‘سيلفستر، الذي يُقال إنه مخيف وسيء… أليس من الممكن أن يكون في الواقع من قارة أخرى وليس من الإمبراطورية؟’
سيلفستر غريب، في بعض الأيام، يبدو أنيقًا وناضجًا للغاية، وفي أيام أخرى، يبدو بريئًا جدًا، شعرت ماريان أن هذا الرجل الغريب الذي أمامها الآن لطيف جدًا، كان محبوبًا، كان، حقًا، رائعًا جدًا.
“اجلس هنا، سأحضر الشاي.”
أنهت ماريان كلامها وقادت سيلفستر إلى مساحة صغيرة تستخدمها كغرفة استقبال ومكتبة، في وسط الغرفة، كانت هناك طاولة قهوة تُستخدم كمكتب وطاولة طعام، وكرسيان.
سرعان ما بدأ صوت غليان الماء يتردد بصخب في المنزل.
“عندما أكون معكِ، آنسة ماريان… يبدو صوت غليان الماء وكأنه أغنية.”
قال سيلفستر، وهو جالس بظهر مستقيم على كرسي خشبي قديم، بابتسامة خفيفة على شفتيه.
“سيد سيلفستر… يبدو أنك تجعل أي مكان تجلس فيه يبدو رائعًا.”
ردت ماريان، وهي تواجه سيلفستر، معبرة بصدق عن شعورها، لكن بعد أن أنهت كلامها، شعرت بالحرج قليلاً وتجنبت عينيه، كان سيلفستر يشعر بالشيء نفسه.
توقف صوت غليان الماء، وضعت ماريان أكواب الشاي المملوءة بأوراق الشاي والإبريق على الطاولة، وجلست مقابل سيلفستر.
لفترة طويلة، شربا الشاي بصمت، لكن الصمت لم يكن مريحًا أو محرجًا، كان هدوء محبب، أكثر من مئة كلمة، يعانق اللحظة.
انتقلت نظرات ماريان ببطء إلى النافذة التي تحتضن الليل، كان ضوء القمر يتدفق من خلال النافذة الواسعة مقارنة بحجم المنزل.
“منزلي بسيط جدًا، لذا أشعر بالحرج قليلاً… لكنني أردت أن أريك إياه ولو مرة واحدة، هذا المنزل هو المكان الذي يحمل كل شيء عني.”
“…”
“أعني، ليس هناك سبب محدد، ولكنني فقط أردت أن تعرفني أكثر…”
بدأت ماريان تتحدث بتلعثم.
“إنه منزل جميل.”
تابع سيلفستر.
“إنه منزل يشبهكِ، آنسة ماريان.”
“…هذا مديح، أليس كذلك؟”
ابتسمت ماريان بحرج.
“إنه يشبهكِ، آنسة ماريان، أنا دائمًا ما أشعر برائحة الحروف المطبوعة منكِ، تلك الرائحة التي تشعر بها عندما تفتح كتابًا أو تقلب صفحاته.”
“…”
“رائحة الحروف التي تبدو وكأنها تحمل قصة دافئة بداخلها، أشعر بها في هذا المنزل أيضًا، لهذا أحبّه.”
“…أنا فضولية، كيف هي تلك الرائحة؟”
قالت ماريان، ووجهها يحمر قليلاً.
“تلك الرائحة تجعلني أرغب في معانقتكِ لوقت طويل جدًا، وتجعلني أرغب في البقاء بجانبكِ، آنسة ماريان، لوقت طويل جدًا، حتى بدون تلك الرائحة، سأبقى بجانبكِ لوقت طويل.”
نظر سيلفستر إلى عيني ماريان، بأعين مليئة بالحبّ، قال إنه سيبقى بجانبها لوقت طويل.
في تلك اللحظة، شعرت ماريان بدموع تملئ عينيها، لم يقل لها أحد من قبل كلامًا كهذا، بالنسبة لعائلتها الوحيدة، كانت ماريان مجرد وسيلة لكسب بعض المال من خلال الزواج، وبالنسبة لأصدقاء عمرها، كانت كعشبة تنمو عشوائيًا على ضفاف النهر، أو حتى أقل من ذلك، عندما هربت من منزلها وأتت إلى العاصمة، كانت ماريان وحيدة، وكانت تعتقد أنها ستبقى وحيدة إلى الأبد.
لكن سيلفستر قال لماريان إنه سيكون معها.
“حتى لو فقدت هذه الكلمات معناها… لن أنسى أبدًا ما قلته لي الآن.”
ابتسمت ماريان وهي تكبح دموعها، ظهر على وجه سيلفستر، وهو ينظر إليها، لمحة من التساؤل والقلق، وأستمع لكلام ماريان.
“أنا أيضًا أحبّ هذا المنزل كثيرًا، إنه صغير وقديم وبارد، وتظهر فيه حشرات غريبة بشكل متكرر… لكن لا يوجد مكان في هذه العاصمة يدفئ جسدي مثل هذا المكان.”
استعادت ماريان قوتها وأضافت بسرعة.
“وأيضًا، أحبّ أن النافذة كبيرة جدًا.”
أنهت ماريان كلامها وقامت من مكانها، سارت نحو النافذة، وقفت ماريان عند النافذة وأشارت لسيلفستر.
“تعال وانظر.”
انتشرت ابتسامة طفولية على وجه ماريان، عند رؤية ابتسامتها التي تلمع تحت ضوء القمر، نهض سيلفستر من مكانه.
“عندما أقف عند النافذة وأنظر إلى الخارج، أشعر أن القمر هناك في الأعلى قريب جدًا.”
قالت ماريان وهي تنظر من النافذة.
“قد يبدو من الغريب أن يبدو القمر قريبًا من الطابق الثاني فقط، أو حتى لو بدا قريبًا، فكم يمكن أن يكون قريبًا؟، لكن هذا شعوري فقط.”
“يبدو حقًا قريبًا، حتى سماء الليل التي رأيتها من أعلى القلعة لم تكن بهذا الجمال…”
نظر سيلفستر إلى الخارج متابعًا ماريان، بشكل غريب، بدا القمر المكتمل في سماء الليل قريبًا.
“حقًا؟”
“حقًا.”
ظهرت ابتسامة على شفتي سيلفستر تشبه الهلال.
“…في المكان الذي نشأت فيه، كانوا يسمون القمر المكتمل بالقمر الضاحك، أنا سعيدة لأنني أرى هذا القمر الضاحك معك، سيد سيلفستر.”
قالت ماريان بصوت منخفض، عندما يبدأ القمر في تقليص حجمه لتظهر الشمس، سيلفستر سينساها، لكنها ستعيش محتضنة هذه اللحظة، مر شعور مرير بقلب ماريان، جاعلاً إياه باردًا.
“… آنسة ماريان.”
“…”
“أنتِ تبدين حزينة.”
قال سيلفستر لماريان، استدارت ماريان لتنظر إليه، منذ لحظة ما، كان سيلفستر ينظر إليها بدلاً من القمر، سرعان ما لفّت يده يدها بلطف.
“لا أريد أن أقول لكِ لا تحزني، فقط… أتمنى أن أتمكن من مشاركتكِ حزنكِ.”
“…”
“ما زلنا لا نعرف الكثير عن بعضنا البعض.”
تابع سيلفستر ببطء.
“ما زلت أرغب في التعرف عليكِ أكثر، يا ماريان.”
“وأنا كذلك.”
“…”
“أريد أن أعرفك أكثر، سيد سيلفستر.”
قالت ماريان وهي تشعر بدفء يده، بعد صمت قصير، فتح سيلفستر فمه مجددًا.
“أحبّكِ.”
تسللت رائحة زهور حلوة إلى أنف ماريان.
“إنه الشعور الأول الذي أختبره في حياتي، واليقين الأول الذي أشعر به في حياتي.”
شعرت ماريان أن يد سيلفستر، الممسكة بيدها، ترتجف قليلاً.
“…كل يوم، أفكر فيكِ، يا ماريان.”
“…”
“أتذكر وجهكِ المبتسم، وجانب وجهكِ وأنتِ مغمضة العينين تشعرين بالريح، أتذكر صوتكِ وأنتِ تشجعينني، وأتذكر تلك اللحظة عندما أمسكتِ بيدي، ودفء تلك اليد… أتذكر كل لحظة قضيتها معكِ.”
وهي تستمع إلى كلام سيلفستر، شعرت ماريان برغبة في البكاء مجددًا، لكن بدلاً من الدموع، انتشرت ابتسامة على وجهها.
“لقد تدربت على كلمات رائعة، لكن عندما أكون أمامكِ، تخرج مني كلمات مختلفة تمامًا…”
تلاشى كلام سيلفستر وهو ينظر إلى ماريان التي أطلقت ضحكة صغيرة، لكنه كان يبتسم مثلها، ابتلعت ماريان دموعها وفتحت فمها ببطء.
“غدًا… هل ستظل تحبّني أيضًا؟”
استقر سؤال ماريان في قلب سيلفستر، بدت ماريان حزينة جدًا وهي تسأل، فلم يستطع سيلفستر قول أي شيء.
ببطء، جثا سيلفستر على ركبة واحدة أمام ماريان، قبّل سيلفستر ظهر يدها البيضاء.
“أقسم.”
كان ذلك قسم الفارس، وهو يجثو على ركبة واحدة ويقبل يد سيدته.
“…أنا أيضًا أحبّك، سيد سيلفستر.”
قالت ماريان وهي تنظر إليه من الأعلى، كان صوتًا صغيرًا جدًا يحمل نبرة حزينة.
“لقد أحببتك.”
خرجت الكلمات التي كانت ماريان تخفيها وتكبتها عبر صوتها، ضحكت ماريان عندها، فكلمة ‘أحببتك’ بمجرد خروجها من فمها، انفجرت، كأنها تبتلع ماريان، وكأنها غاضبة لأنها كانت مخفية طوال هذا الوقت.
حتى لو نسيها سيلفستر تمامًا، لن تستطيع ماريان نسيانه، كان عليها أن تعترف بذلك.
“انهض.”
نهض سيلفستر من مكانه ناظرًا لـماريان التي ساعدته بلطف، تشابكت نظراتهما، وخداهما محمران.
“سيد سيلفستر.”
تابعت ماريان ببطء.
“هلا عانقتني؟”
مع ابتسامة صغيرة، فتحت ماريان ذراعيها نحو سيلفستر، لم يجب سيلفستر على سؤالها، فقط، عندما فتحت ماريان عينيها بعد أن أغمضتهما مرة واحدة، وجدت نفسها محاصرة في حضن سيلفستر.
‘…إنه دافئ.’
في حضن سيلفستر القوي، ابتسمت ماريان مرة أخرى، كان صوت خفقان قلبه يعانقها كنغمة هادئة، أحاطت يدا ماريان ظهر سيلفستر بقوة.
كأنها سحر، كانت ليلة يضيء فيها ضوء القمر الأبيض سماء الليل.
* * *
في اليوم التالي، لوحت ماريان بكلتا يديها وودّعت سيلفستر، كان صباحًا تهب فيه رياح الخريف الباردة بقوة في الزقاق.
طوال اليوم، فكرت ماريان في سيلفستر، فكرت بأنانية في الليلة الماضية التي قضتها معه، فكرت في حبّه الذي سيختفي مع طلوع قمر الغد، فكرت في نفسها التي ستبقى وحيدة.
وهي تتخبط في مستنقع الأفكار الذي يزداد عمقًا، واجهت ماريان نهاية اليوم في النهاية، وظهر القمر، الذي تمنت ألا يظهر، أصغر من الأمس، في سماء الليل.
لم تنم ماريان لحظة ونظرت إلى القمر خارج النافذة، ودعت إلى حاكم لا تؤمن به.
‘أرجوك اجعل سيلفستر يتذكرني أحيانًا، ولو بشكل ضبابي جدًا.’
على الرغم من علمها أنها أمنية مستحيلة، أطلقت ماريان تلك الأمنية إلى السماء.
التعليقات لهذا الفصل " 22"