وضع سيلفستر تعبيرًا خاليًا من المشاعر واستدار، ثم، كما في اليوم الذي التقى فيه بالمرأة لأول مرة، سار بخطوات متعجلة كمن يهرب، لم يرد أن ترى المرأة احمرار خديه الناتج عن وقوعه بالحبّ، كانت تلك بداية الحبّ الأول القدري والحبّ من طرف واحد للماركيز سيلفستر أماديوس.
بعد فترة وجيزة، انتشرت شائعة بين عشاق القيل والقال أن الماركيز بلاك بدأ يزور المكتبة.
* * *
كان سيلفستر في مزاج جيد مؤخرًا، منذ أن اتخذ قرارًا كبيرًا وطلب من ماريان موعدًا غراميًا، لم يمر يوم واحد دون أن يكون في مزاج جيد.
أصبح قادرًا على تمزيق رسائل والده -التي كانت عادةً تتحدث عن الزواج- بسكين الرسائل بدقة بدلاً من يديه، ولم يعد يشعر بالضيق عند رؤية وجه قائد الفيلق الأول، بل أصبح يضحك ويتجاوز عن الأخطاء البسيطة التي يرتكبها سحرة فيلق السحرة أحيانًا.
كل ذلك بفضل ماريان، عندما كان يفكر فيها، بدا كل شيء أمامه جميلًا، أدرك سيلفستر أخيرًا لماذا يتشدق الشعراء المتجولون بأن العالم يبدو جميلًا عندما يقع المرء في الحبّ.
لكن كان هناك شيء واحد يزعجه، كان الباحثان الساحران، إيرينا وبيتر، يتبعانه، أو بالأحرى، كانا يطاردانه بإصرار، كانا يتصرفان بطريقة واضحة جدًا لدرجة أن تسمية ذلك ‘تتبعًا’ كانت غير دقيقة.
في اليوم السابق، أمسك سيلفستر بهما وهما يتبعانه إلى المكتبة وسألهما.
“هل لديكما شيء تريدان قوله لي؟”
“سيدي القائد، هل أنت ذاهب إلى المكتبة الآن؟”
سأل بيتر سيلفستر بوجه مرتبك للغاية.
“لماذا تعتقد أنني ذاهب إلى المكتبة؟”
تجنب بيتر نظرة سيلفستر وابتسم بإحراج.
“حسنًا…”
تحدثت إيرينا نيابة عن بيتر.
“يُقال هذه الأيام إنك تزور المكتبة كثيرًا، سيدي القائد، إنهم يتحدثون عن كونك شخصًا عظيمًا لا يهمل الدراسة رغم كونك الأفضل في مهاراتك.”
تجاوز سيلفستر الأمر أمس، لكن كلما فكر فيه، شعر أن هناك شيئًا غريبًا، بدا أن الاثنين يخفيان شيئًا…
“يزور المكتبة كثيرًا.”
تمتم سيلفستر، لم يهتم بمثل هذه الشائعات، لكنه كان قلقًا من أن تُورط ماريان فيها.
“…سيكون مزعجًا أن تنتشر شائعات أنك تواعد شخصًا لست تواعد، أليس كذلك؟”
“بالتأكيد.”
رد مساعده ألين، الذي سمع تمتمات سيلفستر.
“…أنا لم أطلب منك الإجابة.”
“ألم تتمتم لأجل أن أسمعك؟”
لم يجد سيلفستر ما يقوله، وتابع ألين.
“لكنها ليست غاضبة من ذلك، لذا تستمر في مقابلتك، أليس كذلك؟، تلك الآنسة.”
“تلك الآنسة؟”
“الامرأة التي تعمل في المكتبة.”
خيم الصمت على مكتب سيلفستر، كان يعتقد أنه حافظ على السر جيدًا، لكن عند رؤية ألين يشير بوضوح إلى ماريان… شعر بالارتباك.
“كيف عرفت؟”
“عندما تغيب، سيدي الماركيز، من يتولى الأمور؟، أنا من يفعل ذلك.”
“…”
“في غضبي، بدأت التحقيق في تحركاتك… أنا أمزح، لا، كيف يمكنني العمل كمساعد دون هذا الحد من الملاحظة؟”
تابع ألين.
“انا لست الوحيد الذي يعرف، أي شخص لديه بعض الحدس سيعرف، شخص كان يبتسم بصدق مرة واحدة في الشهر، والآن يتجول طوال اليوم بابتسامة راضية — ما السبب؟، إما أنه فاز باليانصيب، أو حقق نجاحًا كبيرًا، أو وقع في الحبّ، واحد من الثلاثة.”
“…”
“بما أن لديك بالفعل المال والنجاح، فأنت بالتأكيد واقع في الحبّ.”
وجه ألين نظرة حادة إلى سيلفستر.
“أليس كذلك؟”
“…نعم.”
“كما توقعت.”
“…الأشخاص الآخرون الذين تتحدث عنهم، لا يعرفون من هي، أليس كذلك؟”
“يعرفون، ولكنهم قد لا يصدقون ذلك.”
شعر سيلفستر بإحساس غريب، لم يعجبه أن يقول ألين إنهم يعرفون، لكنه لم يعجبه أيضًا أن يقولوا إنهم لا يصدقون ذلك.
“لماذا يعرفون؟، ولماذا لا يصدقون ذلك؟”
قال سيلفستر وهو يعبس.
“الإجابة على السؤال الأول هي أنك، سيدي الماركيز، جعلت الأمر واضحًا، أما الإجابة على السؤال الثاني فهي بسبب تحيزات الناس، لا يمكنهم تخيل أنك مهتم بأمينة مكتبة متدربة غير معروفة.”
“غير معروفة؟، هل فقد الجميع عقولهم؟”
قال سيلفستر بنفس التعبير الذي كان عليه عندما سمع عن ألغاز الإمبراطورية الثلاثة، كان ألين يطلق على هذا التعبير اسم ‘تعبير الشاب الذي يتأثر بالهراء في سن مبكرة، يا للأسف، يجب ألا أعيش هكذا.’.
“بجدية، يجب على الجميع زيارة الطبيب.”
قال سيلفستر بوجه جاد للغاية، وتخلى ألين عن مواصلة الحديث معه.
* * *
مع صوت فرقعة وشرارات، تحطم حجر كان فوق دائرة سحرية صغيرة إلى أشلاء، كان هذا الفشل الثالث بالفعل، نظر سيلفستر إلى الحجر السحري المحطم ومرر يده في شعره.
منذ محادثته مع ألين، لم يستطع سيلفستر التركيز على عمله، كان قلقًا من أن تصرفاته ربما تكون قد أحرجت ماريان، بالطبع، لو لم تكن ماريان هي المعنية، لما فكر في هذا الأمر.
طق طق.
“تفضل بالدخول.”
أجاب سيلفستر على طرق الباب وهو يخلع القفاز الأبيض الذي كان يغطي يده اليمنى، فُتح باب مختبره الخاص، الشخص الذي فتح الباب كان بيتر، ساحر من قسم الأبحاث الثالث.
“مرحبًا، سيدي القائد.”
حيّا بيتر سيلفستر بانحناءة ووجه متوتر للغاية.
“نعم، ما السبب؟”
“آه، بخصوص السحر الذي تحدثت عنه سابقًا… قمت ببحثي الخاص، وبعد البحث، قمت بتجميع النتائج هكذا.”
ابتسم بيتر بحرج ووضع كومة من الأوراق على جانب مكتب المختبر.
“حسنًا، سأراجعها.”
“…ش-شكرًا.”
إن تعبيره يشبه تعبير الكلاب عند البوابة الخلفية عندما ترى ماريان، فكر سيلفستر في نفسه وأومأ برأسه بخفة.
“سيدي القائد، سأذهب الآن.”
كان بيتر على وشك الانحناء مجددًا لسيلفستر لكنه توقف في مكانه، كانت عيناه مثبتتين على نواتج السحر الفاشلة المتناثرة على المكتب الواسع.
“هل… هذه هي الأشياء التي تعمل عليها حاليًا؟”
“نعم، صحيح.”
“واو…”
“لكنها، كما ترى، فاشلة.”
قال سيلفستر ببساطة، وابتسامة صغيرة على شفتيه، رمش بيتر وهو ينظر إليه، بوجه يبدو مشوشًا قليلاً.
“لماذا تنظر إلي هكذا؟، هل تعتقد أنك تعرف سبب الفشل؟”
“آه، لا، كيف يمكنني أن أعرف ما لا تعرفه أنت، سيدي القائد؟، أنا فقط… لم أتوقع أن أرى سيدي القائد يبتسم أمام نتائج فاشلة… في هذه الحياة…”
تلعثم بيتر وهو يتحدث، ثم رفع يده بسرعة ليغطي فمه قبل أن يكمل جملته.
“أ-أنا آسف لقولي شيئًا كهذا.”
“لا بأس، أنا لم أشعر بالإهانة.”
“…شكرًا، حسنًا، أتمنى لك يومًا سعيدًا.”
انحنى بيتر لسيلفستر وغادر المختبر كأنه يهرب.
“لماذا بدا خائفًا هكذا…؟”
تمتم سيلفستر وهو ينظر إلى الباب المغلق، وقد بقي وحيدًا.
بينما كان يتفحص الحجر السحري المحطم، فكر سيلفستر في كلام بيتر، عند التفكير، كان بيتر محقًا، حقًا، كانت هذه المرة الأولى التي يشعر فيها بهذا التحرر أمام الفشل، لقد فشلت، حسنًا، سأحاول مجددًا، لم يخطر بباله أي أفكار أو مشاعر أخرى، لم يشعر بالغضب أو الإحباط، ولم يشعر بالخوف من توقعات لم تتحقق.
لمست يد سيلفستر شظايا الحجر السحري، وهو يلمس القطع المشبعة بالسحر، تذكر ماريان.
“وماذا لو كانت خشنة؟، إنها جميلة ومحببة هكذا.”
“هذه الجوهرة تحمل جهودك، سيد سيلفستر، في عيني، تبدو هذه الجوهرة جميلة ومحببة للغاية، لا يمكن مقارنتها بالجواهر التي تُباع في متاجر المجوهرات.”
هكذا قالت ماريان عن نتيجة فاشلة صنعها سيلفستر.
كان ذلك غريبًا، ما كان يبدو مجرد قمامة غير مكتملة، أصبح بعد كلام ماريان يبدو كأجمل جوهرة في العالم، حتى الآن، كانت شظايا الحجر السحري غير المنتظمة تبدو محببة جدًا.
كلما تذكر صوت ماريان، كان القلق والخوف اللذان كادا يترسخان في قلب سيلفستر يتحولان إلى رماد ويختفيان.
أراد سيلفستر أن يلتقي بشخص يمكنه أن يحبّه بصدق، ويحبّه سيلفستر بصدق في المقابل، لكن مع ماريان… شعر أن الأمر لا يهم إذا لم تحبّه هي، حتى لو لم يُرد هذا الحبّ، أراد سيلفستر أن يستمر في حبّ ماريان.
أصلح سيلفستر ملابسه وبدأ يستعد لمغادرة المختبر.
فلقد كان يشتاق إلى ماريان.
* * *
أسبوعان، لقد قال السحرة إن سحر سيلفستر سينتهي بعد مرور أكثر من أسبوعين.
‘واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة… خمسة.’
عدت ماريان الأرقام وهي تطوي أصابعها، بقي خمسة أيام بالضبط حتى ينتهي سحر سيلفستر، في البداية، كانت ماريان تأمل أن ينتهي هذا السحر الغريب الذي يربطها بسيلفستر بسرعة، لكن الآن، بعد مرور بعض الوقت…
كلما فكرت في أن سحر سيلفستر سينتهي، شعرت ماريان باضطراب لا يمكن تفسيره، بعد خمسة أيام، سينسى سيلفستر ماريان، ستصبح ماريان بالنسبة له مجرد امرأة لا يعرف حتى إن كانت موجودة في العالم، كل الوقت والذكريات التي بنياها معًا ستختفي بلا أثر.
“لا يفترض أن أشعر بالاستياء، لكنني مستاءة…”
تمتمت ماريان وهي ترتب ياقة معطفها الخارجي.
التعليقات لهذا الفصل " 16"