“اليوم أيضًا، فلنبذل قصارى جهدنا!”
نظرت ماريان إلى نفسها في المرآة، وهي تلهث، ورفعت قبضتها بحماس، كان عليها بطريقة ما أن تهدئ قلبها الذي يميل للثقل باستمرار، فاليوم هو يوم لقاء الأطفال.
مرة في الشهر، كانت ماريان تذهب مع آنا، زميلتها ورئيستها في المكتبة، إلى مكان خاص، كان ذلك هو دار الأيتام الوحيد في عاصمة الإمبراطورية دار ‘أطفال إيغل أرفيد’، كانتا تزوران المكان في اليوم الوحيد الذي تتزامن فيه إجازتيهما، لتعليم الأطفال القراءة والكتابة، بالنسبة لدار الأيتام، التي كانت تعاني دائمًا من نقص في المعلمين، كان جميع الموظفين ممتنين لهما.
“لقد أخذت محفظتي، وكتب الأطفال… آه، كتاب الشعر!”
بعد أن وضعت ماريان الكتب التي ستقرؤها للأطفال في حقيبتها بأمان، خرجت من المنزل بخطوات متعجلة. نزلت السلالم الضيقة والحادة بسرعة، ثم فتحت باب الطابق الأرضي.
ما إن فتحت الباب حتى هبت ريح خريفية باردة إلى الداخل، شعرت ماريان بالريح تعبث بشعرها المجعد وأغلقت الباب، لم يكن أمام شعرها المنفوش سوى أن تُرتبه بيدها على عجل.
اتجهت ماريان نحو الشارع الرئيسي الموجود خلف الزقاق المظلل، لكن قبل أن تخطو عشر خطوات، توقفت في مكانها.
“آه…”
واجهت ماريان شخصين: أحدهما مألوف للغاية، والآخر غريب تمامًا، مزيج من الألفة والغرابة، كانت أعين سيلفستر، الرجل الذي أصبح مألوفًا جدًا الآن، ورجل وسيم بشعر أسود كالأبنوس، مثبتة عليها في الوقت ذاته.
“…”
“…”
“مرحبًا، سيد سيلفستر، من الجميل رؤيتك هنا.”
لأسباب غير مفهومة، بدا سيلفستر والرجل متصلبين، فقررت ماريان أن تبادر بالتحية أولاً، صحيح أن سيلفستر كان يرافقها إلى منزلها كثيرًا، لكن لقاءه بالصدفة في هذا الحي كان أمرًا جديدًا ومثيرًا للاهتمام.
“أنا لم أكن أتجول في هذه المنطقة لألتقي بكِ، آنسة ماريان…”
“مرحبًا!، أنا ألين فروست، مساعد الماركيز بلاك* وقائد فيلق السحرة، السيد سيلفستر، يمكنكِ مناداتي بألين ببساطة.”
(في نقطة نسيت اذكرها، ترا البطل اسمه سيلفستر أماديوس، ولكن لقب بلاك هو لقبه كماركيز، يعني اسم أماديوس هو اسمه ولكن بنفس الوقت هو لقب ابوه الدوق، يعني البطل عشانه صار ماركيز اسم عائلته لايزال أماديوس ولكن الناس بالغالب ينادونه بماركيز بلاك)
رمى سيلفستر، الذي بدا شاحبًا، كلمات متعجلة نحو ماريان، لكن الرجل بجانبه قاطعه بقوة.
في تلك اللحظة، شعرت ماريان أن كارثة قد وقعت، كان أحد المقربين من سيلفستر يعرف اسمها، يبدو أنه سمع عنها من سيلفستر بالفعل.
عند التفكير، كان من الطبيعي أن يعرف ألين، مساعد سيلفستر المقرب، اسمها، لكنها بطريقة ما لم تلتقِ به حتى الآن.
“آه، مرحبًا، يمكنك مناداتي بأسمي براحة أيضًا.”
ابتسمت ماريان بخفة تابعة ألين بعد أن انتهت من كلامها.
“كيف يمكنني مناداة أمينة مكتبة باسمها براحة؟”
ضحك ألين بصوت عالٍ وهو يرمق سيلفستر بنظرة خاطفة، لكن ماريان، التي غرقت مجددًا في أفكار معقدة، لم تلحظ ذلك.
‘عندما ينتهي السحر، سينسى سيلفستر كل شيء…’
قال بيتر إن ذكريات الجميع، باستثناءه هو وماريان، ستصبح ضبابية، لكن ماريان كانت شخصًا قلقًا، ماذا لو لم ينسَ أحدهم؟، كانت تخشى حدوث ذلك.
إن سماع شخص غير مقرب يقول إنه رآك مع امرأة ما يختلف عن سماع شخص مقرب يقول إنك كنت تلتقي بامرأة كل يوم تقريبًا.
كانت ماريان خائفة من أن يتذكر ألين، مساعد سيلفستر، ولا ينساها، خافت من أن يعتقد سيلفستر أن ماريان لين خدعته وسيحتقرها.
“لا أعرف ما الذي تفعلانه في هذا الحي النائي، لكن… آمل أن تقضيا وقتًا ممتعًا.”
حاولت ماريان إخفاء الخوف المتزايد وابتسمت.
“آنسة ماريان.”
نادى سيلفستر اسم ماريان بينما كانت تفكر في كيفية وداعه، كان صوته صلبًا، يحمل تصميمًا يميز شخصًا اتخذ قرارًا، كان ألين، مساعده، ينخزه بمرفقه بقوة.
“نعم، سيد سيلفستر.”
“سمعت أن هناك مكانًا في شارع ٩ يقدم قهوة ذات رائحة رائعة…”
“آه، نعم، إنه المقهى الذي تصل إليه إذا دخلت الزقاق الأيمن ومشيت مباشرة، ليس له لافتة، لذا عليك الانتباه جيدًا.”
تذكرت ماريان المقهى الذي تزوره مرة في يوم الراتب وأجابت بلطف.
“إذا كان لديكِ وقت، هل تودين الذهاب إلى هناك معًا؟”
سأل سيلفستر ماريان بوجه جاد إلى حد ما، بدا ألين، الواقف خلفه، راضيًا عن السؤال ووجهه يعبر عن الفخر.
“ماذا يجب أفعل…”
انتشرت نظرة محرجة في عيني ماريان.
“لدي مكان يجب أن أذهب إليه الآن.”
أشارت ماريان بخفة إلى حقيبتها، التي كانت مليئة بالكتب كما لو كانت بائعة متجولة.
“آه، إلى أين؟”
هذه المرة، لم يكن سيلفستر من سأل، بل ألين.
“حسنًا… إنه يوم ذهابي للتطوع في دار الأيتام.”
خيم صمت قصير على زقاق الصباح، ثم كسرت خطوات سيلفستر الصمت، وقف سيلفستر أمام ماريان، وانتزع بحذر الحقيبة الثقيلة التي كانت معلقة على كتفها.
“آه…”
نظرت ماريان إلى سيلفستر بدهشة وهي تشعر بخفة كتفها فجأة، كانت عيناها خلف نظارتها مليئتين بالحيرة.
“هل يمكنني الانضمام إلى هذا التطوع؟”
سأل سيلفستر وهو يعلق الحقيبة على كتفه.
“…بالطبع!”
أجابت ماريان باقتراح سيلفستر غير المتوقع بحماس، قد تتلقى أسئلة كثيرة إذا ذهبت مع سيلفستر، لكن الأطفال سيفرحون كثيرًا، ليس من السهل على الناس العاديين، خاصة الأطفال، مقابلة أحد أعظم سحرة الإمبراطورية وقائد فيلق.
“لا أعرف ما الذي يمكنني فعله هناك، لكنني مستعد لأداء أي مهمة تُطلب مني بأفضل طريقة.”
قال سيلفستر لماريان بوجه أكثر جدية من ذي قبل.
“ستكون هناك أشياء كثيرة يمكنك القيام بها، بعض الأطفال يحلمون بأن يصبحوا فرسانًا، وبعضهم يظهر موهبة في السحر.”
نظر سيلفستر إلى وجه ماريان المبتسم بحماس وأومأ بهدوء، كان وجهه مليئًا بالعزيمة، كأنه على وشك الذهاب إلى الحرب.
“سأزرع في الأطفال أكبر قدر ممكن من المعرفة التي يمكنني نقلها.”
“أليس هذا يعني أنك ستُجهدهم؟”
همس ألين، الذي كان يراقب الاثنين بصمت، إلى سيلفستر.
“مساعدي، ألين، سيذهب معنا أيضًا.”
قال سيلفستر لماريان دون أن يستمع إلى كلام ألين.
“ماذا؟، أنا؟”
“إنه صديق يعرف الكثير، سيكون مفيدًا جدًا.”
قال سيلفستر دون أن يلتفت إلى ألين المصدوم.
“…حسنًا، إذا كنتما ستصطحبانني، فهذا رائع.”
تقابلت عينا ماريان وألين، ابتسم ألين لماريان كأنه يقول ‘لا خيار لدي’، لكن سرعان ما تصلب تعبيره عندما شعر بنظرة سيلفستر الحادة.
* * *
كما توقعت ماريان، رحب مدير دار أيام ‘أطفال إيغل أرفيد’ والمعلمون والأطفال بسيلفستر وألين بحرارة، لم يكن من الشائع أن يأتي رجل شاب بالغ، خاصة شخصية بارزة مثل سيلفستر، للمساعدة في دار الأيتام، بل يمكن القول إن الأثرياء المشاهير لم يأتوا أبدًا.
كانت ماريان قلقة من أن تراها آنا مع سيلفستر وتسيء فهم الأمر، وكما توقعت، عندما قالت ماريان إنها التقته وألين بالصدفة عند مدخل الدار، تضيقت عينا آنا، لكن بعد سماع كلام سيلفستر لمدير الدار، بدأت آنا تصدق ماريان.
يمكن تلخيص ما قاله سيلفستر للمدير، الذي يدير دار الأيتام الوحيدة في العاصمة بجد، باختصار كالتالي.
“أريد رعاية هذا المكان.”
أخرج ألين دفترًا جلديًا وقلم حبر من جيب معطفه الداخلي وبدأ يسجل كلام سيلفستر.
“لنبدأ بإصلاح المبنى من الداخل بالكامل.”
كان حجم ما يحتويه الكلام ضخمًا، لكن سيلفستر، عندما قال ذلك، بدا… خجلاً قليلاً، كان تعبيرًا لا يمكن أن يلاحظه إلا من أحبّ سيلفستر.
أحبّت ماريان هذا الخجل المختبئ خلف وجه سيلفستر البارد، هذا الخجل، أحبّته لأنه لم يكن متعجرفًا أو متفاخرًا جدًا، ولم يكن رسميًا بشكل مبالغ فيه، أحبّته لأنه كان خجولًا بطريقة لا يلاحظها الآخرون.
بينما كانت ماريان غارقة في أفكارها، تقابلت عيناها مع عيني سيلفستر، فتحت ماريان فمها بصمت تجاهه.
“رائع.”
لاحظ سيلفستر حركة شفتيها وابتسم، كانت ابتسامة مشرقة للغاية لشخص يُقال عنه إنه أبرد من الجليد.
* * *
ذهبت ماريان وآنا إلى المبنى الرئيسي لتعليم الأطفال القراءة والكتابة، بينما رافق سيلفستر أكبر المعلمين في الدار للقاء الأطفال الذين يطمحون ليصبحوا فرسانًا، أما ألين، فقد أعلن أنه كان يُعتبر عبقريًا في الرياضيات في السابق، وتطوع ليكون معلم الرياضيات لهذا اليوم.
‘…هل سيمكنني الذهاب لرؤية سيد سيلفستر؟’
فكرت ماريان وهي تغلق الكتاب بعد انتهاء ثلاث دروس، شعرت أن دروس اليوم كانت فاشلة بطريقة ما، ابتسمت بإحباط، لم يكن هناك حادث معين، فقط، كانت هناك مشكلة كبيرة في تركيز ماريان، مر الوقت بها بسرعة لدرجة أنها لم تتذكر حتى ما فعلته.
التعليقات لهذا الفصل " 17"