كانت المرأة، صاحبة الصوت، جالسة على الأرض بلا مبالاة بأوساخ ملابسها، أمامها، كانت خمسة كلاب تحتل كل منها مكانًا، مستلقية وتمضغ قطع لحم ناضجة بنهم.
“همم إن طعمها جيد، لهذا أنتم منشغلين بالأكل فقط، أليس كذلك؟، ولا تهتمون حتى بتحيتي.”
قالت المرأة، وهي تربت على جبهة الكلب أمامها بنبرة تحمل بعض الاستياء، في تلك اللحظة، خطرت في ذهن سيلفستر فكرة أنه يجب إبعاد المرأة عن الكلاب.
كانت الكلاب العسكرية لفيلق الإمبراطورية حساسة وشرسة تجاه الجميع باستثناء فرسانها المسؤولين، بمعنى آخر، كانت ذات طباع سيء، حتى لو بدت هزيلة وبلا حيوية، فإنها، طالما تعيش في الفيلق، يجب أن تكون كلابًا عسكرية.
لكن هذه المرأة لم تبدُ كمسؤولة عن هذه الكلاب المجهولة، لم تكن ساحرة، إذ لا يوجد مثلها بين سحرة فيلق السحرة، ولم تبدُ كفارس من الفيلق الأول أيضًا، كانت هيئتها صغيرة ونحيفة جدًا لتكون فارسة.
ربما كانت تعمل في الفيلق دون أن تكون فارسة، أو ربما كانت من الخارج، لكن المهم هو أن مداعبة رؤوس الكلاب التي تمزق اللحم كان أمرًا خطيرًا للغاية، شعر أنه يجب التدخل قبل أن تفقد المرأة أصابعها.
سار سيلفستر بسرعة نحو الأرض الخالية حيث كانت المرأة والكلاب.
“…؟”
لكن لم يحدث شيء يستدعي تدخله، أغمض الكلب، الذي ربتت عليه المرأة، عينيه بسعادة وأصدر صوتًا لطيفًا، كما كان ذيله يتأرجح بلطف يمينًا ويسارًا.
نظرت المرأة إلى الكلب وضحكت بصوت عالٍ، ظهرت ابتسامة كبيرة على وجهها، الذي كان يغطي نصف نظارة سميكة، كانت ابتسامتها لطيفة ومليئة بالمودة تجاه الكلب.
لم يستطع سيلفستر قول شيء، وظل واقفًا في مكانه ينظر إلى المرأة والكلاب، نظر إلى الضحك الذي يمر بينهما، والسكون المريح الذي يحيط بهما.
كان مشهدًا دافئًا جدًا، شعر أن أي رسام في الإمبراطورية لن يتمكن من التقاط الدفء الذي يحيط بهما على لوحته.
استدار سيلفستر وغادر البوابة الخلفية على عجل، كان خطواته متسرعة، كأنه يهرب.
* * *
في المقهى عند البوابة الخلفية، وبينما كان يشرب القهوة القوية كوبًا تلو الآخر، تذكر سيلفستر المشاهد التي رآها في الأرض الخالية النائية، شعور غريب لا يمكن تفسيره هزّ سيلفستر، كأنه شجرة تنتظر اقتراب إعصار.
في اليوم التالي، عاد سيلفستر إلى الأرض الخالية عند البوابة الخلفية، اختار نفس الوقت الذي التقى فيه بالمرأة والكلاب بالأمس، لم يكن لديه أي نية خفية أو غرض معين لزيارة المكان، أراد سيلفستر فقط أن يفهم بالضبط ما هو ذلك الشعور الغريب الذي هزه.
كان يتمنى لو لم تكن المرأة هناك، لكن، على عكس رغبته، التقى بالمرأة مجددًا، كانت، كما في اليوم السابق، تطعم الكلاب، جالسة على الأرض.
وقف سيلفستر من بعيد يراقب المرأة وهي تطعم الكلاب ثم تغادر، عاد إلى مكتبه بخطوات ثقيلة، ولم يستعد وعيه إلا بعد ذلك، عندما عاد إلى رشده، شعر سيلفستر بصدمة كبيرة، كاد أن يصفع خده دون قصد.
‘ما هذا… أي نوع من السلوك المنحرف هذا؟’
شعر سيلفستر بالارتباك من تصرفاته وقرر ألا يعود إلى البوابة الخلفية مجددًا.
لكن بعد ثلاثة أيام بالضبط، وبالرغم من قراره، عاد سيلفستر إلى الأرض الخالية عند البوابة الخلفية، لم يقرر الذهاب إلى هناك عن قصد، بينما كان يسير غارقًا في أفكاره، استيقظ ليجد نفسه أمام الأرض الخالية، لم يكن مبالغة القول إن لا وعيه قاده إلى هناك.
…حقًا.
لكنه لم يلتقِ بالمرأة ذات النظارات، كانت الأرض الخالية تحتوي على الكلاب فقط، ولم تكن المرأة موجودة، بعد تفكير قصير، اقترب سيلفستر من الكلاب، عندما رفعوا رؤوسهم وتأكدوا من وجهه، لفوا ذيولهم وتراجعوا للخلف، وأصدروا صوت أنين حزين.
شعر سيلفستر بالحيرة، عندما رأى الكلاب تتدلل للمرأة، افترض أنها تحبّ الناس، على عكس طباع الكلاب العسكرية، لكن الآن، عندما رأوه، لفوا ذيولهم وأبتعدوا.
“…ما الذي فعلته تلك المرأة ليتصرفوا هكذا؟”
ركع سيلفستر بوجه جاد ليتقابل مع عيون الكلاب، نظرت إليه الكلاب بعيون فضولية، لكن ذيولها ظلت مطوية للأسفل.
‘بالنسبة لهذه الكلاب، من تكون تلك المرأة…؟’
تساءل سيلفستر، كان يرغب في طلب من مساعده ألين التحقيق عن الكلاب عند البوابة الخلفية والمرأة التي تطعمها، لكن ألين كان سيرد فورًا ‘لماذا تسأل عن هذا فجأة؟’ لأن التحقيق في امرأة عادية لم يكن من مهام ألين.
ولم يكن سيلفستر ليجد إجابة لسؤال ألين، لماذا أنا فضولي بشأن تلك المرأة؟، حتى سيلفستر نفسه لم يكن يعرف الإجابة، مهما كان السبب، أراد سيلفستر معرفة المزيد عن الكلاب والمرأة، لذا قرر أن يتحرك بنفسه.
ارتدى سيلفستر ملابس عادية مثل الفرسان الذين يذهبون ويأتون، وذهب إلى الحراس عند البوابة الخلفية، شعر أنه إذا ذهب بمظهره المعتاد، فلن يكتشف شيئًا، بالطبع، حتى مع تغطية جبهته بشعره وارتداء ملابس عادية، ظل وجهه الوسيم وجسده المتناسق كما هما.
أمسك سيلفستر بالحراس والفرسان المارين بالبوابة الخلفية وسألهم أسئلة متنوعة، خلال ذلك، اكتشف أن الكلاب في الأرض الخالية كانت في السابق كلاب بحث، وأن المرأة التي بدأت تعتني بها منذ يوم ما هي أمينة مكتبة.
كما اكتشف أن أي فارس من الذين تحدث إليهم لم يعرف من هو المسؤول عن الكلاب.
كلاب عسكرية كبيرة العمر بدون مسؤول، وامرأة تطعمها، شعر سيلفستر أنه يفهم تقريبًا قصة ارتباط المرأة بالكلاب.
“لكن لماذا تسأل عن هذا؟”
سأل أحد الفرسان، الذي استجوبه سيلفستر، ببطء بعد أن أعطى كل الإجابات التي يعرفها.
“أنت لست جاسوسًا، أليس كذلك؟”
نظر الفارس إلى سيلفستر بشكوك وهو يضيّق عينيه، لأنه لم يتلقَ إجابة واضحة، أي جاسوس سيعلن عن نفسه؟، نظر سيلفستر إلى الرجل بنظرة استهجان.
تحت وطأة نظرة سيلفستر الباردة، شحب وجه الرجل، هل هو جاسوس من مملكة جيرا عبر البحر؟، أم من مملكة دايان خلف الصحراء؟، كان من الواضح أن ذهن الرجل يدور بسرعة.
“أنا لست جاسوسًا.”
“لكن لماذا، لماذا تسأل عن هذا؟، هل تستخدم المرأة والكلاب كطعم للحصول على المزيد من…”
“لقد وقعت في غرامها.”
كانت كلمات خرجت دون تفكير، تجعد حاجبا سيلفستر الجميلان، هل هذا الصوت السخيف هو صوته حقًا؟، لا، مستحيل، بالتأكيد أصيب بضربة شمس مؤقتة.
“لقد أخطأت في الكلام… لقد وقعت في غرام الكلاب.”
أضاف سيلفستر، وإن كان ذلك غير ضروري.
* * *
بعد فترة وجيزة، حصلت الكلاب على ثلاثة مسؤولين، كانت تُزوَّد بالطعام والماء ثلاث مرات يوميًا دون نقص، كما تم تجديد الأرض الخالية التي تعيش فيها.
تم طرد جميع الفرسان الذين اعتادوا تحميل مهامهم للآخرين، في الحقيقة، لم يكن طردهم أمرًا يمكن لسيلفستر، قائد فيلق السحرة، التدخل فيه، لأنهم لم يكونوا سحرة.
كل ما فعله سيلفستر هو إجراء محادثة مع قائد الفيلق الأول، الذي يملك سلطة معاقبة فرسانه.
“كم كانت الكلاب النحيفة تبدو بائسة وهي تتأوه من الجوع، لدرجة أنني كدت أذرف الدموع، لو لم ترَ تلك المرأة الكلاب بحالة يرثى لها، ولو لم أرَ أنا تلك المرأة تطعمها، لكانت تلك المخلوقات البائسة قد ماتت تحت الشمس الحارقة وهي تُخرج الرغوة من أفواهها.”
“…”
“مع كل هذه الإمدادات من الطعام والموارد في مخازن الفيلق، هل يُعقل أن تموت الكلاب العسكرية التي خدمت الإمبراطورية جوعًا؟، كان الكتّاب المسرحيون والروائيون سيجدون هذه الميتة مثيرة للاهتمام، عنوان مثل <كلاب الفيلق الأول> أو <موت الفيلق الأول> سيكون مناسبًا، ألا تعتقد ذلك؟”
أضاف سيلفستر جملة أخرى.
“أعتقد أن جلالة الإمبراطور سيجد هذه القصة ممتعة أيضًا.”
ابتسم سيلفستر بإيجاز لقائد الفيلق الأول بعد كلامه، بعد ذلك، كانت النهاية سعيدة، تم طرد الفرسان، وحصلت الكلاب على مسؤولين لإطعامها، لأول مرة منذ فترة طويلة، شعر سيلفستر بالفخر.
لكن سيلفستر، كشخص لا يكتفي بالنهاية فقط، بدأ يبحث عن خاتمة تتبع القصة، كانت خطواته تتجه مرارًا إلى البوابة الخلفية حيث توجد الأرض الخالية التي تعيش فيها الكلاب.
في بعض الأيام، لم يلتقِ بالمرأة، وفي أيام أخرى، التقى بها، بالطبع، كان سيلفستر يراقبها من بعيد فقط.
“هل تعلمون أنكم أصبحتم أكثر بدانة؟، هذا رائع، يبدو أن الطعام الذي يقدمه الفيلق لذيذ حقًا!”
أضاءت أشعة الشمس الدافئة المرأة التي كانت تبتسم بسعادة، تألق شعرها المجعد الداكن تحت الضوء، تمامًا مثل ضحكتها.
نظر سيلفستر إلى المرأة المتألقة بذهول، ثم، تقابلت عيناهما، كانت المرة الأولى، عيناها البنيتان خلف نظارتها السميكة احتضنتا سيلفستر.
في تلك اللحظة التي لامست فيها عيناها عينيه، شعر سيلفستر أنها كانت أبدية، في تلك الأبدية، لم يستطع سوى الاعتراف بقلبه الذي حاول إنكاره.
لقد وقعت في حبّ هذه المرأة.
التعليقات لهذا الفصل " 15"