“أتذكر ذلك اليوم بوضوح، فلقد نجحت أبحاث الحجر السحري، وبدا قائد الفرقة سعيدًا حقًا، عادةً، مهما فعل، يكون متجهمًا، حتى عندما يحقق سحرًا لا يُصدق، يبدو غير متأثر، كيف أقولها؟، قائد الفرقة عبقري، لذا النجاح بالنسبة له أمر طبيعي، ولا يسعه إلا أن يكون هادئًا في كل شيء.”
واصل بيتر حديثه.
“لكن في ذلك اليوم، بدا قائد الفرقة سعيدًا حقًا، ظل يتفحص الحجر السحري الذي اكتمل لفترة طويلة، يقلبه بين يديه، واليوم… عندما علمت أنكِ، الآنسة أمينة المكتبة، تلقيتِ ذلك الحجر كهدية، شعرت بشيء غريب.”
“…”
“هل… يريد قائد الفرقة أن تُمحى ذكرياته؟”
تداعت في ذهن بيتر دوائر سحرية ومعادلات متنوعة.
“كما قلت سابقًا، حتى لو زال السحر، قد تكون هناك طريقه للاحتفاظ بالذكريات، قد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكن…”
“لا.”
“…”
“من الأفضل أن ينساني سيلفستر.”
تذكرت ماريان المحادثات التي دارت بينها وبين إيرن، والد سيلفستر، وتذكرت أيضًا النظرات الممزوجة بالسخرية والكلمات القليلة التي كانت تصلها أحيانًا.
“لأن الحبّ الحقيقي، وليس الحبّ الناتج عن السحر، سيأتي إلى الماركيز قريبًا.”
“…وماذا عن حبّكِ أنتِ، الآنسة أمينة المكتبة، الذي ستبقين وحدكِ معه؟”
سأل بيتر ماريان، لم تجب ماريان على هذا السؤال، اكتفت بابتسامة صامتة.
مر نسيم الخريف البارد عبر التراس الخارجي للمقهى، شعرت ماريان بالنسيم وتذكرت سيلفستر بلا مقاومة.
* * *
تردد صوت ضحكة خافتة في مكتب الماركيز سيلفستر أماديوس، قائد فرقة الفرسان الثانية، فرقة السحرة.
‘…لقد فقد عقله، بالتأكيد فقده.’
فكر ألين وهو ينظر إلى رئيسه، صاحب هذا المكتب، بدأت علاقة ألين وسيلفستر في حرب شقوق الوحوش، كانت تلك العلاقة تدخل عامها السابع هذا العام.
بالنسبة لألين، الذي بلغ الخامسة والعشرين هذا العام، لم تكن سبع سنوات فترة قصيرة بأي حال، أربع سنوات في ساحات الحرب، وثلاث سنوات في فرقة الفرسان هنا في العاصمة، كان ألين اليد اليمنى المخلصة لسيلفستر.
لكن خلال هذه السنوات السبع، لم يرَ ألين سيلفستر بهذا الغرابة من قبل.
سيلفستر شخص مزعج، في هذه الإمبراطورية، كان ذلك بمثابة حقيقة مطلقة، مثل قول ‘الماء ماء والجبل جبل.’، لكن، كما يُقال إن الذراع تنحني إلى الداخل، كان ألين يعتقد أن سيلفستر ليس مزعجًا إلى هذا الحد.
ليس مزعجًا بالضرورة… بل مجرد شخص غير مبالٍ بالآخرين قليلاً، يتحدث بطريقة لاذعة أو ساخرة، لا يعرف التواضع، لا يبتسم إلا عندما يُحرج الآخرين، ويهتم بنفسه فقط؟
بدأ سيلفستر يتصرف بغرابة منذ ستة أشهر بالضبط، تحديدًا، منذ أن شمر عن ساعديه وقرر معاقبة الفرسان الذين تركوا الكلاب مهملة عند البوابة الخلفية.
بشكل عام، لم يكن سيلفستر مهتمًا بأي كائن حي، حتى الحيوانات ذات الفراء اللطيفة والمحبوبة بطبيعتها لم تثر اهتمامه، فكيف فجأة قرر الاعتناء بكلاب لم يكن يعرف بوجودها؟
هناك شيء آخر.
كان ألين سريع البديهة، فبدأ على الفور بالتحري عن الكلاب عند البوابة الخلفية، وخلال ذلك، عرف اسم امرأة كانت تعتني بهذه الكلاب.
في البداية، راقب ألين سيلفستر بهدوء، ثم، عندما رأى سيلفستر يتجاهل مكتبته المجهزة بشكل مثالي ويتوجه باستمرار إلى المكتبة، ضرب ركبته بيده، كان يعلم أن المرأة التي تعتني بالكلاب عند البوابة الخلفية هي أمينة مكتبة متدربة.
تساءل ألين عما إذا كان سيلفستر قد وقع في حبّ تلك الأمينة، لكنه سرعان ما تخلى عن هذه الفكرة.
خلال سبع سنوات، لم يرَ ألين سيلفستر يبدي اهتمامًا بأي شخص، حتى النبيلة المثالية التي رتب والده خطوبتها له، والتي ربما كانت ستصبح شريكة حياته، لم تثر اهتمامه، كيف يمكن لشخص كهذا أن يقع في الحبّ؟، رتب ألين أفكاره بهذا الشكل، وأرجع زياراته المتكررة للمكتبة إلى… حسنًا، ربما أعجبته المكتبة.
لكن منذ حوالي شهر، أصبح سيلفستر غريبًا بشكل مقلق، فقد بدأ يحيي ألين في الصباح، بل ويبتسم أثناء ذلك.
حسنًا، تحية الصباح أمر ممكن، لكن ماذا لو ضحك سيلفستر على نكتة من ألين؟، أو تجاوز عن خطأ أحدهم؟، أو رحب بابتسامة بقائد فرقة الفرسان الأولى الذي زاره، وتجاهل هراء النبلاء دون تعليق؟
في المعتاد، كان سيلفستر سيطلق تعليقات تجعل المستمع يشعر بالحزن عند مراجعة نتائج أبحاث السحرة، لكنه قال…
” هذا ليس سيئًا، واصلوا العمل.”
هكذا قال سيلفستر فقط، عند سماع هذا، أسقط السحرة الحجارة السحرية والأوراق وأقلام الريش التي كانوا يحملونها على الأرض.
باختصار، أصبح سيلفستر أكثر ليونة، إذا كانت درجة ‘أزعاجه’ في السابق كانت مئة، فقد انخفضت خلال الشهر الماضي إلى تسعة وثمانين.
بدأ السحرة في فرقة الفرسان الثانية يرتعدون خوفًا، قائلين إن قائد الفرقة يبدو في مزاج جيد جدًا مؤخرًا، شعر قائد فرقة الفرسان الأولى والفرسان الآخرون بالخوف من دون سبب واضح عند رؤية سيلفستر يبتسم، كانت المشكلة خطيرة.
لكن ألين عرف قريبًا إجابة هذه المشكلة، تابع ألين رئيسه وماريان، وبعد خمس دقائق فقط من بدء التتبع، أدرك سبب غرابته، فلقد كان واضحًا من عيني سيلفستر.
‘ماركيزنا قد وقع في الحبّ حقًا، حقًا.’
وماذا بعد؟، قرر ألين مساعدة سيلفستر بكل إخلاص، كلما أصبح سيلفستر أغرب، وبغض النظر عن شعوره الغريب، أصبحت مهام ألين أسهل، و… حسنًا، بعد قضاء سبع سنوات معًا، ينشأ نوع من الصداقة حتى لو لم تكن موجودة في البداية.
بذل ألين جهدًا كبيرًا، لمنح سيلفستر وماريان لقاءً مصادفًا وطبيعيًا ومصيريًا للغاية، كما حدث في زقاق قريب من منزل ماريان منذ الصباح الباكر، بل وخاض معركة مع قطة كانت تحرس الزقاق.
فشل في إخراج اللقاء المصيري المتوقع، لكن… ألم ينتهِ الأمر بقضاء الاثنين وقتًا رائعًا في التطوع في دار الأيتام؟، كل ذلك بفضل جهوده.
“الآن وقد أدركت أننا نتشارك المشاعر…”
تمتم سيلفستر بشيء آخر، وقد اختفت الابتسامة من وجهه.
‘هذا مرعب جدًا.’
قال ألين سابقًا إن غرابة سيلفستر بدأت منذ أسابيع، لكن ذروة هذه الغرابة كانت منذ أيام قليلة.
جلس سيلفستر على كرسي مريح في مكتبه، يحدق في الفراغ، وينظر إلى مكان ما وراء الجدران أو النوافذ، يبتسم بخفة، ثم يعبس فجأة، يتمتم لنفسه، ويضحك مجددًا… ثم يتنهد، وكرر ذلك لمئات المرات.
أحيانًا، كانت تهب نسمة خفيفة في المكتب، تحمل عطر الزهور الغني، وهذا ليس حتى في الربيع، عندما شعر ألين بهذا النسيم المعطر بالزهور لأول مرة، سأل سيلفستر عما إذا كان يواجه صعوبة في التحكم بالسحر، فالسحرة ذوو القوة الهائلة غالبًا لا يستطيعون التحكم بقوتهم، لكن الجواب الذي تلقاه كان مختلفًا تمامًا عما توقع.
“منذ أن التقيت بماريان، بدأت الرياح تتحدث إليّ، وهي لم تتحدث إليّ من قبل.”
كانوا يقولون إن السحر القوي جدًا يمكن أن يمتلك شيئًا يشبه الوعي، مثل الأرواح، يبدو أن ذلك صحيح، فكر ألين وسأل.
“ماذا تقول الرياح؟”
“تقول إنها تفتقد ماريان.”
أليس هذا شيء تريد قوله أنت، سيدي الماركيز؟، لم يستطع ألين قول ذلك بصوت عالٍ، فابتلع كلماته.
“لماذا؟”
سأل ألين مرة أخرى.
“لأنها تحبّها، أو بالأحرى، تحبّ نفسها لأن ماريان تهتم بها.”
(سيلفستر يقصد نفسه وما يقصد الرياح 🥹)
هكذا أجاب سيلفستر.
‘يبدو أنك تفتقد الآنسة ماريان اليوم أيضًا.’
شعر ألين بالنسيم المعطر بالزهور، الذي أصبح مألوفًا الآن، وفكر.
“الخطوبة… متى يفترض أن أتقدم لها بعد فترة من المواعدة؟”
ظن ألين للحظة أنه سمع هلوسة من خياله.
“…الخطوبة؟”
“…”
“…”
“هل هناك مشكلة؟”
رد سيلفستر بوجه غير مبالٍ، عرف ألين هذا الوجه، إنه الوجه الذي يعني أن قول ‘هناك مشكلة’ سيؤدي إلى كارثة.
“لا، لا مشكلة على الإطلاق.”
ضحك ألين وواصل.
“عادةً… يلتقي النبلاء عبر ترتيب العائلة، ويقررون خلال أسبوع تقريبًا ما إذا كانوا سيتزوجون أم لا، أما الأزواج الذين يتزوجون عن حبّ بعد المواعدة، فيبدو أنهم يخطبون أو يتزوجون بعد شهر أو شهرين من المواعدة.”
“لست مهتمًا بقصص النبلاء.”
“إذن؟”
“يجب أن أراعي ماريان.”
نظر سيلفستر إلى ألين بوجه يقول ‘لمَ تسأل عن شيء كهذا؟’، تفاجأ ألين قليلاً، كان مدهشًا أن يفكر سيلفستر في الزواج من امرأة لا تملك شيئًا، وكان مدهشًا أيضًا أنه يريد مراعه كل شيء معها.
‘سيدي الماركيز… يبدو أنك قادر على الاهتمام بالآخرين أيضًا.’
بقليل من المبالغة، شعر ألين وكأنه والد يواجه ابنه البالغ.
“لا يمكن تحديد متوسط فترة المواعدة للأشخاص العاديين، إنها تختلف من شخص لآخر، لكن أعتقد أن عامًا واحدًا على الأقل ضروري قبل اتخاذ قرار الزواج.”
عام كامل؟، بدا سيلفستر مصدومًا بكلام ألين.
“لكن…”
تردد ألين للحظة ثم تابع.
“هل حصلت على موافقة عائلتك؟”
التأثر قصير والقلق طويل، تذكر ألين والد سيلفستر، الدوق، ساحر عظيم موهوب مثل سيلفستر، لكنه عنيد للغاية من الداخل.
التعليقات لهذا الفصل " 26"