“هل… تعتقد الآنسة ماريان أيضًا أنني كنت تحت تأثير سحر، ولهذا أحببتها؟”
سأل سيلفستر.
“…نعم.”
“…”
“ولقد كانت تعتقد أنه بمجرد زوال السحر، لن تعود لزيارتها بعد الآن.”
حاول بيتر ألا يتجنب عيني سيلفستر الباردتين ذوات اللون الرمادي المزرق، وأعطى إجابة واضحة.
هبت رياح أقوى، كما لو أنها ستقتلع شجرة البلوط في أي لحظة، وهاجمت بقوة.
* * *
كانت سيكميرا، كما يوحي اسمها، مدينة الصمت بكل معنى الكلمة، في سيكميرا، أرض الكهنة، تعلمت ماريان ما هو الوقار الذي يتجاوز الهدوء.
كانت فترة العمل المؤقت تكاد تنتهي، لكن حتى لو عادت إلى العاصمة، لن تمضي ماريان وقتًا طويلًا قبل أن تعود إلى سيكميرا مرة أخرى، حاولت ألا تشعر بالأسف حيال ذلك، عند التفكير في الأمر، كانت ماريان أكثر ملاءمة لسيكميرا الهادئة والمنظمة مقارنة بالعاصمة الصاخبة والمتألقة.
وقفت ماريان في طريقها إلى النزل ونظرت حولها، رأت منازل مطلية باللون الرمادي أو الأبيض فقط، كانت ملابس المارة أيضًا في الغالب بألوان محايدة، حتى لو لم يكونوا من الكهنة.
بينما كانت تسير في عالم هادئ بلا ألوان، تذكرت ماريان سيلفستر فجأة، فكرت في شعره الأشقر البلاتيني الذي يتألق تحت ضوء الشمس، فكرت في عينيه الرماديتين المزرقتين التي كانت تتوهج بلون قرمزي عند الغروب، فكرت في الاحمرار الذي كان يستقر أحيانًا على أذنيه، فكرت في رائحة الزهور التي كانت تشعر بها بقوة بشكل خاص عندما كانت مع سيلفستر، والرياح التي كانت تداعب خدها ثم تختفي.
توقفت خطوات ماريان، دخل حذاؤها في نطاق رؤيتها، كان الحذاء ذو الكعب المنخفض والمقدمة اللامعة هدية من سيلفستر، قدّمها لها ذات يوم عندما عانقته وكانت بين احضانه، بعبارة أخرى، كانت هدية اشتراها وهو يفكر في ماريان.
“قال ألين إن هناك من يقدم الأحذية لمن يحبّ… كرمز لطلبه منه أن يسير إلى جانبه.”
ابتسم سيلفستر بخجل وهو يقدم الحذاء لماريان، كان الحذاء مثاليًا لقدميها، لكن ماريان، خوفًا من أن تُتلف مشاعر سيلفستر الموضوعة فيه، لم ترتده ووضعته على حافة النافذة وأخذت تتأمله، مرت لحظات المشي مع سيلفستر في ذهن ماريان.
“…أفتقدك.”
تمتمت ماريان، فلقد كانت تشتاق إلى سيلفستر.
“أنا أيضًا كنت أفتقدكِ.”
جاء صوت مألوف من مسافة قريبة، كان الصوت اللطيف الذي تذكرته ماريان بشدة خلال الأيام القليلة الماضية، ظنت أنها تسمع هلوسة.
…لم يكن شعورًا جيدًا، بعد لحظة من الفرح، شعرت ماريان بالحزن فجأة وخفضت رأسها، الذي كان منحنيًا بالفعل، أكثر، شعرت وكأنها حمقاء وهي تقف على الطريق الحجري الأبيض النظيف في سيكميرا، المختلف عن شوارع العاصمة.
“…إذا رفعتِ رأسكِ، سيحدث شيء جيد.”
صحيح، لقد قال لها ذلك عندما كانوا في قلعة الفرسان، سمعت ماريان صوت سيلفستر وأومأت دون وعي.
“شيء جيد؟”
ردت ماريان بنبرة ممزوجة بالضحك، قد يظن المارة أنها مجنونة لأنها تحادث نفسها، لكنها أرادت الرد على صوت سيلفستر.
“ستتمكنين من رؤية وجهي.”
تردد صوت سيلفستر في الشارع الهادئ.
“…هذا رائع.”
رفعت ماريان رأسها، على الرغم من علمها أنه لن يكون هناك شيء أمامها، رفعت رأسها، تمنت، كما لو كانت تلك كذبة، أن يكون سيلفستر واقفًا أمامها.
‘هاه؟’
ارتفعت نظرة ماريان تدريجيًا، كانت تحاول رؤية وجه الرجل الواقف أمامها.
“أنا لم أستطع الانتظار حتى الغد، فجئت بهذا الشكل المزري.”
شعر أشقر بلاتيني أشعث، زي فرقة الفرسان ملطخ بالسخام، عباءة قصيرة ملطخة بالسخام أيضًا، وعيون رمادية مزرقة متلألئة بعاطفة لا يمكن تحديدها.
كان سيلفستر يقف أمام ماريان، فتحت فمها وأغلقته مرات عديدة، لم تفهم ماريان ما يحدث على الإطلاق.
‘هل أرى حقًا وهمًا، أم…’
لكن السحر قد فُك، كان من المستحيل أن يتذكر سيلفستر ماريان أو الوقت الذي قضياه معًا، شعرت وكأنها تواجه لغزًا لا يمكن حله، في تلك اللحظة، عانقتها رائحة الزهور المألوفة والريح المداعبة بذراعين مفتوحتين، شعرت ماريان غريزيًا، الرجل أمام عينيها ليس وهمًا، كان سيلفستر الحقيقي، يقف أمامها.
“…هل أنت حقًا سيلفستر؟”
لم تستطع ماريان إلا أن تسأل بصوت مرتجف كالحمقاء، بدلاً من الإجابة، اقترب سيلفستر خطوة أخرى من ماريان، ثم انحنى ليواجه عينيها.
“نعم، أنا حقيقي.”
“…”
“أنا لست الشخص الذي كان من المفترض أن يفقد ذكرياته بعد فك السحر.”
نظرت ماريان إلى سيلفستر بوجه يطلب التفسير، لكن فجأة، وبعد أن فكرت في شيء ما، شحب وجهها.
في ذهن ماريان الآن، كانت تتشكل قصة بسرعة، فُك السحر عن سيلفستر، لكنه لم يفقد ذكرياته، لو كانت سيلفستر…
شعرت ماريان أنه قد يحمل ضغينة تجاهها، على أي حال، أخفت ماريان الحقيقة عن سيلفستر، وساعدت السحرة، وقضت وقتًا طويلًا معه بوقاحة، وفي النهاية وقعت في حبّه… وتمنت ألا يُفك سحر سيلفستر.
‘ربما جاء سيلفستر ليصب غضبه عليّ، لكن…’
رمشت عينا ماريان ببطء.
‘لماذا يبدو وكأنه لا يزال يحبّني؟، لماذا ينظر إليّ بعيون لطيفة هكذا؟’
فزعت ماريان من أفكارها وتراجعت للخلف، كانت خائفة من استمرار هذه الأفكار السخيفة، خطوة، ثم أخرى، ابتعدت ماريان عن سيلفستر، نظر سيلفستر إلى ماريان، التي بدت وكأنها ستهرب منه في أي لحظة، وشحب وجهه.
“أنا…”
أوقف صوت سيلفستر ماريان، التقت نظراهما في الهواء، كانت الظلمة الزرقاء الداكنة تتراكم فوق الغروب القرمزي العميق.
“لم أكن تحت تأثير أي سحر، منذ وقت طويل قبل أن أطلب منكِ موعدًا… كنت أحمل لكِ مشاعر في قلبي، يا ماريان.”
اقترب سيلفستر بحذر من ماريان، خطوة بخطوة، تقلصت المسافة التي كانت قد اتسعت.
“رأيتكِ لأول مرة عند البوابة الخلفية لفرقة الفرسان.”
“…”
“ابتسامتكِ وأنتِ تداعبين الكلاب في الأرض الخالية، صوتكِ الدافئ، نظرتكِ اللطيفة، كلها أمسكت بي في مكاني.”
استقر ضوء الغروب على وجهه الأبيض كنور الصباح، جعلت نبرته المرتجفة ونظراته وجهه يبدو كشاب وقع في الحبّ.
“بعد ذلك، وعلى الرغم من علمي أن ذلك ليس من الأدب، كنتُ أتوجه إلى البوابة الخلفية لألتقي بكِ.”
رمشت عينا ماريان بذهول.
“كنت أتمنى أن تبتسم لي تلك الامرأة.”
“…”
“لقد كنت أفكر في ذلك كل يوم.”
ببطء لكن بجدية، واصل سيلفستر حديثه.
“مشاعري لم تُصنع بسحر الوقوع في الحبّ الذي أوجده السحرة.”
أمسكت الريح بأكمام ماريان، بدا وكأنها تقول لها ألا تغادر.
“السحر الحقيقي الذي هزني كان سحر ماريان لين نفسها.”
“…”
“علمتِني الكثير، يا ماريان، لقد علمتِني أن سحري جميل، وأن هذا العالم يتألق ببريق، جعلتِني أتعلم أفكارًا ومشاعر لم أكن أعرف بوجودها.”
اقترب الاثنان من بعضهما دون أن يدركا.
“و… علمتني الحبّ.”
بحذر شديد، أمسك سيلفستر بيدي ماريان، التقى الدفء الذي كانت تحمله ماريان والدفء الذي كان يحمله سيلفستر وانتقل إلى كليهما.
“إذن…”
فتحت ماريان فمها ببطء.
“طلبك لموعد معي… صنع الزهور لي… إظهار السحر لي… تقبّيلي، قضاء وقتك معي… تقديم الحجر السحري لي، كل ذلك كان صادقًا؟”
حاولت ماريان ألا تتلعثم وهي تسأل.
“في كل لحظة قضيتها معكِ، لم يكن قلبي كاذبًا ولو للحظة.”
ابتسم سيلفستر.
“سحر تافه كهذا لا يمكن أن يهزني.”
كانت ابتسامة واثقة للغاية، اغرورقت عينا ماريان بالدموع، في تلك اللحظة، لم تكن ماريان قادرة على استيعاب هذا الموقف بالكامل، فقد حدث شيء لم تتوقعه، لكنها فهمت شيئًا واحدًا بوضوح.
في الوقت الذي قضته ماريان مع سيلفستر، لم يكن هناك سحر، كان سيلفستر أماديوس يحبّ ماريان لين بصدق، هذه الحقيقة الحالمة جعلت قلب ماريان يرتجف، كان الحبّ الذي حاولت كبته بقوة يتدفق إلى الخارج.
“إذا عرف ألين، سأتعرض للتوبيخ، لكن…”
قبل أن تتمكن من إيقافه، ركع سيلفستر على ركبة واحدة أمام ماريان، نظرت ماريان إلى سيلفستر بدهشة.
“ماريان لين.”
انعكست ماريان في عيني سيلفستر الجميلتين.
“هل تمنحينني شرف إمساك يدكِ كل يوم، شرف تقبيلكِ، شرف دخول حياتكِ…؟”
سأل سيلفستر ماريان، كانت الأيدي المتلامسة تحمل حرارة شديدة، لم تعطِ ماريان إجابة على الفور، حركت شفتيها، كان تعبيرها يجعل من المستحيل توقع ما إذا كانت ستقبل أو ترفض.
“الزواج، ماذا عن الامرأة التي وعدت بالزواج منها؟”
سألت ماريان سيلفستر.
“…ماذا؟”
“والدك، السيد سيلفستر…”
عند سماع هذه الكلمات، تجمد وجه سيلفستر للحظة، يبدو أن ماريان قد التقت بوالده، ومن الواضح أنها سمعت هراء والده أيضًا.
“الزواج الذي تم الوعد به لم يكن بيني وبين تلك الامرأة، بل بين عائلتي وعائلتها.”
قال سيلفستر وهو يكافح للحفاظ على تعبيره.
“أنا وتلك الامرأة لسنا مخطوبين أو ما شابه… من الأفضل أن نقول إننا منافسان، لا نهتم ببعضنا البعض، ربما نهتم بسحر بعضنا، لكن ليس أكثر من ذلك.”
“…”
“وإذا كنتِ، يا آنسة ماريان، قلقة بشأن العقبات التي قد تعترض حبّنا، فيمكنكِ أن تنسي هذا القلق هنا والآن.”
واصل سيلفستر حديثه.
“لقد جعلتِني شخصًا شجاعًا، يا آنسة ماريان، أشياء لم أكن لأفعلها من قبل، أصبحت الآن قادرًا على فعلها.”
عندما أنهى سيلفستر كلامه، ارتسمت ابتسامة على وجهه، ابتسامة مريحة قد تبدو غريبة لسيلفستر الذي كان يطلب الزواج في السابق.
“وأنتِ تعلمين أيضًا، أليس كذلك؟، أنني رجل قوي.”
سرعان ما ارتسمت على وجه ماريان ابتسامة تشبه ابتسامة سيلفستر، نعم، إنها تعلم، شخص يمتلك لقبًا خاصًا به، لا ينتمي إلى تراث عائلي عريق، أفضل ساحر شاب في الإمبراطورية، قائد فرقة الفرسان السحرية، رجل وسيم وجذاب للغاية.
“أنا خجولة ومملة… ولا أجيد شيئًا بشكل كبير، ولا أملك جمالًا، ولا أمتلك شيئًا.”
“…”
“سيتهامس الناس، كيف وقع سيلفستر أماديوس في حبّ امرأة مثلي؟، ربما سأتعرض للسخرية طوال حياتي.”
كان صوت ماريان يرتجف وهي تتحدث.
“لكن إذا كنتَ، يا سيد سيلفستر، بجانبي، فلن يهمني ما يقوله هؤلاء الناس.”
واصلت ماريان كلامها.
“عندما يكون هناك شخص بجانبي يرى قيمتي… لا حاجة لي أن أستمع إلى كلام أشخاص لا يعرفونني.”
اختفى الارتجاف من صوت ماريان، وعادت الابتسامة لتنتشر على وجه سيلفستر الذي كان متوترًا.
“أريد أن أجاوب على سؤالك.”
عندما أنهت ماريان كلامها، حاولت بقوة رفع سيلفستر بيدها، لاحظ سيلفستر نيتها ونهض من مكانه، ساد صمت رقيق بينهما، وهما لا يزالان ممسكين بأيدي بعضهما.
“أريد أنا أيضًا أن أكون جزءًا من حياتك، سيد سيلفستر.”
“…”
“لنمضِ معًا، خطوة بخطوة، ونحبّ بعضنا البعض لبقية حياتنا.”
ازدهرت ابتسامة على وجه ماريان كالزهرة، وكان الأمر نفسه بالنسبة لسيلفستر.
“…ماريان، هل يمكنني تقبّيلك؟”
سأل سيلفستر بعينين رطبتين كما لو كانتا مغطاتين بندى الفجر.
“…بالطبع.”
أجابت ماريان.
سرعان ما أغمضت ماريان عينيها ببطء، كما كانتا يديهما متشابكتين بقوة، تلاقت شفتا ماريان وسيلفستر، في خريف بارد، كانت قُبلة تحمل عبير الربيع.
في السماء، كان القمر الأبيض يطفو بهدوء، في ليلة أحتضن فيها الأزرق الداكن والبنفسجي بعضهما، تلألأت النجوم وكأنها تبارك الاثنين.
نهاية القصة الرئيسية لرواية <الحبّ المسحور>.
* * *
باقي ٣ فصول جانبية ♡
التعليقات لهذا الفصل " 30"