“س-سأبدأ الآن.”
وقف بيتر المتوتر أمام دائرة السحر، بينما كان يستعد للسحر، كانت الشمس الصباحية قد ارتفعت عاليًا، مضيئة المختبر بنور ساطع، انتفض أحد السحرة مفزوعًا من وهج الشمس الذي أصاب وجهه، وأغلق الستائر على عجل، خشية أن تتسرب مزحتهم إلى الخارج عبر النافذة.
تراجع السحرة إلى الخلف، ودون وعي، قبضوا أيديهم معًا، كانت أيديهم ترتجف، بدا صوت الرياح في الرواق وكأنه طرق على باب المختبر: طق طق.
“أتمنى أن تنجح.”
تمتم شوي دون قصد، كان السحرة الآخرون يفكرون بالشيء نفسه.
بالنسبة لساحر موهوب مثل بيتر، لم يكن تشغيل دائرة السحر يستغرق وقتًا طويلًا، كل ما كان عليهم فعله هو الانتظار دقيقتين، لكن…
“آه، عفوًا.”
ظهر زائر غير متوقع للسحرة.
“آآه!”
صرخ السحرة المتوترون، وقفزوا من أماكنهم مذعورين، مطلقين صيحات غريبة.
التفت السحرة في وقت واحد نحو مصدر الصوت الغريب، على الرغم من علمهم أن صاحبة الصوت امرأة، مختلفة تمامًا عن سيلفستر.
“هل هذا… مكان عمل الساحر بيتر دولان؟”
سألت امرأة مرتبكة من الأنظار المسلطة عليها، بوجه مفعم بالتوتر، انتقلت أنظار السحرة من شعرها البني المجعد إلى وجهها الأبيض المرقط بالنمش هنا وهناك، ثم إلى نظارتها ذات الإطار السميك وإلى عينيها اللطيفتين خلف العدسات، وأخيرًا إلى الكتاب السميك الذي تحمله بيدها.
“الأمينة ماريان!”
تردد صدى صوت بيتر في المختبر، مملوءًا بالفرح لقدوم زائرته، وفي الوقت ذاته، فغرت أفواه السحرة، بما فيهم إيرينا.
“مهلا!، أ-أنت!، كيف تقول أسمها أثناء إلقاء التعويذة!”
صاحت إيرينا في بيتر، لم يكن من المفترض أن يقول اسم الأمينة ماريان، بل اسم الإمبراطور القديم الذي يقف تمثاله بفخر في أعلى ساحة لازيت المركزية، أدرك بيتر خطأه فقط بعد كلام إيرينا.
“آه…”
خرج تنهد من فم بيتر، لقد أفسد الأمر.
لكن الحدث وقع بالفعل، بدأت دائرة السحر، التي رُسمت بعناية وجمال، تتوهج، سرعان ما ملأ ضوء أحمر لامع مختبر الأبحاث السحرية.
“…لماذا لم يقفل أحد الباب؟”
“نحن نغلق الستائر على النوافذ لكننا لا نقفل الباب… يبدو أن هذه هي حقيقة القسم الثالث، من المؤكد أننا سنكون الأخيرين في تقييم الأداء هذا الربع أيضًا.”
“ما هذا اللون المشؤوم؟، هل ضوئها أحمر لأنها تعويذة حبّ؟”
بدأ السحرة، الذين استفاق نصفهم من الخمر بسبب الموقف غير المتوقع، يضحكون بيأس، وكأنهم فقدوا عقولهم، وقفت ماريان، الأمينة، بينهم مذهولة، تراقب بحذر، وتجهم وجهها.
“هل… تسببت بمشكلة ما؟”
حتى عيني ماريان، اللتين كانتا مغلفتين بالنعاس من العمل الليلي، امتلأتا بالحيرة، وأضافت على عجل.
“لقد جئت لأن الكتاب الذي كان الساحر بيتر يريده بشدة قد أُعيد أخيرًا، منذ قليل، بعد إنتظاره شهر ونصف، أردت إيصاله بسرعة… وقيل لي إنه حتى لو لم تكونوا موجودين، يمكنني تسليمه لمن يعمل في الوردية الليلية…”
تمتمت ماريان بصوت مضطرب ووجه شاحب.
“…لا، المشكلة بسبب الساحر بيتر، وبسببنا.”
تمتمت إيرينا.
“صحيح، كل هذا بسببي، الأمينة، أنتِ حقًا، حقًا… جئتِ في الوقت المناسب.”
حاول بيتر، الذي بدت عيناه متعبتين فجأة، أن يبتسم بأكبر قدر ممكن من الإشراق، خيم الصمت على المختبر، بدأ السحرة، الذين كانوا يتبادلون النظرات بحذر، يديرون ظهورهم لماريان بهدوء ويتهامسون فيما بينهم.
لم تستطع ماريان سوى مراقبة المشهد، وهي تشعر بقلق غامض، لحسن الحظ، لم يمر وقت طويل حتى انتهت محادثتهم السرية.
“هل يمكننا طرح بعض الأسئلة عليكِ، أيتها الأمينة؟”
تقدمت إيرينا نيابة عن السحرة.
“…بالطبع.”
وجهت ماريان نظرة صافية إلى إيرينا، نظر إليها السحرة أيضًا، كانت لحظة محملة بالتوتر، جعلت حتى إيرينا، التي تقول كل ما يجول في خاطرها للجميع باستثناء القائد سيلفستر، تبتلع ريقها.
“هل تعرفين الماركيز بلاك، سيلفستر أماديوس؟”
سألت إيرينا.
“بالطبع، أعرفه.”
ابتسمت ماريان بخفة وأومأت برأسها.
“كيف تعرفينه؟، هل لديكما علاقة وثيقة؟”
تفاجأ بيتر، الذي كان يستمع بهدوء إلى حوار إيرينا وماريان، وسأل.
“آه، لا، ليست علاقة وثيقة.”
أجابت ماريان مذهولة.
“إنه شخص مشهور جدًا، أليس كذلك؟، لا أعتقد أن هناك من لا يعرفه في الإمبراطورية… أعني، أعرفه أنا فقط وهو لا يعرفني…”
تلاشى صوت ماريان، في الحقيقة، صادفت ماريان الماركيز سيلفستر عدة مرات، لكنها كانت مجرد مصادفات، لم يتبادلا حتى تحية بسيطة برأسيهما، إذا أردنا تحديد علاقتهما، فهو مجرد شخص صادفته بالصدفة عدة مرات… ورأته ماريان فقط.
نظرت إيرينا إلى ماريان المترددة قليلًا وضربت صدر بيتر بيدها.
“هل تحدثتِ مع القائد من قبل؟”
سألت إيرينا بلطف نيابة عن بيتر.
“لا.”
هزت ماريان رأسها، كأنها كانت على وشك قول شيء آخر لكنها توقفت.
“إذن، هل هناك احتمال أن يعرف الماركيز الأمينة بنفس الطريقة التي تعرفينه بها؟”
“آه، لا يوجد احتمال، يأتي الماركيز إلى المكتبة أحيانًا، لكنني لا زلت أمينة متدربة ولا أتولى مهام تتطلب مقابلة الناس، لذا لا أراه…”
“القائد يذهب إلى المكتبة؟”
سأل أحد السحرة الذين كانوا يتابعون الحوار بدهشة، أومأت ماريان برأسها، فازداد ارتباك وجهه.
“على أي حال، هذا نعمة في وسط المصيبة.”
تنفس بيتر الصعداء بعد سماع كلام ماريان، التفتت كل الأنظار إليه.
“ما الذي يجعل هذا نعمة؟”
“نسيت أن أخبركم بشيء.”
تابع بيتر رداً على سؤال إيرينا.
“لا يمكن للشخص أن يقع في حبّ هدف لا يعرف بوجوده على الإطلاق، كنت سأخبركم إذا ظهر رجل الثلج في القرعة، هاها…”
ظهرت ابتسامة ارتياح على وجه بيتر.
“…حقًا؟”
“نعم، حقًا.”
“…”
“صدقًا.”
بدأ السحرة، بما فيهم إيرينا، يضحكون مع بيتر، ضحكات غريبة كهذه: هاها، هيهيه، آهاهاها، ضحكت ماريان معهم بتردد، لم تفهم المشكلة، لكنها شعرت بالارتياح لأن الماركيز بلاك لا يعرفها.
“يا رفاق، دعونا لا نفعل هذا.”
“هذه فكرة جيدة.”
“أعتقد أننا تعلمنا درسًا ألا نعيش بنوايا سيئة.”
“لقد علمنا الخمر درسًا!”
تبادل السحرة تعليقاتهم، أومأت إيرينا، التي قادت العملية، بحماس موافقة على آرائهم، اختفت الأغراض الموضوعة فوق دائرة السحر بسرعة بين أيدي السحرة.
“…لا أعرف ما الذي حدث، لكن لا توجد مشكلة، أليس كذلك؟”
سألت ماريان بيتر وهي تستشعر الجو.
“نعم، لا مشكلة على الإطلاق.”
بوجه هادئ بشكل مبالغ فيه، تابع بيتر.
“آسف لإزعاجكِ منذ الصباح.”
“لا، أنا بخير، من الجيد أن الأمر قد حُل، آه… إليك الكتاب.”
أخيرًا، اطمأنت ماريان وقدمت الكتاب الذي كانت تحمله لبيتر، تلقاه بيتر على الفور مع تحية شكر متحمسة قليلًا، تبع ذلك شكر واعتذارات من السحرة الآخرين، وكلمات لم تفهمها ماريان.
‘كما قالت الأمينة آنا… السحرة لديهم بعض الغرابة.’
فكرت ماريان وهي تضم يديها الفارغتين معًا، أخيرًا، استطاعت أن تبتسم براحة مع السحرة.
دون أن تدرك ما سيحدث لها في اليوم التالي.
* * *
عطر الزهور المنبعث مع النسيم داعب أنف ماريان، الزهرة الحمراء ذات الملمس الناعم بدت برائحتها الزكية لا تقل جمالًا عن مظهرها الساحر.
‘يبدو أن الزهور الجميلة تملك رائحة عطرة أيضًا.’
فكرت ماريان بعقل مشوش قليلًا، لكن على عكس أفكارها الهادئة، كان وجهها شاحبًا كمن يقف في برد الشتاء بلا معطف.
“تبدين شاحبة، هل أنتِ…؟”
تسلل صوت عميق إلى أذنيها، انتفضت ماريان مفزوعة ورفعت رأسها لتواجه صاحب الصوت.
“آه، ل-ل-لا، أنا بخير، ربما.”
كانت عينا الرجل مفعمتين بالقلق، هذا الشعور الحنون كان محيرًا لدرجة أن ماريان تلعثمت دون قصد.
“لكن، سيدي الماركيز…”
رفعت ماريان نظارتها ذات الإطار السميك وتابعت ببطء.
“لماذا تعطيني هذا…؟”
انتقلت عيناها من وجه الرجل إلى باقة الزهور التي يحملها بيده.
“تعلمت أن من يُقدم على موعد غرامي، يجب أن يحضر الزهور.”
مد الرجل باقة الزهور نحو ماريان مرة أخرى وابتسم ابتسامة خفيفة، كانت ابتسامة خجولة، لا تتناسب معه على الإطلاق.
التعليقات لهذا الفصل " 3"