عطر الزهور المنبعث مع النسيم داعب أنف ماريان، الزهرة الحمراء ذات الملمس الناعم بدت برائحتها الزكية لا تقل جمالًا عن مظهرها الساحر.
‘يبدو أن الزهور الجميلة تملك رائحة عطرة أيضًا.’
فكرت ماريان بعقل مشوش قليلًا، لكن على عكس أفكارها الهادئة، كان وجهها شاحبًا كمن يقف في برد الشتاء بلا معطف.
“تبدين شاحبة، هل أنتِ…؟”
تسلل صوت عميق إلى أذنيها، انتفضت ماريان مفزوعة ورفعت رأسها لتواجه صاحب الصوت.
“آه، ل-ل-لا، أنا بخير، ربما.”
كانت عينا الرجل مفعمتين بالقلق، هذا الشعور الحنون كان محيرًا لدرجة أن ماريان تلعثمت دون قصد.
“لكن، سيدي الماركيز…”
رفعت ماريان نظارتها ذات الإطار السميك وتابعت ببطء.
“لماذا تعطيني هذا…؟”
انتقلت عيناها من وجه الرجل إلى باقة الزهور التي يحملها بيده.
“تعلمت أن من يُقدم على موعد غرامي، يجب أن يحضر الزهور.”
مد الرجل باقة الزهور نحو ماريان مرة أخرى وابتسم ابتسامة خفيفة، كانت ابتسامة خجولة، لا تتناسب معه على الإطلاق.
من بعيد، كانت امرأتان تراقبان ماريان والرجل، تتبادلان الحديث ‘الماركيز…؟، ما الذي يفعله؟’ ، ‘لا أعلم، يبدو أنه فقد عقله.’ لكن كلامهما لم يصل إلى أذني ماريان المذهولة.
ظلت ماريان تنظر إلى الرجل في ذهول، شعره الأشقر البلاتيني وعيناه الرماديتان الزرقاويتان الغامضتان تلمعان تحت ضوء الشمس، كان الجميع في هذه المنطقة يقفون تحت الشمس ذاتها، لكن هذا الرجل وحده بدا وكأنه يتوهج بشكل ساطع.
شخص بمثل هذا الجمال، وبمثل هذا الوسامة، لا يوجد منه في إمبراطورية إيغل أرفيد سوى ثلاثة فقط: الإمبراطور، وأخته الأميرة الكبرى، والماركيز بلاك.
وكان الرجل الذي يقف أمام ماريان ممسكًا بباقة الزهور هو الماركيز سيلفستر بلاك، أحد هؤلاء الثلاثة، بمعنى آخر، الساحر الشهير وقائد الفيلق الثاني الذي لم ترَ وجهه سوى مرات قليلة من بعيد، أو تصادف رؤيته أحيانًا عند البوابة الخلفية للفيلق.
“…أهذا طلب موعد؟”
“نعم.”
أجاب سيلفستر على سؤال ماريان المتأخر، بعد أن استعادت وعيها قليلًا.
“ح-حسنًا.”
“…”
“…”
“لكن لماذا شخص مثلك، سيدي الماركيز، يطلب موعدًا معي…؟”
بوجه لا يعبر عن ضحك أو بكاء، قالت ماريان لسيلفستر، وتلاشى صوتها في نهاية جملتها، ولم تكن تعرف ماذا تقول.
‘أنت لا تعرف حتى من أكون!’
ما الذي يحدث بحق خالق السماء؟، شعرت ماريان بدوار يجتاحها.
* * *
في إمبراطورية إيغل أرفيد المجيدة، كان هناك شخصان اشتهرا بسوء طباعهما، الأول هو الإمبراطور الشاب أوبرين، البالغ من العمر ستة وعشرين عامًا، والآخر هو صديقه المقرب، الماركيز سيلفستر بلاك أماديوس، قائد الفيلق الثاني الإمبراطوري.
من منهما الأكثر سوءًا في الطباع؟، لم يكن هذا سؤالًا يمكن الإجابة عليه بسهولة، ففي النهاية، كان هناك سبب يجعل الاثنين صديقين.
الإجابة على هذا السؤال كانت تعتمد على مكانة وموقع من يُسأل، لكن على الأقل، كان السحرة المنتمون إلى الفيلق الإمبراطوري سيختارون الماركيز بلاك كأسوأ شخص في الإمبراطورية.
كان الإمبراطور رجلًا ذا طبعًا ناريًا، يتماشى مع مظهره الوسيم وطباعه الجريئة، كان يغضب بسرعة، ويثور بسهولة أكبر، إذا لم يتمكن أحدهم من مواكبة كلامه وتصرفاته بسرعة، كان يثور ويوبخ الجميع بعنف.
لكن الإمبراطور، كما يغضب بسرعة، كان يهدأ بنفس السرعة، كان يكفيه تصرف بسيط أو كلمة عابرة ليصبح في مزاج جيد ويبدأ بالغناء.
أما الماركيز؟، كان يتطلب تصنيفًا مختلفًا عن الإمبراطور.
الماركيز سيلفستر بلاك، قائد فيلق السحرة الإمبراطوري الثاني المكون من السحرة فقط، لم يكن ناريًا مثل الإمبراطور، إذا أردنا وصفه، فهو أشبه بطبقة جليد هشة على وشك الانكسار فوق بحيرة متجمدة، مظهره، نبرته، وتعابير وجهه كانت أبرد من رياح غابة بيليا في الشتاء.
كأبن لعائلة أماديوس التي أنجبت أجيالًا من السحرة العظماء، وُلد سيلفستر بموهبة هائلة، وعقل استثنائي، وجسد قوي يدعم موهبته.
ليست هناك حاجة للخوض في التفاصيل بعد ذلك، قصة نجاح رجل يمتلك كل شيء (باستثناء الطباع الجيدة)، يصبح بطل حرب ويكسب لقبًا بنفسه، هي قصة مألوفة ومملة، أليس كذلك؟، على أي حال، كان هذا الماركيز المتألق هو القائد الذي يجب على سحرة الفيلق طاعته، وفي الوقت ذاته، عدوهم اللدود.
كل ذلك بسبب لسانه، بالنسبة للماركيز الذي يجد كل شيء في العالم سهلًا، لم يكن يفهم السحرة الذين يعملون تحته، أو بالأحرى، هل كان لا يفهمهم فقط؟، كان السحرة يعتقدون أحيانًا أن الماركيز يكرههم.
“…لماذا لا تستطيعون فعل هذا؟”
كانت هذه الجملة الأكثر شيوعًا التي يسمعها السحرة من سيلفستر، كان يقف متشابك الذراعين بوجه خالٍ من التعبير، يحدق في السحرة الذين يتصببون عرقًا من التوتر، ويرمي بهذه الكلمات بلا مبالاة، وآه، قبل أن يتمكن السحرة من الرد، كان يتبعها بجملة أخرى.
“لستم أطفالًا في الثالثة عشرة.”
“…”
“لمَ لا تعودون إلى الأكاديمية وتبدأون الدراسة من جديد قبل فوات الأوان؟”
كان يهز رأسه وكأنه يشعر بالأسف تجاه السحرة، ثم يتابع.
“حتى السحرة البالغين من العمر خمسة عشر عامًا في الأكاديمية قد يكون لديهم ما يعلمونكم إياه.”
كان يتلو كلامه بجدية، كممثل يقف على خشبة المسرح، ممثل وسيم للغاية.
حقًا… كان مزعجًا للغاية، السحرة الذين قضوا ثلاث سنوات يعانون تحت إمرته أصبحوا يصابون بالهلع بمجرد التفكير بأربع كلمات: سيلفستر، أماديوس، بلاك، الماركيز.
كان للسحرة المنتمين إلى الفيلق الإمبراطوري أمنية واحدة.
أن يروا الماركيز، قائدهم، يتذلل أمام شخص آخر.
بالطبع، كان هذا أمرًا مستحيلًا، من يستطيع أن يجعل الماركيز يتذلل؟، لقد كان رجلًا لا يخاف حتى الإمبراطور، كان يستمع إلى ثورات الإمبراطور النارية بأذن ويتركها تخرج من الأخرى، مبتسمًا باستهزاء.
لهذا السبب، كان السحرة يعتقدون أن أمنيتهم لن تتحقق أبدًا، لكن أخيرًا، جاءت الفرصة لهم، فرصة قد تمكنهم من إحراج الماركيز.
“إذن، دعونا نستخدم تعويذة بيتر، ما رأيكم؟”
في زاوية حانة صاخبة، تسلل صوت امرأة خافت إلى الأذنين، كان صوتًا سريًا يداعب آذان السحرة المجتمعين حول الطاولة.
“على من؟”
“على من؟، بعد كل هذا الحديث عنه!”
أجاب ساحر آخر جالس بجانب المرأة، كان لسانه ثقيلًا بفعل الخمر، لكن صوته بدا واضحًا كصوت الإمبراطور في آذان السحرة الجالسين معه.
“في النهار، كان يوبخنا ويمنعنا من استخدام مثل هذه التعاويذ…”
قال بيتر، الساحر المذكور سابقًا، وهو ينظر إلى زملائه بحذر.
“لكن الآن في الليل، قد يتغير رأيه.”
تمتم رجل في منتصف العمر جالس بجانب بيتر، وعيناه نصف مغلقتين بفعل السكر.
“صحيح!، العقل قد يتغير في أي وقت، وبعد كأس من الخمر، فكرت أن هذه التعويذة مثالية!، وأنا أريد استخدامها عليه.”
ضحكت إيرينا، المرأة التي بدأت الحديث، بمكر، لكن بيتر هز رأسه مذعورًا.
“لا تمزحي!”
“أنا لا أمزح.”
التعويذة التي يتحدث عنها السحرة، تعويذة بيتر، صُنعت قبل ساعات قليلة فقط… في فترة بعد الظهر الهادئة.
يمكن تقسيم السحرة المنتمين إلى الفيلق الإمبراطوري الثاني إلى ثلاث فئات: سحرة القتال، سحرة الشفاء، وسحرة البحث، السحرة المجتمعون في الحانة كانوا من سحرة البحث، الذين يُلقبون بـ’أشباح الفيلق’، ويعملون في مختبر الأبحاث السحرية في الطابق الثالث من مبنى الفيلق.
اليوم، دوت صرخة مدوية في مختبر الأبحاث التابع للقسم الثالث، كانت صرخة بيتر، الساحر الشاب المهووس بصنع تعاويذ جديدة، رحب بيتر بزملائه الذين هرعوا إليه بعد سماع صرخته، مفتوح الذراعين.
“…لقد صنعت تعويذة جديدة!”
“اشرحها!”
صرخ أحد السحرة وهو يقترب من بيتر بحماس.
“تعويذة تجعل الشخص يقع في الحبّ!”
سرعان ما ساد صمت بارد زاوية المختبر.
“…ماذا نفعل به؟”
“بدلًا من القيام بعمله، يضيع وقته في أشياء عديمة الفائدة.”
تنهدت ساحرة وساحر وهما يمسكان رأسيهما بتعب، بدأت أصوات الإحباط تتسرب من أفواه السحرة الذين كانوا متحمسين في البداية.
“يا رجل، في أي عصر تعتقد أننا نعيش؟، مثل هذه التعاويذ جريمة!”
“أعلم ذلك!، فأنا لم أصنعها لاستخدامها، حقًا، لقد كنت فقط أتصفح كتابًا قديمًا وأثار فضولي… في الكتاب، يُصنف هذا كنوع من تعاويذ المزاح العادية!”
تلعثم بيتر وهو يشرح، فهو لقد وجد صيغة قصيرة في كتاب سحري قديم كتبه زوجان من السحرة، وألهمته هذه الصيغة البسيطة والمهلهلة، وبإضافة لمسته الخاصة، ابتكر بيتر تعويذة جديدة.
التعليقات لهذا الفصل " 1"