشاوى وأُرسل إلى منطقة نائية بعيدة.
“أنا أثق بك، يا نائب القائد.”
“…نعم، ماذا؟”
“شخص يستطيع رفع قدرات الفرسان إلى أقصى حد، شخص يملك الشمولية لمنع الفرسان من الانحراف.”
“… “
“شخص يعمل بجد ويؤدي جيدًا، شخص يستطيع مشاركة ما يجيده مع الآخرين، وبالتالي يساعد الجميع على الأداء الجيد، هذا أنت، يا نائب القائد.”
واصل سيلفستر كلامه.
“أعلم وأثق أنك تستطيع القيام بما لا أستطيع القيام به، وسأتعلم منك الكثير في المستقبل.”
ساد صمت طويل بين سيلفستر وهيو.
“…لكلمات رائعة كهذه!، شكرًا جزيلًا، أيها قائد!”
كسر هيو الصمت بصوت مرتجف، وقد بدا متأثرًا جدًا.
“هذا لا شيء.”
هز سيلفستر رأسه كما لو أن الأمر لا يستحق الذكر.
“لقد سمعت أن أشخاصًا مهمين عارضوا تعييني، لكنك، أيها قائد، لقد دعمتني حتى النهاية…”
توقف هيو عن الكلام، كما لو كان ينظم أفكاره للحظة.
‘الإشاعات تنتشر بسرعة.’
أومأ سيلفستر برأسه بخفة، فلقد رشح هيو، الساحر العادي بلا لقب أو علاقات، لمنصب نائب القائد، بل وهدد الآخرين -بلطف- ليختاروه كنائب بهدوء، وهذا صحيح.
“شكرًا جزيلًا على منحي هذه الفرصة الذهبية، أيها قائد.”
نطق هيو كلماته بوضوح وهو ينظر إلى سيلفستر بابتسامة، كانت ابتسامة صادقة مليئة بالصدق، رغم أنه لا يزال يبدو متوترًا إلى حد ما، كانت ابتسامة هيو تشبه ابتسامات السحرة التي رآها سيلفستر في غرفة البحث، شعر بشعور غريب لا يمكنه تفسيره.
‘…ما هذا الشعور الجيد؟’
فكر سيلفستر، كما لو كان طبيبًا يشخص حالة عواطفه، ثم فكر مرة أخرى، هو لن يستطيع أبدًا أن يصبح شخصًا ودودًا مثل ماريان، لكنه، على الأقل، يستطيع أن يحاول أن يشبهها.
فرك سيلفستر شفتيه بيده، خلف أصابعه الطويلة والجميلة، كانت زاوية فمه مرتفعة.
* * *
في ليلة مظلمة تساقط فيها الثلج الممزوج بالمطر، كان ضوء القمر وأنوار المصابيح يضيئان الظلام، في الساحة الصغيرة أمام المكتبة، أمام تمثال حاكم الحبّ، وقف رجل وسيم لم يفقد تألقه حتى في الظلام.
كان الرجل يدعو لحاكم الحبّ من أجل حبّ أبدي مع ماريان، أو بالأحرى، كان يهدد الحاكم بأنه لن يتركه وشأنه إذا تدخل في حبّه مع ماريان، بعبارة أخرى، كان سيلفستر، الحبّ الوحيد لماريان، ينتظرها.
خرجت ماريان من المكتبة بعد أن أنهت عملها الإضافي المقرر، وسارت بخطوات سريعة نحو سيلفستر.
“لقد جئت!”
قالت ماريان وهي تقف أمام سيلفستر.
“ماريان.”
ازدهرت ابتسامة كالزهرة على وجه سيلفستر الوسيم، عند رؤية سيلفستر، احمرّ خدّا ماريان.
رغم أنها ترى وجه سيلفستر المبتسم كل يوم، إلا أنها لا تزال تذهل بجماله مهما تكرر ذلك، كان الأمر يشبه مشاهدة عملية تفتح زهرة في يوم ربيعي عن قرب، مما يثير شعورًا بالرهبة.
“هل كان يومك ممتعًا؟”
“نعم، لقد كان ممتعًا جدًا.”
أجاب سيلفستر على سؤال ماريان على الفور.
“إذن، يجب أن نعود سيرًا على الأقدام اليوم؟، لأن لدينا الكثير لنتحدث عنه.”
“ألن تشعري بالبرد؟”
“لا يمكنك قول ذلك بعد أن لففتني بهذه الملابس السميكة، أنا قلقة من أن تصاب أنت بنزلة برد!”
“حسنًا… حسناً.”
بشكل طبيعي، أمسك سيلفستر وماريان بأيدي بعضهما، في الأيام التي يكون لديهما فيها الكثير ليقولانه، مثل اليوم، كانا يتركان العربة التي تنتظرهما ويمسكان بأيدي بعضهما كما في السابق.
مشى سيلفستر وماريان إلى الأمام، تبعت قصصهم التي نسجتها أصواتهما خطواتهما، خطوة بخطوة.
“…لهذا السبب، أعتقد أنني أكملت واجب اليوم بشكل ممتاز.”
روى سيلفستر لماريان بالتفصيل ما حدث له خلال اليوم.
“لقد أبدعتَ جدًا.”
قالت ماريان لسيلفستر بصدق، ابتسم سيلفستر بخجل عند سماع مديح ماريان.
“الكلمات التي قلتها اليوم، ستبقى في قلوب بعض الأشخاص لفترة طويلة، وفي قلبك أنت أيضًا.”
هبت نسمة دافئة، لا تتناسب مع طقس الشتاء، وعبثت بشعر سيلفستر الأشقر البلاتيني الذي يعكس ضوء القمر، ثم هربت، كما لو كانت طفلة تضايق صديقًا.
“أعتقد أنني سأتذكر اليوم لفترة طويلة.”
“أليس كذلك؟”
“وأريد… أن أواصل التصرف بلطف في المستقبل.”
أضاءت أنوار المصابيح المصطفة وجه سيلفستر، وواصل كلامه.
“لأنني أريد أن أصبح رجلاً صالحًا يستحق الوقوف بجانب امرأة ودودة ودافئة مثلكِ، يا ماريان.”
توقفت ماريان في مكانها ونظرت إلى سيلفستر، تقابلت أعينهما المليئة بالدفء.
“لكن… لا تكن ودودًا أكثر من اللازم مع الآخرين غيري.”
كان صوت ماريان يحمل نكهة من الفكاهة وهي تقول ذلك.
“بالطبع.”
همس سيلفستر في أذن ماريان، وبدون أن يسبق أحدهما الآخر، تعانقا بقوة، بدأ الثلج الممزوج بالمطر في أواخر الشتاء يتساقط على دفء الاثنين، مثل زهور الربيع.
كانت ليلة متأخرة، حيث أضاءت المصابيح المتقطعة العاشقين المتعانقين بلطف.
<نهاية الفصول الجانبية ♡>
التعليقات لهذا الفصل " 33"