“لكنها الآن زهرة لم تعد تتفتح.”
تحدثت ماريان بسرعة، كأنها تحاول إخفاء مشاعرها.
“زهرة تحمل اسمًا من لغة لم تعد مستخدمة، ولم تعد تتفتح… هذا محزن.”
عند سماع كلام ماريان، انخفض حاجبا سيلفستر قليلاً، بدا كمن يفكر بعمق في شيء ما.
“حتى في الرسم تبدو بهذا الجمال، فكيف سيكون شعور رؤيتها حقيقة؟، يبدو أن اسمها يناسبها تمامًا، كأنها ستجعلك تهمس بكلمات الحبّ لحظة رؤيتها.”
أغلقت ماريان فمها بعد أن تحدثت إلى سيلفستر بنبرة مشرقة.
‘هل تحدثت بأريحية زائدة؟’
رغم أنها نادته باسمه، إلا أن سيلفستر لا يزال يعيش في عالم مختلف عن عالمها، ومع ذلك، تحدثت إليه كما لو كان صديقًا مقربًا أو زميلًا، وبنبرة مفعمة بالحيوية.
‘لقد تقربت من شخص تحت تأثير تعويذة، وقلصت المسافة بيننا… ماذا تفعلين يا ماريان؟’
فكرت ماريان داخليًا، وشعرت بالحرج وهي تغلق الكتاب.
“أتمنى أن أتمكن يومًا من رؤية سيروبيا بنفسي.”
قالت ماريان وهي تحتضن الكتاب بقوة، محاولة إنهاء الحديث مع سيلفستر، كان سيلفستر لا يزال يضع تعبيرًا غامضًا، كمن يغرق في التفكير، لكنه سرعان ما بدا كأنه اتخذ قرارًا، وفتح فمه بوجه جاد.
“أعتقد… أنني قادر على إظهارها لكِ.”
ماذا؟، رمشت عينا ماريان بدهشة، ومر صمت قصير بينهما.
“…الزهرة؟”
“نعم، سيروبيا.”
“…أليست زهرة لم تعد موجودة؟”
سألت ماريان سيلفستر.
“امنحيني بعض الوقت فقط، هذا كل ما أحتاجه.”
أمام كلام سيلفستر، لم تستطع ماريان سوى الإيماء برأسها، كانت المكتبة مغلقة من جميع الجهات، لكن، لسبب ما، شعرت ماريان وكأن أشعة الشمس تتساقط فوق رأسها، مما جعل فروة رأسها دافئة في لحظة غريبة.
دغدغ عطر الربيع أنفها، مثلما شعرت بنسمة لم يكن من المفترض أن تهب من قبل.
* * *
‘كيف وصلت إلى هنا؟’
جلست ماريان على كرسي أحمر من المخمل، أنعم وأطرى من سريرها، في مكتب سيلفستر، وفكرت، شعرت وكأنها تحلم، حلم يستمر بغض النظر عن إرادتها.
في وقت انتهاء دوام ماريان، عاد سيلفستر إلى المكتبة، وتبعته، بسبب ذلك، اضطر بيتر وإيرينا، اللذان جاءا لزيارتها، إلى الاختباء بسرعة خلف تمثال حاكم الحب.
“فكرت في مكان هادئ بعيد عن أعين الناس، لكن… مهما فكرت، لم يخطر ببالي سوى مكتبي.”
تحدث سيلفستر، الجالس مقابل ماريان، ببطء أكثر من المعتاد.
‘ما علاقة مكان هادئ بزهرة لم تعد تتفتح؟’
فكرت ماريان داخليًا، لكنها لم تعبر عن ذلك، وهي تتقابل مع عيني سيلفستر، الذي بدا متوترًا بشكل غريب، أومأت برأسها ببطء.
كانت قد زارت حصن الفيلق عدة مرات لأداء مهام، لكنها لم تدخل مكتب قائد الفيلق من قبل، أول فكرة خطرت ببالها عند دخول المكتب هي أن شعار النسر الإمبراطوري خلف سيلفستر، وهو يرتدي زيه الرسمي، بدا متناغمًا معه كلوحة، كانت هذه فكرة سخيفة نوعًا ما.
“أحيانًا، يظهر ساحر لديه القدرة على إنبات الزهور.”
فتح سيلفستر فمه بعد صمت قصير.
“أنا لم أكن أعلم أن هناك سحرًا لإنبات الزهور.”
تنهدت ماريان بإعجاب، يعمل معظم السحرة لخدمة الإمبراطور، لكن لا يوجد بينهم من يمتلك القدرة على إنبات الزهور، الكثيرون لا يعرفون حتى بوجود هذه القدرة، كانت ماريان واحدة منهم، لولا حديث سيلفستر، لعاشت حياتها دون معرفة ذلك.
“عادةً، بدلاً من الانضمام إلى الفيلق، يفتتح هؤلاء مزارع زهور أو متاجر، لأن الفيلق لا يقبلهم، معتبرًا قدراتهم ضعيفة.”
ابتسم سيلفستر بخفة وتابع.
“السحرة الذين يمتلكون قدرات مرتبطة بالزهور نادرون جدًا، لكن هذا لا يعني أنهم يستطيعون إنبات كل الزهور، مثل غيرهم من السحرة، هناك فجوات في قدراتهم، ربما يوجد ساحر واحد فقط في هذا البلد قادر على إنبات زهرة منقرضة مثل سيروبيا.”
“إذن… هل…؟”
“…”
“هل سيأتي هذا الشخص إلى هنا؟”
تابعت ماريان بدهشة، وعيناها متسعتان.
“ألم أسبب إزعاجًا للكثيرين بسبب رغبتي في رؤية الزهرة…؟”
قاطع سيلفستر كلام ماريان المتوترة بسرعة، وعيناه متسعتان أيضًا.
“لا، إنه ليس إزعاجًا!، الساحر موجود أمامكِ بالفعل، أنا ذلك الساحر.”
رن صوت سيلفستر المليء بالعجلة في مكتبه.
“…ماذا؟”
“…كنت أقول إنني قادر على إعادة زهرة سيروبيا.”
خيم الصمت على المكتب، كانت أشعة الغروب القرمزية، القادمة من النافذة التي تطل على منظر الغروب، تلون الجانب الأيسر من وجه سيلفستر، كأنها تحاول إخفاء احمراره.
“أنا ساحر أتحكم بالرياح والماء.”
‘نعم، لا أحد في هذا البلد لا يعرف ذلك.’ فكرت ماريان وهي تستمع إلى سيلفستر.
“لكن في الحقيقة… أستطيع التحكم بقدرة أخرى، يمكنني إنبات الزهور، كانت هذه أول قدرة سحرية أظهرتها عندما وُلدت.”
تردد سيلفستر لحظة ثم تابع.
“لا أحد يعرف ذلك سوى عائلتي.”
“…”
“أنا أخبركِ أنتِ فقط، آنسة ماريان.”
ظهرت ابتسامة محرجة على شفتي سيلفستر.
“هل إنبات الزهور… شيء يجب إخفاؤه؟”
سألت ماريان بعد تفكير لحظة.
“هكذا تم أخباري على الأقل، إذا أردت ألا يُعاملك الآخرون مثل أولئك السحرة الذين لا يُعترف بهم، يجب أن تخفي هذه القدرة.”
“…من أخبرك بذلك؟”
“والدي.”
قال سيلفستر بوجه هادئ.
شعرت ماريان بشعور غريب، لقد عرفت سرًا آخر عن سيلفستر، سرٌ كشفه لها بحذر، كما يفعل عاشق مع حبيبته، رغم أنه سينسى قريبًا.
وعلاوة على ذلك…
“تكره الفشل؟”
“…نعم، هذا طفولي، أليس كذلك؟”
تذكرت فجأة حديثهما في الحديقة، بدأت تفهم، ولو قليلاً، لماذا أصبح يخاف من الفشل.
“…سأحافظ على هذا السر.”
لكن ماريان، كعادتها، لم تقل شيئًا إضافيًا لسيلفستر، قالت فقط بصدق إنها ستحافظ على سره، ‘حتى بعد أن تنتهي تعويذة السيد سيلفستر، سأحافظ على هذا السر.’ وفكرت.
“من المؤسف أن أقوى ساحر في الإمبراطورية يجب أن يخفي قدرته على إنبات الزهور.”
رمقت ماريان الكلام بنبرة خفيفة عن قصد، لم ترغب في جعل سيلفستر يشعر بالحرج أو الندم لكشفه عن سره.
عند سماع كلام ماريان، أضاء وجه سيلفستر بدفء، كان وجهًا محبوبًا، ممزوجًا بالراحة، والحرج، والحبّ تجاه ماريان.
“لا يمكنني تقليد رائحة لم أشمها من قبل، لكن يمكنني على الأقل انشاء رائحة مطابقة.”
رفع سيلفستر يده اليمنى قليلاً، وبدأ ضوء أبيض خافت يتجمع حول يده بسرعة، كما يفعل عند استخدام سحر الشفاء.
يا إلهي، انفتح فم ماريان دون مقاومة، شعرت بفضول وفرح خالصين يتسللان إلى قلبها.
“…لم أرَ من قبل شخصًا ينظر للسحر بعيون متلألئة مثلكِ، آنسة ماريان.”
“هل أخطأت؟، لقد كنت متحمسة جدًا، ولم أنتبه، ففتحت فمي.”
“لا، إنه ليس خطأ، رؤيتكِ هكذا تجعلني متوترًا فقط.”
قال سيلفستر وهو يتجنب عيني ماريان بخفة، كانت زوايا فمه المرتفعة تحمل خجلاً، انتقل هذا الشعور من ملامحه الباردة إلى خدي ماريان، ملونًا إياهما بالحمرة.
تحولت أنظارها إلى يد سيلفستر المحاطة بالضوء، كان عليها تجنب عينيه قبل أن يحمرّ خداها أكثر.
سرعان ما حجب الضوء الأبيض رؤية ماريان، أغمضت عينيها بقوة، ومر عطر حلو ومنعش تحت أنفها.
“…يمكنكِ فتح عينيكِ الآن.”
فتحت ماريان عينيها ببطء عند سماع صوت سيلفستر، دخل مصدر العطر الحلو إلى رؤيتها، انفتح فمها مجددًا، نظرت ماريان بصمت إلى الزهرة في يد سيلفستر، بتلات بيضاء منتفخة كالفقاعات، وأطراف مصبوغة بالوردي الباهت.
كانت زهرة سيروبيا أمام عيني ماريان.
“…إنها مطابقة تمامًا للرسم في الكتاب.”
تنهدت ماريان بإعجاب.
“لا، لا يمكن مقارنتها بالرسمة في الكتاب، من الغريب أن أقول هذا بعد أن أثنيت على جمال الرسم، لكن… حقًا، لا يمكن للرسمة مقارنتها بالزهرة الحقيقية.”
كانت سيروبيا التي صنعها سيلفستر بسحره أكثر جاذبية وجمالاً بكثير مما رأته ماريان في الكتاب.
‘هل لأن قلب الشخص الذي أنبت الزهرة مملوء بالحبّ؟’
رغم أن سيلفستر تحت تأثير تعويذة، إلا أنه أنبت زهرة للمرأة التي يحبّها، زهرة أرادت رؤيتها، بسبب حبّه، كشف عن سره وأنبت زهرة لم تعد موجودة في العالم.
“إنه سحر مذهل حقًا، سيد سيلفستر.”
كانت نبرة ماريان مليئة بالحماس، ابتسم سيلفستر بحرج أمام رد فعلها الحماسي غير المتوقع.
التعليقات لهذا الفصل " 10"